الكتاب: قضية فلسطين، أسئلة الحقيقة والعدالة
المؤلف: عزمي بشارة
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


يقدم الأكاديمي والباحث السياسي الفلسطيني عزمي بشارة، في هذا الكتاب، مراجعة لتاريخ القضية الفلسطينية عبر التوقف عند محطاتها الرئيسية، ومراحل تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وصولا إلى ما سمي بصفقة القرن.



يفتتح بشارة كتابه بفصل مخصص ل “النكبة" انطلاقا من السياق التاريخي للقضية، و"لتعريف موضوع الكتاب" الأساسي. فهو، أي الكتاب، بحسب بشارة محاولة لتوضيح أن قضية فلسطين هي قضية ظلم، سلب فيها الوطن الفلسطيني من أجل تأسيس الدولة الإسرائيلية في العام 1948، ويمكن حلها، فقط، من خلال تطبيق العدالة، وعدم مساومة الفلسطينيين على سيادتهم على أرضهم.

أما تكريس الاستعمار الاستيطاني عبر الزمن، كما في حالات عديدة عرفتها البشرية، حيث بنيت العديد من الدول على أنقاض الشعوب الأصلية، وهو ما يراهن عليه القادة الإسرائيليون، فحدوثه في فلسطين يبدو مستبعدا جدا بحسب ما يرى بشارة، وذلك بسبب اكتساب المشروع الصهيوني طابع الفصل العنصري نتيجة رفض إسرائيل تقسيم فلسطين إلى دولتين، كما أن الفلسطينيون يمتلكون وعيا قوميا وتطلعات وطنية، ويعتبرون نفسهم جزءا من جماعة عربية أوسع، فضلا عن أن البيئة الإقليمية يُنظر فيها إلى إسرائيل نظرة ريبة وعداء، وهي نظرة متبادلة، تعبر عن اغتراب إسرائيل عن بيئتها الإقليمية.

مسألة معقدة

قضية فلسطين هي قضية ظلم، سلب فيها الوطن الفلسطيني من أجل تأسيس الدولة الإسرائيلية في العام 1948، ويمكن حلها، فقط، من خلال تطبيق العدالة، وعدم مساومة الفلسطينيين على سيادتهم على أرضهم.
يبحث بشارة في ما يرى أنه زاد من تعقيد المسألة الفلسطينية وعرقل تحرر الفلسطينيين، وهو التداخل بين ما أسماه "المسألة العربية" وما عرف في أوروبا منذ القرن التاسع عشر ب"المسألة اليهودية"، حيث أن "موقع فلسطين الاستثنائي عند تقاطع هاتين المسألتين قد عقّد تسوية المسألة الفلسطينية وفاقم معاندتها". ويناقش أصل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأهمية المسارات الثنائية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، جنبا إلى جنب عرض مسار حركة التحرير الوطني الفلسطينية، واستسلامها، على حد تعبيره، بعد ذلك لفخ إقامة السلام مع إسرائيل بطريقة أدت إلى الإبقاء على كل المسائل الأساسية دون حل.

ويخصص بشارة القسم الثاني من الكتاب لقراءة تحليلية لاتفاق ترامب ـ نتنياهو في عام 2020مشيرا إلى أهمية مناقشتها، رغم أنها لم تعد حاضرة بقوة في المشهد السياسي، وذلك لأن " العقلية التي حكمتها استمرت من بعدها، كما يقول، إذ سادت تعبيرات تتعامل مع القضية من منطلق الصفقات والحوافز الاقتصادية بدلا من الحديث عن العدالة. كما تم " استدراج الدول العربية إلى إلقاء اللوم على الضحية (الشعب الفلسطيني) لتبرير التحالفات التي عقدتها مع إسرائيل من أجل تعزيز تحالفاتها الثنائية مع الولايات المتحدة". وفي الفصلين الأخيرين من الكتاب يناقش بشارة خيارات الفلسطينيين المستقبلية، وإذا ما كان ينبغي على النضال الجمعي التركيز على محاربة الفصل العنصري وعلى الكفاح من أجل حقوق متساوية في دولة واحدة، أم ينبغي السعي لإقامة دولة فلسطينية منفصلة وديمقراطية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة؟

