عن رحيل المخرج خليفة الطائي
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
لا يمكن لمن يوَثِّق لتاريخ الدراما في إذاعة سلطنة عُمان أن يتجاهل تلك القامات الكبيرة التي كان لها الفضل في ظهور الدراما العمانية، فقد شهدت الإذاعة إنتاجًا دراميًّا غزيرًا، تاريخيًّا، اجتماعيًّا، كوميديَّا، تمثيليات أسبوعية ورباعيات، كلها في دورة برامجية واحدة تقريبًا .
برحيل الزميل الكاتب والمخرج الإذاعي خليفة بن صالح الطائي، يوم أمس الأحد الأول من سبتمبر 2024، فقدت الأوساط الإعلامية والفنية العمانية أحد الرموز المهمة التي أوجدت الدراما الإذاعية في عُمان؛ فبعد مشوار طويل من العطاء في المجال الإعلامي عامة وفي مجال الدراما بشكل خاص، زادت على أربعة عقود، ترك خليفة في مكتبة الإذاعة الكثير من التمثيليات والمسلسلات والبرامج ما بين تأليف وإعداد وإخراج.
كان دخول خليفة الطائي إلى مبنى الإذاعة في بيت الفلج لأول مرة في شهر نوفمبر من عام 1970، بعد افتتاح الإذاعة العُمانية بشهرين تقريبًا، وكان في مقتبل عمره، ولكنّ الحماس كان هو المسيطر والسائد لدى كلِّ الذين اشتغلوا في تلك الفترة، وقد تصادف أن يكون يومُ تعيين خليفة الطائي هو نفس اليوم الذي تعين فيه الأديب أحمد الفلاحي في الإذاعة؛ فكانا ضمن تلك الكوكبة الأولى التي أسست للعمل الإعلامي، ووضعت اللبنات الأولى والأساسية للإذاعة وللتلفزيون فيما بعد.
إيمانًا من خليفة الطائي بأنّ الدراما هي أسرع مادة إعلامية يمكن أن تؤثر في الناس، اتّجه إلى التأليف والإخراج الدرامي، فكان ثاني شخص يكتب الدراما في عُمان، بعد الراحل عبدالحليم بن محمد، الذي ألف أول تمثيلية تبث عبر أثير الإذاعة وذلك عام 1971، تحت عنوان «طلب العلم»، فيما ألف خليفة أول تمثيلية له تحت عنوان «طيع من يرشدك إلى الخير».
في حديثه عن ذكرياته مع الإذاعة، ذكر خليفة الطائي للزميل محمود بن عبيد الحسني في برنامجه «ساعة من أرشيف الإذاعة» في حلقة أذيعت بتاريخ 2 مايو 2014، أنّ العمل في الدراما في الماضي كان أسهل بكثير من الوقت الحاضر؛ فلم تكن هناك لائحة للأجور، إذ كان الكلُّ يعمل بدون مقابل، وكانت الفرصة متاحة لكلِّ من يملك موهبة في الكتابة أن يقدِّم عمله إلى الإذاعة، فتتم مراجعته وإن تطلَّب التعديل يتم ذلك بالاتفاق مع المؤلف، أمّا عن الممثلين فقد كان يتفق معهم خليفة نفسه أو أيّ مخرج آخر. وكان أشهر مخرجي الدراما في الإذاعة العمانية في بداياتها هم عبد الحليم بن محمد، وخليفة بن صالح الطائي، ومحمد بن ناصر المعولي، وكذلك الراحل جمعة بن سالم الخصيبي الذي كان ممثلًا بجانب عمله كمخرج للدراما، قبل أن ينضم إلى الإخراج الدرامي جيلٌ آخر مثل: أحمد بن سعيد الإزكي، وسعود بن سالم الدرمكي، وطالب بن محمد البلوشي، ومحمود بن عبيد الحسيني؛ وكان من أبرز المخرجين العرب الذين عملوا في مجال الدراما الإذاعية محمد مرعي ومحمد حامد؛ أما أبرز المؤلفين في فترة السبعينيات فكانوا عبد الحليم بن محمد، وحامد مزار، وصالح شويرد، قبل أن ينضم الكثيرون إلى القائمة خاصة في منتصف الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت طفرة كبيرة في مجال الإنتاج الدرامي في الإذاعة، شارك في التأليف فيها كتَّاب عرب مثل إبراهيم شعراوي، مصطفى حشيش، أبو الوفا القاضي، وإبراهيم صالح وغيرهم، أما العمانيون فكان أبرزهم أحمد بن درويش الحمداني الذي شكّل قفزة في مجال الدراما العمانية.
