في ليلة مظلمة من ليالي غزة الحزينة، كانت أسرة الطفل علاء زيد متجهة نحو المجهول، يدفعها الأمل في النجاة من ويلات الحرب.

مع أنفاس الفجر الأولى، وصل علاء وعائلته إلى حاجز نتساريم الإسرائيلي، حيث بدأت رحلتهم نحو الجنوب بحثًا عن الأمان.

وفي رفح، حيث ظنوا أنهم وجدوا ملاذًا، كانت السماء تخفي وابلًا من الرعب، صوت الانفجار الذي هز الأرض كان كفيلًا بتحويل الخيمة التي كانت تأويهم إلى كومة من الأنقاض، وتحتها، كان الطفل الصغير، يصارع الصمت الذي فرضه الخوف على لسانه.

مرت الأيام والأشهر، والطفل الذي كان يملأ الدنيا ضحكًا وحيويةً، أصبح أسير صرخات لا تنتهي وليالٍ لا يعرف فيها النوم طريقًا إلى عينيه.

يقف والده، عاجزًا أمام معاناة ابنه، يناشد العالم مساعدته ليجد لابنه علاجًا يعيد إليه صوته وبراءته، وبينما يتطلع سليمان إلى السماء، يحمل في قلبه أملًا بأن يجد في الغد ما يخفف من وطأة الألم الذي خلفته الحرب في نفس ابنه الصغير.

ويقول والد الطفل خلال حديثه لـ«عُمان» إنه نزح من غزة إلى الجنوب عبر حاجز نتساريم، وأثناء إقامتهم في رفح، تعرضت المنطقة لضربة جوية إسرائيلية أدت إلى سقوط الخيمة على ابنه الطفل الصغير، مما جعله يفقد النطق والتركيز معظم الوقت.

منذ خمسة أشهر، يعاني الطفل من صعوبات كبيرة في التحدث، ويطالب والده بمساعدته للسفر لتلقي العلاج اللازم. مشيرًا إلى أن الطفل دائم الصراخ ولا يستطيع النوم، ويحتاج إلى تدخل عاجل.

وتركت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة آثارًا نفسيةً عميقةً على الأطفال في المنطقة، حيث يعيش أطفال غزة وسط أجواء من العنف والخوف المستمر، مما يؤدي إلى تأثيرات نفسية طويلة الأمد، وتتراوح هذه التأثيرات بين اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب، والمشاكل السلوكية، لذا، فإن تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال يصبح أمرًا بالغ الأهمية.

هذا القلق المستمر يمكن أن يتسبب في مشاكل صحية جسدية مثل: الصداع وآلام المعدة، ويؤثر على نموهم وتطورهم الطبيعي.

كما أن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال في غزة تتجاوز مجرد الأحداث العنيفة، فالنزوح المتكرر وفقدان المنازل والأصدقاء يضيف طبقة أخرى من المعاناة.

ويؤكد الأطباء أن الأطفال في غزة يعانون من مشاكل سلوكية نتيجة للحرب، فبعض الأطفال يصبحون عدوانيين ويظهرون سلوكيات عنيفة، بينما يعاني آخرون من الانسحاب الاجتماعي والعزلة، وهذه التغيرات السلوكية تعكس محاولاتهم للتكيف مع البيئة القاسية التي يعيشون فيها.

وعلى الرغم من أن الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في غزة يُعَدُّ أمرًا بالغ الأهمية، إلا أن ظروف الحرب صعبت على المنظمات الإنسانية عملية تقديم الدعم النفسي للأطفال من خلال جلسات العلاج النفسي والأنشطة الترفيهية التي تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع الصدمات.

ويجد المرضى أنفسهم في وضع مأسوي، يعانون من نزوح متكرر وقصف عشوائي مع أزمات صحية ونقص في الأدوية، مما يسبب صدمات نفسية كبيرة للأطفال وكبار السن.

يقول طبيب الصدمات النفسية يوسف عوض الله في غزة: إن نوع الصدمات التي تعرض لها الأطفال في القطاع لم يسبق لها مثيل في الحروب السابقة، تتضمن هذه الصدمات حمل الأطفال لأشلاء إخوتهم في حقائب المدرسة، ونجاة طفل آخر من تحت الأنقاض بعد وفاة كل أسرته، وطفل آخر كان في مدرسة دمرت ورأى أصدقاءه أشلاء.

وقال خلال حديثه لـ«عُمان»:«هذه الصدمات على الأطفال في غزة بشكل كبير، حيث أصبحت الأعراض النفسية شديدة وغير مسبوقة، مثل الإصابة بالسكتة الكلامية والكوابيس».