استراتيجية جديدة

في ملاحظاته الختامية وفي الإجابة عن سؤالين هما "إلى أين؟" و"ما العمل مستقبلا؟" يؤكد بشارة ابتداء ضرورة البحث عن استراتيجيات وليس عن حلول، فالاستعمار ونظام الفصل العنصري ليسا مأزقين يتطلبان حلولا خلاقة، كما يقول، بل نظام ممأسس غير عادل تجب مقاومته. وهو يرى أنه في حالة الشعب الفلسطيني يكتسب واجب المقاومة أهمية استثنائية، وأنه لا بد من التوجه نحو نضال طويل الأمد لتحقيق العدالة. لكنه يقول إنه لا وجود لإستراتيجية سياسية نظرية في غياب التنظيم السياسي.

ويتساءل كيف يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تطور استراتيجية تحرير بعد أن أُتبعت لسلطة مقيّدة لها استراتيجيتها الخاصة التي تشل دور منظمة التحرير نفسها؟ لقد حصرت السلطة الفلسطينية دورها، ومن خلال اتفاقيات أوسلو، بمسارين؛ الأول جمع أموال الدول المانحة، وأموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من الفلسطينيين، بينما تواصل تأدية وظائفها الأمنية لإسرائيل. والثاني الاهتمام بالجهود التي تمكنها من الانضمام إلى الهيئات الدولية الرسمية لتوطيد مكانتها كدولة. وهذا الواقع لم يضعف، فقط، دور منظمة التحرير بل إنه أيضا همّش حركات التضامن الشعبية العالمية التي كانت تدعم النضال الفلسطيني للتحرير. وهو ما دفع هذه الحركات لتحويل جهودها إلى قطاع غزة الواقع تحت الحصار، وفي السنوات الأخيرة توجه جزء من نشاط هذه الحركات، بفضل مبادرات فلسطينية مدنية، إلى القدس وريف الضفة الغربية، ضد سياسة الفصل العنصري والاستيطان.

ويلفت بشارة إلى أن الواقع البائس للسلطة الفلسطينية يدفع البعض للمطالبة بحلّها، غير أنه يجد في ذلك ما يفتح الباب أمام حرب أهلية، يدمّر أي مكاسب متبقية للفلسطينيين. فلا يمكن ترك الشعب الفلسطيني من دون مؤسسات اقتصادية وتعليمية وصحية وشرطية، مضيفا أن أي شعب يسعى لتحرير جماعي عليه أن يحافظ على قدرته على تنظيم أموره والعناية باحتياجاته اليومية، وإدارة المجتمع. ويقول بشارة إن "حل السلطة سيقود فقط إلى حكم جهاز أمني في الضفة الغربية وجهاز آخر في قطاع غزة من دون دولة فلسطينية.

في حالة الشعب الفلسطيني يكتسب واجب المقاومة أهمية استثنائية، وأنه لا بد من التوجه نحو نضال طويل الأمد لتحقيق العدالة. لكنه يقول إنه لا وجود لإستراتيجية سياسية نظرية في غياب التنظيم السياسي.وبينما هناك ضرورة لنبذ فكرة إن الدور الرئيس للسلطة هو حماية أمن إسرائيل واستقرارها، هناك ضرورة أيضا لإعادة بناء منظمة التحرير كممثل لمجموع الفلسطينيين ومرجعية سياسية للسلطة...وتكون مظلة لتيارات وأحزاب سياسية بآفاق جديدة، وصياغة برامج تواجه الواقع على الأرض، وتعزز النضال الوطني على جبهات مختلفة".

يتركز السؤال الحقيقي، بحسب بشارة، "حول دور السلطة الفلسطينية والخيارات السياسية المحتملة المتوافرة لها في إطار استراتيجية تحرير واضحة، وهي استراتيجية تعجز القيادة الحالية عن صياغتها، بينما هي عالقة في شبكة معقدة علاقات التبعية لإسرائيل". امتلاك هذه الاستراتيجية يحتاج إلى روح سياسية قتالية من جانب النخبة السياسية الفلسطينية التي يجب أن تدرك أن التعاون مع إسرائيل لن يدفعها للانسحاب من الضفة الغربية ومنح السلطة الفلسطينية استقلاليتها وسيادتها. ويضيف أن السلطة الفلسطينية تريد أن تصبح دولة من خلال المفاوضات، لكن من دون أن تناضل ضد نظام الأبارتهايد الإسرائيلي على الأرض، وفي مجال السياسة الإقليمية والدولية. ولا يمكن لهذه الاستراتيجية أن تكون إطارا ديمقراطيا لحركة تحرير وطنية يوحد الفلسطينيين.