من التمثيليات الأولى التي بثتها الإذاعة من إخراج الراحل خليفة الطائي، تمثيلية اجتماعية بعنوان «الأمل الكبير»، تأليف رحيمة حبيب، وتمثيلية «الرسالة البريئة» تأليف سعيد علي سعيد، وإعداد حمود بن سالم السيابي. وما بين تمثيلية «طيع من يرشدك للخير»، ومسلسل «جرح على صدر الزمن» وهو آخر مسلسل إذاعي كتبه وأخرجه خليفة الطائي قبل أن يتقاعد عن العمل في يناير 2015، ترك خليفة إرثًا كبيرًا من المسلسلات والتمثيليات، وقدّم للدراما والفن العمانييَّن العديد من الأعمال المميّزة مثل مسلسل «وعاد الربيع»، الذي أخرجه تلفزيونيًّا حسن حافظ، والعديد من الأعمال الدرامية المميّزة، إلا أنّ عمله لم يقتصر على الدراما فقط، فقد ساهم في إخراج الكثير من البرامج الإذاعية، قد يكون أشهرها برنامج «بلدي عُمان» الذي كان يُبثُّ يوم الجمعة، إذ قام الطائي وفريق إذاعي متكامل بزيارة عُمان كلِّها من أقصاها إلى أقصاها، وغطى الكثير من المناطق، إذ كان هناك فريقٌ متكاملٌ يشارك في التغطية، منهم من الكوادر المصرية التي عملت في عمان، صبري يس، وزكريا شليل، وجودت بسيوني، إضافةً إلى العمانيين مثل: محمد المرجبي، وأحمد بن خميس الحوسني، وعيد بن حارب المشيفري، وسالم بن سيف العادي، وهو أول معلق رياضي عُماني؛ ومن الفنيين سليمان بن سالم الغافري ومسلم بن سعيد الشكيري وسالم بن حمود الإسماعيلي وغيرهم، وقد نال البرنامج شهرةً كبيرةً؛ لأنّه خرج بالميكروفون من مقر الإذاعة بالقرم إلى الجبال والأودية والصحاري، وكان منوَّعًا، إذ شملت لقاءاته المسؤولين الرسميين من ولاة وغيرهم إلى كافة القطاعات الرسمية، وكذلك الأنشطة الرياضية والثقافية والشعبية، لذا كان الفريق يضم مذيعين رسميين ورياضيين وشعبيين.
كان مكتبي في الإذاعة في فترة الثمانينيات قريبًا من أستوديوهات الإذاعة في الدور الأرضي، لذا كنتُ شاهدًا على تلك الزحمة التي سبّبتها الدراما الإذاعية، فقد كانت الأستوديوهات والمكاتب وممرات الإذاعة خلية نحل من كثرة الممثلين والممثلات، وكنا نشاهد يوميًّا وجوهًا مألوفةً ووجوهًا جديدةً؛ فاحتلت الدراما نسبة مئوية مرتفعة في البرنامج اليومي، إذ كان هناك أكثر من مسلسل وأكثر من تمثيلية في اليوم، كما أننا طوّعْنَا التمثيليات في برنامج «البث المباشر»، حيث كنا نبث تمثيلية بسيطة بعد أن نطرح موضوع النقاش كتمهيد لما سيتم طرحه في البرنامج.
