مذكرات مغترب في دول الخليج العربي ( ٥ )
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
كانَ الوقتُ لَيلاً عِندَما وصْلتُ إلى تثليث بِصُحْبَة ساعي البَريد في أوَّلِ قُدُومٍ لها . ولمْ أعْرِفْ فيها " صَرْفاً ولا عَدْلاً " ،
إذْ لمْ تكُن بها كَهرُباء غَيرَ أنَّ السَّائقَ أوصَلَني إلى سَكَنِ أحَدِ السُّودانيين المَعرُوفِين في البَلدةِ ، وقدْ كانَ مِيكانيكياً مِن جِهة الدَمازِين وقد اشْتُهِر في أوسِاطِ السودانيين ب " حمد ود الطَّاهِر " .
في أوَّلِ النَّهار - وقد تَرَكني صاحبُ البيتِ وذَهَبَ إلى عَملهِ - لم يهنأ لي بالٌ ولم يهدأ لي خاطِر ! فقد وجدتُ أربعةَ عقارِب كبيرةٍ سوداءَ الواحدِةُ منها مِثلَ ظاهِر الكَفِّ في حجمِها - واللهُ على ما أقولُ شهِيد - وجَدتُها في زوايا الغُرفةِ وواحدةً على رِجْل السَّرير !!! ( يا نهار زي بعضُه ) ( كما يقول المصريون ) ! حلَّ المسَاءُ ولمْ تكنْ هُنالك كهرباء . كانتْ البُيوت تُضَاءُ بِمصابيحَ الواحدُ منها يُسمَّى " اللَتْرِيك " وتعملُ بالغاز وتُشبِه " الرتاين" عندنا إلى حدٍّ ما . حملتُ اللتريك بعد المَغرِب وطُفتُ بأرجاءِ الحُوش خوفاً من مزيدٍ من العقاربِ تُباغِتُنا ونحنُ نِيام - أي والله لهذه الدرجة !!! فَطَمأنني ود الطاهر أنها ليستْ كثيرة ! شَكرتُه على الاستضافةِ ورحلتُ عنه بعدَ يومين إلى بيتٍ آخَر مع مجموعةٍ من الشَّبابِ السُّودانيين .
تثليث قريةٌ كبيرةٌ
تتألفُ مِن عِدة أحْياء تتناثرُ حول وادٍ ضَخمٍ يَجرِفُ معه وأمامَه كُلَّ شئٍ مهما كَبُر حَجمُه وذلك حين هُطُولِ الأمطارِ في أعالي أبْهَا البَهِيَّة - كما يُسمُّونها . وكذلك تتناثرُ الأحياءُ السَكنِّية أسفلَ الجِبال الصَّغيرةِ المُخْضَرَّة بعيداً عن مَجرَى السَّيل وتُسْفِرُ البَلدةُ عنْ جَمالِها حين تهدأُ ثورةُ الوادي وتنحَسِر المِياه عن جانِبيه . بالبلدةِ عددٌ مِن مزارعِ النَّخيل والخُضَر والفواكِه التي تنتشرُ كذلك هنا وهناك . لم يكُن بالبلدةِ مَخبزٌ وكانَ الناسُ يَجلبونَ خُبزَهم من مناطقَ أُخرى بعيدةٍ بِكمياتٍ وفيرةٍ تُوفّر عليهم جُهد المِشوار أكثرَ من مَرةٍ في الأسْبوع . وكانتْ مياهُها مالِحةٌ مُلُوحةً شديدةً وكُنَّا نشتري " وايت " الماءِ العذبِ " tank " الصغير بِثمانين ريالا والكبير بمائة ريال . وكانت خزاناتُ المياهِ أرضيةً تُحفَر عميقةً مُستطيلةٌ وتُمسَحُ وتُبلّطُ وتُغطَّى بغِطاءٍ أسمنتي لِحفظِ المياه العذبة بِداخلها .
سُكانُ تثليث جُلُّهم قَحْطانِيون يُقالُ ( قحاطين ) وهم كُرماءٌ نَشامَى ( مفردها نشمي وهو الشُّجاع المِقدام ) . ونساؤهم صَبايا في غايةِ الجَمالِ وعُيونُ المَها فيهِن حقيقةٌ وليستْ خَطرَفةَ شاعرٍ مُلتاع ، وكُنَّ - كُلُّهن - يرتدِين ال " ماكسي" ( فستان طويل ) بألوانٍ زاهيةٍ ويُغطِّي البُرقعُ الرأسَ والوَجه إلا أنّه خفيفٌ وشفيفٌ على الوجهِ وتَبدُو معه المَلامِحُ واضِحةً جلِّية . وإذا أردتَ أنْ تَعرِفَ جَمالَ البَدويَّات عند آل قحطان فعليك بِسوقِ الاثنين والذي يَجمعُ العالَمِينَ مِن كُلِّ حَدبٍ ينْسِلون. وهذا السُّوق عِبارةٌ عن منطقةٍ فسيحةٍ مفتوحةٍ مُسفلتةٍ خاليةٍ إلا مِن "الصيوانات " التي تُنصَبُ في يومِ السوق لِعرضِ البِضاعةِ المُتَنوِّعَة والشَّاملة لِكُلٍّ شئ بما فيها الأدواتِ المنزلية. وبالبلدةِ مركزٌ للشُّرطةِ وأمَارةٌ ( يرأسُها أميرُ قبيلةٍ ) وبها بَلديةٌ كذلك .
-------------------------------------
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج يستعرض إنجازاته
اختتم المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، مشاركته في الاجتماع الرابع عشر لمجلس الأمناء في العاصمة مسقط، بحضور ممثلي الدول الأعضاء في المكتب، ورئاسة سليمان بن حمود الحراصي، مستشار وزيرة التربية والتعليم في سلطنة عُمان ورئيس المجلس في الدورة الحالية، وبحضور مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم بسلطنة عُمان.
مثّلت هذه المشاركة محطة مهمة لاستعراض جهود المركز وبرامجه الرائدة في تطوير تعليم اللغة العربية وتعلمها، حيث عبّر الدكتور عيسى صالح الحمادي، مدير المركز، عن بالغ الشكر والتقدير لوزارة التربية والتعليم في عُمان على استضافتها الكريمة، وحسن تنظيمها للاجتماع وبرنامجه المصاحب.
واستعرض المركز أبرز ما تحقق من إنجازات، خلال الدورة السابقة، وأزاح الستار عن برامجه الجديدة ضمن الدورة الحالية، والتي انطلقت منذ يناير/كانون الثاني 2025، وتتضمّن باقة من الدراسات النوعية، مثل دراسة تنمية مهارات القراءة والكتابة في مرحلة الطفولة، ودراسة تطوير تعليم اللغة العربية للصفوف العليا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وفي ختام الاجتماع، ثمّن المجلس جهود سلطنة عُمان في إنجاح اللقاء، معرباً عن تقديره لحسن الاستقبال وكرم الضيافة وأصالة التنسيق، مقدمين الشكر إلى مديحة الشيبانية، فيما تضمّن البرنامج المصاحب زيارات ميدانية لعدد من المؤسسات التربوية والثقافية، أبرزها المعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين ودار الأوبرا السلطانية وبعض المعالم التاريخية البارزة في العاصمة مسقط.