وتتطلب الاستراتيجية الجديدة التي يمكن أن تكون فعالة مشاركة جميع الفلسطينيين في النضال، وهو ما يستدعي درجة عالية من التنظيم والتنسيق، لوضع المبادرات كلها ضمن إطار مشترك، يمكن أن يكسبها نفوذا سياسيا معتبرا، من دون إهمال سياق كل جماعة فرعية فلسطينية (فلسطينيو الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، والفلسطينيون في مناطق ال 48، وفلسطينيو الشتات) وخصائصها وأشكال نضالها.

قضية أساسية

وفي سياق مناقشة أهمية التفكير باستراتيجية مقاومة طويلة الأمد يلفت بشارة إلى ضرورة أن تدرك الحركة الوطنية الفلسطينية أن الاستعمار الاستيطاني مستمر وقد اتخذ شكل نظام فصل عنصري، وأن قيمة فلسطين الرمزية بالنسبة للعرب وعالم الجنوب مستمدة من الطابع الاستيطاني العسكري للنظام الإسرائيلي. وهي قضية مازالت تثير مشاعر هذه الشعوب، ويعتبرون دعمها مكونا من مكونات الهوية العربية، فهي تؤثر في كامل المنطقة العربية.

لقد حصرت السلطة الفلسطينية دورها، ومن خلال اتفاقيات أوسلو، بمسارين؛ الأول جمع أموال الدول المانحة، وأموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من الفلسطينيين، بينما تواصل تأدية وظائفها الأمنية لإسرائيل. والثاني الاهتمام بالجهود التي تمكنها من الانضمام إلى الهيئات الدولية الرسمية لتوطيد مكانتها كدولة.مع ذلك فهي ليست قضية أساسية أو أولوية، بالضرورة، لكل مجتمع عربي على انفراد. ويقول إنها، مثلا، "ليست أولوية للسوريين المنهمكين في نضالهم ضد الاستبداد.. ويمكن قول الشيء نفسه عن العراقيين الذين يواجهون الطائفية والفساد والتدخل الأجنبي، والمصريين الذين يواجهون التسلط العسكري والفقر..". وعليه يجب أن تدعم حركة التحرر الوطني الفلسطينية، من خلال خطابها وأهدافها، الاتجاهات العامة الشعبية الأوسع التي تطالب بالدمقرطة في البلدان العربية. "فلا يمكن للمرء أن يكون مناضلا حقيقيا وصادقا في سبيل التحرر من الاحتلال في حين يصرف نظره عن معاناة الشعوب العربية في ظل الديكتاتورية، تماما مثل عدم استطاعة المرء معارضة الاستبداد بينما يصرف نظره عن النضال ضد العنصرية واحتلال الأراضي العربية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب عرض قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی الفصل العنصری الضفة الغربیة من خلال من دون من أجل

إقرأ أيضاً:

إيران لا تواجه “إسرائيل” فقط.. قراءة أعمق في مشهد الصراع في الشرق الأوسط

 

 