لا يمكن لمن يوَثِّق لتاريخ الدراما في إذاعة سلطنة عُمان أن يتجاهل تلك القامات الكبيرة التي كان لها الفضل في ظهور الدراما العمانية، فقد شهدت الإذاعة إنتاجًا دراميًّا غزيرًا، تاريخيًّا، اجتماعيًّا، كوميديَّا، تمثيليات أسبوعية ورباعيات، كلها في دورة برامجية واحدة تقريبًا. وقد أنجبت تلك الفترة الكثير من الكُتّاب والمخرجين والممثلين الذين أثبتوا حضورهم على الساحة وحصدوا جوائز على مستوى الوطن العربي، منهم الراحل خليفة بن صالح الطائي، وطالب بن محمد البلوشي (نجم حياة الماعز)، وفخرية خميس، وشمعة محمد، فضلًا عن كتّاب مميّزين، مثل صالح شويرد، أحمد بن درويش الحمداني، وأحمد الأزكي، ويعقوب الحارثي، ورحمة بنت علي صالح، وغيرهم ممّن تحضرني أسماؤهم وممّن تغيب عني، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وتلك سنة الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدراما فی فی الإذاعة الکثیر من فی مجال أحمد بن بن سالم بن محمد
إقرأ أيضاً:
الطفلة «مريم».. قصة تعافٍ في «خليفة الطبية»
هدى الطنيجي (أبوظبي)
أخبار ذات صلةأعلنت صحة، إحدى شركات «بيور هيلث»، أكبر مجموعة للرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط، عن نجاح علاج وتعافي الطفلة مريم سليمان البالغة من العمر 11 عاماً، بعد تشخيص إصابتها بعدوى نادرة وخطيرة في عظام الجمجمة والوجه في مدينة الشيخ خليفة الطبية.
قصة «مريم» بدأت بالتهاب جيوب أنفية بسيط، تطور لاحقاً إلى حالة حادة ومهددة للحياة، حيث أُصيبت بالتهاب بعظام الجبهة وتورم يُعرف طبياً باسم «ورم بوت المنتفخ»، أدى إلى حدوث مضاعفات وتدهور الحالة وتكوين خراج داخل الجمجمة، مما تطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً ومتخصصاً بدرجة عالية.
وقالت والدة «مريم»: كانت ابنتي تعاني ألماً مستمراً في الجبهة، وتورماً، وإرهاقاً عاماً وقد لاحظنا تغيّبها المتكرر عن المدرسة، وعزوفها عن اللعب، وفقدانها لنشاطها ومرحها المعتاد، وبعد تقييم شامل من قِبل قسم الأنف والأذن والحنجرة في مدينة الشيخ خليفة الطبية، تم تأكيد التشخيص، التهاب بكتيري حاد بالجيوب الأنفية مع مضاعفات خطيرة متعددة.
وأضافت: «كأم، لا يوجد ما هو أصعب من رؤية ابنتي تتألم دون أن أتمكن من مساعدتها – خاصةً عندما أوضح الأطباء خطورة حالتها، وتم تحويلنا إلى مستشفى مدينة الشيخ خليفة الطبية، حيث إنه متخصص في هذه الحالات المعقدة، عندما التقينا بالدكتور ريمون بعزق، شعرنا أخيراً بالأمل، شرح لنا كل شيء بلطف واهتمام، ومنحنا الثقة التي كنا نحتاجها، ونحن نعبّر عن امتنانا العميق للخبرة والرعاية والإنسانية التي أبداها الدكتور ريمون وفريق الأنف والأذن والحنجرة بأكمله».
نوع من البكتريا
وتابعت: قصة «مريم» بدأت عندما كانت تقضي وقتاً ممتعاً في المسبح مع أصدقائها، لتتعرض إلى نوع من البكتيريا التي كانت أعراضها ارتفاع درجة الحرارة، حيث اتجهت بها إلى أحد المستشفيات مباشرة، ولم يتمكنوا من معرفة السبب، ولم يكن هناك أي شيء واضح بعد الكشف عليها، ليطلب منا الدكتور الانتظار قليلاً لأيام، ولكن الحرارة ما زالت مرتفعة.
