هدى رؤوف.. إيران ودعم الدور الحوثي في البحر الأحمر
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
منذ أكثر من شهر ونصف الشهر قصفت الطائرات الإسرائيلية ميدان الحديدة في اليمن، وقد أعلنت إسرائيل أن الغرض من العملية هو الرد على هجوم الطائرات من دون طيار الحوثية على تل أبيب وتعطيل عملية إرسال الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.
كان هجوم إسرائيل على الحديدة الهجوم الأوسع الذي نفذته إسرائيل خارج حدودها، ولعل تل أبيب كانت تنوي بهذا الهجوم بعث رسالة إلى طهران وإظهار قوة قدراتها الجوية.
فمن ناحية قد يكون لتصعيد الصراع حول إسرائيل مزايا إستراتيجية لإيران، لكن المخاطرة بالنسبة إلى الأخيرة عندما يهدد هذا التصعيد الجهود الأميركية لإرساء الاستقرار في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها، ونتيجة لذلك قد يتسبب في مواجهة بين طهران وواشنطن.
مر أكثر من تسعة أشهر منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة، وأطلق الحوثيون ما يقارب 200 طائرة من دون طيار وصاروخ على إسرائيل، تم اعتراض معظمها، ومع ذلك لم يتم تحويل انتباه الجيش الإسرائيلي عن غزة أو الاشتباكات مع “حزب الله” على طول الحدود اللبنانية، وفي الـ19 من يوليو (تموز) الماضي، تجاوزت طائرة من دون طيار أطلقها الحوثيون اليمنيون الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتحطمت قرب السفارة الأميركية.
تباهى الحوثيون بالطائرة من دون طيار المستخدمة في الهجوم بأنها كانت من نوع جديد تمكن من الهرب من حاجز الدفاع الإسرائيلي، وتعد الطائرة من دون طيار من صنع إيران وتم تعديلها لزيادة مداها.
لقد وقع الهجوم الحوثي في وقت غير موات لإسرائيل. إذ يتعرض بنيامين نتنياهو لضغوط محلية ودولية متزايدة للموافقة على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وفي الوقت نفسه، عززت الاشتباكات المستمرة بين إسرائيل و”حزب الله” شبح فتح جبهة ثانية في شمال إسرائيل، وفي مثل هذا الوضع، كان على تل أبيب ألا تسمح لوكلاء إيران بالهجوم من جبهة تصعيد ثالثة دون رد. لذا ضربت طائرات مقاتلة إسرائيلية من طراز “إف-15″ و”إف-35” منشآت تكرير النفط وأصول القوات الجوية وأهدافاً أخرى في ميناء الحديدة اليمني على البحر الأحمر وما حوله.
وكانت الرسالة التي أرادت إسرائيل بعثها هي أنها لا تزال قادرة على القتال على عدة جبهات ويمكنها حتى مهاجمة الأراضي الإيرانية. والأهم من ذلك، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، أن الغارات الجوية على الحديدة تم تنفيذها دون مشاركة الولايات المتحدة.
وفى حين تستهدف الولايات المتحدة الحوثيين منذ تشكيل تحالف متعدد الجنسيات في ديسمبر (كانون الأول) 2023 لحماية الشحن البحري في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين. وعلى رغم تحالف الحوثيين مع إيران، فإن الهدف الرئيس للدور الجديد للحوثيين هو توسيع مناطق نفوذهم في اليمن شرقاً وجنوباً، وبخاصة إلى ميناء عدن، أي يستخدم الحوثيون أسلوب “حزب الله” للتغلب على معارضة منافسيهم في الداخل.
ويأمل الحوثيون، مثل “حزب الله” اللبناني، أنه من خلال مزاعم تخلق صدقية لأنفسهم في المقاومة ضد إسرائيل والتضامن مع الفلسطينيين، يمكنهم جذب مزيد من اليمنيين إلى جانبهم وزيادة قوتهم.
