الضاحية الجنوبية.. حاضنة المقاومة وبؤرة الاغتيالات الإسرائيلية
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
بعد أيام من حادثي انفجار أجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي في لبنان اللذين أسفرا عن عشرات القتلى ومئات الإصابات، وصل التصعيد بين حزب الله اللبناني وإسرائيل إلى ذروته، فكانت بيروت على موعد مع سلسلة من الغارات الجوية، وعادت ضاحيتها الجنوبية إلى مركز الاستهداف الإسرائيلي.
فقد شهدت الضاحية أسبوعا عصيبا، إذ لم تكد تمضي أيام على اغتيال القائديْن في حزب الله إبراهيم عقيل وأحمد وهبي حتى أعلنت إسرائيل عن شن غارة جديدة في محاولة لاغتيال القيادي علي كركي، لكن سرعان ما جاء اليوم التالي بغارة في منطقة الغبيري قتلت القائد إبراهيم قبيسي.
تعيدنا استهدافات الضاحية الجنوبية لبيروت منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخاصة الهجوم على منطقة الغبيري، إلى الحرب على لبنان عام 2006، مما يدفع للتساؤل عما يجعل هذه المنطقة هدفا للقصف الإسرائيلي.
تقع المنطقة -التي يقطنها نحو مليون نسمة- بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان التي تتبع له إداريا، وكانت تُعرف سابقا بـ"ساحل المتن الجنوبي".
وتضم مساكن عدد من علماء الشيعة وقادة الحزب، وتعكس المباني المليئة بثقوب الرصاص والكتابات على الجدران "الموت لأميركا" تاريخ الحروب والتوترات التي شهدتها المنطقة، مما جعلها هدفا مباشرا للاعتداءات الإسرائيلية.
وتكمن أهميتها الإستراتيجية في وجود مطار بيروت الدولي ضمن نطاقها، ومن أهم مناطقها: الشياح الغبيري، وبرج البراجنة، وحارة حريك، وبئر العبد، وحي السلم، والليلكي، والأوزاعي، والمريجة، وتحويطة الغدير.
وشهدت الضاحية محطات من زيادة النفوذ الإيراني، كان أبرزها صيف 1982، إذ كان للاجتياح الإسرائيلي دور كبير في تشكيل وتأسيس حزب الله اللبناني، الذي ظهر بصفته قوة مقاومة رئيسية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين بدأت تتوطد فصول العلاقة الإستراتيجية بين هذا التنظيم والضاحية الجنوبية لبيروت التي أصبحت معقلاً أمنيا وسياسيا وثقافيا له.
لا يزال سكان ضاحية بيروت الجنوبية يحملون ذكريات مروعة لحرب يوليو/تموز 2006، التي تعرضت فيها المنطقة للقصف والتدمير بشكل متكرر إثر الغزو الإسرائيلي.
ففي 12 من ذلك الشهر، شن مقاتلو الحزب هجوما عبر الحدود وقتلوا 8 جنود إسرائيليين وأسروا جنديين، وطالب الحزب مبادلتهما بسجناء ومعتقلين في السجون الإسرائيلية.
لكن إسرائيل ردت بحرب شاملة، بدأتها بحصار بحري وقصف جوي مكثف ثم توغل بري، واستمرت المعارك لمدة 33 يوما، سقط فيها بين 300 و800 عنصر من حزب الله، و43 من الجيش اللبناني وقوات الأمن، وأكثر من ألف قتيل من المدنيين اللبنانيين، وآلاف الجرحى من الطرفين، و121 جنديا إسرائيليا و44 مدنيا.
وفي المقابل، كان حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بلبنان كبيرا، ومنه انبثقت عام 2008 ما عرفت بـ"عقيدة الضاحية" كإستراتيجية خاصة للقتل والتدمير ابتدعها الاحتلال ردا على صمودها.
وفي زمن طوفان الأقصى، توجهت إليها الأبصار من جديد، فقد كانت منصة إعلام المقاومة الوحيدة خارج فلسطين، ومنها كان الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يخرج كل يوم ليوثق الأحداث.
وفي زمن الطوفان أيضا، كانت الضاحية تحت أنظار الاحتلال يترقب فيها أهدافه، كان ينتظر الجواسيس والعيون لتخبره بما خفي فيها عنه لينفذ إجرامه، فقد كانت طائرته جاهزة مذخرة بصواريخ مدمرة تنوء بها جدران بيوتها المتواضعة، فكان له ما أراد، ونجح مرات.
وخلال الأيام الماضية، عادت الضاحية من جديد لتتصدر المشهد السياسي والعسكري في لبنان، إذ أصبحت هدفا للغارات الإسرائيلية التي سقط فيها قادة شهداء.
استهداف صالح العاروريفي الثاني من يناير/كانون الثاني 2024 أعلنت حركة حماس عن اغتيال صالح العاروري واثنين من قادة كتائب القسام إثر هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية استهدف مبنى يضم مكتبا للحركة في الضاحية الجنوبية في بيروت.
وكان العاروري الرجل الثاني في حركة حماس ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة منذ عام 2017، وأسهم في تأسيس كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة.
قضى 18 عاما في سجون الاحتلال، اتهمته إسرائيل بالوقوف خلف العديد من العمليات التي نفذتها المقاومة في الضفة الغربية.
وأدرج العاروري على القائمة الأميركية لـ"الإرهابيين الدوليين" عام 2015، وعرضت وزارة الخارجية الأميركية ما يبلغ 5 ملايين دولار عام 2018 مقابل من يدلي بمعلومات عنه عبر برنامجها "مكافآت من أجل العدالة".
هجوم حريك.. واغتيال فؤاد شكروفي 30 يوليو/تموز 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في غارة شنها على مبنى بحارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وعن هذا الاغتيال، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن الجيش الإسرائيلي "قضى" على من وصفه برئيس الأركان في حزب الله فؤاد شكر بعملية "قاتلة ودقيقة" في ضاحية بيروت الجنوبية.
وأضاف غالانت في منشور على منصة إكس أنه باغتيال شكر "أكدنا اليوم أننا قادرون على الوصول لكل مكان من أجل تدفيع ثمن من يمس بإسرائيل"، وفق تعبيره.
ويعد شكر كبير مستشاري الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والمسؤول العسكري المركزي الأول للحزب منذ تأسيسه.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية وصفت شكر بأنه "المشرف الفعلي على مواجهة الحزب مع إسرائيل منذ عملية الطوفان".
هجوم القائم.. إبراهيم عقيل وأحمد وهبيوفي يوم الجمعة الماضي 20 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أن سلاح الجو نفذ غارة دقيقة في بيروت استهدفت اجتماعا عسكريا لحزب الله، واغتالت إبراهيم عقيل رئيس شعبة العمليات في حزب الله وعددا من قيادات شعبة العمليات في وحدة الرضوان.
وأعلن حزب الله مقتل أحمد وهبي وإبراهيم عقيل و14 مقاتلا بصاروخين إسرائيليين أطلقتهما طائرة من طراز "إف-35" على شقة في منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
كان عقيل قائدا لقوة الرضوان، وهي وحدات النخبة في حزب الله، وزعيما في المجلس الجهادي لحزب الله، وهو أعلى هيئة عسكرية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية صنفته ضمن القائمة الأميركية للمتهمين بالإرهاب عام 2005، وإرهابيا عالميا عام 2019، ورصدت مكافأة بقيمة 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
أما أحمد وهبي القائد في حزب الله فقد التحق بالمقاومة الإسلامية في لبنان منذ تأسيسها، وشارك في عدد من العمليات العسكرية جنوبي البلاد.
وكلت إليه مسؤولية تدريب قوة الرضوان عام 2012 حتى 2024، وقاد العمليات العسكرية للقوة على جبهة الإسناد اللبنانية مع إعلان بداية طوفان الأقصى، وعقب استشهاد القيادي في الحزب وسام الطويل تولى مسؤولية وحدة التدريب المركزي حتى اغتياله.
في مساء أمس الاثنين، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف القيادي علي كركي في غارة جوية على "حي ماضي" في ضاحية بيروت، لكن حزب الله أعلن أن كركي بخير ونُقل إلى "مكان آمن".
كما استهدفت الغارات الإسرائيلية أيضا بئر العبد في ضاحية بيروت، مما أسفر عن وقوع قتلى وإصابة العشرات.
وتقول مصادر إعلامية إسرائيلية إن كركي قائد الجبهة الجنوبية في حزب الله هو القائد العسكري الثالث في حزب الله بعد فؤاد شكر.
وقد وصفت إذاعة الجيش الإسرائيلي كركي بأنّه أبرز شخصية عسكريّة في حزب الله بعد اغتيال فؤاد شكر وإبراهيم عقيل.
وكانت إسرائيل حاولت اغتيال كركي في فبراير/شباط 2024 في بلدة النبطية، لكن السيارة التي استهدفتها كانت مموهة ولم يكن فيها.
إبراهيم القبيسيبعد ظهيرة يوم أمس الثلاثاء، وبطريقة مشابهة لاغتيال فؤاد شكر بطائرات من طراز إف-35، استهدف جيش الاحتلال مبنى بحي سكني في منطقة الغبيري في قلب ضاحية بيروت الجنوبية الآهلة بالسكان.
بعدها بساعات، نعى حزب الله قائد منظومة الصواريخ إبراهيم قبيسي إثر هذا الهجوم، وقتل في هذه الغارة 6 أشخاص وأصيب 15 آخرون.
وقال الحزب في بيان إن القائد إبراهيم محمد قبيسي الملقب بـ"الحاج أبو موسى"، وهو من مواليد 1962، "ارتقى شهيدا على طريق القدس"، وهيالعبارة التي يستخدمها الحزب للإشارة إلى مقاتليه الذين يسقطون بنيران الجيش الإسرائيلي.
وهكذا، تنفض الضاحية عن نفسها ركام نحو عقدين من الزمان لتظهر كما كانت عام 2006 مركزا للقيادة وحضنا للمقاومة، كما تظهر بنك أهداف لا ينضب لجيش الاحتلال، لا فرق عنده فيها بين مدني ومقاتل، فالكل تحت القصف سواء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الضاحیة الجنوبیة لبیروت ضاحیة بیروت الجنوبیة الجیش الإسرائیلی إبراهیم عقیل فی حزب الله فؤاد شکر
إقرأ أيضاً:
ما هي منظومات الدفاع الإسرائيلية التي تواجه صواريخ إيران؟
تمتلك إسرائيل أنظمة دفاع جوي متطورة ساهمت في مواجهة وابل من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة المتفجرة، التي أطلقتها إيران خلال اليومين الماضيين، في تصعيد غير مسبوق بين الخصمين الإقليميين.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي السبت إن منظومة الدفاع حققت "نسبة نجاح تتراوح بين 80 و90 بالمئة"، لكنه أكد أنه لا يوجد نظام مثالي بنسبة 100 بالمئة، ما يعني أن بعض الصواريخ الإيرانية اخترقت منظومة الدفاع.
فما هي الأنظمة الدفاعية التي تستخدمها إسرائيل في صد الهجمات الإيرانية؟نظام القبة الحديدية
طورت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة منظومة القبة الحديدية بدعم من الولايات المتحدة، وصارت جاهزة للعمل في عام 2011.
وقالت الشركة إن النظام يستطيع اعتراض صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى التي كان حزب الله وحركة حماس يطلقونها باتجاه إسرائيل.
ونشرت إسرائيل نظام القبة الحديدية في عام 2011 قرب قطاع غزة لتجربة قدرته على مواجهة القذائف والصواريخ قصيرة المدى.
وتتبع أنظمة القبة الحديدية المقذوفات قصيرة المدى بواسطة رادار خاص يحلل بيانات المقذوفة ومنطقة السقوط المحتملة، وفي حالة التأكد من سقوط المقذوفة في منطقة حساسة، يتم إرسال الإحداثيات لوحدة إطلاق الصواريخ لاعتراض المقذوفة.
ويتكون نظام القبة الحديدية من رادار يقوم بالكشف والتتبع، ونظام تحكم بالإطلاق إضافة إلى 3 قاذفات، كل واحدة تحمل 20 صاروخا.
ونشرت إسرائيل نسخة بحرية من القبة الحديدية لحماية السفن والأصول البحرية في عام 2017.
مقلاع داوود
جرى تصميم منظومة ديفيدز سلينغ (مقلاع داود) الصاروخية متوسطة المدى لإسقاط الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من مسافة تتراوح بين 100 و200 كيلومتر.
وجرى تطوير وتصنيع المنظومة بشكل مشترك بين مؤسسة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة لإسرائيل وشركة آر.تي.إكس الأميركية، التي كانت تعرف سابقا باسم ريثيون، وهي مصممة كذلك لاعتراض الطائرات والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.
ودخل مقلاع داوود في الخدمة فعليا عام 2017، ويتكون النظام من 3 مستويات، كل واحد منها مصمم للتعامل مع تهديد من مسافة مختلفة، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
ويعتمد مقلاع داوود على رادار إسرائيلي، ولديه القدرة على تعقب الطائرات والصواريخ الباليستية. ويمكنه تتبع ما يصل إلى 1200 هدف على مدى 474 كلم، وتتبع 200 هدف في الدقيقة.
منظومة "آرو"
تعتبر منظومة الصواريخ آرو بعيدة المدى آخر طبقات منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وهي منظومة قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي على مسافة أكثر من 2400 كلم.
وتتكون من مجموعة من الأنظمة الاعتراضية لتوفير الدفاع متعدد المستويات ضد الصواريخ الباليستية. ويتمركز هذا النظام في القواعد الجوية الإسرائيلية.
وينقسم نظام السهم آرو إلى قسمين: نظام " آرو 2" ونظام "آرو 3". وذكرت "رويترز" أن هذا النظام مطور خصيصا لمواجهة التهديد الإيراني.
ويقوم نظام آرو 3 يقوم بالكشف والتتبع والتمييز والاشتباك، ويعتمد عليه الجيش الإسرائيلي لحماية المواقع الاستراتيجية.
منظومة ثاد الأميركية
ذكرت وزارة الدفاع الأميركية أكتوبر الماضي أنها سترسل إلى إسرائيل نظام دفاع جوي مضاد للصواريخ على الارتفاعات العالية.
وتعد منظومة ثاد مكونا رئيسيا في أنظمة الدفاع الجوي للجيش الأميركي، وهي مصممة لاعتراض وتدمير تهديدات الصواريخ الباليستية ذات المدى القصير والمتوسط وفوق المتوسط خلال المرحلة النهائية من تحليقها.
ويعد نظام "الثاد" فعالا ضد الصواريخ الباليستية، وصنعته شركة "لوكهيد مارتن"، أكبر شركة لصناعة الأسلحة في الولايات المتحدة الأميركية.
ويحتوي هذا النظام على 6 قاذفات مثبتة على الشاحنات. وقد بدأ الجيش الأميركي بتشغيل هذا النظام سنة 2008، وهو نظام قابل للنشر والنقل بسرعة.