وأضافت: بعد أيام تواصلت مع أخي وهو دكتور، فقال إنها ربما تعرضت إلى التهاب جيوب حاد، وإن الألم يمكن أن يصل إلى العظم، لأتجه بها إلى المستشفى، وعملنا صوراً وأشعة ليتضح وجود التهاب جيوب حاد مع وجود صديد واضح جهة العظم، ليصرف لها الدكتور مضاداً حيوياً لتصبح بحالة جيدة، ثم بعد 10 أيام عادت مريم مرة أخرى إلى هواية السباحة وهي في مرحلة العلاج، لتتعرض إلى ضربة في الرأس بنفس المنطقة، وفي اليوم الثاني تفاجأنا بانتفاخ وجهها، لأتواصل مع الطبيب الذي طلب إعطاءها مسكناً وفي اليوم الثاني كانت بصحة جيدة، بعد أسبوعين خرجنا مع الأهل في رحلة قصيرة لتأتي يد أخيها على رأسها فتشعر بالألم، واستيقظت من النوم في اليوم التالي وهي تعاني من انتفاخ شديد في الوجه لأتجه بها إلى المستشفى، حيث أدخلت الطوارئ في أحد المستشفيات بعد الأشعة والتصوير، فطلب التوجه بها إلى طوارئ مستشفى مدينة الشيخ خليفة الطبية وإلى طبيب اختصاص جراحة أعصاب الأطفال.
عملية مباشرة
وأشارت إلى أنه تم تحويلها إلى طبيب الجيوب والأنف والحنجرة، الذي طلب إجراء عملية مباشرة لـ «مريم»، موضحاً أن هناك كيساً في الجمجمة وأن جزءاً من الجمجمة متهشم ويوجد صديد خارج هذه المنطقة، حيث طلب مني أخذ قرار بشأن العملية، وفي حال لم تدخل العمليات مباشرة يمكن أن يصعب الوضع، لتخضع لعملية استمرت لمدة 5 ساعات ونصف الساعة، وتم وضع صفيحة في المنطقة التي تعرضت إلى تهشم عظام مع جراحة تجميلية، وهي اليوم تلعب وتبتسم وعادت إلى طبيعتها من جديد.
التخطيط الجراحي
قال الدكتور ريمون بعزق، طبيب استشاري – مناظير الأنف والجيوب الأنفية في مستشفى مدينة الشيخ خليفة الطبية: تم تنفيذ خطة جراحية دقيقة ومعقدة للطفلة «مريم»، شملت تنظيف الجيوب الأنفية بالمنظار وتصريف الخراج في الجبهة والخراج داخل الجمجمة، وإزالة العظم والأنسجة المصابة، وإعادة بناء عظمة الجبهة باستخدام شبكة من التيتانيوم مصممة خصيصاً.
وذكر أن هذه حالة معقدة تضمنت عدوى وأضراراً هيكلية في الوقت ذاته، مضيفاً: «هدفنا لم يكن فقط علاج المرض، بل استعادة صحة مريم وجودة حياتها، وأنا فخور بقوتها وبالنتائج التي تحققت بعد الجراحة».
وأشار إلى أن الجراحة تكللت بالنجاح، حيث اختفى الألم، واستعادت مريم طاقتها، وأُعيد تشكيل جبهتها بنتائج وظيفية وتجميلية ممتازة، وقد عادت الآن إلى مدرستها وروتينها اليومي بكل حيوية وابتسامة.
وقال: تستمر مريم في تلقي الرعاية الدورية في العيادات الخارجية بمدينة الشيخ خليفة الطبية لضمان استقرار حالتها على المدى الطويل، حيث تمثل قصة مريم تذكيراً قوياً بأهمية التشخيص المبكر، والرعاية المتخصصة، وقوة الروح الإنسانية، ونحن في مدينة الشيخ خليفة الطبية نفخر بكوننا جزءاً من رحلة تعافيها، ونواصل التزامنا بتقديم رعاية صحية عالمية المستوى تتمحور حول المريض وكرامته.