من بين وكلاء إيران في المنطقة، يتمتع الحوثيون بميزة لإيران بسبب وجودهم عند نقطة التقاء البحر الأحمر وبحر العرب. هذا الموقع يمكنهم من السيطرة على نقل التجارة الدولية عبر مناطق تتعامل مع 15 في المئة من التجارة العالمية، لذا قد تستهدف طهران في الأمد الطويل أن يكون اليمن بمثابة قاعدة لها، التي تسعى إلى تطوير قوتها البحرية. وفي الأمد القريب، سيساعد استمرار الصراع بين إسرائيل والحوثيين في زعزعة الدول الواقعة على البحر الأحمر.
أنشأت إيران شبكة من قوى المقاومة التي يمكنها مهاجمة إسرائيل من اتجاهات مختلفة لذا فإن إستراتيجية الأولى هي إضعاف قوة الأخيرة في أجنحتها الشمالية والجنوبية، وتأمل طهران أن يؤدي هذا إلى جعل المنطقة أكثر مرونة في مواجهة النفوذ الإيراني.
وفى حين أن أدوات واشنطن للتعامل مع إيران عدة ولكن منذ سقوط العراق عام 2003 ومن قبله طالبان بأفغانستان عام 2001 فإن سياسة واشنطن بالمنطقة كانت تنتهى لمصلحة إيران. لذا، فإن التحدي الذي يواجه الإدارة الأميركية المقبلة هو إما التوصل إلى تسوية وتفاهم مع إيران أو إيجاد طريقة لمواجهة إيران ودفعها خطوات للخلف في المنطقة، ويبدو أن واشنطن تفضل المسار الأول باعتباره أولوية.
إن دعم إيران لشبكة وكلائها سواء “حماس” أو الحوثيون أو العراق أو “حزب الله” الهدف منه تعزيز نفوذ إيران بالمنطقة وجعل أي سلام أو تسوية سياسية في الشرق الأوسط غير ممكن من دون وجود طهران ومشاركتها.
*نشر أولاً في “اندبندنت عربية”
*أستاذة مساعدة في العلوم السياسية وكاتبة متخصصة في الشأن الإيراني والإقليمي، لها دراسات عدة وتكتب في صحف عربية ومصرية
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر من دون طیار حزب الله
إقرأ أيضاً:
قائد النصر الموعود”.. الدور الاستراتيجي للسيد عبد الملك الحوثي في معركة إسناد طوفان الأقصى
يمانيون| تقرير: محسن علي
بينما كان العالم يترقب والمواقف الدولية تتأرجح بين الصمت والتواطؤ في خضم الأحداث المتسارعة التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، ، برز قائد واحد من خارج حدود فلسطين ليعلن موقفاً غيّر مجرى التاريخ وأعاد تعريف موازين القوى’ كان ذلك هو قائد المسيرة القرآنية في اليمن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ، الذي لم يكتفِ بالخطابات، بل حوّل الكلمات إلى أفعال وشعار الصرخة في وجه المستكبرين إلى صواريخ ومسيرات، والبحر الأحمر إلى ساحة مواجهة مباشرة نصرةً لغزة, مسطرا ملحمة تاريخية قيادة هذه الملحمة التاريخية, حيث بات يعرف في العالم برجل القول والفعل.
الرؤية الاستراتيجية.. قراءة مبكرة وتحديد للموقف
منذ الأيام الأولى للمعركة، تميز خطاب السيد عبد الملك الحوثي برؤية استراتيجية ثاقبة وقراءة دقيقة للمشهد, يمكن تلخيص رؤيته في النقاط التالية:
تحديد العدو الحقيقي
منذ خطابه الأول، حدد السيد القائد أن المعركة ليست مع الكيان الصهيوني فقط، بل مع رأسه المدبر وداعمه الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية, هذه الرؤية هي التي مهدت الطريق لاحقاً للمواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب وكافة نطاق مسرح العمليات اليمنية .
ربط الجبهات كواجب شرعي
لم يتعامل السيد عبد الملك مع القضية الفلسطينية كقضية سياسية أو قومية ، بل كـ”واجب ديني وإنساني وأخلاقي”هذا التأصيل العقائدي هو الذي منح الموقف اليمني زخماً شعبياً هائلاً وصلابة لا تلين، وحصّنه ضد الضغوط السياسية والاقتصادية.
