شهدت بعض المواقف التي كانت من توفيق الله، ولا تدبير لي فيها. أذكر منها أن السفير خالد عبدربه عهد إليّ قبل بضع سنوات بتأليف كتاب في سيرة والده. وكانت المفارقة أن صاحب السيرة المرحوم عمر عبدربه تولى رئاسة النادي الأهلي بجدة وهو في نفس الوقت كان عضواً في مجلس إدارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. فأوردت في الكتاب دندنة على الاسم عمر للتأسي بمن سبقه ممّن حمل هذا الاسم الكريم.
بعد ذلك عرجت على اسم وزير خارجية المملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل وهو السيد عمر السقاف -عليهما الرحمة-. لكن المعضلة هي كيفية الدندنة على رئاسة نادي رياضي، وفي الوقت نفسه عضوية في الجامعة الإسلامية حين كان رئيسها الشيخ عبد العزيز بن باز.
ثم ساقتني الأقدار وقتئذ إلى بقالة في حي الجامعة، لشراء الخبز، وإذا بي أسمع نقاشا بين طرفين، أحدهما: شاب مثقف يعمل في البقالة، وهو من أنصار النادي الأهلي، والثاني: زبون لم أعد أذكر إلا أنه متعلق بالنادي المنافس. وتحول جسمي إلى آذان صاغية وأنا استمع إلى الجدال بينهما. لاسيما حين قال الزبون إن الأهلي لن يكسب كأس الدوري لأن الشيخ عبد العزيز بن باز دعا عليه ألا ينتصر. فردّ البقال إن هذه الدعوة قديمة وقد انتهت صلاحيتها.
ولما كان “الدنبوشي” حاضرا في الثقافة الرياضية، فقد وجدت خيطاً من خيوط الحبكة، فيما بين الشيخ والأستاذ -رحمهما الله-. الأستاذ يرفض هذه الخرافة، أما الشيخ فيعد الدنبوشي من أعمال السحر. وهكذا هيأ الله لي الربط بين الشخصيتين. ولم يكن من تدبيري ما سمعته في البقالة، ولكنه من توفيق الله.
أما حين عكفت على بحث في العمليات التي أجرتها المملكة، -حرسها الله-، لفصل التوائم السيامية، فقد وجدت في محل خضروات ثلاثة توائم سيامية من الموز. اشتريت أكثر من كيلو إكراما لهذه المصادفة، واحتفالا بوجود توائم سيامية نباتية، لا مجرد اثنتين من الموز صادفتا عشقا بينهما، بل ثلاث موزات في قشرة ثلاثية متلاصقة. وكذلك فإن هذا من توفيق الله سبحانه، ممّا لا فضل لي فيه.
لقد قالوا إن التوفيق عزيز، وأنه لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن الكريم.
وقال الشاعر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهادُه
لكن هذا التوفيق، لا يأتي إلا بصدق اللجوء إلى الله سبحانه. وقد سئل أبوبكر الشبلي فقال عن تفسير آية: “وقال الله أدعوني استجب لكم” فقال: أدعوني بلا غفلة استجب لكم بلا مهلة. إن كل شيء في دنيانا هذه بقضاء، ونحن نؤمن أن لا حول ولا قوة إلا بالله. لكن قال تعالى: “ولا تزكوا أنفسكم”.
يا تُرى، ما هي المواقف التي صنعها الله لك من حيث لا تحتسب؟
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
السيد القائد: من المقامات التي جاءت في القرآن عن النبي إبراهيم عرض دلالات وبراهين واضحة لما يدعو قومه إليه لعبادة الله وحده
قال السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي: في إطار المقامات التي عرضها الله في القرآن الكريم لنبيه إبراهيم عليه السلام بين قومه، نصل إلى مقامٍ حاسم من مقاماته بينهم، ما بعده كان هناك خطوة عملية كبيرة وحساسة جداً، قام بها نبي الله إبراهيم عليه السلام.. وما بعد ذلك أتى الحديث عن هجرته، وهذا المقام أتى بعد مقامات قبله، كان فيها عرض كبير للأدلة والبراهين الواضحة، لما يدعوهم إليه من العبادة لله سبحانه وتعالى وحده، وترك الشرك، ونبذ الأنداد التي يتَّخذونها من دون الله.. والعنوان في العبادة هو عنوانٌ جامع، يعني: يدخل في التوحيد لله سبحانه وتعالى، في ألوهيته، أنه وحده الإله الذي لا نعبد إلا هو، ثم نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من العبادة لله سبحانه وتعالى، على أساس الطاعة والانقياد التام لله جل شأنه؛ باعتبارنا عبيداً له، نطيعه، نثق به، نخضع له، نلتزم بأوامره، بتوجيهاته، بتعليماته، نقبل شرعه وهديه ونهجه، ونتحرك في مسيرة حياتنا على أساس نهجه وهديه وتعليماته.
وأضاف السيد القائد خلال محاضرته استكمالا لمحاضرات القصص القرآني، مساء اليوم الأربعاء 1 ذو الحجة 1446هـ الموافق 28 مايو 2025م: نبي الله إبراهيم عليه السلام قدَّم لقومه من الحجج، والبراهين، والدلائل الواضحة والنيرة، ما يوضِّح لهم الحقيقة، وما يصل بهم إلى القناعة، إلى الوضوح التام.. ولكنَّ المشكلة هي فيهم هم، بما كانوا قد ألفوه جداً، وتشبَّثوا به بشدَّة من الباطل الذي هم عليه، بعد أن وصلوا إلى مستوى أن لم يبق لديهم أي حُجَّة يحاولون أن يستندوا إليها، ولم يكن لديهم أي مبرر صحيح، هم يحاولون أن يبرِّروا بمبررات غير صحيحة، لا تُمثِّل حُجَّةً لهم، ولم يظهر لهم أي مستند يعتمدون عليه في تشبُّثهم بما هم عليه من الباطل.. ولذلك فالمقامات التي سبق الحديث عنها ذات أهمية كبيرة، لنستوعب أهمية هذا المقام الحاسم، وما تبعه من خطوةٍ عمليةٍ مهمةٍ وضرورية.