أحمد ياسر يكتب: الحرب الرمادية بدلًا من المفاوضات (1)
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يشير التحول في استراتيجية الولايات المتحدة إلى كيفية تركيز السياسة الخارجية الحالية بشكل كبير على تقويض صعود الصين، بدلًا من قبول الصين كقوة عظمى على الساحة الدولية.
استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين تخاطر بالحرب ولا يمكن تطبيقها لتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد، وبالتالي فإن تحويل الاستراتيجية للتركيز بشكل أكبر على التواصل والثقة، إلى جانب الردع، أمر ضروري.
الردع ضروري بسبب الحرب الهجينة الصينية المستمرة التي أسفرت عن بعض النجاح، مما حفز صناع القرار في جمهورية الصين الشعبية على مواصلة عمليات المنطقة الرمادية بدلًا من الدخول في المفاوضات.
فمن خلال ردع صناع السياسات في الحزب الشيوعي الصيني عن استخدام طريقة عدوانية لتحقيق أهدافهم، يمكنهم بعد ذلك اختيار بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة.
لقد اتسمت دوائر السياسة الخارجية في واشنطن بمشاعر معادية للصين، حيث اعتبرت المبادرات الصينية خبيثة وواجهتها بالعدوان، بدأ هذا الاعتقاد في عام 2008 عندما قوبلت الاضطرابات المدنية بقمع عنيف، ومنذ ذلك الحين، أصبحت بكين أكثر استبدادية داخل حدودها وحازمة في المجتمع الدولي.
تسبب هذا التغيير في السلوك في إثارة الخوف الانعكاسي بين صناع السياسات في الولايات المتحدة، مما دفعهم إلى تبني موقف رد الفعل ضد الصين، يشير الموقف رد الفعل إلى الجهود الأمريكية لتقويض صعود الصين على المسرح العالمي، مما يدل على رفض الولايات المتحدة للصين كقوة عظمى إلى جانب الولايات المتحدة.
لقد دفع الاعتقاد بوجود صراع مسلح حتمي في المستقبل القيادة الأمريكية إلى الاستعداد للحرب، بحلول عام 2021، شهد الأدميرال "فيليب ديفيدسون"، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي أن الصين ستغزو تايوان في وقت ما خلال السنوات الست المقبلة.
وسرعان ما انتشر اعتقاده، الذي أطلق عليه اسم نافذة "ديفيدسون"، إلى مسؤولين رفيعي المستوى آخرين وأصبح القوة الدافعة لاستراتيجية الدفاع الأمريكية والسياسة الخارجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتحسبًا لصراع مسلح مستقبلي مع خصم قريب، بدأ الجيش الأمريكي في الاستعداد للحرب.
ولكن يمكن اعتبار هذا التفاعل المتمثل في الاستعداد لحرب مسلحة تقليدية عدم تطابق القوة مع استراتيجية بكين المتمثلة في التعدي البطيء على الشواطئ التايوانية.
في حين أن جيش التحرير الشعبي من بين أقوى الجيوش في العالم، فإن انتشاره وعمله في الخارج منخفض بشكل غير متناسب مقارنة بالجيوش الأخرى، على سبيل المثال، فإن الجيوش الفرنسية والنيوزلندية أصغر بكثير من جيش التحرير الشعبي الصيني، ومع ذلك فإن القوات المسلحة الفرنسية تشارك في أجزاء من إفريقيا وكانت نيوزيلندا، متورطة في أفغانستان، وكلاهما كان هناك بسبب الإرادة السياسية لحكومتهم المدنية.
على النقيض من ذلك، فإن معظم مشاركة جيش التحرير الشعبي في الخارج تتعلق بمهام حفظ السلام، مع القليل من الانتشار نيابة عن جمهورية الصين الشعبية، وبدلًا من البراعة العسكرية التقليدية، اختارت القيادة الصينية استخدام وسائل أخرى لإبراز القوة والنفوذ، عندما يتعلق الأمر بالنزاعات الإقليمية مثل تلك الموجودة في بحر الصين الجنوبي، حيث يتم شن حرب رمادية!!
تُعرف الحرب الرمادية، المعروفة أيضًا باسم تكتيكات المنطقة الرمادية أو الحرب الهجينة، بأنها أفعال قسرية خارج السياسة اليومية العادية ولكن تحت عتبة الصراع المسلح، وتشمل هذه الإجراءات، على سبيل المثال لا الحصر، الحرب الاقتصادية أو النفسية أو السيبرانية؛ أو اقتحام المجال الجوي أو المياه الأجنبية؛ أو ترسيخ الوجود والهيمنة الفعلية في الأراضي المتنازع عليها.