استشراف المستقبل
في وقت مبكر، حذر السيد القائد من أن التخاذل عن نصرة غزة سيشجع العدو على استهداف بقية الدول العربية والإسلامية, وهو ما أثبتته الشهور الأخيرة في العام الثاني من معركة الطوفان حيث يوصل العدو توغله في سوريا وقيامه بقصف عدة مناطق في العراق وقطر وشنه الهجوم الأرعن على الجمهورية الإسلامية في إيران., لقد بنى قراره على قاعدة أن الدفاع عن غزة هو دفاع عن الأمة بأسرها, وأن غزة ومجاهديها هي المترس المتقدم لحماية الأمة من الاستباحة والتمدد والتوغل الصهيوني الذي يسعى لتنفيذه بوضوح ضمن ما يعلنه بشكل متكرر “إسرائيل الكبرى, والشرق الأوسط”.
القيادة الميدانية.. من القول إلى الفعل
لم تكن خطابات السيد عبد الملك التي بلغت ما يقارب 85 خطابا وبيانا رئيسيا وخصصها أسبوعيا لمعركة “طوفان الأقصى” وتطوراتها وذلك خلال الفترة الممتدة من 7 أكتوبر 2023- وحتى 7أكتوبر2025م مجرد بيانات إعلامية، بل كانت بمثابة أوامر عمليات مباشرة للقوات المسلحة اليمنية وجرعات وعي وبصيرة عالية ومحاولة مستمرة لاستنهاض ضمائر أبناء الأمة وتذكيرها بمسؤولياتها, حيث تجلى دوره القيادي في إدارة المعركة عبر عدة محاور:
إدارة التصعيد المدروس
قاد السيد الحوثي شخصياً استراتيجية المراحل الأربع الشهيرة، والتي بدأت بالضربات الصاروخية على إيلات، ثم حصار السفن الإسرائيلية، ثم مواجهة السفن الأمريكية والبريطانية، وصولاً إلى توسيع دائرة الاستهداف للمحيط الهندي والبحر المتوسط, هذا التدرج الذكي أربك العدو وأفقده القدرة على التنبؤ بالخطوة التالية:
التوجيه المعنوي وتعبئة الشعب
كانت خطاباته الأسبوعية بمثابة محطات رئيسية لتعبئة الشعب اليمني وشحذ هممه, لقد نجح في تحويل الموقف الرسمي إلى قضية شعبية، وهو ما تجلى في المسيرات المليونية غير المسبوقة التي تخرج في صنعاء وبقية المحافظات، والتي شكلت غطاءً ودعماً شعبياً هائلاً للعمليات العسكرية, وتأكيدا على وحدة الموقف والقضية والثبات والاستمرارية.
اتخاذ القرارات الحاسمة
في اللحظات المفصلية، لم يتردد السيد القائد في اتخاذ قرارات جريئة غيرت قواعد الاشتباك، وأبرزها:
قرار الاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر” الذي شكل صدمة للعالم وأعلن بدء الحصار البحري فعليا على الكيان الصهيوني.
قرار استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ايزنهاور” الذي كسر هيبة البحرية الأمريكية وأثبت أن اليمن لا يخشى المواجهة المباشرة.
قرار مواجهة العدوان الأمريكي البريطاني, بدلاً من التراجع، أمر بتوسيع دائرة الاستهداف، محولاً التهديد إلى فرصة لتأكيد سيادة اليمن, وألا شيء يثني اليمن قيادة وجيشا وشعبا عن مواصلة استمرار دعم غزة مهما كانت التضحيات.
كسر الهيمنة وكشف الحقيقة
على مدى عامين، نجح السيد عبد الملك الحوثي في تحقيق إنجازات استراتيجية تتجاوز البعد العسكري المباشر:
فضح إزدواجية المعايير الدولية:
من خلال خطاباته، كشف السيد القائد زيف ادعاءات الغرب حول “حرية الملاحة”، موضحاً أنها “حرية للقتلة والمجرمين” بينما يُمنع الغذاء والدواء عن شعب غزة, إضافة إلى تعريته لما يسمى بحقوق الإنسان والمرأة والطفل التي تتشدق بها الأمم المتحدة, وقوانينها التي فضحتها جرائم الإبادة الجماعية للكيان الصهيوني بحق 2 مليون فلسطيني محاصر في غزة.
