"محمود الجعبري" تسعيني اختار الصمت الأبدي في رواية فاجعة "مجزرة الفجر"
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
غزة - مدلين خلة - صفا
كان الصمت وسيلة الحاج محمود الجعبري للهرب من هول ما رآه في مجزرة مدرسة "التابعين" بحي الدرج وسط مدينة غزة فجر يوم السبت الماضي.
التسعيني الذي خانته قدماه عن السير إلا بضع خطوات، أصر يومها على نيل قسطٍ من السكينة والذهاب فجرًا إلى مصلى المدرسة التي نزح إليها وأفراد عائلته، بعدما عصفت به مآسي الحياة وشهد فراق أحبته من أبنائه وأحفاده.
وصلت قدما الحاج أبو نبيل إلى بوابة المصلى، فكان بطء حركته التي زادت مع تقدمه بالعمر سبب ليكون شاهدًا على أبشع مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الغزيين منذ بدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر الماضي.
كان وصول الحاج محمود إلى بوابة المصلى بداية صدمة جديدة، فما إن وصل حتى انهالت صواريخ الغدر الصهيونية على من صدقوا نيتهم لله فقابلوه ساجدين وكانت نيتهم "صلاة مودع"، كما أخبرهم إمامهم الذي ارتقى معهم.
يروي العم محمود الجعبري لوكالة "صفا" لحظات عبّر عنها بصمت مريب وعيون جاحضة تخلو من أي شيء إلا صدمة عصفت بعقله وجسده في آن واحد، "حينما قُصف المصلى كنت على بابه، قوة الصواريخ ألقت بجسدي عدة أمتار عن باب المصلى، يعلوه تناثر الحجارة والغبار".
ويضيف: "حاولت رفع الركام الذي فوقي لكنني لم أستطع، كنت أسمع أصوات وجع الجرحى المحروقين لكن بلحظة لم يعد هناك صوت، لا أعلم هل هم استشهدوا أم أنني فقدت السمع بشكل نهائي"، متابعًا: "وإذ أنني من قوة القصف فقدت سمعي وبصري".
كم امتحان وجب على الحاج الجعبري أن ينجح به صبره لتحمل حرب ضروس أكلت معها الأخضر واليابس، وألم فقد عائلته بعدما رفض النزوح جنوبًا، ومشاهد جثث متقطعة لأشلاء أكبر قطعة فيها بحجم كفه الصغير الذي نالت منه المجاعة ولم يتبقَ منه سوى هيكل عظمي يستند به قبل أن تفيض روحه لبارئها.
تكمل الخالة نعيمة الجعبري الحديث بعدما عاد الحاج محمود لصمته الذي فضّله على أن يروي ما رآه قبل أن يفقد بصره، فتقول: "حاولت أنا ومجموعة من المواطنين إزالة الركام عن الحاج وإيقاظه لكن دون جدوى".
وتتابع أم نبيل لوكالة "صفا"، "نقلناه إلى المستشفى المعمداني وخلال الفحص قالوا إنه فقد حاستي السمع والبصر، وعدم القدرة على السير أو النهوض على قدميه بسبب شدة القصف".
بقي الحاج أبو نبيل مشدوه الوجه، يرفض الخروج من صدمته لواقع يخبره بارتقاء سبعة آخرين من أبناء عائلته في تلك المجزرة، فاختار الصمت الأبدي وأن يحتفظ بتلك الذكريات المؤلمة لنفسه.
قابلته يوم أمس، كانت ملامح وجهه تُعبر عن ألم استقر في قلبه يرفض البوح به، تجاعيد يديه تحكي قصة تعبه لسنوات على عائلته التي رحلت في غمضة عين، عيناه اللتان تخبئان الحسرة على كل شيء، فلم تكن مجزرة "التابعين" بداية مأساته في هذه الحرب بل اُعتقل ونُكّل به ولم يرحم جنود الاحتلال -الأشنع أخلاقا- كبر سنه وعجزه.
