هل الساحة متكافئة بين حماس وإسرائيل بمحادثات وقف إطلاق النار؟
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
وصل وفد من حركة حماس الفلسطينية إلى القاهرة مساء السبت للاستماع إلى نتائج المفاوضات بين الوسطاء -مصر وقطر والولايات المتحدة- وإسرائيل. ويتردد المراقبون في وصف ذلك بأنه علامة أمل مع تزايد الاقتناع بأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بين حماس وإسرائيل على وشك الانهيار.
المفاوضات بشكل أو بآخر مستمرة عمليا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو اليوم الذي شنت فيه إسرائيل حربا على غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص وتدمير معظم القطاع، ظاهريا انتقاما من الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل 1139 شخصا وأسر أكثر من 200 آخرين.
وكان التوصل إلى اتفاق في مايو/أيار الماضي قد بدا قريبا عندما قالت الولايات المتحدة إن لديها مسودة اقتراح وافقت عليها جميع الأطراف وأيدها مجلس الأمن الدولي في العاشر من يونيو/حزيران الماضي.
إخفاقات اللحظة الأخيرةوافقت حماس على الاقتراح، مؤكدة أنها تريد خروج جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة وعودة الأهالي المشردين إلى منازلهم في شمال القطاع والمشاركة الدولية لإعادة بناء ما تم تدميره، وإطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، لكن المسؤولين الإسرائيليين واصلوا الإدلاء بتصريحات تشير إلى أن الحرب على غزة يجب أن تستمر، وقام الجيش الإسرائيلي بغزو مدينة رفح.
ومع ذلك، أصرت الولايات المتحدة على أن إسرائيل قبلت الاقتراح وأن حجر العثرة في المفاوضات كانت حماس، التي اتُهمت بعرقلة أي تقدم فيها. وبعد أن بدا اتفاق وقف إطلاق النار في متناول اليد، فقد اختفى، وواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه بشأن مواصلة القتال حتى "هزيمة حماس بالكامل في غزة"، وهو الهدف الذي اعتبرته الأطراف على الجانبين منذ فترة طويلة بأنه غير واقعي.
وفي النهاية، قدم نتنياهو أيضا مطالب جديدة، تمثلت في بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا المتاخم لسيناء المصرية، وإقامة نقاط تفتيش "للتدقيق" في الأشخاص الذين يحاولون العودة إلى منازلهم في شمال غزة، وتقديم قوائم كاملة بأسماء جميع الأسرى الأحياء الذين تعتزم حماس الإفراج عنهم.
وقال مسؤولون إسرائيليون كبار إن مطالب نتنياهو ستؤدي إلى تقويض المحادثات، ورفض الوسطاء نقلها إلى حماس. كما رفضت مصر طلب إسرائيل بالسماح لها بالبقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي من شأنه أن ينتهك اتفاقات كامب ديفيد بينهما.
خطاب بلينكنجاء الاقتراح الأميركي بعد المسودات السابقة، إذ تم الالتزام بعملية من 3 مراحل من شأنها إطلاق سراح جميع الأسرى في غزة مقابل السجناء الذين تحتجزهم إسرائيل، وتحقيق "هدوء مستدام" يؤدي إلى وقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وإعادة إعمار القطاع، وفتح المعابر في نهاية المطاف.
من ناحيته، قال مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية في واشنطن، "كان لدينا اقتراح قدمه (الرئيس الأميركي بايدن) أواخر مايو/ أيار، وكان مفصلا إلى حد ما وتم تمريره في مجلس الأمن كقرار (بدعم) عالمي"، وأضاف "ومع ذلك، فقد شهدنا جولات مختلفة من الشروط الجديدة التي أضافها نتنياهو، والتي على الرغم من قول بايدن إن إسرائيل تدعمها، فإنه (نتنياهو) أوضح تماما أنه لم يفعل ذلك".
وانتقد المفاوضون الإسرائيليون نتنياهو لتقويضه المحادثات بعد أن نقلت محطة إذاعية محلية تصريحات أدلى بها بشأن عدم مغادرة إسرائيل "تحت أي ظرف من الظروف" محوري فيلادلفيا ونتساريم الذي أنشأه الجيش الإسرائيلي للفصل بين شمال غزة وجنوبها.
