القتال بين إسرائيل وجماعات موالية لإيران في المنطقة يضع دولا عربية في مأزق
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
في العاصمة الأردنية عمّان، تشهد الشوارع تجمعات متكررة لمئات الأشخاص الذين يرفعون شعارات تأييد لجماعات مسلحة مدعومة من إيران، مما يعد نموذجا للمأزق الذي تعاني منه بعض الدول العربية، في ظل تزايد التوترات والتهديد بحرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.
وحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن هناك مخاوف من توسع الحرب، مع توعد إسرائيل لطهران عقب استهدافها بصواريخ باليستية إيرانية، إثر مقتل زعيم جماعة حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية قبل نحو أسبوع.
وكانت إسرائيل قد بدأت قبل عام، حملة عسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، لكنها وسعت عملياتها مؤخرًا لتشمل تصعيدا ضد حزب الله، مما أسفر عن مقتل المئات في لبنان وتشريد قرابة مليون شخص، حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ودفعت الهجمات الصاروخية المستمرة من حزب الله نحو إسرائيل على مدار عام، عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى النزوح من المناطق الحدودية.
وتصاعد النزاع الإقليمي بعد مصرع نصر الله، حيث زاد مقتله من تأجيج المشاعر الشعبية المناهضة لإسرائيل في بعض الدول العربية، خاصة في الأردن، وفق الوكالة الأميركية.
وألقى مقتل نصر الله بظلاله على المنطقة، حيث يرى محللون إن الوضع بات أكثر تعقيدًا، وأصبحت احتمالية اندلاع نزاع أوسع أكثر ترجيحًا.
ويعاني الأردن الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994، من ضغوط داخلية متزايدة، نتيجة الدعم الشعبي المتزايد للحركات الإسلامية والجماعات المسلحة مثل حركة حماس وحزب الله، وكلاهما على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة ودول أخرى.
ومع ذلك، يحافظ العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بالرغم من المعارضة الشعبية المتزايدة.
ويحتضن الأردن أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، حيث إن 60 بالمئة من سكانه البالغ عددهم 11 مليون نسمة، هم من أصول فلسطينية، وهو ما يعقد الأوضاع أكثر، وفق "بلومبيرغ".
وتزيد الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد من حالة الغليان الشعبي، حيث "يشعر الكثير من الأردنيين بالإحباط من الأداء الحكومي، ومن عدم وجود تقدم ملحوظ في حل القضية الفلسطينية"، حسب بلومبيرغ.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا، عبّر الملك عبد الله الثاني عن إدانة الأردن لهجمات حماس، لكنه في الوقت نفسه انتقد "التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق" ضد قطاع غزة.
وطالب الملك بضرورة إنشاء "آلية حماية" للفلسطينيين، معتبرًا أن هذه الآلية من شأنها أن تضمن أمان الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وقالت "بلومبيرغ" في تقريرها، إن التيارات المتشددة تستفيد من الغضب الشعبي تجاه إسرائيل والدعم المتزايد للقضية الفلسطينية، لافتة إلى أن تلك التيارات "سواء كانت جماعات سياسية أو مسلحة، تمكنت من استغلال ذلك الغضب لتعزيز شعبيتها ونفوذها".
وفي هذا السياق، حقق حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذي يُعد الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، انتصاراً كبيراً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحصد عددًا غير مسبوق من المقاعد.
ويعكس ذلك النجاح حجم التأييد الشعبي المتزايد للجماعات الإسلامية التي ترى في دعم "المقاومة المسلحة" حلاً في مواجهة إسرائيل، وفق الوكالة الأميركية.
وفي الوقت نفسه، يتمتع الحزب بشعبية كبيرة بين الشباب الأردني، الذي يرى أن "التيارات الإسلامية هي الأقدر على تحقيق تغيير حقيقي".
وأوضح حمد القاطبي، وهو طالب طب أردني في العشرينيات من عمره، أنه صوت هو و20 من أصدقائه لصالح "جبهة العمل الإسلامي" في الانتخابات الأخيرة، بسبب "موقفها المؤيد لحماس".
من جهة أخرى، يسعى ذلك الحزب الإسلامي، كما يقول خبراء، إلى "العمل من داخل النظام لتحقيق إصلاحات تدريجية، مع مطالبته بقطع العلاقات مع إسرائيل وإخراج القوات الأجنبية من الأردن".
ويرى قادة الحزب أن "الضغوط الداخلية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحولات جذرية في سياسات البلاد، خاصة في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية".