استيقظت صباحًا فكان خبر ارتقاء الحاج أبو نبيل بداية أخبار متابعة أحداث الليلة الماضية، صمت الحاج محمود فكان صمته أبلغ أصواتنا الثكلى، إضافة إلى كونه شاهدًا على مجزرة صمت لها آذان العالم بأسره.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: مجزرة مدرسة التابعين مجزرة الفجر عدوان اسرائيلي حرب غزة
إقرأ أيضاً:
وفاة معتقل تحت التعذيب بمصر.. والداخلية تجبر عائلته على دفنه ليلا تحت حراسه مشددة
توفي المعتقل فريد محمد عبد اللطيف شلبي، المعروف باسم "الشيخ فريد حمده شلبي"، داخل مقر قوات الأمن المركزي بمحافظة كفر الشيخ، بعد أسابيع قليلة من اعتقاله واختفائه قسريًا، في ظل صمت رسمي وتعتيم إعلامي٬ في جريمة جديدة تسلط الضوء على الانتهاكات المتواصلة داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية.
والفقيد هو من أبناء عزبة الإغربة في كفر الشيخ، اعتُقل يوم 7 تموز/ يوليو الجاري في ظروف غامضة، دون إذن قضائي أو إعلان رسمي، ليختفي تمامًا بعد ذلك، قبل أن تتلقى عائلته اتصالا مقتضبا من الأجهزة الأمنية يُبلغهم بوفاته، دون تقديم أي تقرير طبي أو تفسير لملابسات الوفاة.
وبحسب ما وثقته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن شلبي نُقل عقب اعتقاله إلى مقر أمني تابع لجهاز الأمن الوطني بكفر الشيخ، حيث تعرض لتعذيب جسدي ونفسي قاسٍ أدى إلى وفاته داخل محبسه، وسط غياب كامل لأي رقابة قضائية أو طبية.
وأكدت الشبكة أن الفقيد لم يُعرض على أي جهة تحقيق طوال فترة اختفائه القسري، كما لم يُكشف عن مكان احتجازه، في انتهاك واضح لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة والحقوق الدستورية للمواطنين.
دفن ليلي تحت حراسة مشددة
وفقًا لشهادات من العائلة، فقد جرى تسليم جثمان الشيخ فريد في وقت متأخر من الليل، وفرضت قوات الأمن رقابة مشددة على مراسم الدفن التي جرت في حضور خمس عربات شرطة، وسط تهديدات مباشرة لأفراد الأسرة بعدم التحدث إلى وسائل الإعلام أو الإدلاء بأي معلومات عن ملابسات الوفاة.
وقد عبّر أهالي بلدة عزبة الإغربة عن صدمتهم من الطريقة التي جرى بها التعامل مع الجثمان، مؤكدين أن الفقيد كان معروفا بمواقفه السياسية المعارضة، وقد ظل مطاردا لسنوات قبل أن يُعتقل مؤخراً.
المنظمات الحقوقية تدق ناقوس الخطر
ورأت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن هذه الواقعة تأتي ضمن سلسلة متصاعدة من الوفيات داخل السجون المصرية، والتي بلغ عددها وفقاً لتقارير موثقة نحو 1,222 حالة وفاة منذ منتصف عام 2013 حتى مطلع 2025، أغلبها نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي، والاحتجاز غير الإنساني، بحسب ما وثقته لجنة "كوميتي فور جستس".
ودعت الشبكة إلى فتح تحقيق دولي مستقل في ظروف الوفاة، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، مؤكدة أن الإفلات من العقاب وتواطؤ النيابة مع الأجهزة الأمنية يعزز مناخ العنف ويشجع على تكرار هذه الجرائم.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات دولية أخرى قد وثقت سابقًا عشرات حالات الوفاة في السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب، من أبرزها وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، الذي قضى نحبه داخل زنزانته بعد حرمانه من العلاج والرعاية الطبية.
الأمن الوطني في مرمى الاتهامات
والمعلومات المتوفرة حول ظروف وفاة الشيخ فريد شلبي تعيد إلى الواجهة مجددًا الاتهامات الموجهة إلى جهاز الأمن الوطني، الذي يُعد بحسب منظمات حقوقية "المسؤول الأول عن الانتهاكات الجسيمة بحق المعتقلين السياسيين والمعارضين"، سواء من خلال الإخفاء القسري أو التعذيب أو الحرمان من العلاج.
وتواجه وزارة الداخلية المصرية، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني، اتهامات متكررة باستخدام مقار الاحتجاز السرية لممارسة أساليب تعذيب ممنهجة، بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية أو السلطة القضائية، في ظل غياب الشفافية ورفض الدولة فتح تحقيقات مستقلة.