وكان المسؤولون الأميركيون في المنطقة يحاولون حل النقاط الشائكة خلال الأيام الأخيرة عبر "مقترح تجسيري" يقال إنه يتضمن خطط الانسحاب. لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لم يوضح إذا ما كان الاقتراح يشمل انسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل من غزة، كما ذكرت المقترحات السابقة، لكنه أبقى على تقييمه السابق بشأن من يعطل الأمور.
وقال بلينكن للصحفيين بعد اجتماع مع نتنياهو، استمر ساعتين ونصف الساعة الاثنين الماضي، "في اجتماع بنّاء للغاية مع رئيس الوزراء نتنياهو اليوم، أكد لي أن إسرائيل تدعم اقتراح التجسير. الخطوة المهمة التالية هي أن تقول حماس: نعم".
تراجع إسرائيليفي المقابل، رفضت حماس ادعاءات بلينكن، وأكدت أنها تريد الالتزام بالاتفاق المتفق عليه، مشيرة إلى أن الإسرائيليين تراجعوا عن القضايا التي تضمنها اقتراح بايدن. وقال المتحدث باسم حماس أسامة حمدان، لقناة الجزيرة الاثنين الماضي، إن حديث نتنياهو عن الموافقة على اقتراح محدث يشير إلى أن الإدارة الأميركية فشلت في إقناعه بقبول الاتفاق السابق.
وبينما أكد بلينكن علنا أن نتنياهو يوافق على الصفقة، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الأمور تسير بشكل مختلف وراء الكواليس. وقد تركهم دعم إدارة بايدن لنتنياهو رغم عناده في حيرة من أمرهم.
وقال مدير دراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك محمد بزي لقناة الجزيرة "هذا الوضع سريالي، إذ يقول كل من حماس ومسؤولو الأمن الإسرائيليون إن نتنياهو هو من يعرقل اقتراح بايدن لوقف إطلاق النار، ونرى أيضا أن نتنياهو رفض علنا العناصر الرئيسية لوقف إطلاق النار كما وصف بلينكن الصفقة، لكن في الوقت نفسه يصر كل من بايدن وبلينكن على أن نتنياهو يدعم الاتفاق الحالي وأن حماس هي حجر العثرة".
وخلص إلى أنه "هكذا انتهى بنا الأمر، مع قيام الإدارة الأميركية بتغطية نتنياهو، لأسباب لا يمكن تفسيرها".
وفي حين أن هدف إسرائيل المعلن من المحادثات هو استعادة الأسرى المحتجزين في غزة، فإن ما تردد عن تخريب نتنياهو للمحادثات يثير بعض التساؤلات حول إذا ما كان مهتما حقا بالتوصل إلى اتفاق.
ولا يزال نحو 109 أسرى في غزة، وفقا لتقديرات الحكومة الإسرائيلية، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن نصفهم ما زالوا على قيد الحياة.
وظلت العائلات التي فقدت ذويها في غزة تحتج بانتظام وتطالب حكومتها بإنقاذ الأسرى. وقال بزي إن "هناك حجة قوية للغاية مفادها أن نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار في هذه المرحلة. لماذا يفعل ذلك؟! إذا كانت أميركا لا تجعله يدفع الثمن لكونه أكبر معرقل لوقف إطلاق النار".
غطاء سياسي أميركيوانتقد بايدن وإدارته نتنياهو في الماضي. ففي أبريل/نيسان، قال بايدن إن نتنياهو يرتكب خطأ في تعامله مع الحرب في غزة، ثم في أوائل يونيو/حزيران، أشار بايدن إلى أن نتنياهو يطيل أمد الحرب لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية.
ورغم الانتقادات، فإن إدارة بايدن رفضت فرض شروط على دعمها لحكومة نتنياهو. وقال بزي "لدى بايدن رافعتان مهمتان للغاية، الأولى الاحتفاظ بالمساعدات العسكرية أو تكييفها، والثانية هي الغطاء السياسي في مجلس الأمن أو الهيئات الدولية الأخرى ويبدو أنه لا يستخدمهما".
وقد أدى الفشل في محاسبة نتنياهو وإسرائيل إلى تساؤلات عن مسؤولية الولايات المتحدة عن تدمير غزة. وقال غيلبير الأشقر، أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، إن "بايدن متواطئ تماما في هذه الحرب التي لم تكن ممكنة في المقام الأول دون الدعم والغطاء الأميركي الكامل".
