فرنسا.. حل لغز "البومة الذهبية" بعد 31 عاماً
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
بعد 31 عاماً من الأسرار وحل الألغاز، انتهت أمس الخميس عملية البحث عن كنز البومة الذهبية في فرنسا، بعد الإعلان عن العثور على "تمثال صغير مدفون لبومة ذهبية".
جاء ذلك في منشور على الموقع الرسمي لعملية البحث المستمرة منذ 3 عقود، حيث كتب ميشيل بيكر، الذي نحت التمثال عام 1993 "نؤكد أن نسخة طبق الأصل من البومة الذهبية قد تم العثور عليها الليلة الماضية".
وقال بيكر: "كل من لا يزال يحاول حل الألغار المرتبطة بالكنز أو الحفر من أجل العثور على التمثال، ليتوقف لأن المهمة انتهت، وخرج التمثال من موقعه المخبأ فيه".
وفيما لم يتم الكشف عن هوية مكتشف الكنز، إلا أن بيكر أشار إلى أنه سيتم منح البومة الأصلية، التي تقدر قيمتها بـ165 ألف دولار إلى مكتشف النسخة المخبأة منها، وسيوثق ذلك في فيلم وثائقي حول البحث عن الكنز، تبثه قناة "كانال +" الفرنسية.
وفقاً لموقع "نيوزويك"، دفن ريجيس هاوزر، مؤلف كتاب "البحث عن الكنز على درب البومة الذهبية" عام 1993، نسخة طبقة الأصل من البومة المصنوعة من الذهب والفضة والمرصعة بالألماس، بمكان ما في فرنسا.
وتضمن الكتاب الذي صدر باسم مؤلف مستعار "ماكس فالنتين"، 11 لغزاً، كلما تمكن القارئ من حل لغز منها يقترب أكثر من العثور على الكنز.
سنوات من الصراع القضائي
يأتي اكتشاف التمثال بعد 15 عاماً من الصراع القضائي، لأن هاوزر توفي عام 2009، وانتقتل مهمة تنظيم البحث عن الكنز إلى بيكر، الأمر الذي لاقى موجة اعتراض من قِبل المشتركين.
لكُن في عام 2021، أعلن القضاء الفرنسي حكمه، وتسلّم بيكر مهمة الإشراف العام على مهمة البحث عن الكنز.
عندها عُرض على بيكر فتح مظروف مغلق تحتفظ به عائلة هاوزر، والكشف عن مكان الكنز، لكنه رفض الأمر، كونه أصلاً لا يمتلك أي معلومات عن موقع التمثال الصغير.
لكنه واظب على مر السنين على إصدار المزيد من الأدلة حول مكان التمثال الصغير، وهي التي سبق وزوّده هاوزر دون أن يبلغه مكانه، ما دفع بعشرات الآلاف للبحث عن الكنز المدفون.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية فرنسا البحث عن الکنز
إقرأ أيضاً:
في البحث عن نصر أبي زيد (في ذكراه)
(1)
خمسة عشر عاما بكاملها مرت على رحيل المفكر وأستاذ الدراسات الإسلامية، والباحث شديد التميز والاختلاف الدكتور نصر أبو زيد (1943-2010).
خمسة عشر عامًا، وما زال البحث عن نصر أبو زيد، والبحث عن أفكاره وتصوراته، حول "التجديد" و"التأويل" والبحث عن طريق جديد للخروج من أزمات الفكر العربي وأنفاقه المظلمة، ما زالت مستمرة، بل لعلي أدعي أنها تنامت وتضاعفت، عما كانت عليه في حياته.
ربما جزء من هذا التنامي، وهذا التضاعف والإقبال على قراءته وفهمه وانفتاح الأفق (خاصة بين الشباب) لتقبُّل كثير أو قليل مما طرحه، طوال حياته، حول مفهوم النص والخطاب وقراءة التراث والعلاقة بين واقعنا المعاصر وتراثنا البعيد، وكذلك إشكالات نقد الخطاب الديني وتجديده.. إلخ القضايا الكبرى والإشكالية التي اهتم بها نصر أبو زيد طوال حياته؛ وانشغل بها دراسة وبحثا ومحاضرة وتدريسا وتأليفا.. وبكل أشكال البحث والدراسة والمحاضرة.
أقول إن هذه الأمور جميعا تعود بالتأكيد إلى التطور المذهل في وسائط القراءة والاتصالات والمعلومات. كان من العسير الحصول على نسخة مطبوعة من كتبه في التسعينيات. مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي انتفت محاولات المنع والمصادرة والحصار الذي ضرب حوله كتبه ونصوصه وكل ما من شأنه أن يوضح حقيقة أفكاره وتصوراته.
خلال الفترة (2000-2010)، ثم من (2010-2025) اختلف تماما وكليا استقبال نصر أبو زيد وتلقيه وقراءته في فضاء الثقافة العربية، ولعل دراسة يضطلع بها باحث نابه في مجال "دراسات القراءة ونظرية التلقي" أن يدرس هذا الموضوع يكشف لنا عن التحولات والدوافع والأسباب التي فتحت الفضاء واسعا لإعادة اكتشاف نصر أبو زيد والبحث عنه من جديد.
(2)
كان إنجاز نصر أبو زيد الأكبر طوال حياته، وفي دائرة اشتغاله وإسهامه المعرفي، هي لفت النظر إلى مجموعة من "البديهيات" لم يتوقف عندها الجمهور الأعظم من المتعاطين مع قضايا وإشكالات الفكر الديني، والدراسات الإسلامية (وبخاصة في تقاطعاتها المرتبطة بالحكم والسلطة والهيمنة)؛ منها على سبيل المثال:
حرصه طوال الوقت على التمييز بين "تعليم الدين" باعتباره عقيدة وممارسة طقوسية، وبين "دراسة الدين" باعتباره موضوعًا للبحث، وقد أكد بل شدد على ضرورة عزل هذين الأمرين (تعليم الدين ودراسته) عن التأثيرات والتوظيفات والتدخلات السياسية والإدارية..
في إجابته عن سؤال وجه له، في حوار أجرته معه مجلة "ألف" للبلاغة المقارنة (تصدر سنويا عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، عن رأيه في مختلف أنواع الأنظمة التعليمية القومية، وأيها الأنسب أو الأكثر مساعدة في تعليم الدين؟ ولماذا؟ جاءت إجابته على النحو التالي:
يجب التمييز بين "تعليم الدين" وبين "دراسة الدين"، مع التسليم بأن الدراسة خطوة تالية للتعليم (بداهة). لكن يجب التمييز أيضا بين التعليم الديني للمؤمنين، والتعليم الديني الموجه لعموم الطلاب، سواء كانوا من المؤمنين بهذا الدين أم من المؤمنين بدين آخر. وهذا سؤال يجب التعامل معه ومواجهته في المجتمعات الحديثة، شرقًا وغربًا.
"التعليم الديني" يجب أن تقوم به المؤسسات الدينية، بشرط أن تكون مؤسسات مستقلة، أي لا تخضع لضغوط ما، مالية أو إدارية، من خارجها. "تعليم الدين" يبدأ قبل المدرسة، في الأسرة، والانتظام في التعليم الديني يكون في المرحلة الأولى التي تؤهل للانتقال إلى التعليم المدني في المرحلة الثانية.
في هذه المرحلة الثانية، تكون المقررات الدينية عامة أي غير مرتبطة بدين بعينه: تاريخ الفكر الديني، مكونات الثقافة الدينية، الأخلاق، إلخ. وفي التعليم العالي يمكن العودة إلى النظامين معا: التعليم الديني، والتعليم المدني. ولكن بمقاييس الدراسة" وليس بمقاييس "التعليم"، بالمعنى المعمول به في المرحلتين الأولى والثانية.
(3)
وقد أثبتت الأيام خصوصًا بعد محنته التي تعرض لها في تسعينيات القرن الماضي، صدق ما حذر منه وصدق ما نتج عن الخلط والتداخل بين الواقع السياسي والسلطة السياسية، وبين الدين وتوظيفه في الصراع الذي وصل لذروته في العالمين العربي والإسلامي في 2011 وحتى وقتنا هذا.
وقد وضع نصر أبو زيد يده على موضع الداء في أزمة الدراسات الإسلامية و"البحث العلمي" المنهجي في هذه الدائرة، كاشفًا وبجلاء أن أزمة الدراسات الإسلامية في البيئات العربية تكمن في افتقارها إلى النظر النقدي الذي لا يكتمل أي "بحث" إلا به، ولا يكتمل "العلم" بمعناه الحقيقي إلا به.
أكد نصر أبو زيد -مرارًا وتكرارًا- على أن الصراع الناشئ بين المفكرين والباحثين والمثقفين من ذوي النظر النقدي وأصحاب المناهج والرؤى الحديثة والمعاصرة، وبين رجال الدين والوعاظ والقائمين على تراث الفكر الديني كما هو دون اقتراب أو تحليل.. إنما هو صراع ناشئ عن التداخل والالتباس المزعج الصاخب بين السلطة السياسية وسلطة المؤسسات الدينية.
كان أخطر ما تعرض له نصر أبو زيد في مواجهاته الفكرية مع أصحاب الفكر الجامد والمتطرف في ذروة المواجهة بين السلطة السياسية في مصر وبين جماعات الإسلام السياسي وتياراته الحركية المتطرفة، هي التشويه الكامل والمتعمد لأفكاره وتصوراته، وذلك عندما لجأ أنصار هذا الفصيل إلى اقتطاع بعض عباراته ومقولاته وأفكاره عن سياقها، بما يشوهها ويحملها ما لا تحتمله أبدا في سياقها الطبيعي، وقد حلل نصر أبو زيد هذه الآلية الخطيرة في مجمل ممارسات الخطاب الديني "السياسي" منه بالأخص في دراسته المرجعية نقد الخطاب الديني.
(4)
في رصده لـ «آليات الخطاب الديني المعاصر ـ آلياته ومنطلقاته»، وهي واحدة من أهم وأخطر دراسات أبو زيد (منشورة في كتابه «نقد الخطاب الديني») حدد أبو زيد خمس آليات تكشف بجلاء ألاعيب وحيل منتجي خطاب تيار الإسلامي السياسي، وبخاصة تشويه المفاهيم (وفي القلب منها مفهوم "العلمانية" بكامل حمولاته المعرفية وجذوره الفلسفية، وتجلياته الثقافية)، وتحريف مضامينها، وإلباسها ثوبا كريها منفرا يتفق والأهداف التي يتغيونها، يحدد أبو زيد هذه الآليات فيما يلي:
1- التوحيد بين الفكر والدين؛ أي التوحيد بين فهم الإنسان وتفسيره وبين الإسلام كجوهر، فيتحدث عن موقف الإسلام ورؤية الإسلام، وليس فهمه هو أو تفسيره وتأويله لموقف ورؤية الإسلام. وذلك بالرغم من أن الفكر الإسلامي من بدايته يدرك أن هناك مجالًا للوحي، ومجالًا للخبرة الإنسانية، فكان الصحابة يسألون النبي (صلى الله عليه وسلم)، إن كان ما قاله وحي من الله أم هو الرأي والمشورة.
ويكشف أبو زيد أن الخطاب الديني المعاصر في توحيده بين فكره هو وبين الدين، كأنه ضمنيا يتحدث باسم الله، ويُلبس هذا الخطاب قداسة زائفة بغرض الهيمنة على قلوب البسطاء وجمهور المتدينين.
2- رد الظواهر إلى مبدأ واحد، أو بمعنى آخر اختصارها في جانب واحد، فيختصر هذا الخطاب مفهوم "العلمانية"، مثلًا، في مناهضة الدين، ويختزل "الماركسية" في الإلحاد والمادية، و"الدارونية" في حيوانية الإنسان، و"الفرويدية" في الجنس، فيلغي بذلك القوانين الطبيعية والاجتماعية، والسياق الذي ظهرت فيه هذه الظواهر.
3- الآلية الثالثة تعتمد على "تكريس سلطة التراث والسلف"، فيحول السلف واجتهاداتهم إلى نصوصٍ متعالية، غير قابلة للنقاش وإعادة النظر، ويربطها بالدين ذاته، فتكتسب قداسته. وينتقي من التراث ومن السلف، ما يتوافق مع فكره ويهمل بل ويلغي ما يتناقض مع فكره.
4- اليقين الذهني والحسم الفكري، مما يجعله لا يتحمل أي خلاف جذري مع أفكاره، فهو -يرى يقينًا- أنه يمتلك الحقيقة الشاملة، الواضحة، النهائية، غير قابلة للمراجعة والنقاش، حتى وإن اتسع صدره لبعض الخلافات الجزئية.
5- الآلية الأخيرة أن الخطاب الديني المعاصر، يُهدر البعد التاريخي، فيطابق بين النصوص وفهمه لها، مهملًا أن النصوص التراثية لها لغتها وعالمها الذي تنتمي اليه، ويهمل حتى سياق الواقع المعاصر ومشكلاته وهمومه واختلافها عن هموم الماضي ومشكلاته وأسئلته..