فقد تم في مساء نفس اليوم الذي وصل فيه الزعماء العرب إلي الخرطوم في نهار يوم ٢٩ أغسطس ١٩٦٧م انعقاد جلسة اجرائية ترحيبية للزعماء تحدث فيها رئيس مؤتمر القمة السيد اسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة السوداني حيث كان محجوب يترأس وفد السودان وبجانبه كل من الشيخ علي عبدالرحمن وزير الخارجية والشريف حسين الهندي وزير المالية ومقرر المؤتمر.

وقد كانت الجلسات تتم بمبني البرلمان القديم بشارع الجمهورية وهو حاليا مبني المجلس التشريعي لولاية الخرطوم المواجه للقنصلية المصرية.. مرحبا بحضور القيادات العربية لهذا المؤتمر الهام الذي دعا له السودان..
كما تحدث الملك حسين نيابة عن الزعماء العرب شاكرا القيادة السودانية لتبنيها ذلك المؤتمر الهام الذي جمع القادة العرب بعد تشتت بائن .
ثم رفعت الجلسة لصباح اليوم التالي.
غير أن هناك جهودا كانت تتم خارج الكواليس وبسرية تامة بين المحجوب والملك فيصل من جانب ومع الرئيس جمال عبدالناصر من جانب آخر حسب مقترح الازهري للمحجوب ، حيث كانت الخرطوم تتبني فكرة مقترح الكويت الذي طرحه وزير خارجيتها ببغداد والقاضي بتدبير دعم مالي فوري لمصر والأردن وسوريا لبناء قدراتها العسكرية مرة أخري بعد فقدانها للسلاح في هزيمة اسرائيل لهم صباح الخامس من حزيران.. يونيو ١٩٦٧م بتلك الضربات الجوية المباغتة التي ذكرنا تفاصيلها في حلقة سابقة، وقد تهيأ عبدالناصر للمقترح تماماً ، فقام المحجوب بجمعه مع الملك فيصل في بيته بالخرطوم 2 لإنهاء الخلافات الطويلة التي استمرت بين البلدين لسنوات طوال. ونجح الازهري والمحجوب في ذلك تماما ، وإنتشر الخبر عبر وكالات الأنباء التي كانت مرابطة حتي المساء المتأخر بدار المحجوب بالخرطوم ٢ .. فتم الصلح بين الزعيمين وانتهت القطيعة بين مصر والسعودية منذ تلك اللحظات.
وقد أزف الخبر للوكالات والصحف وزير الإعلام وقتها الأستاذ عبدالماجد أبو حسبو المحامي بحديقة منزل محجوب ، وبالتالي قد تم وضع حلول لحرب اليمن يتبناها المحجوب شخصيا لاحقا ً وقد كان عبدالناصر يساند بجيوشه الثورة اليمنية المسلحة ضد نظام حكم الامامية الملكي في اليمن بينما كانت السعودية تدعم ذلك الحكم وترفض الوجود العسكري المصري باليمن.
وهنا فقد كانت أكبر نتيجة إيجابية لمؤتمر الخرطوم هو أنهاء الخلاف التاريخي بين الدولتين الشقيقتين ( مصر والسعودية ) مما ساعد ذلك في نجاح بقية جلسات القمة العربية وفي قرارتها التي كانت تتم بالإجماع وفي انهاء حرب اليمن.
وقد قيل وقتها أن المحجوب كان قد سأل الفيصل عن مقدار الدعم المالي الذي سوف تقرره السعودية لمصر والأردن وسوريا والتي سميت وقتذاك بدول المواجهة أمام العدو الاسرائيلي.
غير أن الفيصل ذكر لمحجوب بأنه سوف يفصح عن رقم الدعم من داخل جلسة المؤتمر .
ونواصل الذكريات في الحلقة القادمة.
ابقوا معنا ،،،،،

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

اكتشاف منجم ذهب جديد في ديارنا الغنيّة

إنّ للصمت العربي تفسيرا آخر غير الأخلاق الحميدة، وحصائد اللسان، وفضيلة "السكوت"، فهو "من ذهب"!

سنستعين على شقاء تفسير الصمت العربي والإسلامي والعالمي بالله، ثم برواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، التي أخذ عنها المخرج توفيق صالح فيلم "المخدوعون". وهي رواية قصيرة نُشرت عام 1963، صاغت محنة اللاجئ الفلسطيني بعد نكبة 1948، أبلغ صوغ وأجود رمز. وتروي قصة ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، شيخ ورجل وفتى، يهمّون بالسفر إلى الكويت تهريبا؛ لحرمانهم من الوثائق الشخصية التي خسروها في النزوح، فالأرض هي الوثيقة. وهم: أبٌ يمثل جيل النكبة، فقدَ أرضه، وشابٌ يمثل جيل ما بعد النكبة، غايته كسب الرزق والزواج، ومراهقٌ يمثل جيل النكسة، يلتمس إعالة إخوته.

الثلاثة هاربون من بؤس المخيمات الفلسطينية في الشام والعراق، وضيق ذات اليد، يلتقون في البصرة، ويتفقون مع سائق شاحنة مياه كنيته "أبو الخيزران"، وهو فلسطيني خسر رجولته في الحرب كناية عن الهزيمة والعقم. يمثّل أبو الخيزران جيل الهزيمة والقيادة العقيم والفاسدة، كان يعمل لدى المستعمر الإنجليزي سائقا، ويتولى تهريبهم عبر الحدود والحواجز داخل خزان ماء فارغ، في صهد الصحراء القاتل.

وتكون الخاتمة المؤسفة موت المهاجرين الثلاثة اختناقا في الخزان، لسببين:

1- استهتار أبو الخيزران بحيواتهم، وإشغال موظفي الحدود الضجرين؛ له بالثرثرة عن مغامراته مع راقصة اسمها كوكب.