لطالما جرى تأطير الصراع في الشرق الأوسط على أنه مواجهة مباشرة بين إيران و”الكيان الصهيوني”، وكثيرًا ما تم تقديم هذا السرد في الإعلام والخطاب السياسي بوصفه صراعًا تقليديًا بين دولتين تتنازعان النفوذ والمصالح في الإقليم. إلا أن هذا الطرح، رغم انتشاره، يُعد تبسيطًا مخلًا لواقع مختلف تمامًا وأكثر تعقيدًا وتشابكًا.
في جوهر الأمر، “الكيان الصهيوني” ليس كيانًا منفصلًا يتحرك بإرادة مستقلة تمامًا عن القوى الغربية الكبرى، بل هو أشبه ما يكون بقاعدة متقدمة أو أداة تنفيذية في مشروع استعماري عالمي، تتشارك فيه عدة قوى كبرى، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، هذه القوى، التي يمكن تسميتها مجتمعة بـ”قوى الطاغوت العالمي”، تمتلك من أدوات التأثير والتوجيه ما يجعل من “الكيان الصهيوني” مجرد واجهة للصراع، لا محركه الحقيقي.
إن طبيعة التغلغل الغربي في المنطقة، عبر العسكرة والسيطرة الاقتصادية والهيمنة الثقافية، تُظهر أن الصراع يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية بين دولتين. فإيران، بما تمثله من موقف سياسي معادٍ للهيمنة الغربية، لا تخوض معركة ضد “الكيان الصهيوني” فحسب، بل في واقع الحال تقف في مواجهة منظومة عالمية تسعى لإعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح الاستراتيجية للأمة العربية والإسلامية.
من هنا، فإن النظر إلى “الكيان الصهيوني” باعتباره الخصم الوحيد أو الأساسي لإيران، يُفقدنا القدرة على فهم التوازنات الكبرى، ويُغفل الطابع البنيوي للصراع، الذي يتجسد في مقاومة النفوذ الغربي الشامل، لا مجرد الاحتلال الصهيوني لفلسطين؛ فالدعم الغربي اللا محدود لـ”الكيان الصهيوني”، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، يضعه في موضع الامتداد الطبيعي لقوى الهيمنة، وليس كيانًا منفصلًا عنها.
لقد جاءت الهجمات الصهيونية الأخيرة، مساء الخميس 12 ويوم الجمعة 13 يونيو 2025م، والتي طالت عددًا من المواقع الإيرانية، شملت منشآت نووية كبرى مثل ناتانز وفوردو وأصفهان وخنداب، بالإضافة إلى قواعد عسكرية ومراكز قيادة بارزة “وفقاً للأخبار المتداولة”، وقد نجم عن هذه الغارات استشهاد قادة عسكريين كبار، في مقدمتهم اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري، إلى جانب عدد من القادة والعلماء والخبراء النوويين.
ردّت إيران مساء الجمعة بهجوم صاروخي واسع، استهدفت مناطق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك يافا السماه إسرائيليًا “تل أبيب”، وقد تسببت الضربات في خسائر مادية وبشرية كبيرة داخل الكيان.
هذا التبادل لم يكن مجرد رد فعل، بل تجلٍ لصراع أكبر بين مشروعين متضادين: أحدهما يسعى لترسيخ الهيمنة الغربية، والآخر يسعى لتفكيكها عبر مقاومة شاملة وصولاً لإحلال سلام دائم في المنطقة، فالإيرانيون، بردّهم، أعلنوا نهاية زمن الضربات أحادية الجانب، مؤكدين دخول المنطقة عصر الردع المتبادل، ولو بتكلفة باهظة.
ما يلفت الانتباه أن التصعيد الأخير لم يلقَ ردًا دوليًا يُدين “الكيان الصهيوني” باستثناء عدد من الدول والمنظمات الإسلامية والأحزاب، رغم استهدافه المباشر لقادة رسميين ومراكز علمية.. في المقابل، سارع الغرب إلى تحميل إيران مسؤولية التصعيد، في مشهد يعكس بوضوح ازدواجية المعايير وتواطؤ المنظومة الغربية مع أدواتها الإقليمية.
وهنا تبرز أهمية الوعي الشعبي: فكل تصعيد عسكري هو امتحان لمدى قدرة الشعوب والنخب على قراءة ما وراء الأحداث.. فاختزال الصراع في كونه “نزاعًا ثنائيًا” بين إيران و”الكيان الصهيوني” يغفل حقيقة أن المعركة تدور على مصير أمة بأكملها.
