ماذا سيناقش اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم؟
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
تعقد اليوم الثلاثاء أعمال الدورة 162 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، حيث يبحث الوزراء وقف العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة ودعم فلسطين دوليا.
ويشارك في اجتماعات الدورة برئاسة الجمهورية اليمنية التي تتولى الرئاسة خلفا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وزراء الخارجية العرب ورؤساء الوفود، إضافة إلى أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية والسفير حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة وعدد من الأمناء العامين المساعدين.
ويحضر الاجتماعات عدد من الشخصيات الدولية البارزة، مثل هاكان فيدان وزير خارجية الجمهورية التركية، وجوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وفيليب لازاريني وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام لمنظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” وسيغريد كاغ وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة منسقة الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
ويبحث الـمجلس على مستوى وزراء الخارجية سبل وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية وما تمارسه قوات الاحتلال من جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من 11 شهرا والتي أسفرت عن استشهاد وإصابة وفقدان أكثر من 145 ألف مدني فلسطيني.
ويبحث المجلس أيضا اتخاذ التدابير السياسية والدبلوماسية والقانونية لوقف السياسات الإسرائيلية العدوانية التي تسعى إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه في انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني وتهديد للأمن القومي العربي وتأثير هذه السياسات على انهيار فرص السلام في المنطقة وتفاقم الصراع.
وسيؤكد المجلس خلال اجتماعاته مواصلة تقديم الدعم اللازم لفلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة”، بحسب وكالة أنباء الإمارات “وام”.
وقال نائب وزير الخارجية المصري الأسبق السفير علي الحنفي، إن “اجتماع وزراء الخارجية العرب سيناقش عددا من ملفات التعاون العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، ويتصدرها في هذه الدورة ملف القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ووجود حكومة إسرائيلية “متطرفة” وبها مجموعة من الوزراء المتطرفين، يرفضون أي فرصة لوقف الحرب ووقف إطلاق النار، ولا تسمح تلك الحكومة بالتعاون مع الوسطاء في مصر وقطر للتوصل لصفقة لوقف إطلاق النار”.
وشدد على أن “وزراء الخارجية العرب يدركون جيدا أن استمرار هذا الوضع يحمل مجموعة من المخاطر للمنطقة بأثرها في مقدمتها امتداد المواجهة وزيادة رقعة الحرب، في الوقت الذي تحتاج فيه المنطقة إلى حالة من الاستقرار والأمن والسلم، لكن الجانب الإسرائيلي له أجندته التي يعمل من أجلها ومخططها في زيادة ضم الأراضي العربية، وكلها بعيدة تماما عن الرؤية العربية الرافضة لتلك الأجندة وتلك المخططات الإسرائيلية”.
هذا ويعد اجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر اليوم الثلاثاء، هو الاجتماع الرابع لوزاء الخارجية العرب منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وعقد وزراء الخارجية العرب منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 5 اجتماعات وزارية، ما بين اجتماع طارئ ودورة عادية و اجتماع تحضيري، وكان آخرها اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة في 14 مايو، وسبقه اجتماع وزراء الخارجية العرب في 6 مارس خلال أعمال الدورة العادية 161 لمجس الجامعة العربية.
كما عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري في 11 أكتوبر بعد أيام من الحرب الإسرائيلية على غزة لبحث سبل التحرك السياسي على المستوى العربي والدولي لوقف العدوان الإسرائيلي ومساءلة مرتكبيه لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتحقيق السلام والأمن المرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام.
وعقد مجلس جامعة الدول العربية في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اجتماعين طارئين، دورة غير عادية لدعم جمهورية الصومال الفيدرالية في مواجهة الاعتداء على سيادتها ووحدة أراضيها في 17 يناير من العام الجاري، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وبعد أيام من توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال.
وعقد وزراء الخارجية العرب، في اليوم ذاته، دورة غير عادية للتباحث حول آخر التطورات والمستجدات التي طرأت على الساحة العراقية بشأن قيام القوات الإيرانية بقصف عدد من المناطق في مدينة أربيل بشمال العراق.
