د. عبدالله الغذامي يكتب: انتصار الكتابة
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
في زمن الصورة تنتصر الكلمة، وإنْ كان القول المتواتر بأن الصورة عن ألف كلمة، لكن الواقع يشير إلى أن الكلمة تقاوم كل أنواع الإزاحات، ومنذ توجه الإنسان للكتابة، فقد كان ذلك من أجل حفظ زمن الكلمة ومحاولة منحها الخلود والتمدد الزمني والمكاني، والكلمة في حالتها الشفاهية ظلت الرباط الأول الواصل بين البشر، وبقيت كذلك رغم وجود بدائل فطرية مثل الإشارة ولغة الجسد من بسمة العينين كما بسمة الشفتين وبشاشة أو تجهم الوجه وحركات اليد التي تتخذ صيغاً عدة تحيل لمعانٍ سريعة تتغلب على سرعة الكلمات، ثم تطور الأمر لاختراع الرموز والشفرات عبر الرسم والحفر، ولكن ذلك كله ظل عالة على الكلمة التي تفردت بقدراتها على تفسير تلك الرموز وتحليلها وترجمتها لمعانٍ مفهومة، ولا يتحقق فهم أي حركة أو نقش إلا بمعونة الكلمات.
وحين تطور فن الصورة وتحول لصناعات كبرى في السينما وفي التلفزيون ظلت الكلمة تصاحب هذا التطور وتسعى للاستفادة منه كوسيلة مساندة وليس كبديل، وفي «تويتر» و«الواتس» نشاهد كيف انتعش سوق الكلمة المكتوبة رغم وجود فن الإيموجي، وسهولة استخدام الصور، لكنها تظل صوراً قاصرةً ولا يسد قصورها سوى ترجمتها لكلمات يجري التعارف عليها تعارفاً يماشي حضورها ويلازمه، وهي ترجمة قسرية لأنها تحصر كل صورة بمعنى واحد، ولا يشكل جملاً ولا يسمح بتأسيس سياق دلالي يتيح مجالاً لتعدد الدلالات، واللغة أصلاً مشروطة بتعدد المعاني مقابل محدودية الألفاظ، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على العديد من المعاني كما هي مقولة ابن سينا، ولا يقيد ذلك ويرتبه إلا سياق الجملة، حيث يتغير معنى اللفظ بسبب مجاورته لألفاظ أخرى تجتمع وتنتظم لتكون نظاماً دلالياً يحرر اللفظة من معناها المعجمي المثبت إلى معانٍ تظل تتغير وتتبدل حسب شروط السياق، على أن الكتابة تنتصر في زمن الانفتاح الوسائلي لأن الوسائل فتحت فضاءات التواصل على كل مجالاتها وآفاقها، وهذا أغرى كل إنسانٍ وإنسانة لدخول معترك التعبير اللغوي دون أية شروط، وتحركت مغامرات الكتابة التلقائية بحرية مطلقة، مما استنهض حس الرغبة لدى الجميع وكسر هيمنة النخبة على حقوق التعبير والنشر، وهنا أصبح الكل - كُتَّاباً وكاتبات - وانكسر الشرط الطبقي والاحتكار النخبوي، وبالتالي فالكلمة المكتوبة تنتصر على الصورة وتنتصر على الطبقية، ومن ثم تنطلق اللغة لتصبح هوية حرةً ومطلقة، ولتفتح كوناً جديداً للتعبير والإنشاء وللتفكير ولشجاعة المواجهة مع الكل، ولم يعد هناك كبيرٌ وصغير، إذ اشترك الجميع على مائدة واحدة، هي وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمع مفتوح لا تقيده قيود.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
المجلس الإماراتي لكتب اليافعين يطلق مسابقة «الكتابة الإبداعية»
الشارقة (وام)
أخبار ذات صلةأطلق المجلس الإماراتي لكتب اليافعين الدورة الجديدة من «مسابقة الكتابة الإبداعية» لعام 2025، والتي تهدف إلى تعزيز الخيال الأدبي للأطفال واليافعين في دولة الإمارات من عمر 6 إلى 18 عاماً وصقل مهاراتهم الإبداعية من خلال تشجيعهم على تأليف قصص باللغة العربية. يتم استقبال المشاركات حتى 31 يوليو 2025 على أن يتم تقسيم المشاركين إلى ثلاث فئات عمرية: الفئة الأولى من 6 إلى 9 أعوام والفئة الثانية من 10 إلى 12 عاماً والفئة الثالثة من 13 إلى 18 عاماً.
وتأتي هذه المسابقة السنوية ضمن حملة «اقرأ، احلم، ابتكر»، التي أطلقها المجلس في 2013 بهدف تعزيز العلاقة بين الأطفال والكتب وتشجيع القراءة والإبداع الأدبي في المجتمع الإماراتي، ومنح المبدعين الصغار فرصة تطوير قدراتهم ودخول مجال الأدب والنشر.
وأكدت مروة العقروبي رئيسة المجلس الإماراتي، لكتب اليافعين أن مسابقة الكتابة الإبداعية تمثل فرصة فريدة للأطفال واليافعين، لتنمية خيالهم الأدبي وتعزيز مهاراتهم في التعبير والكتابة باللغة العربية، وذلك ضمن جهود المجلس الرامية إلى بناء جيل شغوف بالقراءة والكتابة قادر على التعبير عن أفكاره بطرق مبتكرة، مشيرة إلى أن الكتابة الإبداعية ليست مجرد مهارة لغوية بل أداة لتنمية التفكير النقدي وتعزيز الثقة بالنفس.
وأوضحت أن المسابقة لا تقتصر على مجرد اكتشاف المواهب، بل تسعى كذلك إلى صقلها وتطويرها من خلال توفير منصة للأطفال واليافعين لعرض إبداعاتهم الأدبية، حرصاً من المجلس الإماراتي لكتب اليافعين على دعم المبدعين الصغار، مؤكدة أن بعض المشاركين في النسخ السابقة من المسابقة استطاعوا أن يحوّلوا شغفهم بالكتابة إلى مشاريع أدبية حقيقية ما يدل على التأثير الإيجابي للمسابقة.
ونوهت إلى أن حملة «اقرأ، احلم، ابتكر» تهدف إلى تعزيز مكانة الكتاب في حياة الأطفال واليافعين، وإلهامهم لخوض تجارب جديدة في عالم الأدب، مشيرة إلى أن تنمية عادة الكتابة لدى الأطفال تعزز لديهم حب القراءة.
ودعت جميع الأطفال واليافعين في دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في المسابقة، والاستفادة من هذه الفرصة لإطلاق العنان لمخيلتهم ومهاراتهم الأدبية.
ومنذ انطلاقها نجحت المسابقة في تحفيز مئات الأطفال واليافعين على تطوير مهاراتهم الكتابية واللغوية، وتشجيعهم على الاستمرار في القراءة والإبداع الأدبي، وأسهمت في تمهيد الطريق لبعض المبدعين الصغار من دخول عالم النشر، وتحويل نصوصهم إلى إصدارات مطبوعة.