نوبات هلع وفزع ليلي

كما تأثرت الأطفال بشكل كبير، حيث أصيب البعض بنوبات هلع وفزع ليلي، وفقدان الأمان الاجتماعي بسبب النزوح المتكرر والذي وصل لأكثر من 10 مرات، وفضلا عن الإصابة بالتبول الليلي، وفقدان الشهية، مما أدى إلى انخفاض أداء الجهاز المناعي وانتشار الأمراض في غزة.

وتابع الطبيب حديثه قائلاً: «هذ الطفل الذي انتزع من بيئته الاجتماعية التي تتميز بالهدوء والاستقرار بجوار أهلة وأسرته وتعرض للقصف والنزوح المتكرر الأمر الذي أدى إلى فقد الأمان الاجتماعي وأصبح معظم الأطفال يعيشون بعيدًا عن أهليهم وأسرهم، على المدى القريب، قد تتحول هذه الصدمات إلى أمراض ما بعد الصدمة، وعلى المدى الطويل قد تتطور إلى أمراض عضوية ونفسية صعبة، مثل العدائية التي لا يمكن التنبؤ باتجاهاتها»

من ناحيه أخرى، يسرد أسامة عليان -من رفح- تجارب الرعب والصدمة التي يعيشها أهالي غزة نتيجة للقصف الذي لا يفرق بين هدف وآخر.

ويشير إلى أن الوضع الراهن يفرض على الكبار، الذين يجدون صعوبة في التكيف مع النزوح المتكرر، والأطفال، الذين يعانون بشكل خاص من الأوضاع القاسية، تحمل ظروفا قاهرة.

ويتحدث عن كيف أن الحروب قد خلفت لديه ولدى الكثير من السكان حالة من القلق المستمر، حتى أن الأصوات العادية باتت مصدر خوف، مما جعل الخوف يسود بين الناس ويتغلغل في نسيج حياتهم اليومية.

من جانبها، قالت تيس إنغرام المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن الفرصة ما زالت قائمة لدرء المجاعة في غزة في حالة التمكن من إغراق قطاع غزة بالمساعدات الإنسانية، وأضافت في بيان سابق لليونيسيف أن هناك فتى تعرفت عليه في المنطقة الوسطى في مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة، اسمه عمر، يبلغ من العمر سبع سنوات، ولم أتمكن من التحدث معه لأنه كان في حالة صعبة للغاية ويعاني من ألم شديد.

وتابعت قائلة: تحدثت مع جدته، وأخبرتني أنهم وصلوا للتو من الشمال - قبل 48 ساعة- وأنهم في الشمال بالكاد كانوا يحصلون على القليل من الطعام.

وقالت: إن التدهور في الصحة النفسية له تعادل كبير على الصحة الجسدية ونموهم وأيضا صحتهم النفسية على المدى البعيد

وتابعت قائلة: كانوا يعتمدون بشكل كبير على العشب للبقاء على قيد الحياة، كان مدى مرض عمر واضحا، آمل حقاً أن يكون بخير الآن.

وأضافت: "أخبرني مدير طب الأطفال في المستشفى أنه يأمل أن يتعافى عمر تمامًا. لكن المثير للقلق، أنه قال: إن 90 بالمائة من الأطفال الذين يتم إدخالهم في الوقت الحالي إلى المستشفى يعانون من مستوى ما من سوء التغذية، وهو أمر صادم".

آثار حرب غزة على الصحة النفسية للأطفال هي آثار عميقة ومعقدة، والأطفال في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي مستمر لمساعدتهم على التعافي والتكيف مع الحياة بعد الحرب، ومن الضروري أن تستمر الجهود الدولية والمحلية في تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الأطفال لضمان مستقبل أفضل لهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأطفال فی غزة

إقرأ أيضاً:

هند الخالدي.. حكاياتها ملهمة للأجيال

خولة علي (أبوظبي)
بين صفحات ملونة وأصوات تسرد الحكاية، ينهض جيل جديد يتعلم كيف يرى العالم بعين الخيال، ويكتشف ذاته عبر الكلمة. فالقصة ليست تسليةً عابرة، بل نبض يرافق الطفولة، يرسم في داخلها ملامح الغد، ويعلمها أن للحروف قلباً، وللأحلام جناحين.
من هنا كرّست الكاتبة والناشرة الإماراتية هند الخالدي قلمها لتغرس في الأطفال حب القراءة، وتعيد للحكاية مكانتها الأولى في تشكيل الوعي وتنمية الخيال. آمنت بأن الكلمة قادرة على فتح نوافذ صغيرة في قلوب الصغار، يطلون منها على عالم من الدهشة والمعرفة، وأن كل قصة يمكن أن تكون بذرة لحلم يكبر معهم. بهذا الإيمان، صنعت هند الخالدي مشروعها الأدبي والتربوي، لتقدم عبر دار هند للنشر قصصاً تنبض بالحياة، وتحمل بين سطورها دفء الأمومة وعمق الرسالة الثقافية التي تجعل من الطفل قارئاً فاعلاً لا متلقياً فقط.