في إطار عمليات المنطقة الرمادية في البحر، نشرت بكين ميليشيا بحرية، تتألف الميليشيا البحرية في الغالب من سفن مملوكة ومدارة من قبل مدنيين، وبالاشتراك مع خفر السواحل، غالبًا ما تؤكد الميليشيا البحرية وجودها العملياتي وهيمنتها في المياه المتنازع عليها مما يؤدي إلى مواجهات متوترة.
ونظرًا لأن الميليشيا البحرية وخفر السواحل الصيني ليسا جزءًا رسميًا من الجيش، فلا يُنظر إليهما على أنهما تصعيد كبير، ولكنهما لا يزالان بمثابة تأكيد للسيادة الفعلية.
شكل آخر مهم من تكتيكات المنطقة الرمادية التي تستخدمها بكين هو في المجال الاقتصادي، فرضت جمهورية الصين الشعبية عقوبات لإرغام الحكومات والشركات الأخرى على الامتناع عن أعمال معينة، في عام 2020، فرضت الحكومة تعريفات جمركية باهظة على النبيذ الأسترالي، بعد أن دعا رئيس الوزراء سكوت موريسون إلى إجراء تحقيق في أصول فيروس كورونا.
بعد أن أقرت جمهورية الصين الشعبية قانون الأمن القومي في هونج كونج لقمع الديمقراطية وحرية التعبير، ظلت كوريا الجنوبية صامتة بسبب العقوبات المفروضة على شركة لوتي في عام 2016.
في عام 2019، فرضت الصين عقوبات على بث المباريات والسلع عبر الإنترنت لفريق هيوستن روكتس لكرة السلة، بعد أن أعرب أحد أعضاء فريق العمل عن دعمه للديمقراطية في هونج كونج، توضح هذه الإجراءات السابقة أن الحرب الاقتصادية هي جزء من الحرب الرمادية التي يستخدمها الحزب الشيوعي الصيني بانتظام لإكراه الآخرين.
يؤدي هذا التباين في القوة إلى فشل الولايات المتحدة في الحفاظ على النظام القائم على القواعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين تؤكد الصين ببطء ولكن بثبات سيادتها على المياه والجزر المتنازع عليها، فإن الولايات المتحدة بدلًا من ذلك تركز على إعداد جيشها لصراع مسلح تقليدي.
وللحديث بقية……….
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 اخبار فلسطين غزة بحر الصين الجنوبي حماس يحيى السنوار الصين دونالد ترامب جو بايدن أخبار مصر تايوان حرب غزة الشرق الأوسط السياسة الأمريكية جمهوریة الصین الشعبیة الولایات المتحدة السیاسة الخارجیة المنطقة الرمادیة بدل ا من فی عام
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (1/2)
1 خلفية التفاوض : من المليشيا إلى الدولة الراعية
أصبح الحديث علنيًا في أروقة السياسة العامة والخاصة يدور حول التفاوض مع الإمارات، وليس مع المليشيا. فقد انقضى أمر هذه الأخيرة، ويُنتظر إعلان انهيارها التام في أي لحظة مع تقدم طلائع الجيش إلى دارفور.
الحقيقة أن محاولات التفاوض مع الإمارات لم تتوقف، أو لنقل إن مساعي الإمارات للتواصل مع السودان لإيجاد مخرج من مأزقها لم تنقطع. في هذا السياق، شهدنا اتصالين معلنين: الأول في 19 يوليو 2024، حين تواصل محمد بن زايد مع الرئيس البرهان بوساطة إثيوبية عقب زيارة رئيس إثيوبيا إلى بورتسودان. أما المناسبة الثانية فكانت في 20 يناير 2024، حين شاركت الإمارات في مفاوضات سودانية-سودانية فيما عُرف باتفاق المنامة.
هناك العديد من التقارير التي تشير إلى لقاءات غير معلنة، وآخرها تقرير من “Africa Intelligence” الذي أشار إلى رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع الإمارات في 12 مايو 2025 بسبب مطالب مبالغ فيها من أبوظبي. ولم يحدد التقرير تلك المطالب، وراجت أنباء أن الإمارات طالبت بضرب الإسلاميين ومنحها استثمارات محددة كشرط لوقف الحرب، غير أن هذه التقارير لم تُؤكد من مصادر رسمية أو مصادر موثوقة. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا التفاوض مع الإمارات؟ وما هي محددات هذا التفاوض؟ وعلى ماذا يدور تحديدًا؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
2
عندما يتمدد تمرد داخلي إلى هذا الحد، ويبلغ هذا المستوى من التسليح والمساعدات اللوجستية، ويصمد لسنوات رغم ضراوة المعارك، يصبح السؤال المركزي: من أين له كل هذا الدعم؟
الدعم الكبير والمؤكد الذي تلقته قوات الدعم السريع من الإمارات أصبح حقيقة مثبتة في تقارير الأمم المتحدة، والتحقيقات الدولية، وشهادات شهود الحرب، وحتى في أروقة الكونغرس الأمريكي. لم يعد الأمر محل جدل. التفاوض مع الإمارات إذًا ليس تراجعًا عن مواجهة العدو الداخلي، بل هو اعتراف سياسي بأن المليشيا لم تكن سوى أداة عسكرية لمشروع خارجي، وأن مفتاح الحل لم يعد في الميدان، بل في أبوظبي.
