عدد الساعات التى تعيشها مع الله قليلة جداً بالقياس لعدد الساعات التى تعيشها بالغفلة عنه، ثم التردى والنكوص مع تعمّد السّهيان.
لديك مثلاً فى يومك كله: خمسة فروض، ومع كل فرض نوافل من قبل ومن بعد، لو استطعت أن تحافظ على الفروض وكفى، أعددت نفسك بينك وبين نفسك من المجاهدين، ولا تقل أين النوافل والزيادات فضلاً عن رؤية التقصير؟!
لا تقل هذا.
روى لى أحدهم - والعهدة على الراوى - أن ولياً من أولياء الله دخل مسجداً وقت الصلاة يوماً ما، فوجد المصلين على هيئة خنازير إلا ثلاثة منهم تبيّن له من طريق شهوده أنهم صُلحاء وعارفون.
والإشارة فى شهود الولى أن جماعة المُصلين كانوا مجرّد أجساد لا روح فيها ولا حياة، ولا حضور مع الحق وقت الصلاة، بل خالطتهم الغفلة وعمّ أكثرهم الباطل الذى يبطل باطن الصلاة.
إذا كان هذا فى المكتوبة، فكيف بغيرها وفى غيرها؟!
ربما يرجع هذا إلى قلة الشغل بالله، وإلى كثرة الغفلة عنه؛ لأننا فى الغالب نشتغل بالله أقل ممّا ينبغى ونعطى الكثير لأنفسنا فيما لا ينبغي، فنفوّت عليها حياة جديرة بالحياة الحقيقية فى رحاب الله، ومع الله، ومن أجل الله.
كلمة (اشتغل بالله) من أعمق وصايا العارفين عن مشكاة النبوة ميراث النور القديم، لأن الشغل بالله وفى الله هو أسمى ما يضيفه عمل اللطيفة الربانية، وهو بلا شك عملٌ قلبيٌ يقوده التوجّه نحو وحدة القصد واتصال الذات الذاكرة بسر حقيقتها الباقية وسر روحانيتها الدائمة، فالعمل بالله وفى الله يدعم تلك الناحية.
وبما أن العارف لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره، بمعنى أنه لا مأوى ولا مثوى له فى الدنيا ولا الآخرة إلا بالله، كانت أهم صفاته: أنه مسكون بالله على الدوام بغير انقطاع.
وكل مسكون بالله ساكن تحت مجارى أقداره. الرضا من علامات سكونه بالله، إذ ذاك يفهم العارف باليقين الذى لا مرية له فيه: أن الله قد أجرى لطفه فى حكم قضائه، فمن غلب عليه اللطف وذاق حلاوة الإيمان، هانت عليه أحكام القضاء فمر عليها مرور الكرام. ومن نازع الله فى أقداره، وعبس، وضجر، وفتر، وتردى، ولم يذق حلاوة التسليم وبرد الرضى، عوقب من فوره بزيادة الشكوى وقلة الحيلة وفتور الإيمان.
قال أحد العارفين واصفاً تلك الحكمة: «فمن آمن بالله، امتحنه وابتلاه، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم ألبتة، وهذا أصل عظيم فى باب الولاية ينبغى للعاقل أن يعرفه» ولذلك قال تعالى: (أحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ).
وحين يكرمك الله بالبلاء، أعقل ما أنت فيه، فإنك فى نعيم أختاره الله لك. البلاء الذى هو فى الصحة، وفى الأسرة، وفى الأبناء، وفى الأعمال، إذا أنت عقلته وجدته نعمة. واذا توجهت بالحمد به إلى ربك كنت مرفوعاً لديه بأكبر درجات الرفعة. فقط ثق بالله وسلم له الأمر، وأسأله سِعة اليقين.
جعلنا الله وإيّاكم ممّن سكنوا باليقين تحت مَجَارى أحكامه، فعرفوا ألطافه فى مجرى قضائه، فحمدوه حمد الشاكرين الأوّابين، إنه سبحانه نعم المولى، ونعم النصير ..
لو أنّ الله - سبحانه - أفاض علينا بأقل القليل من محبته؛ لسلب منا العقول، ولكنه عزّ وجل يعلم أن عقولنا محدودة مرهونة بالدُّون، ففتح أمامها مناشط الدنيا وأغلق بحجبها منافذ محبته إلا لمن يستحقها، ومن هم الذين يستحقونها؟!
أولئك الذين قضوا الساعات الطويلة فى الشغل به بغير ملل ولا فتور، سائلين الله ذوق المحبّة، متوسلين بسيد الخلق، صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذى قال تعالى عنه (قلّ إن كنتم تحبّون الله فاتبعونى يحببكم الله) فلا محبّة بغير اتباع، وهو صلوات الله وسلامه عليه القائل: (احبُّوا الله لمَا يغذوكم به من نعم).
اللهم قطرة من حبك: تزيل الهم، وتفرِّج الكرب، وتمكّن الوصال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الله
إقرأ أيضاً:
العناني.. و"نهضة سياحية"
انتخب المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بأغلبية ساحقة الدكتور خالد العناني مرشح جمهورية مصر العربية لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، ليكون أول مصري وعربي وثاني إفريقي يتولى منصب مدير عام منظمة اليونسكو.. هذا الخبر الذى زفته لنا وكالات الأنباء، لم يكن خبرا عاديا ولكنه تعبير عن فرحة غالية وانتصار لقيمة مصر وحضارتها وثقلها ومكانتها بين دول العالم.
أن تقوم خمس وخمسين من إجمالي سبع وخمسين دولة عضوا في المجلس التنفيذي بانتخاب الدكتور العنانى، وهو أكبر عدد أصوات يحصل عليه مرشح لمنصب مدير عام المنظمة في انتخابات تنافسية منذ تأسيسها عام ١٩٤٥، فهذا حدث جلل يستحق الاشادة والاحتفاء بالمنصب الدولى وبشخص من تولاه.
واليونسكو هى إحدى أبرز الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وتأسست عام 1945، ويقع مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، وتركز المنظمة على تعزيز التعاون الدولي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والمعلومات، بهدف دعم السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان.
أما عن الدكتور العناني الذى نال محبة وأعجاب كل المصريين عندما كان وزيرا للسياحة، وخاصة خلال موكب المومياوات الملكية، فقد تخرج في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، وتخصص في الإرشاد السياحي، وعمل عضوا بهيئة التدريس منذ عام 1993،
2 / 3
على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، تنقّل بين العمل الأكاديمي والإداري، وشغل عدة مناصب في جامعة حلوان، كما عمل أستاذاً زائراً في عدد من الجامعات الأوروبية المرموقة، وتم اختياره وزيراً للآثار في مارس 2016، ثم تولى منصب وزير السياحة والآثار عقب دمج الوزارتين في عام 2019، ليكون أول من يتولى المنصبين معاً منذ انفصالهما في ستينيات القرن الماضي.
الدكتور العناني يتمتع بعلم وحضور متميز كونه عالما ومتخصصا فى مجال الآثار، وقد عمل طيلة حياته على تكوين خبراته العلمية والعملية، لدرجة أن أحد اساتذته فى جامعة فرنسية تنبأ له أن يكون وزيرا للآثار فى بلده بعد عشر سنوات، حسبما جاء فى حوار له منشور بصحيفة اليوم السابع عقب توليه حقيبة وزارة الآثار، وأضاف أنه فضل كلية السياحة والفنادق ودرس الإرشاد السياحى وتفوق وكان الأول على دفعته وعين معيدا بالكلية، على الرغم من أن مجموعه بالثانوية العامة كان يؤهله للدخول لكلية الهندسة ليصبح مهندسا مثل والده.
اختيار الدكتور خالد العناني لهذا المنصب الدولى الرفيع تزامن مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير والذى تحدد له الأول من نوفمبر أى بعد أسبوعين تقريبا، وهو الأمر الذى يؤكد مكانة مصر سياحيا وأثريا، باعتبارها تضم ثلث آثار العالم تقريبا، وهو ما سيجعلها قبلة خلال الأيام القليلة القادمة لتدفقات سياحية، خاصة بعد حفل الافتتاح الكبير الذى يجري الاستعداد له حاليا.
ويقع المتحف المصري الكبير بالقرب من أهرامات الجيزة على مساحة 117 فداناً، ويشكل منطقة متحفية مفتوحة على الأهرامات، ويعرض نحو 100 ألف قطعة أثرية تحكي قصة الحضارة المصرية بعصورها المختلفة،
3 / 3
كما يضم آثار «الفرعون الذهبي» توت عنخ آمون التي تعرض كاملة للمرة الأولى منذ اكتشافها، ويتجاوز عددها 5 آلاف قطعة أثرية..
أتابع بشكل يومى الاستعدادات التى تتم فى محيط المتحف الكبير والاهرامات من نشاط على مدى الأشهر القليلة الماضية، حيث أسكن على مقربة منهما، وأشعر بالفخر كلما شاهدت معالم الجمال وقد غطت حضارتنا العريقة.. ألف مبروك لوطننا الغالي ودامت مصر فى الصدارة.