2- وامتناع المختبئين الثلاثة عن الدقّ على جدران الخزان طلبا للنجدة، كما تقتضي الفطرة البشرية، وقد نفد الهواء منهم.

تنتهي الرواية بالسؤال الجارح الذي عجز النقّاد عن شرحه وتفسيره: لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟

ما أكثر تفسيرات الصمت العربي والإسلامي والعالمي، وغالبا ما تتبع الأهواء والعقائد، وتضلّ عن صواب التفسير العقلي. وقد نزع الطوفان السحر عن العالم؛ فكنا نظنُّ أنَّ أوروبا وأمريكا "الحضاريتين"، اللتين تفزعان لسقوط كلب أو هرّة في بئر، ستغيثان أهل غزة.

كاتب السطور من الذين يعتقدون أنَّ الفصائل التي خاضت معركة "طوفان الأقصى" خُدعت من حلفاء "وحدة الساحات"، فقد اكتفى الحلفاء بالوقوف على حدود الساحات والمساندة، إلا من مشاركة بعيدة من "أنصار الله" في اليمن، ومتأخرة، ولهم مأربٌ غير سد مأرب؛ فالأقصى والقدس وفلسطين غنية بمناهل السيادة والمجد والشرعية السياسية.

وكنت أظنُّ أنَّ سبب خذلان القدس قديما هو غياب الأخبار، وكانت متعذرة في زمن الحروب الصليبية وبطيئة. يروي ابن الأثير خبرَ مَقدِم أبي سعيد الهَرَوي من الشام ودخوله مجلس الخليفة المُسْتَظْهِر بالله، وهو الخليفة الثَّامِن والعُشْرُون من خُلفاء بَني العبَّاس، ويقول: "إنه وصحبه أوردوا في الديوان كلاما أبكى العيون، وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة، فاستغاثوا، وبكوا وأبكوا".

فما بالنا ساكتون، صامتون، ونحن نرى الخبر مباشرة على الهواء ونشهدهم وهم يموتون جوعا؟ وقد بلغ عدد قتلى "مصائد الرغيف" نحو 800 شهيد أو يزيد! كأنهم يقضون في لعبة الكترونية! وهو موت من أجل كيس من الطحين، والطحين يحتاج إلى نار وهي عزيزة، وإلى ماء وهو أعزّ، والطحين مهندس وراثيا إن لم يكن مسموما يا "هندزة".. خبز لا غير!

نعود إلى القصة وقد انقلب الحال. فقد دقّ الغزّيون على جدران الخزّان هذه المرة، فما غزة إلا خزّان من حديد. دقوا عليها بالنار، أراد أهلها الهجرة إلى الحرية وهم يدقون طبول خطر التجويع القاتل، على باب الحرية: فنرى أمهات ضاوِيات، وأطفالا يتضاغون، ينتظرون قدرا من مرق مائع يشبه طين البرك، وتوقّف المحللون عن قياس مأساة غزة بهيروشيما وناغازاكي، وتعبوا من مقارنة عدد القنابل وشدتها النووية على هذه البقعة الصغيرة، كأنَّ قلوبنا في أكنّة وفي آذاننا وقر.

يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى: "إن إسرائيل في حالة دهشة وصدمة من الخذلان العربي لغزة. لم يكونوا يتوقعون هذا الصمت، وكانوا يحسبون لكل خطوة ألف حساب، خصوصا حساب مصر. وأنهم بعد صمت أبو الهول على احتلال محور فيلادلفيا وتدمير رفح، وهو صمت لم يتوقعوه، ما عادوا يخشون أي ردّ فعل عربي".

آباء الخيزران العرب شركاء في الجريمة، ونحن أيها السادة الذين في الخزّان، وتصبحون على خير مستطير.

لا بد من امرأة في كل قصة أو طيف امرأة، وكانت ريتا هيوارث، وهي صورة؛ مجرد صورة على الحائط في قصة "ريتا هيوارث والخلاص من شوشانك" لستيفن كينغ، سببا في نجاة أندي من السجن، وكانت كوكب (راقصة) في "رجال في الشمس"، وهي ذكرى ومجرد حكاية، سببا في مقتل الأجيال الثلاثة في تنور الخزان!

زعماؤنا يخشَون الدقَّ على جدران الخزان، وكذلك المطربون، وعازفو الطبول، والمسحراتية، وهم أقوام تحبُّ الدقّ والدربكة والطرب والأيام الحلوة والليالي الملاح، فإما أنهم يؤمنون بفضيلة السكوت من ذهب، وإما أنهم يخشون انكشاف امرهم وتعطل الرحلة، وافتضاح أمر منجم الذهب المسروق في الخزان.

x.com/OmarImaromar

مقالات مشابهة

  • وزير الداخلية العراقي يعلن تفكيك شبكة دولية للاتجار بالمخدرات كانت تنشط بسوريا
  • وزير الخارجية العراقي يبحث مع غوتيريش إنهاء عمل بعثة يونامي نهاية العام
  • نفرة كبرى لإعمار مستشفى الشعب بالخرطوم بدعم من ولاية نهر النيل
  • تحديد قيمة مكافأة نهاية الخدمة للعاملين بمياه الشرب والصرف الصحي.. أغسطس المقبل
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: مؤتمر "حل الدولتين" يجب أن ينهي الظلم الذي لحق بالفلسطينيين
  • مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي، التي تقام خلال الفترة من الـ 27 من شهر آب المقبل حتى الـ 5 من أيلول
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: ندعم جهود الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة بغزة
  • مشروع جديد سيغيّر حركة المرور في سامسون.. ما الذي سيحدث في أغسطس؟
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • اكتشاف منجم ذهب جديد في ديارنا الغنيّة