نقطة التحول
تعود بدايات هند الخالدي إلى تجربة شخصية مؤثرة مع ابنتها سارة، التي كانت في طفولتها تمتلك صديقة غير مرئية، ما ألهم والدتها لكتابة أولى قصصها بعنوان «صديقة غير مرئية». وتوضح الخالدي أن تلك اللحظة كانت نقطة التحول في مسيرتها، إذ اكتشفت كم هو عمق خيال الطفل، وكم يحتاج إلى من يشاركه عالمه الجميل. وتضيف: بدأت رحلتي لأمنح الأطفال مساحة آمنة للتعبير عن خيالهم، ليجدوا في القراءة مرآة لأحلامهم الصغيرة.
واجهت الخالدي في بداياتها تحديات في تحقيق التوازن بين الخيال والرسالة التربوية داخل القصة، إضافة إلى صعوبة إيجاد رسامين يفهمون روح النص ويجسدون الشخصيات بما يعكس البيئة الخليجية. وتقول: تعلمت أن نجاح القصة يكمُن في الفكرة البسيطة والعميقة، واللغة القريبة من الطفل، والشخصيات التي تشبهه وتشجعه على التفكير الإيجابي. وتؤكد أن الرسوم ليست مجرد مكمل للنص، بل شريك أساسي في تحفيز الخيال وإيصال الفكرة.

ورش تفاعلية
لم تقتصر تجربة الخالدي على الكتابة، بل امتدّت إلى تقديم ورش قرائية للأطفال تعتمد على التفاعل والمرح. ومن أبرزها ورشة «كلمني بالعربي» التي تهدف إلى تشجيع الأطفال على التحدث بالعربية الفصحى بأسلوب ممتع. تقول: أردت أن أظهر جمال لغتنا العربية وهويتها الثقافية بعيداً عن الجمود والتلقين، فحولت القراءة إلى تجربة مليئة بالضحك والاكتشاف.
وتؤكد الكاتبة أن القراءة قادرة على إحداث تحوّل حقيقي في شخصية الطفل، إذ لاحظت بعد ورشها تغير تفاعل الصغار مع الكتب، وزيادة جرأتهم في التعبير عن أفكارهم. وتضيف: الطفل الذي كان خجولاً في البداية يصبح أكثر ثقة حين يشارك القصة أو يستخدم الدمى في التمثيل، لأن القراءة تمنحه صوتاً وفضاءً للخيال، مشيدة بدور الأسرة والمدرسة في ترسيخ عادة القراءة اليومية وجعلها جزءاً من الروتين العائلي.
قدمت الخالدي حتى اليوم 11 إصداراً تنوعت بين القصص التربوية والخيالية والإنسانية، منها «عالمي في كتاب»، والتي نالت عنها جائزة منحة المكتبات في الشارقة. وتطمح في المرحلة المقبلة إلى توسيع نطاق دار هند للنشر لتصل إصداراتها إلى الأطفال في مختلف الدول العربية، مع الحفاظ على الهوية الإماراتية في المضمون.

أخبار ذات صلة احتمال سقوط أمطار غداً افتتاح عيادة «بركتنا» لتوفير الرعاية الصحية للمرضى من كبار المواطنين

مقالات مشابهة

  • حصيلة العدوان الصهيوني على غزة منذ بداية العدوان 70,663 شهيدًا و171,139 إصابة
  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 70,663 شهيدا و171,139 مصابا
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ70,663 شهيدًا
  • «الأسبوع» تنفرد بنشر التحقيقات مع أخصائية خط نجدة الطفل في واقعة أطفال المدرسة الدولية
  • بـ 10 حيل مجرّبة.. كيف تزيد من شغف الأطفال بالمذاكرة؟
  • رائد النمس: أطفال غزة يواجهون خطرًا حقيقيًا مع البرد .. وجرف آلاف الخيام
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: أطفال غزة يواجهون خطرًا حقيقيًا مع البرد وجرف آلاف الخيام
  • صحة غزة تُصدر تقريرا جديدا لضحايا العدوان الإسرائيلي
  • ندوة بآداب عين شمس تناقش "ظاهرة أطفال الشوارع"
  • هند الخالدي.. حكاياتها ملهمة للأجيال