العلوم كأهل السماء.. لا لسان لها
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
ناجي شريف بابكر
العلوم تتطور عبر الحضارات وليس بمعزل عنها.. الحضارات كما قال عنها ابن خلدون تنمو وتنضج ثم تتعاظم ثم تنهار في دورات قوامها عدة قرون وعقود من الأزمنة..هذا بينما العلوم تبقى حية عبر القرون تتناقلها المخطوطات والوثائق والروايات..
لذلك فإن العلوم تتبع الحضارات وتسافر عبرها.. تتلون بألوانها وتتحدث بألسنتها حتى حين.
إن تتمسك بعض الشعوب لدواعي دينية وعصبية بلغاتها ولهجاتها المحلية وأن تحاول فرض تلك اللغات واللهجات على مناهج المعاهد والجامعات فيها إنما هو فرض للركود والردة، وإفراط في حرمان الأجيال من التواصل العلمي في عزلها عن مواكبة المستجدات اليومية التي تشهدها ميادين المعرفة بصفة متسارعة ومتراكمة.. إن الإنسان لا يتطور إذا ماظل أسيرا لإدراك جامدٍ وإجتراري..
العلوم الإنسانية ليست حكرا على حضارة دون أخرى، ولا لدين دون سواه، إنما هي أمانة تؤديها وتتناقلها الأجيال.. فالإنسانية شئ والعقائد شئ آخر.. إن علماء الشرق والعالم الأسلامي كانوا قد ورثوا الفلسفة وعلوم الفلك واللاهوت من الحضارة اليونانية الوثنية عبر مخطوطات نسخت باللغة الآرامية القديمة. وفي عصر النهضة وعصور التنوير، استندت الثورة العلمية والفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات في أوروبا المسيحية على إرث الحضارة الإسلامية.. ففي كل عصر من العصور كانت العلوم تتخذ ألسنة الحضارات السائدة وخطابها.. بل وتتعارك أحيانا وتحتك مع عقائدها ومسلماتها الروحية، مثالا لذلك ما حدث من صدام مابين هيباتيا عالمة الفلسفة والرياضيات ومتشددي كنيسة الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي، وما حدث في وقت متأخر في روما للفيلسوف وعالم الفلك جاليلو في بواكير القرن السابع عشر الميلادي في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية.. لكن العلوم قد أفلحت رغم ذلك بقدر كافٍ في أن تحافظ على تراكمها عبر تلك الحضارات والتحديات على اختلافها وتواترها..
كل حضارة يدين لها العالم دهرا.. تُسَخّرُ إبانه مواردها لترجمة العلوم وتطويرها وطباعتها ونشرها كجزء من عملية التنوير والحراك الثقافي.. لذلك فإن مواكبة الشعوب لتلك العلوم من خلال الدراية الكافية بألسنتها وثقافاتها أمر حتمي لا مناص منه.. وان التخندق وراء الإلسن واللهجات المحلية، إنما هو شكل من أشكال التعنصر والعزلة واستئثار بالوسائل على حساب الغايات.. ظواهر تتسبب آخر الأمر في إنغلاق المجتمعات وتعثر عمليات التحول والإرتقاء فيها للحاق بركب الحضارات وربما التهيؤ للتفوق عليها ووراثتها.
إن التعريب القسري الذي فرضه يوما سياسيون متشددون على معاهدنا وجامعتنا من منطلقات عقدية لا حكمة فيه ولا مرجعية.. سوى انه وصاية وإفراط أعمى في العزلة.. إن الطلاب الأفارقة الذين تستجلبهم وزارة التعليم العالي السودانية وتلقنهم العلوم بالعربية ثم تعيدهم إلى ديارهم بحسبانهم سفراء للدعوة والتغيير إنما تسهم في تعميق عزلتهم المتمثلة في تعثر التواصل بمجتمعاتهم، لافتقارهم المقدرة على التعبير والتخاطب التقني باللغات السائدة في الدوواوين والمؤسسات الحكومية في بلدانهم، مما يدفع بأكثرهم للتخلي عن شهاداته ودرجاته العلمية، والانخراط في التلقين الديني بالخلاوى.. أو الإنتماء لمنظمات خيرية أو أخرى مناهضة لشعوبها..
لا تمنع العقائد أتباعها عن إجادة وسائل التواصل وتبنيها فيما بين الشعوب المختلفة، وما اللغات إلا أدناها..فمن يمتنع منهم إنما هم أنفسهم يظلمون.. فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم.. إن أهل السماء لا يتحدثون لغة بعينها ويتجاهلون أخرى..لأن السماء لا تعبأ بالألسن والألوان.. هذه الأوهام والأباطيل التي نحن فيها تحكم بخناقنا وترهقنا في عزلة سرمدية.
إنتهى..
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
23 ظاهرة فلكية تضيء سماء أغسطس.. من زخات الشهب إلى اقترانات الكواكب والقمر
كشف الدكتور أشرف تادرس أستاذ الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عن أهم 23 ظاهرة فلكية يمكن رصدها ومتابعتها خلال شهر أغسطس المقبل، وأبرزها ظهور زخات شهب البرشاويات، والاقترانات اللافتة بين الكواكب والنجوم اللامعة.
وأشار «تادرس»، إلى أن أولى هذه الظواهر ستبدأ غدًا، حيث يكون القمر في منطقة الأوج وهي النقطة الأبعد نسبيًا عن الأرض، وتبلغ المسافة بينهما في هذا الوضع نحو 404، 200 كيلومتر، مما يؤدي إلى خفوت طفيف في ظاهرة المد والجزر، ويقل حجم قرص القمر قليلًا إذا اكتمل بدرًا وهو في هذا الموضع.
وأضاف أنه في اليوم نفسه، يظهر القمر في طور التربيع الأول، حيث يضيء نصف قرصة ويكون في منتصف السماء وقت غروب الشمس، ويتجه تدريجيًا نحو الغرب إلى أن يغرب منتصف الليل تقريبًا.
وأشار إلى أنه في 3 أغسطس، يُرصد اقتران القمر مع النجم العملاق أنتاريس (قلب العقرب)، ألمع نجم في برج العقرب، والذي يشاهد بالعين المجردة حتى قرابة الساعة 1:10 بعد منتصف الليل.
وأوضح أستاذ الفلك أن القمر سيكتمل في 9 أغسطس ليصبح بدرا كامل الاستدارة في ظاهرة تعرف باسم بدر الحفش، نسبة إلى فترة صيد سمك الحفش في بحيرات أمريكا الشمالية، كما يُعرف أيضًا بقمر القمح أو الذرة الخضراء، ويعد هذا التوقيت الأفضل لرؤية تضاريس القمر بالتلسكوبات والنظارات المعظمة.
ونوه إلى أنه في صباح 12 أغسطس، يشهد الفلكيون اقترانًا بين كوكبي الزهرة والمشتري، حيث يظهران متجاورين في السماء الشرقية قبل شروق الشمس بنحو ساعة، ويعرف هذا الاقتران بالاقتران العظيم نظرًا لكونه يجمع ألمع كوكبين في السماء.
وأضاف أنه في نفس اليوم، سيقترن القمر أيضا مع كوكب زحل، ويُشاهد هذا الاقتران بالعين المجردة طوال الليل حتى ظهور الشفق الصباحي، كما تتزامن ليلة 12 وصباح 13 أغسطس مع ذروة زخة شهب البرشاويات، أفضل الزخات الشهابية السنوية التي ينتظرها هواة الفلك، وقد يصل عدد الشهب فيها إلى 60 شهابًا في الساعة، وتنجم عن مرور الأرض في بقايا مذنب Swift-Tuttle.
وأوضح أن القمر سيكون في منطقة الحضيض، أقرب نقطة له إلى الأرض، في 14 أغسطس على بعد نحو 369، 300 كيلومتر، مما يؤدي إلى زيادة طفيفة في قوة المد والجزر، أما في 16 أغسطس، فيتكرر طور التربيع الثاني، ويقترن القمر مع حشد الثريا النجمي الشهير، المعروف بالأخوات السبع.
وأشار الدكتور أشرف تادرس إلى أنه في 19 أغسطس، يرصد كوكب عطارد في أقصى استطالة غربية له من الشمس بزاوية 18.6 درجة، وهي أفضل فرصة لرؤيته، ويتزامن ذلك مع اقترانه بحشد خلية النحل النجمي في برج السرطان، رغم صعوبة رؤيته دون تلسكوب.
وأكد أنه في 20 أغسطس سيحدث اقترانا ثلاثيا بين القمر وكوكبي الزهرة والمشتري، بالإضافة إلى اقترانه مع النجم بولوكس ألمع نجوم برج الجوزاء، مما يشكل مشهدًا سماويا فريدا يمكن متابعته في السماء الشرقية قبيل شروق الشمس.
ولفت الى انه في 21 أغسطس، سيقترن القمر مجددا مع حشد "خلية النحل" النجمي، ويلحق بهما كوكب عطارد، أما في يوم 23 من الشهر نفسه، فيظهر القمر الجديد (محاق شهر ربيع الأول) ويتزامن مع غيابه الكامل عن السماء، ما يُعد أفضل توقيت لرصد الأجرام السماوية الخافتة.
وأوضح أستاذ الفلك أن الظواهر الفلكية ستتوالى في الأيام الأخيرة من أغسطس، ففي يوم 26 سيقترن القمر مع كوكب المريخ في السماء الغربية، وفي 27 أغسطس يقترن مع النجم سبيكا ألمع نجوم برج العذراء، أما في يوم 29، سيعود القمر إلى نقطة الأوج للمرة الثانية خلال الشهر، ويصادف ذلك أيضًا طور التربيع الأول مرة أخرى.
ونوه أستاذ الفلك بأن الظواهر الفلكية لشهر أغسطس ستختتم باقتران ثانٍ بين القمر والنجم أنتاريس، إلى جانب اقتران الزهرة مع حشد "خلية النحل" في وقت الفجر.
وأكد تادرس أن هذه الظواهر تمثل فرصا مميزة لهواة الفلك والمصورين لمتابعة السماء، خاصة من الأماكن البعيدة عن التلوث الضوئي، مشيرًا إلى أن معظمها يمكن رؤيته بالعين المجردة، في حين يتطلب بعضها أدوات بسيطة مثل التلسكوبات الصغيرة لمزيد من التفاصيل.