إعادة تعريف القوة
أثبت أن القوة الحقيقية لا تكمن في الترسانات العسكرية الضخمة فحسب، بل في الإيمان بالقضية، والشجاعة في اتخاذ القرار، والالتحام بين القيادة والشعب.
إلهام الأمة
قدم السيد القائد نموذجاً عملياً لما يمكن أن تفعله دولة واحدة حين تقرر كسر قيود الصمت والخوف, إذ لقد أحيا الأمل في نفوس الملايين وأثبت أن إسناد فلسطين ممكن وفعال.
الكلمات الأسبوعية المنتظمة
الجزء الأكبر من هذه الإحصائية يعود إلى الخطابات الأسبوعية التي أصبحت محطة ثابتة يترقبها العالم ، حيث يظهر السيد القائد كل يوم خميس في خطاب شامل يتناول آخر التطورات في فلسطين واليمن والمنطقة,على مدى عامين (حوالي 104 أسابيع)، وباحتساب فترات الأعياد والمناسبات الخاصة، يقدر عدد هذه الخطابات وحدها بحوالي 80 خطاباً.
الخطابات الاستثنائية والمناسبات الخاصة
بالإضافة إلى الخطابات الأسبوعية، ألقى السيد القائد عدداً من الخطابات الإضافية في مناسبات مفصلية، مثل:
الخطاب الأول الذي أعلن فيه الموقف الرسمي لليمن
خطابات في مناسبات دينية ووطنية (مثل شهر رمضان، عيد الأضحى، ذكرى المولد النبوي الشريف) والتي تم تخصيص أجزاء كبيرة منها للحديث عن المعركة.
خطابات استثنائية للتعليق على أحداث كبرى، مثل بدء العدوان الأمريكي-البريطاني أو استهداف حاملة الطائرات “أيزنهاور” يقدر عدد هذه الخطابات بحوالي 5 خطابات إضافية:
أهمية هذه الخطابات:
لم تكن هذه الخطابات مجرد متابعة إعلامية، بل شكلت محطات رئيسية في إدارة المعركة الشاملة مع العدو الصهيوني حتى للمقاومة الفلسطينية بكافة تشكيلاتها وفصائلها ، وحيث كانت تُستخدم في:
إعلان المراحل التصعيدية للعمليات العسكرية.
توجيه الرسائل السياسية والعسكرية للعدو والصديق.
شحذ الهمم وتعبئة الشعب اليمني وحشد الدعم الشعبي للعمليات والالتحاق بدورات طوفان الأقصى والاستعداد للتضحية.
فضح وتفنيد روايات العدو الإعلامية.
استنهاض ضمائر أبناء الأمة العربية والإسلامية وتحذيرها من مخاطر الصمت تجاه الجرائم والاستهداف الصهيوني وناصحا لها بأنها ستكون مع شعوبها في دائرة الاستهداف .
لذلك، يمكن اعتبار هذه السلسلة من الخطابات سجلاً تاريخياً ومرجعاً أساسياً لفهم استراتيجية اليمن ودوره المحوري في معركة “طوفان الأقصى”.
قائد في زمن عز فيه القادة
في زمن سقطت فيه الأقنعة وتخاذل الكثيرون، برز السيد عبد الملك الحوثي كقائد استثنائي، لم يكتفِ بتشخيص الداء، بل قدم الدواء, مواصلا قيادة اليمن في ظل معاناة شديدة وظرف اقتصادي صعب جراء العدوان والحصارالمستمر منذ 10 سنوات, ليصبح رأس الحربة في الدفاع عن أقدس قضايا الأمة, ليسجل التاريخ أن دوره ومن خلفه الجيش اليمني والشعب في معركة “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد مشاركة، بل كان قيادة حقيقية امتزج فيها الدم اليمني بالفلسطيني، ورؤية ثاقبة، وشجاعة نادرة ستظل خالدة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي كعلامة فارقة على طريق تحقيق النصر الموعود في هذه المعركة التي أطلق عليها “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.