وأضاف الأشقر أن "هذه المفاوضات كان محكوما عليها بالفشل منذ البداية، إنها في الأساس مضيعة للوقت. الوظيفة هي أن تحاول إدارة بايدن إظهار أنها تفعل شيئا ما. لكنني أعتقد أنهم يعرفون جيدا أن هذا لا يؤدي إلى أي شيء، لأن الفجوة بين ما يريده نتنياهو وما تطلبه حماس واسعة جدا بحيث لا يمكن التغلب عليها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وقف إطلاق النار أن نتنیاهو فی غزة من غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
نيران الاحتلال تحصد أرواح الفلسطينيين.. نزيف غزة يتواصل قرب «المساعدات»
البلاد ـ غزة
في مشهد يتكرر منذ أسابيع، تحوّل انتظار المساعدات في غزة إلى مأساة جديدة، بعدما فتح الجيش الإسرائيلي نيرانه فجر أمس (الأربعاء) على تجمعات من المدنيين قرب حاجز نتساريم، ما أسفر عن مقتل 25 فلسطينياً على الأقل، وإصابة نحو 90 آخرين، وفق مصادر طبية.
الهجوم الذي وقع بينما كان مئات المواطنين يحاولون الوصول إلى مركز توزيع المساعدات، أعاد إلى الواجهة الانتقادات المتزايدة للآلية الحالية لإيصال الدعم الإنساني، والتي تُدار بشكل مشترك بين جهات أميركية وإسرائيلية، عبر ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”.
وأكد شهود عيان، أن الطواقم الطبية لم تتمكن من الوصول إلى بعض المصابين نتيجة كثافة إطلاق النار، ما أثار موجة استنكار جديدة من منظمات الإغاثة الدولية التي وصفت الوضع بأنه “كارثي وغير مقبول”، واعتبرت أن استمرار سقوط الضحايا خلال محاولات الحصول على الطعام “يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني”.
وفي تطورات ميدانية أخرى، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المكثف على مناطق عدة في القطاع، أبرزها النصيرات وخان يونس، حيث استهدفت غارات خيام نازحين في منطقة المواصي، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين. كما قصفت البوارج الإسرائيلية السواحل الغربية للقطاع، ضمن حملة عسكرية مستمرة منذ نحو تسعة أشهر.
تأتي هذه التطورات وسط حديث متصاعد عن “انفراجة محتملة” في مسار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، حيث كشفت القناة 13 العبرية أن تل أبيب وافقت مبدئياً على مقترح أميركي جديد لوقف إطلاق النار، يتضمن إطلاق سراح رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة على مراحل، مقابل هدنة تدريجية تمتد لـ60 يوماً.
وبحسب ما نقلته صحيفة جيروزالم بوست، فإن حركة حماس تدرس حالياً الرد على المقترح، الذي يشمل أيضاً مفاوضات سياسية موازية للتوصل إلى تسوية دائمة، بضمانات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف.
يقضي المقترح، وفق تسريبات إعلامية، بالإفراج عن 10 رهائن أحياء على مرحلتين، مع التزام الطرفين بوقف شامل لإطلاق النار طيلة فترة التنفيذ، ثم الدخول في مفاوضات حول بقية الملفات العالقة، بما في ذلك تبادل رفات القتلى والانسحاب من بعض المناطق.
ويبدو أن الصفقة تحظى بدفع دولي قوي، خاصة من الولايات المتحدة، إضافة إلى دور متجدد للوساطتين القطرية والمصرية. في المقابل، لم تصدر حركة حماس حتى الآن بياناً رسمياً بشأن المقترح، رغم تأكيد مصادر مطلعة أنها تعد رداً محدثاً قد يفضي إلى “تطور إيجابي” في الأيام القليلة المقبلة.
في غضون ذلك، يتواصل تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار واسع للبنية التحتية الصحية والخدمية.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة: “لا يمكن الاستمرار في استخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط عسكرية أو سياسية. ما يحدث في غزة الآن قد يشكّل وصمة عار في التاريخ الحديث”.
ومع اقتراب الحرب من شهرها التاسع، يبقى الأمل معلقاً على نجاح المبادرات الدولية في وقف النزيف، وفتح أفق حقيقي لحل جذري يُنهي معاناة المدنيين ويعيد للمنطقة شيئاً من التوازن والاستقرار.