3
لماذا التفاوض مع “دولة العدوان”؟
لأن معادلة الحرب تغيّرت، فمن يملك قرار استمرار أو إنهاء الحرب لم يعد قادة المليشيا، بل غرف التحكم الخارجية. المليشيا فقدت السيطرة على الأرض والشعب وحتى حواضنها، وانتقل القرار العسكري والسياسي والمالي إلى أبوظبي، التي تواصل تقديم الدعم تحت واجهات متعددة: مساعدات إنسانية، مبادرات سياسية، وتأثير مباشر في مراكز القرار في الغرب عبر استثماراتها ونفوذها المالي.
إذن، التفاوض هنا مع من يمول الحرب ويخطط لها ويغذي استمرارها.
4
التفاوض: أداة مكملة للحسم العسكري
التفاوض ليس بديلًا عن الحسم العسكري، بل أداة مكمّلة له. فكما أن النصر في الميدان يتحقق بالإنهاك والتطويق والتقدم، فإن النصر السياسي يُصان ويُستثمر بالتفاوض من موقع القوة.
إذا كانت الإمارات قد استثمرت في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو جيوسياسية، فالتفاوض وسيلة لإقناعها بأن كلفة هذه المقامرة باتت تفوق عائدها، وأن مشروعها خاسر على كل المستويات، وأن السودان لن يُدار من الخارج ولا بالمليشيات.
التفاوض هنا هو رسالة واضحة: نحن ندرك من أنتم، ونعرف ما تريدون، وندير الصراع على كل مستوياته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. التفاوض يُكمل الحسم العسكري.
5
إذا كانت هذه مسببات التفاوض مع الإمارات، فإن شرطًا واحدًا يظل هو الحاسم في أي حديث عن التفاوض، ألا وهو وقف العدوان ابتداءً؛
بمعنى أن تتوقف أبوظبي عن تمويل المليشيا بالسلاح وكافة أشكال دعمها، ثم بعدها يمكن أن نذهب إلى موائد التفاوض.
أما أن يكون السلاح متدفقًا، والإمارات مستمرة في تسعير الحرب بواسطة المليشيا أو وكلائها في المنطقة، حفتر وغيره، فإن ذلك مجرد عبث سياسي ومضيعة للوقت.
6
محددات التفاوض
المشكلة ليست في التفاوض بحد ذاته، بل في محدداته وشروطه. فلا ينبغي أن يُدار التفاوض من موقع المساواة بين طرفين متكافئين، بل من موقع دولة تخاطب دولة أخرى تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والسيادة، واتخذت العدوان وسيلة لتحقيق أهدافها.
لذا، يجب أن يُدار التفاوض عبر قنوات دبلوماسية سيادية وشفافة، من موقع قوة، وليس من موقع مساواة مع دولة تجاوزت السيادة.
ثانيًا : التفاوض من موقع القوة.
السودان ليس دولة تابعة ولا خانعة، وهو اليوم في لحظة مفصلية تمنحه أوراقًا تفاوضية نادرة:
فلا استقرار في البحر الأحمر دون السودان، ولا نمو حقيقي في شرق أفريقيا دون ممراته، ولا مستقبل للمشاريع الإقليمية مهما تكاثرت الموانئ دون إرادته المستقلة.
كل هذا يجب أن يكون على الطاولة، لا من باب التهديد، بل من باب إثبات الحضور والندية.
ثالثًا : التفاوض مع الإمارات لا يجب أن يتحول إلى رهن سيادة السودان أو فرض خارطة سياسية على مقاس طرف خارجي.
ما قد يُطلب اليوم كتنازل سياسي، قد يصبح غدًا سببًا في انفجار جديد إذا شعر السودانيون أنهم استُبعدوا لإرضاء جهة أجنبية، أو أن مواردهم نُهبت باسم الاستثمار.
المطلوب اليوم ليس فقط الانتصار في الميدان، بل الانتصار في معركة الحفاظ على القرار الوطني.
طلبات أبوظبي قد تُعرض، لكن قبولها أو رفضها يجب أن يتم من داخل مؤسسات دولة ذات سيادة، وينبغي أن يكون التفاوض شفافًا ومعلنًا. على ماذا نتفاوض مع الإمارات ؟ نواصل في الحلقة القادمة.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب