سياسات القطاعات الاقتصادية وغياب التكاملية
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
أ.د. سعيد بن مبارك المحرّمي -
تُعرف سياسات القطاعات الاقتصادية بأنها مجموعة من الاستراتيجيات والتشريعات والدعم بالإضافة إلى التدخلات والإجراءات التنظيمية التي تتخذها المؤسسات والوحدات الحكومية لدعم وتطوير وتنظيم قطاعات أو صناعات معينة داخل الاقتصاد؛ حيث تهدف تلك السياسات إلى زيادة مساهمة جميع القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وزيادة التنافسية، وتوفير فرص عمل، وتقوية القدرات الإنتاجية بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتحقيق الاستدامة والنمو.
ولتوضيح مفهوم هذه السياسات الاقتصادية في القطاعات المختلفة، فإن من بين السياسات الداعمة لقطاع الزراعة مثلًا: دعم المزارعين بالأراضي والتمويل والبذور والأسمدة بالإضافة لتوفير بنية أساسية للري والتسويق. ومن بين السياسات الداعمة لقطاع الصناعة: إنشاء مناطق صناعية خاصة، وتشجيع التصنيع المحلي وزيادة القيمة المضافة، وتقديم حوافز ضريبية للمصانع، وحماية الصناعات المحلية (عبر السياسة الحمائية بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الأجنبية). ومن بين السياسات الداعمة لقطاع التعليم والتدريب: فهي بتوسيع وتطوير المدارس والجامعات، وربط التعليم
باحتياجات سوق العمل، وتشجيع التعليم المهني والتقني، وتطوير المناهج والمهارات الرقمية.
السياسات المالية والنقدية
الحقيقة أن الاقتصاديين يركزون كثيرًا على السياسة المالية (الضرائب والإنفاق) أو السياسة النقدية (سعر الفائدة، عرض النقود) لتحفيز الاقتصاد هاملين أهمية سياسات القطاعات الاقتصادية على القطاعات الاقتصادية المستهدفة وتأثير تلك السياسات على مستوى الكلي للاقتصاد، إذ لا تقتصر السياسة الاقتصادية على السياسة المالية والسياسة النقدية فحسب بل أنها كذلك تشمل سياسات القطاعات الاقتصادية. وكما هو معروف فإن السياستين المالية والنقدية تحت إشراف مباشر من وزارة المالية والبنك المركزي العماني وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، أما سياسات القطاعات الاقتصادية فهي عبارة عن قوانين وتشريعات وقرارات تصدر من مؤسسات حكومية عديدة تؤثر إيجابًا أوسلبًا على بيئة الأعمال وعلى الاقتصاد بشكل عام.
كما أن السياستين المالية والنقدية لها أدوات معروفة ومحددة علاوة على معرفة متى يتم استخدامها، وعلى عكس ذلك تمامًا فإن سياسات القطاعات الاقتصادية تحت إشراف العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، كما أنه ليس لديها أدوات متعارف عليها ولا متى يمكن استخدامها. وهنا يجب الإشادة ببعض الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، لمتابعتها للقطاع الاقتصادي الذي تشرف عليه أول بأول، إذ تصدر القرارات المناسبة في التوقيت المناسب، وبعض الوزارات والهيئات والمؤسسات بالغت في كثر إصدار القرارات والتي أحس المستثمر من خلالها بأنه ليس هناك استقرار للبيئة القانونية من كثرة القرارات التي يتم إصدارها. أما النوع الثالث من الوزارات والهيئات والمؤسسات، فإنها ليس لها صوت وكأنها ليست معنية بالقطاع الذي تشرف عليه.
ويمكن تقسيم سياسات القطاعات الاقتصادية إلى نوعين رئيسيين: النوع الأول من السياسات هي سياسات داعمة للقطاعات الاقتصادية، أما النوع الثاني فهي السياسات المنظمة للقطاعات الاقتصادية.
السياسات الداعمة للاقتصاد
هناك سياسات داعمة ومحفزة للقطاعات، إذ يمكن تقسيمها إلى ست سياسات مختلفة: الأولى السياسات التحفيزية والداعمة، والثانية السياسات التفضيلية، والثالثة سياسات تطوير البنية التحتية، والرابعة سياسات دعم التعليم والتدريب، والخامسة سياسات تنظيم ودعم الابتكار، وأخيرًا السياسات السادسة فهي تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ويستهدف النوع الأول وهي السياسات التحفيزية والداعمة للقطاعات الاقتصادية المستهدفة ما يلي: أولا، تقديم الدعم والحوافز المالية والعينية للشركات بكل أنواعها وأحجامها في كل القطاعات الاقتصادية. ثانيا، تقديم التمويل المدعوم من الدولة، وتسهيل الحصول على التمويل اللازم من مؤسسات القطاع المصرفي. ثالثا، الإعفاءات الضريبية وخفض قيمة الرسوم للصناعات المستهدفة. رابعا، تقديم الدعم والتسهيلات للبحث والتطوير. أما النوع الثاني من السياسات فهي سياسات تفضيلية للمنتجات الوطنية وذلك من خلال تطبيق السياسة الحمائية للمنتجات الوطنية بفرض رسوم جمركية أو قيود على الواردات الأجنبية لحمايتها. كما يشمل هذا النوع من السياسات الشراء الحكومي المباشر من منتجات الصناعات المحلية حتى لو كانت الأسعار مرتفعة نسبيا. أما النوع الثالث من السياسات فهي تطويرية للبنية التحتية اللازمة لدعم تلك القطاعات، من خلال إنشاء مناطق صناعية مكتملة البنية الأساسية، كالمناطق الصناعية مثلاً، في مواقع ذات ميزة تنافسية في ربوع البلاد، بالإضافة إلى توفير وتحسين النقل والطاقة والاتصالات خدمةً للقطاعات المستهدفة.
أما النوع الرابع من السياسات هي سياسات دعم التعليم والتدريب من أجل تطوير رأس المال البشري حسب احتياجات الصناعة (أو القطاع)، علاوة على دعم التعليم المهني والتقني. أما النوع الخامس من السياسات هي سياسات تنظيم ودعم الابتكار، بدعم مراكز البحث والتطوير، وكذلك تشجيع نقل التكنولوجيا. وأخيرًا النوع السادس من السياسات فهو تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP).
كما يمكن أن تكون سياسات القطاعات الاقتصادية الخاصة بالقطاع الصناعي أفقية (بحيث تستهدف تحسين بيئة الأعمال والابتكار بشكل عام)، أو عمودية (تركز على قطاعات محددة مثل الصناعة منتجات الطاقة التقليدية للنفط والغاز، أو الطاقة المتجددة، أو الصناعات الزراعية أو السمكية، ..... إلى آخره).
وقبل البدء في الحديث عن النوع الثاني من سياسات القطاعات الاقتصادية، لابد من الإشادة على ما قامت وتقوم به حكومة سلطنة عُمان من توفير السياسات المختلفة الداعمة للقطاعات الاقتصادية. فالحوافز موجودة بدءًا من توفير الأراضي والانتفاع بها لفترات قد تصل إلى ٩٩ عاما، علاوة على توفير التمويل المدعوم بنسبة فائدة لا تتجاوز ٣٪ من بنك التنمية، وبنسبة تمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تتجاوز ٢٪ من هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، علاوة على توفير مناطق صناعية وحرة في مواقع استراتيجية في ربوع سلطنة عُمان. كما أن الحكومة تُطبق السياسات التفضيلية للمنتج العُماني، حيث يتم شراؤه حتى ولو بسعر أعلى نسبيا. وهناك جهود مشكورة للاهتمام بتطوير كفاءة الكادر البشري الوطني ودعم التعليم المهني. كما قطعت الحكومة شوطًا لا بأس لتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وبالمجمل فإن جهود الحكومة، في تنفيذ السياسات الداعمة لقطاعات الاقتصاد، جيدة ونطلب منها المزيد من الدعم والمساندة للقطاعات الاقتصادية من أجل نموها وتكاثرها.
السياسات المنظمة للاقتصاد
أما النوع الثاني من سياسات القطاعات الاقتصادية، فهي السياسات المنظمة للقطاع الاقتصادي المستهدف من خلال التدخلات والإجراءات التنظيمية، بحيث تشمل أدوات السياسات المنظمة للقطاع المستهدف، إدخال التعديلات في القوانين والتشريعات المنظمة للقطاع كل ما كان ذلك ضروريًا، كما تشمل هذا النوع من السياسات تعديل بعض الرسوم المالية التي تحصل عليها المؤسسات والوحدات الحكومية.
والحقيقة أن هناك إشكاليات كبيرة في تطبيق السياسات المنظمة للقطاع الاقتصادي، وهنا تكمن المشكلة وتؤدي إلى غياب التكاملية لسياسات القطاعات الاقتصادية. إذ إن هناك تحديات عديدة، فمن التحديات في شأن سياسات القطاعات الاقتصادية أهمها، صدور القرارات من عدة مؤسسات ووحدات حكومية، وغياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية نفسها حول القرارات، وجهل تأثير تلك القرارات على الجانب الاقتصادي، إضافة إلى عدم وجود أدوات معروفة كتلك الموجودة في السياستين المالية والنقدية، وغياب التواصل بين المؤسسات الحكومية والقطاعات الاقتصادية المختلفة. ومن أبرز التحديات كذلك غياب التواصل بين المؤسسات الحكومية وغرفة تجارة وصناعة عمان والتي من المفترض أن تكون الجهة التي تمثل القطاع الخاص، وغياب التواصل مع مجلس عمان من أجل إبداء الرأي على الأقل حول السياسات المنظمة لقطاعات الاقتصاد.
وبناءً عليه يكون هناك غياب في تكاملية تطبيق هذه السياسات بين الوحدات الحكومية وبعدها كل البعد عن الاحتياجات الفعلية لتنظيم بيئة الأعمال والقطاعات المستهدفة. كل ذلك يؤثر سلبًا على القطاعات الاقتصادية وعلى الاقتصاد بشكل عام. وبالتالي لا تحقق سياسات القطاعات الاقتصادية الأهداف المرجوة منها.
ولا تقل أهمية سياسات القطاعات الاقتصادية عن السياسة المالية والسياسة النقدية في تحفيز الاقتصاد، فهي جزء أصيل من السياسة الاقتصادية ولا يمكن إهمالها أو التقليل من أهميتها. كما أن مردودها على الاقتصاد لا يقل أهمية عن السياستين المالية والنقدية. ومن أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها بزيادة مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير فرص عمل، لابد من التفكير التكاملي بالتواصل مع أصحاب العلاقة في القطاعات المختلفة لاسيما قبل تطبيق السياسات المنظمة للقطاع الاقتصادي المستهدف.
أ.د. سعيد بن مبارك بن سعيد المحرّمي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوزارات والهیئات والمؤسسات للقطاعات الاقتصادیة المؤسسات الحکومیة للقطاع الاقتصادی السیاسات الداعمة النوع الثانی دعم التعلیم من السیاسات علاوة على ا النوع من أجل کما أن
إقرأ أيضاً:
وزير بحكومة جنوب أفريقيا يقترح مراجعة سياسات التمكين الإيجابي لإرضاء ترامب
قال زعيم ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم بجنوب أفريقيا إن الرسوم الجمركية البالغة 30% والتي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة ستظل قائمة ما لم تُجرِ الحكومة تعديلات على بعض السياسات الداخلية المتعلقة بالتمييز العنصري، مثل سياسة التمكين الإيجابي.
وتحاول حكومة جنوب أفريقيا (صاحبة أكبر اقتصاد في القارة) منذ أشهر التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، لكنها فشلت في تحقيق ذلك قبل انتهاء المهلة التي حددها ترامب.
وباتت صادرات جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة تواجه أعلى معدل رسوم جمركية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
وقال زعيم حزب التحالف الديمقراطي جون ستينهايسن في مقابلة مع رويترز إن "من الواضح أن المفاوضات مع إدارة ترامب تتجاوز المسار التجاري، فهناك قضايا أعمق تتعلق بمصادرة الأراضي دون تعويض، وبعض قوانين العمل، والتشريعات العنصرية".
وأضاف ستينهايسن أن عضوية جنوب أفريقيا في مجموعة بريكس -التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، والتي تهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية- كانت أيضا محل خلاف مع إدارة ترامب.
ومنذ فترة طويلة يعارض حزب التحالف الديمقراطي المعروف بتوجهاته المؤيدة لقطاع الأعمال قانون التمكين الاقتصادي الشامل للسود وغيره من التشريعات التي تهدف إلى معالجة التفاوتات العرقية المتوارثة منذ حقبة الفصل العنصري.
ويقترح الحزب الاستعاضة عنها بسياسات غير عنصرية لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص العمل، مثل تقليص البيروقراطية وتبسيط إجراءات الترخيص التجاري.
ومع ذلك، وصف ستينهايسن ربط هذه القضايا بالملف التجاري بأنه "أمر غريب"، مضيفا "كما أننا لا نتدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة نتوقع أن تُحترم سيادتنا في ما يتعلق بشؤوننا الداخلية".
إرث الفصل العنصريومن غير المرجح أن يتنازل الرئيس سيريل رامافوزا وحزبه المؤتمر الوطني الأفريقي -الذي وصل إلى السلطة عام 1994 بعد إنهاء حكم الأقلية البيضاء العنصري- عن سياسات، مثل التمكين الاقتصادي للسود، والتي يعتبرها الحزب سياسة محورية لمعالجة إرث الفصل العنصري.
إعلانولا يزال البيض في جنوب أفريقيا الفئة الأكثر ثراء، في حين يشكل السود الأغلبية العظمى من الفقراء.
كما يرى حزب المؤتمر الوطني أن المخاوف بشأن قانون المصادرة -الذي أُقر هذا العام، والذي يتيح للحكومة في حالات نادرة الاستيلاء على الأراضي لإعادة توزيعها- مبالغ فيها، مؤكدا أن أي أرض لم تصادر حتى الآن بموجب هذا القانون.
وأشار ستينهايسن إلى أن هذه القوانين لا يمكن تعديلها فورا لإرضاء الولايات المتحدة، لأنها تتطلب نقاشا مطولا داخل البرلمان.
لكنه أضاف أن إرسال "إشارة" من جنوب أفريقيا تفيد بأنها تنوي التحرك في هذا الاتجاه قد يحسّن العلاقات.
وقال الوزير الجنوب أفريقي "ما يقلقني هو أننا سنواصل التفاوض بشأن الرسوم والتجارة، وستظل نسبة الـ30% قائمة".
يشار إلى أن ستينهايسن يشغل منصب وزير الزراعة في حكومة رامافوزا، ويُعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تضررا من الرسوم الجمركية.