الصراع لم يعد محصورًا في تبادل الضربات التكتيكية، بل انتقل إلى مستوى استراتيجي يهدف إلى تغيير قواعد الاشتباك، فالرد الإيراني الأخير، يؤسس لمرحلة جديدة من الردع؛ هذا الرد لا يعكس فقط قدرة إيران على الوصول إلى عمق “الكيان الصهيوني” بصواريخها الباليستية، بل يرسل رسالة واضحة بأن أي اعتداء مستقبلي سيُقابل برد مباشر ومماثل، مما يضع حدًا للغطاء الأمني الذي كانت توفره المنظومة الغربية لـ”الكيان الصهيوني”، وهذا التحول يفرض على صناع القرار الغربيين إعادة تقييم جدوى استخدام إسرائيل كـ”ذراع” عسكرية في المنطقة، خاصة مع تزايد المخاطر التي قد تطال مصالحهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
الصراع بين إيران والمنظومة الغربية ليس منعزلاً عن التحولات الجيوسياسية العالمية.. بروز قوى عالمية متعددة الأقطاب، مثل الصين وروسيا، وتنامي دورها، قد يقلل من قدرة الغرب على فرض إرادته بشكل مطلق؛ هذا التغير في توازنات القوى العالمية يفتح مساحات جديدة أمام الدول الرافضة للهيمنة، مثل إيران، لتعزيز مواقفها وتحالفاتها؛ فالدعم الإيراني لحركات المقاومة في المنطقة، والذي يراه الغرب عامل زعزعة للاستقرار، هو في حقيقة الأمر حق مشروع كجزء من استراتيجية أوسع لتفكيك منظومة الهيمنة وتغيير خارطة النفوذ الإقليمية.
إن تماسك محور المقاومة، من لبنان إلى اليمن، مروراً بالعراق وسوريا، يُعد تحديًا مباشرًا للمشروع الغربي الهادف إلى إبقاء المنطقة تحت السيطرة.
لا شك أن هذا الصراع يحمل في طياته تكاليف باهظة، بشرية ومادية، على جميع الأطراف؛ ولكن مع ذلك، هذه التكلفة ضرورية لتحقيق استقلال حقيقي وسيادة كاملة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن للمنظومة الغربية أن تتحمل استمرار هذا الصراع، خاصة مع تزايد تكلفته الاقتصادية والبشرية، وتزايد الرفض الشعبي لسياستها في المنطقة والعالم؟
إن فشل الغرب في تحقيق أهدافه في المنطقة، رغم كل أدوات القوة التي يمتلكها، يشير إلى أن المشروع الاستعماري يواجه تحديات غير مسبوقة؛ مستقبل المنطقة يعتمد بشكل كبير على قدرة شعوبها على فرض إرادتها وتحقيق تطلعاتها نحو التحرر من كافة أشكال الهيمنة الخارجية.
ختامًا، “الكيان الصهيوني”، مهما بلغت قوته، لا يتحرك في فراغ، فوجوده متصل مباشرة بالمنظومة الغربية التي تموّله وتغطي جرائمه؛ ومن دون هذه الحاضنة، لن يبقى له موقع على خارطة النفوذ، ولذلك فإن أي فهم للصراع يجب أن ينطلق من هذا التشابك، لا من الصور المضللة التي تُبث عبر الإعلام.
إنه صراع بين مشروع للهيمنة والنهب، ومشروع للمقاومة والتحرر؛ والكيان الصهيوني في هذا السياق، ليس خصم إيران وحدها، بل خصم لكل أبناء أمتنا العربية والإسلامية وكل من يطمح لاستقلالٍ حقيقي وسيادة كاملة على أرضه.

مقالات مشابهة

  • “الوعد الصادق 3”.. قراءة عسكرية لمسار تطور الرد الإيراني على “إسرائيل”
  • تعرف على الدول العربية والإسلامية التي أدانت هجمات إسرائيل على إيران
  • معاريف: بشارة بحبح وسيط الظل بين واشنطن وحركة حماس
  • ما علاقة القاعدة التي استهدفتها إيران اليوم بأخطر “قضية تجسس” داخل “إسرائيل”؟
  • هل يجوز فرض العدالة حين تفشل الأمم المتحدة؟ قراءة قانونية في الضربات الإيرانية
  • مع قصفها لإيران.. إسرائيل تحوّل حركة الفلسطينيين إلى معاناة يومية
  • الفوضى الخلاقة.. مصر هي الهدف
  • بنكيران: نساند إيران في دفاعها عن فلسطين لكنها ارتكبت أخطاء ونتحفظ على مواقفها
  • إيران لا تواجه “إسرائيل” فقط.. قراءة أعمق في مشهد الصراع في الشرق الأوسط
  • مصر تكثف تحركاتها الدبلوماسية.. اتصالات لوزير الخارجية لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران