الأغوار الشمالية - خاص صفا

رغم أن منطقة الأغوار شرقي الضفة الغربية تعد معسكرًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ كونها منطقة حدودية مع الأردن، ومحط أطماع التمدد الاستيطاني، إلا أن المقاومة نجحت خلال الأشهر الماضية بضرب الاحتلال فيها للمرة السادسة، والانسحاب بعد تنفيذ العملية، وهو ما دفع للتساؤل "هل تحول الحصن الأمني الإسرائيلي إلى خاصرة ضعيفة؟".

وتمتد الأغوار، التي يعيش فيها نحو 60 ألف مواطن، من بيسان حتى صفد شمالًا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا.

وتبلغ مساحة الأغوار وشمالي البحر الميت 1.6 مليون دونم، وتمثل أكثر من رُبع مساحة الضفة الغربية، ويوجد فيها 35 مستوطنة إسرائيلية، يعيش فيها نحو 10 آلاف مستوطن.

سلسلة عمليات

ونجح المقاومون خلال عام مضى في ضرب أهداف إسرائيلية خمس مرات، وتمكنوا خلالها من الانسحاب، والوصول إلى الأماكن التي اختاروها.

ففي 28 يناير/ كانون ثاني 2023 وقعت عملية إطلاق نار قرب مطعم عند مفرق "ألموغ" جنوبي أريحا بعدما وصل فلسطيني إلى هناك وأطلق رصاصة وانسحب من المكان.

وفي 27 فبراير/ شباط 2023 وقعت عملية إطلاق النار أخرى على "شارع 90" الاستيطاني في منطقة الأغوار، شمالي البحر الميت؛ ما أسفر عن مقتل مستوطن.

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2022، نفذ الأسير ماهر تركمان ونجله الشهيد محمد وابن شقيقه الأسير محمد وليد تركمان، عملية إطلاق نار أسفرت عن إصابة 6 جنود في الأغوار الشمالية، وتمكن ماهر من الانسحاب والاختفاء في مخيم جنين لأشهر.

وفي 7 أبريل/ نيسان 2023 نفذ المقاومان حسن قطناني ومعاذ المصري من مخيم عسكر شرقي نابلس عملية إطلاق نار أدت لمقتل ثلاث مستوطنات في منطقة جسر الحمرا قرب قرية فروش بيت دجن في الأغوار الوسطى، وانسحبا من الموقع؛ ليستشهدا في البلدة القديمة في نابلس بعد أسابيع.

وفي 2 أغسطس/ آب 2023 فتحت سيارة النار تجاه مركبة يستقلها مستوطنون عند حاجز الحمرا في الأغوار؛ ما أسفر عن إصابة مستوطنة.

وعلى أثر تزايد عمليات المقاومة، كثّفت قوات الاحتلال اقتحاماتها لمناطق أريحا ولاسيما مخيماتها، وتواجه مقاومة مسلحة وشعبية في كل اقتحام.

أهمية جيوسياسية

ويرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن أهمية الأغوار تكمن في أبعادها الجيوسياسية، إذ تمثل أطول حدود للاحتلال مع جواره العربي، وما قد تمثله من خطر وجودي عليه، لذلك فهي تحوي معسكرات كبيرة ومعدات عسكرية ثقيلة.

ويشير بشارات، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى أن الأهمية الجغرافية تكمن بوجود الأغوار على أحد أهم المسطحات المائية الجوفية في الضفة، وهو ما أهلها لتكون سلة غذائية مهمة للمنطقة، وباتت ترزح تحت توسع استيطاني كبير، في أغلبه زراعي.

ويوضح بشارات أن نجاح المقاومين بالانسحاب يكمن في الامتداد الجغرافي الكبير للمنطقة، وعدم وجود تواصل سكاني بينها، أو حركة مرورية مكتظة، واستخدام المقاومين مركبات تحمل لوحات تسجيل صفراء إسرائيلية، وهو أمر معتاد في تلك المنطقة.

وعلاوة على ذلك، فإن الأغوار شريط جغرافي يوازيه مناطق الضفة؛ الأمر الذي يسهل عودة المقاومين إلى مناطقهم حتى عبر الحواجز العسكرية الأقل انتشارًا هناك مقارنة بمناطق أخرى، إضافة لإمكانية انسحاب المنفذين عبر الأراضي السهلية والالتفاف عن الحواجز، وفق بشارات.

"لب الصراع"

أما الكاتب والمحلل السياسي سري سمور فيؤكد أن الأغوار منطقة في "لب الصراع"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يقول إن المنطقة "لن تكون إلا ضمن أراضي دولة إسرائيل"، حتى لو كان هناك حل سياسي.

ورغم تنفيذ عديد العمليات الناجحة في المنطقة، إلا أن سمور يعتقد، في حديثه لوكالة "صفا"، أن الطبيعة الجغرافية صعبة للمقاومة بسبب انتشار مستوطنات ومعسكرات الاحتلال التي تحوي أجهزة مراقبة.

ويرى سمور أنه "من السابق لأوانه اعتبار الأغوار خاصرة ضعيفة للاحتلال"، لافتًا إلى أن "العمليات قد تكون موجة وتنتهي لتنتقل إلى منطقة أخرى، إلا إذا استمرت خلال الفترة المقبلة".

رسائل ودلالات

أما المحلل السياسي والمتابع للشأن الإسرائيلي محمد علان فيقول إن عمليات المقاومة في الأغوار كانت "رسائل للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية".

ويضيف "أولى هذه الرسائل أن المقاومة اشتد عودها، وصار بإمكانها تنفيذ عمليات نوعية في أكثر المناطق حساسية بالنسبة للاحتلال".

أما الرسالة الثانية، وفق حديث علان لوكالة "صفا"، فهي أن "المقاومة التي كان يصفها الاحتلال بأنها غير مؤهلة، باتت تراكم وتطور إمكانياتها، وقتلت أربع مستوطنين وأصابت آخرين خلال عام".

وتتمثل الرسالة الثالثة في أن "المقاومة بالضفة تتمدد وتتوسع، ولم تعد محصورة في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، بل في طريقها لتحويل الضفة كلها لساحة مقاومة واحدة"، كما يقول علان.

وعن دلائل عمليات الأغوار، يعتقد المتابع للشأن الإسرائيلي أنها "مؤشر على تآكل نظرية الردع التي تحاول المؤسسة العسكرية الإسرائيلية استردادها".

ويضيف "تحولت أكثر منطقة أمنية للاحتلال إلى الأكثر ضعفًا أمام عمليات المقاومة، كما أصبحت أكبر نقطة لتهريب الأسلحة من الأردن للضفة، بغض النظر عن وجهة الأسلحة سواء للمقاومة أو للتجارة".

ويرى أن "تحوّل هذه المنطقة الهادئة إلى منطقة ساخنة بفعل ضربات المقاومة، وفشل الاحتلال في التصدي للعمليات وملاحقة منفذيها خلال ساعات عملياتهم الأولى جعلها خاصرة رخوة للاحتلال، وأثار شهيّة المقاومين للاستمرار في توجيه ضرباتهم في تلك المنطقة".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الأغوار عمليات المقاومة مقاومة الضفة عملیة إطلاق فی الأغوار

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تريد اتفاقا يحقق لها النصر والمقاومة ترد بالاستنزاف

مع تمسك تل أبيب بفرض اتفاق يتضمن استسلاما للمقاومة وسيطرة على نصف مساحة قطاع غزة تقريبا والتحكم في توزيع المساعدات، رفع الفلسطينيون وتيرة عملياتهم على الأرض وأصبحوا يعتمدون الاستنزاف وسيلة أساسية لإنهاء الحرب بالطريقة التي لا يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه نتنياهو ومن قبله الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق محتمل خلال أيام قليلة، أكد محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أن المطروح هو مقترح استسلام لن تقبل به المقاومة، وقال إن حرب الاستنزاف تصب في مصلحة المقاومة رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها المدنيون.

وتحاول إسرائيل فرض اتفاق ينتهي بسيطرتها على 40% من مساحة غزة والتحكم في توزيع المساعدات وحصرها في مدينة خيام تخطط لإقامتها على أنقاض رفح جنوبي القطاع، بينما تتمسك المقاومة بالانسحاب الكامل ووقف الحرب وإعادة مهمة توزيع المساعدات إلى الأمم المتحدة.

ومع اتساع الخلاف بين الجانبين، صعدت المقاومة من عمليتها خلال الأيام الأخيرة على نحو يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا إنه يجعل إسرائيل غير قادرة على تحقيق مكاسب تكتيكية على الأرض، فضلا عن المكاسب الإستراتيجية في المفاوضات.

الاستنزاف في مصلحة المقاومة

تأقلمت المقاومة على الوضع الميداني وأصبحت تعمل بلا مركزية كاملة وبأقل عدد ممكن من المقاتلين لإلحاق خسائر كبيرة بصفوف الاحتلال، كما حدث في بيت حانون مؤخرا.

علاوة على ذلك، انتقل المقاومون إلى مرحلة السعي لأسر جنود خلال العمليات، وهو ما اعترف به الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي عندما أكد أن جنديا قتل خلال محاولة أسره من جانب المقاومة في خان يونس.

وغياب القيادة المركزية للعمليات جعل جيوب المقاومة تقاتل حسب الهدف المتاح لها، ولم تعد إسرائيل تمتلك معلومات عملياتية تمكنها من إحباط هذه الهجمات أو التعامل مع هذه الجيوب، كما قال حنا في برنامج "مسار الأحداث".

إعلان

وفي ظل حالة الإنهاك الشديد التي يعيشها جيش الاحتلال، وعجزه عن التعامل مع حرب المدن التي تشنها المقاومة، فإن عملية الاستنزاف الحالية ستخدم المقاومة بشكل أكبر.

لكن إسرائيل -رغم كل هذه الخسائر- تحاول فرض رؤيتها لما بعد الحرب من خلال الاتفاق المحتمل للهدنة، لأنها ربما لا تكون قادرة على تجديد المعارك بعد انتهاء مدة الـ60 يوما المقترحة لوقف القتال، كما يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.

فإسرائيل التي كانت تدخل حروبا خاطفة لتحقيق إنجازات عملياتية يمكنها تحويلها لمنجزات سياسية، أصبحت اليوم تتخبط بين عشرات التصورات لما يجب أن تنتهي عليه هذه المواجهة.

صحيح أن الحكومة تحاول استعادة نصف الأسرى خلال هدنة الـ60 يوما، لكن خشيتها من عدم قدرتها على استئناف القتال تدفعها لتضمين الاتفاق شروطا يمثل قبولها تحقيقا لأهداف الحرب السياسية التي لم تنجح في تحقيقها عسكريا، في ظل تلاشي المبررات التي قد يستند إليها نتنياهو لتجديد الحرب.

رهان على الميدان

في الوقت نفسه، لم يعد أمام المقاومة إلا التمسك بشروطها والاعتماد على الميدان لإجبار تل أبيب على الذهاب لإنهاء الحرب، لا سيما أن الجانب الفلسطيني لا يمتلك ظهيرا سياسيا ولا عربيا، كما يقول الباحث السياسي سعيد زياد.

ولأنه من غير المعقول القبول بحشر الفلسطينيين في حيز ضيق بمدينة رفح، والسماح للاحتلال بتشغيل عملاء لإدارة القطاع، فإن رهان المقاومة يظل محصورا بإلحاق خسائر كبيرة بالجيش حتى يدفعه للخلاف مع القيادة السياسية الإسرائيلية.

وترفض المقاومة مطلب الولايات المتحدة بالتركيز على تبادل الأسرى وإدخال المساعدات وإرجاء القضايا الخلافية الأخرى لحين التوصل لاتفاق نهائي بشأن هاتين النقطتين. وقد أكد الهندي -في مقابلة مع الجزيرة- أن المقاومة لن تسمح لواشنطن وتل أبيب بالتلاعب بمستقبل الفلسطينيين وتمهيد تهجيرهم.

وفي حين قالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو سيعقد، مساء اليوم الأحد، جلسة مشاورات بشأن صفقة تبادل، دعت عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى التظاهر والضغط على الحكومة نتنياهو للإسراع بإبرام صفقة شاملة وإنهاء الحرب.

وحمّلت العائلات "حكومة المتطرفين" المسؤولية عن المماطلة بلا نهاية وكسب مزيد من الوقت لتحقيق أهدافه السياسية الداخلية والمحافظة على ائتلافه الحكومي من التفكك.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تريد اتفاقا يحقق لها النصر والمقاومة ترد بالاستنزاف
  • ما دلالات المشاهد التي نشرتها “القسام” لمحاولة أسر جندي إسرائيلي في خان يونس؟
  • هل يغير تسارع وتيرة عمليات المقاومة من المعادلة بغزة؟ الدويري يجيب
  • خبير عسكري: عمليات مقاومة غزة تؤكد مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ
  • قيادي بحركة فتح: إسرائيل تتذرع بالأمن لعرقلة الدولة الفلسطينية
  • المقاومة تفرض واقعًا جديدًا في غزة رغم ترويج الاحتلال للتقدم الميداني
  • “أبو عبيدة” يبارك عمليات الضفة ويدعو لتصعيد المقاومة
  • أبو عبيدة يعلق على عمليات المقاومة.. ويدعو الضفة الغربية
  • أبو عبيدة يبارك عمليات الضفة ويدعو للانتفاض “قبل ضياع ما تبقى من فلسطين”
  • أبو عبيدة يبارك عمليات الضفة ويدعو للانتفاض قبل ضياع ما تبقى من فلسطين