يذكر أنه تشارك تركيا في اجتماع مجلس وزراء الخارجية بـجامعة الدول العربية لأول مرة بعد غياب 13 عامًا، وبعد بدء الحرب في غزة، انضمت تركيا إلى مجموعة اتصال مشتركة تشكلت في قمة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بهدف إنهاء الحرب، وبدأت علاقات تركيا مع الجامعة العربية تتطور منذ عام 2003، وجرى توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الخارجية التركية والأمانة العامة للجامعة العربية عام 2004، وفي 13 سبتمبر 2011 ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان كلمة في الجلسة الافتتاحية لاجتماع جامعة الدول العربية، خلال فترة توليه رئاسة الوزراء آنذاك.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: اجتماع وزراء الخارجية العرب جامعة الدول العربية غزة والضفة اجتماع وزراء الخارجیة العرب الحرب الإسرائیلیة على جامعة الدول العربیة الأمین العام قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
ماذا ينتظر العرب والمسلمين في المرحلة القادمة؟
لم تعد الأمة العربية والإسلامية عند مفترق طرق فحسب، بل بلغت شفا جرف هار، قد ينهار بمن فيه: الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم، الشاهد والمشهود، بكل الأيديولوجيات دون استثناء، وبالناس وآمالهم وطموحاتهم، وبمستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة.
لذا، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: ما الذي ينبغي علينا فعله في مواجهة أزمة بهذا الحجم؟
إدراك الأزمة!حين ندرك حجم الأزمة وعمقها، نكون قد تجاوزنا عالم الغرائز والمشاعر، والجزع والحزن، والأسى والألم، والحسد والحقد، والخوف والتربص، والتخوين والتأفف، وكل ما يكشف عن التشققات العميقة في بنية الأمة، وعن اختلافاتها المرعبة.
تلك المشاعر، التي تشبه أمواجا متلاطمة، يصعب إدراكها أحيانا لعمقها وتقلبها، ولعشوائية حركتها وفجائيتها.
لذلك، فإن إدراك الأزمة ونحن نعيشها، هو أصعب ما في الأمر. وربما يظن البعض أن ذلك واضح لا يحتاج نقاشا، لكن طبيعة الأزمة التي نمر بها تفرض هذه الأسئلة. مثلا، كان سؤال ما قبل الربيع العربي يتمحور حول طبيعة أنظمة الحكم.
ومع اندلاع الربيع العربي، ظهرت أسئلة أعمق بشأن قوى الإصلاح والمعارضة، حتى بتنا نتساءل عن مدى استعداد الناس أصلا، في بعض الدول، لتبني شعارات كالحرية والحقوق والديمقراطية، والتي بدأت الأزمة تطالها بالتشكيك في مدى قابليتها للتطبيق.
ثم جاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وطرح علينا أسئلة أعمق حول هويتنا العربية والإسلامية، وكينونتنا، وهل نحن فعلا أمة؟ وهل لدولنا أدوار وظيفية تخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية؟ أم تسعى فقط إلى تثبيت مقاعد الحكم؟ أم إنها مجرد ضحايا لظروف ومتغيرات قاسية، لا تتيح لها اتخاذ قرارات يتوق إليها كثير من العرب؟
هذه الأسئلة الحفرية، التي ترافق الأزمات العميقة المحيطة بنا، تؤكد أن المطلوب هو إدراك الأزمة، لا من خلال محاولة الربط النظري بين قضايا متفرقة، كما حاول الإصلاحيون عبر التاريخ وانتهوا إلى الفشل، فمثل هذه المقاربة تقود دائما إلى نظرية، ثم إلى أيديولوجيا جديدة، ومن ثم إلى جدل لا ينتهي، وهو منهج متكرر في أدبيات الإصلاح العالمية.
إعلانهذا ما يسمى "التفكير المحدب"، أي الذي يسعى لاستكشاف خيط ناظم ينتهي إلى نظرية شاملة، تتحول لاحقا إلى أيديولوجيا.
أما ما نحن بحاجة إليه اليوم، فهو "التفكير المقعر"، أي التعامل مع الأزمة باعتبارها لغزا يحتاج إلى حل، والبحث عن الحلول من خلال أدوات تفكير أفقية، تمتد كشبكة، لمعرفة أسهل الطرق للوصول إلى نتيجة عملية.
في كتابه "بنية الثورات العلمية"، يشير توماس كون إلى هذه المنهجية، ويؤكد أن الأزمات تحتاج لهذا النمط من التفكير.
لذلك، فإننا نخطئ تماما عندما نفكر تفكيرا محدبا، هدفه بناء نظرية كبرى سرعان ما يكذبها الواقع، وتؤدي لاحقا إلى خلاف أيديولوجي جديد.
علينا أن ندرك الأزمة التي نعيشها كما ندرك اللغز، وننخرط جميعا في محاولة حله: المفكرون، والعلماء، والمسؤولون، وأصحاب الرأي، كلٌ في موقعه، بما لديه من مسؤولية.
ذلك ما يعزز قدرتنا على التعاون، ويجعلنا نعي أن الأزمة معقدة ومركبة، وأن أي محاولة لاختزالها ستقود إلى استنزاف الموارد والعلاقات، وستضعف من تأثيرنا وفاعليتنا، فضلا عن خطورة التصرفات الفردية في أوقات الأزمات المعقدة.
الواقعية والمثاليةثمة مسلمات تمنعنا من ممارسة التفكير المقعر، وفي علوم الإدراك تعرف هذه الظاهرة بـ"المرجعية".
فنحن نعيد كل ما نسمعه إلى تلك المرجعيات البسيطة التي نحملها، ومن خلالها إما نقبل ما نسمع أو نرفضه، لا سيما إذا كانت تلك المسلمات متصلة بمشاعر دفينة فينا.
تفكيك هذه المشاعر والمسلمات أمر بالغ الصعوبة، وقد يجعل من التفكير في لغز تخلفنا محاولة مثالية بحتة.
فكيف يمكن أن يقنع الحاكم بمعارض يراه تهديدا؟ أو أن يتحقق تصالح بين الحاكم والمحكوم؟ مثلا: كيف يمكن تجاوز حاجز الخوف من إسرائيل بوصفها "محرك السياسة في المنطقة"، في ظل سردية تقول إن مواجهتها ستؤدي إلى زعزعة النظام السياسي والاجتماعي في كل من يناهضها؟
ما يجب فعله هو تجاوز هذه الحواجز، ومراجعة العديد من العوائق التي تمنعنا من التفكير كأمة، أو كبشر تجمعهم ذاكرة مشتركة، ويتهددهم مستقبل مظلم. لا واقعية هنا ولا مثالية. ثمة فقط: رضا بالواقع لأنه يرضي غرائزنا، وامتناع تام عن التفكير بطريقة مختلفة.
البديل المقنعوإذا كنا لا نرغب بطرح الأسئلة الصعبة التي تتجاوز مسلماتنا الراسخة، فلن نجد أي بديل حقيقي يقدَم أمامنا.
غزة كشفت لنا بشكل جلي عن عجزنا التام، وأننا أسرى لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة، وأن الصورة الذهنية المرسومة عنا في هذا العالم- من قبل من يحكمونه- صورة سيئة للغاية. وهذا لم يتكون بين ليلة وضحاها.
ربما أسهمت حرب غزة في تعديل هذه الصورة، ولكننا ما زلنا بعيدين عن المستوى الذي يمكننا من صناعة سرديات عن منطقتنا، وعن العرب والمسلمين. والسبب أننا ممزقون، متفرقون، مختلفون، إلى درجة نفقد فيها الحد الأدنى من التماسك الفكري الضروري لبناء سردية قادرة على تغيير النظرة النمطية.
لا يوجد بديل. كل ما نقوم به هو ردود أفعال لا تتبع رؤية إستراتيجية واضحة، مما يجعل الاستنزاف حالة مستدامة. فالمفاجآت والسرديات الطارئة يصعب التعامل معها في ظل التفكك الداخلي الذي نعانيه.
إعلانلذا، فإن الوقوف عند الأسئلة الأساسية، ومواجهة هذه الخلافات والشروخ بوضوح، هو البديل الوحيد الذي يمكن أن يفصلنا عن ماضٍ يريد حجب المستقبل.
غزة وسرديتهاأحداث غزة أسقطت كثيرا من السرديات التي هيمنت على الخطاب في المنطقة، ومنها تلك التي وضعت المعارضة- في بعض البلدان- في خانة الخونة والعملاء لإسرائيل، وصورت الدول كضحايا لتآمر المعارضة مع الخارج.
لم تعد هذه الرواية منطقية. ولم تعد دول المنطقة أهدافا لاختراقات استخباراتية أجنبية؛ فهي أصلا لا تتناقض مع مصالح الغرب.
وفي المقابل، فإن السردية النقيضة التي تتهم تلك الدول بالعمالة للغرب أيضا لا تخدم أحدا. فهناك بالفعل ظروف وخيارات شديدة الصعوبة يواجهها المسؤولون في هذه الدول. وهذا ما يجب أن يكون واضحا، حتى نتمكن من تجاوز هذه السرديات، فالكل يرتبط بالغرب بطريقة أو بأخرى.
غزة زعزعت كثيرا من التشققات الذهنية التي تسيطر على عقولنا: التشققات المذهبية، ثنائية الحاكم والمحكوم، وتنازع التيارات الفكرية. جمعت العالم على كلمة سواء، وهدف مشترك.
الأزمة التي نتابعها لحظة بلحظة في غزة حركت فينا الغريزة والوعي معا، ولم تعد هناك محرمات فكرية تعيق الوصول إلى الحقيقة. حينها يمكن للناس أن يجتمعوا حول فكرة. وهذا ما ينبغي أن نفعله.
ولا يتحقق ذلك إلا بتسريع إدراكنا للأزمة، والشعور العميق بها، وهو ما يسميه الفيلسوف الكندي بول ثاجارد بـ"إدراك الإدراك"، أي بناء مظلة معرفية نصور بها أنفسنا داخل الزمن التاريخي، ما يسمح لنا بتخيل واقع أفضل إذا تخلصنا من التشققات التي تمنعنا من الخيال أصلا.
سقوط المدخل الثقافيلقد سادت عقول كثيرين فكرة أن المدخل الثقافي هو طريق التغيير، فأعادونا إلى عمق التاريخ، واستغرقوا في ترف الاستقراء المستمر لنمط التاريخ. نوع من "التاريخانية" التي دحضها كارل بوبر بوضوح في كتابه "المجتمع المفتوح".
تلك "التاريخانية" نفسها سادت الفكر العربي، وإن أردنا أن نكون منصفين، فإن مدارس الإدراك الحديثة، وعلوم الأعصاب، والتجارب السلوكية، كلها تناقض فكرة أن تخلف الإنسان سببه ثقافته، كما يدعي أنصار هذا الاتجاه.
ولا ننسى أن كثيرا من الكتب الفكرية لا تمر بمراجعة أكاديمية صارمة، مما يجعلها ذات طبيعة تعبوية وانتقائية في المراجع والاستشهادات. وبالتالي، فإن غاية هذا المدخل تبقى تغيير ثقافة الناس، وهو أمر لا يمكن ضبطه أو حتى فهمه بدقة.
فالثقافة اليوم لم تعد هي ذاتها التي تكلم عنها مفكرون كمالك بن نبي، أو تلك التي صاغها عبدالوهاب المسيري كنموذج معرفي، أو حتى تلك التي ناقشها الجابري وطه عبدالرحمن تحت عنوان "العقل العربي".
بعد الربيع العربي، عادت الأيديولوجيا لتتصدر النقاش، وتجددت الخلافات حول القضايا الكبرى، بما فيها التاريخية، في محاولة لحل إشكالات بنيوية في الدولة، لكنها لم تفضِ في النهاية إلى أي حلول عملية.
نقاش سقوط المدخل الثقافي أطلت فيه سابقا، لكن ما يجب إدراكه هو أن التغيير ممكن ولا يتطلب زمنا طويلا. فهم الناس، وعلاقاتهم، وبيئاتهم، قد يكون أسهل بكثير من تغيير الثقافة.
وهذا لا يعني أن المشروع الثقافي عاقر، ولكن النقاش في القضايا الكبرى جرنا إلى طريق مسدود.
وبالطبع، لا يتوقف الأمر عند السرديات، بل هناك مثلث معروف يتصل أيضا بالمواقف والحلول المطروحة. فالوصول إلى عمق السرديات قد يمهد لعقلنة التفكير.
وهذا تماما ما فعله اليهود بعد المحرقة. لقد طردوا من معظم الدول: أميركا اللاتينية، أميركا الشمالية، بريطانيا، وكانوا منبوذين في أوروبا، ثم انتهى بهم المطاف إلى السيطرة على أوروبا والمملكة المتحدة، بسردية ذات فاعلية تدعي امتلاكهم المال والقدرة على التأثير، وسلسلة من التحويلات المالية التي أفضت في النهاية إلى "وعد بلفور"، الذي بدأ بـ"إلى عزيزي روتشيلد".
السرديات والمشاريععلينا أن نبحث عن سردية جامعة، بدلا من الغرق في النظرة المعيارية التي لن تقودنا إلا إلى هاوية لا قرار لها.
إعلانهناك انقسامات مذهبية، انقسامات سياسية، مشاريع متضاربة، سلطات قوية تتربص بمعارضة ضعيفة، وشعوب تغشاها الحيرة والجهل، وتحلم بمستقبل أفضل لكنها تائهة في ضباب الحاضر، مثقلة بمآسي الماضي.
من الصعب أن نكرر أنفسنا بأسلوب استقرائي لنصل إلى نتائج مغايرة. استمرارية الأزمة تفرض علينا أن نغير من أدوات التفكير جذريا: كيف نزيل الحواجز التي تفرقنا؟ كيف نبحث عن سردية جامعة؟
كيف نطمئن كل طرف على مصالحه؟ كيف نقنع الآخر بالتنازل عن شيء من كبريائه أو غضبه أو جشعه؟ كيف نخاطب الغرائز والعواطف، وكل ما هو في اللاوعي، بأسلوب وسلوك واضحين، حتى نصل لاحقا إلى العقلانية؟
الدماغ بطبيعته يبسط الأمور المعقدة كي نستوعبها. وبفهمنا تلك الحواجز، يمكننا تسميتها، ومحاورتها، وتفكيكها، وصولا إلى توافقات صغرى قد تنمو إلى حلول كبرى.
فتح الحوار، على مستويات متدنية، مع الإدراك أن الانحيازات والانقسامات لا ترتبط بالمنطق، بقدر ما تدار من مشاعر خفية تحرك كل طرف للحفاظ على مصالحه السياسية أو الاقتصادية. المعركة في العقول، والسلاح في المشاعر، والواقع وحده يصدق أو يكذب هذا الافتراض.
نقطة التحول الثلاثيةهذا النوع من الحوار يمكن أن يأخذ أشكالا مؤسسية، من خلال جمعيات أو منتديات مخصصة لهذا الغرض. وهذا ليس أمرا جديدا في التاريخ.
فعندما حوكم غاليليو بسبب نظريته عن مركزية الشمس، بدأ العلماء في فرنسا في القرن السابع عشر يؤسسون جمعيات ثقافية يلتقي فيها أصحاب الأفكار المرفوضة كنسيا.
وكان من بين أبرزهم الراهب والعالم مارين مارسين، الذي أصبح غطاء فكريا لعدد من العقول الكبرى مثل: رينيه ديكارت، توماس هوبز، جان جاك روسو، وغيرهم.
تكرر الأمر في أسكتلندا، حيث خرج علماء كآدم سميث وديفيد هيوم، ثم ظهر في فيينا فيما سمي بـ"مدرسة فيينا"، وبعدها في المدرسة القارية التي شكلت أساس ما بعد الحداثة.
كلها لم تعمل بطريقة هرمية، بل من خلال شبكات من الحوار والمراسلات والتجريب الفكري، حتى صارت تيارا يربط بين الجميع، ويمكن الحاكم والمحكوم من حفظ ماء وجهيهما.
ومن هنا، لا بد أن نصل إلى ثلاث قضايا أساسية، حتى إن انتقص الاتفاق فيها من بعض القيم أو المعتقدات، فإنها ستعد مكاسب في مواجهة الانزلاق المتسارع. هذه القضايا الثلاث هي:
التضامن. تعدد الشرعيات. نقطة التحول المشتركة.الأولى، لأنها تخلق مناخ التوافق العام. والثانية، لأنها تقصي منطق الإقصاء، وتعترف بأن شرعية السرديات متعددة وتشمل الجميع، بمن في ذلك الحكام.
أما الثالثة، فهي التحول المشترك الذي يجب التوافق عليه، شريطة أن يتم التغيير فيه بطريقة متدرجة، لا توحي لأي طرف بأنه سيتعرض للخديعة أو الانقلاب عليه، كما حدث بعد الربيع العربي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline