مغبة الحرب المحتملة.. واشنطن: لا يمكن التكهن بهجوم إيران على إسرائيل
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
بغداد اليوم - متابعة
قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، اليوم الثلاثاء (3 أيلول 2024)، إن الولايات المتحدة لا يمكنها التكهن بالهجوم الإيراني على إسرائيل ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وذكر كيربي في مؤتمر صحفي، أنه "لا نتكهن بما إذا كانت إيران ستنفذ تهديدها بمهاجمة إسرائيل أم لا، ونأخذ هذا التهديد على محمل الجد".
وقد تعهد كبار المسؤولين في إيران بالانتقام والثأر لدماء إسماعيل هنية الذي أُغتيل في محل إقامته شمال طهران في 31 من تموز الماضي.
وفيما يتعلق بالأوضاع في غزة وإمكانية التوصل لوقف إطلاق النار، قال كيربي: "الاتفاق الذي نعمل عليه والذي يتضمن في المرحلة الأولى انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان بما فيها معبر فيلادلفيا".
وأضاف، أن "هذا الاقتراح يؤكد على انسحاب القوات الإسرائيلية من فيلادلفيا شرقا، وهذا هو البند الأساسي الذي لن يتغير".
وتصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل في الآونة الأخيرة، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل حول احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين. وفي هذا السياق، أكدت واشنطن أن التكهن بحدوث هجوم إيراني على إسرائيل أمر صعب للغاية.
المسؤولون الأمريكيون يشيرون إلى أن الوضع في المنطقة معقد ومليء بالعوامل المتغيرة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بتصرفات إيران. ورغم التهديدات المتبادلة والخطاب العدائي بين الجانبين، فإن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب وتواصل العمل على تجنب تصعيد كبير في المنطقة.
وتتخذ واشنطن موقفًا حذرًا، حيث تدرك أن أي مواجهة مباشرة قد تكون لها عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي والدولي. لذلك، تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز التحالفات مع حلفائها في المنطقة والعمل على إيجاد حلول دبلوماسية لخفض التوترات.
جون كيربي: الولايات المتحدة تعمل على اتفاق يشمل في مرحلته الأولى انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك معبر فيلادلفيا.
هذا التصريح يشير، وفق مراقبين، إلى أن الجهود الدبلوماسية الأمريكية تركز على تقليل التوترات العسكرية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، كخطوة أولية نحو التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
المعبر الفاصل بين غزة ومصر يعد نقطة استراتيجية وحساسة، ويعتبر الانسحاب منه جزءًا مهمًا من أي اتفاق يمكن أن يساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتحقيق هدنة مستدامة.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
اتفاق غزة يربك وكلاء إيران: الحوثي في مهب الصفقة الكبرى بين واشنطن وطهران.. هل بدأ تفكيك المحور؟
بعد إعلان الأطراف قبول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، وتحديد موعد لاجتماعات في شرم الشيخ، بدا المشهد الإقليمي وكأنه يدخل مرحلة إعادة ترتيب واسعة تتجاوز حدود القطاع المحاصر. غير أن التصريح المفاجئ لترامب، بأن خطة السلام الجديدة «تتجاوز غزة لتشمل إيران»، فتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مصير الوكلاء الإقليميين الذين شكّلوا لسنوات أذرع طهران الممتدة في المنطقة، وفي مقدمتهم مليشيا الحوثي في اليمن، التي وجدت نفسها فجأة خارج دائرة الضوء بعد أن كانت تُستخدم كورقة ضغط سياسية وعسكرية في المساومات الكبرى.
منذ بداية التصعيد في غزة، حاول الحوثيون تقديم أنفسهم كجزء من «محور المقاومة»، واعتبروا هجماتهم في البحر الأحمر والخليج العربي استجابة «شرعية» لمعركة الأمة مع إسرائيل، لكن التطورات الأخيرة أظهرت أن الميدان تغيّر، وأن اللعبة لم تعد تدور حول الشعارات، بل حول من يملك القدرة على التأثير في ميزان الأمن الإقليمي، ومع دخول مصر مجددًا إلى واجهة التفاوض من بوابة شرم الشيخ، بدا أن الدور الإيراني ذاته يخضع للمراجعة في ضوء ما وصفه ترامب بـ«الصفقة الكبرى مع طهران»، وهي الصفقة التي قد تُفرغ الكثير من الوكلاء من مضمونهم الاستراتيجي إذا تم تثبيت تفاهم أمريكي – إيراني جديد.
بالنسبة للحوثي، فإن المشهد الجديد يضعه أمام خيارات محدودة ومعقدة، فإيران التي كانت توفر له الحماية السياسية والغطاء العسكري قد تُضطر إلى تخفيض مستوى دعمها العلني إذا أرادت تجنب أي تصعيد مع واشنطن أو حلفائها، بينما لا يستطيع الحوثي أن يتحرك بحرية خارج إرادة طهران لأنه بنيويًا جزء من مشروعها الإقليمي، ومن ثم فإن أول رد فعل متوقع هو التصعيد البحري المتقطع لإبقاء صورته كذراع فاعلة في المواجهة، دون الوصول إلى حدّ يحرج إيران أو يعطل مسار التفاهم الدولي الجديد.
في المقابل، ثمة احتمال آخر يتمثل في لجوء الحوثيين إلى المناورة السياسية، بالحديث عن «حل وطني يمني شامل» ومحاولة فتح قنوات تواصل خلفية مع أطراف عربية، وخاصة سلطنة عمان أو مصر، في محاولة لتقديم أنفسهم كقوة أمر واقع يمكن التفاهم معها، وهو تكتيك يشبه إلى حدّ بعيد ما فعله «حزب الله» بعد حرب 2006 حين سعى إلى ترميم صورته السياسية داخليًا بالتوازي مع بقائه العسكري ضمن مشروع إيران الإقليمي. ومع ذلك، يبقى الفارق الجوهري أن حزب الله كان جزءًا من منظومة لبنانية فيها توازن داخلي هش يسمح بالتعايش، بينما الحوثيون يسيطرون بالقوة على العاصمة صنعاء دون شرعية سياسية أو اجتماعية جامعة، ما يجعل مسارهم نحو الاعتراف أصعب بكثير.
وتاريخيًا، حين تدخل إيران في مفاوضات كبرى، فإن أولى ضحاياها هم الوكلاء الصغار، فقد حدث ذلك في العراق حين تم تهميش بعض الفصائل الشيعية المسلحة بعد تفاهمات طهران مع واشنطن عام 2015، وحدث في سوريا بعد اتفاق مناطق خفض التصعيد في أستانة حين تم استبعاد ميليشيات ثانوية من المشهد الميداني، واليوم قد يتكرر المشهد في اليمن إذا قررت طهران تقديم الحوثي كورقة تهدئة مقابل مكاسب أكبر في الملف النووي أو في إعادة دمجها في الاقتصاد العالمي.
أما من زاوية الأمن الإقليمي، فإن اتفاق غزة – إيران إذا ما تطوّر إلى تفاهم فعلي، قد يفتح الباب أمام إعادة صياغة منظومة الأمن البحري في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث ستتجه الولايات المتحدة إلى تحييد بؤر التوتر المرتبطة بالوكلاء الإيرانيين، وهو ما يعني أن الحوثيين سيخسرون واحدًا من أهم أدواتهم في الابتزاز الإقليمي، وهذا بدوره سيؤثر على مصادر تمويلهم غير المشروعة، خصوصًا تهريب السلاح والمخدرات عبر البحر الأحمر و خليج عدن الذي يشهد منذ مطلع العام ضبط شحنات كبيرة من قبل قوات المقاومة الوطنية، وهو ما يعكس تضييقًا متزايدًا على شبكات الحوثي اللوجستية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
وعلى المستوى الداخلي، فإن تراجع الدور الإيراني المباشر سيُحدث ارتباكًا في قيادة الجماعة الحوثية نفسها، بين جناح عقائدي متشدد يرى في طهران مرجعية دينية وسياسية لا يمكن تجاوزها، وجناح براغماتي يبحث عن مخرج سياسي يضمن بقاء النفوذ داخل المناطق التي يسيطر عليها، ما قد يفتح الباب أمام انقسامات داخلية غير معلنة، تشبه ما حدث داخل الحرس الثوري الإيراني عقب الاتفاق النووي عام 2015 حين برزت خلافات بين التيار الثوري المحافظ وتيار البراغماتيين بقيادة روحاني وظريف.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن الحوثيين يقفون اليوم أمام لحظة حاسمة، فإما أن يتحولوا إلى مجرد ورقة ضغط هامشية في صفقة إقليمية أكبر، أو أن يعيدوا تعريف أنفسهم كقوة محلية ذات أجندة يمنية، لكن الخيار الثاني يبدو شبه مستحيل في ظل بنيتهم العقائدية المغلقة التي تستمد شرعيتها من فكرة «الحق البطني» في الحكم وليس من مفهوم الدولة الوطنية. إن تراجع الحماية الإيرانية سيكشف هشاشتهم البنيوية، وسيفرض عليهم مواجهة الواقع الداخلي بلا غطاء خارجي، وهو ما لم يعتادوه منذ صعودهم العسكري عام 2014.
وهكذا، فإن السؤال الذي يبدو ساخرًا في ظاهره، «هل انفضّ المولد وخرج الحوثي بلا حمص؟»، قد يكون التوصيف الأدق للمرحلة القادمة، فالمولد الإقليمي لم يعد كما كان، والحمص الذي كان يُوزّع على الوكلاء لم يعد مجانًا، وكل طرف مطالب الآن بأن يدفع فاتورة بقائه من رصيده الذاتي لا من حسابات طهران أو مزاج واشنطن. إن زمن الوكلاء يقترب من نهايته، وما بعد اتفاق غزة لن يكون مجرد هدوء في ميدان غزة، بل إعادة رسم لموازين القوة في الشرق الأوسط برمّته، واليمن سيكون أحد مختبرات هذه المعادلة الجديدة.