"دعم خليجي"وفي مواجهة هذا "الغليان الشعبي"، تسعى دول خليجية مثل السعودية والإمارات، إلى تقديم "دعم مالي" لدول عربية مثل الأردن ومصر، "للحيلولة دون حدوث اضطرابات داخلية".
وضربت "بلومبيرغ" مثالا بدولة الإمارات، مشيرة إلى أنها "استثمرت مليارات الدولارات في مشاريع تنموية في مصر والأردن، في محاولة لدعم اقتصادات هذه الدول ومنع حدوث اضطرابات داخلية".
وأعلنت أبوظبي في نوفمبر الماضي، عن استثمار بقيمة 5.5 مليار دولار في الأردن، بينما استثمرت السعودية قرابة 24 مليار دولار في مشاريع متنوعة في دول عربية، بما في ذلك الأردن.
لكن رغم هذه الاستثمارات، لا يشعر المواطن الأردني العادي بأنها أحدثت فرقاً كبيراً في حياته اليومية، وفقًا لما يقوله مراد عضيلي، أحد قادة جبهة العمل الإسلامي.
ويرى عضيلي أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة "لم تتحقق بعد"، وأن الأردنيين "لا يشعرون بأنهم شركاء في صناعة القرار".
ومع تصاعد "الغضب الشعبي" في الأردن والمنطقة، هناك تحذيرات من احتمالية اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات على غرار ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وفقًا لما يقوله المحلل السياسي الأردني، عريب الرنتاوي.
وأضاف الرنتاوي أن "جميع عوامل اندلاع احتجاجات جديدة موجودة، وتتمثل في الفقر والبطالة والفساد والقمع السياسي"، لافتا إلى أنها "تضاف إلى الدعم الشعبي المتزايد للقضية الفلسطينية، الذي قد يُشكل شرارة لموجة جديدة من الاحتجاجات".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی الأردن حزب الله
إقرأ أيضاً:
جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
يقدّم الكاتب والباحث المصري جمال سلطان في هذا المقال، الذي تنشره "عربي21" بالتزامن مع نشره على صفحته في فيسبوك، قراءةً حميمة ومكثّفة في سيرة واحد من أكثر المثقفين العرب إثارة للجدل وحضورا في معارك الوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين: محمد جلال كشك.
فمن خلال استعادة شخصية كشك وتجربته الفكرية وتقلباته وتحولاته وصراعاته، لا يكتب سلطان مجرد شهادة شخصية، بل يعيد تفكيك مشهد ثقافي وسياسي كامل، كانت فيه مصر ـ والعالم العربي ـ تتشكل تحت وطأة الإيديولوجيات الكبرى، والمشاريع السلطوية، وصدامات الهوية، ومحاولات التأريخ والهيمنة على الذاكرة.
تتكشّف في هذه السطور صورة كاتب عركته التجارب، واشتعل بالأسئلة، وامتلك جرأة لا تلين في مواجهة ما اعتبره زيفا أو تزويرا للوعي، حتى آخر لحظة في حياته.
طاقة صحفية وفكرية مذهلة
كنت في شبابي مغرما بالكاتب الراحل الكبير محمد جلال كشك، وما زلت، كان الرجل طاقة صحفية وفكرية مذهلة، ولديه صبر ودأب على القراءة والكتابة بشكل تحار فيه العقول، ويكفي أنه كان يقرأ كتب الراحل الكبير أيضا محمد حسنين هيكل ويجري مقارنات صبورة بين ما يكتبه هيكل في النسخة الانجليزية التي تصدر للتسويق الخارجي وما يكتبه في النسخة العربية ، ليكشف عن تناقضات في الروايتين، وهو جهد صعب للغاية، كما كان كتابه المهم "ودخلت الخيل الأزهر" أهم موسوعة حديثة في تسجيل جرائم الغزو الفرنسي لمصر، والعملاء الذين خدموه في الداخل، والكتاب أثار ضجة في حينه، كما كان كتاباه: كلمتي للمغفلين، وثورة يوليو الأمريكية، من أخطر الكتب التي صدرت عن تجربة ثورة يوليو وعبد الناصر، وهو ما قلب عليه القوميين والناصريين بشدة، وهو كان يبادلهم كراهية بكراهية وله كتابات أخرى في هذه المعارك .
لذلك كانت سعادتي كبيرة عندما قدمتني له الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، خاصة عندما قرأ كتابا لي صدر في أول التسعينات الماضية "أزمة الحوار الديني"، وأبدى إعجابه الشديد به، وكان مندهشا أن كاتبا شابا يكتب بتلك اللغة والمعلومات، ودعاني لزيارته في شقته بالزمالك وأكرمني كرما حاتميا مما جعلني أحكي تلك "العزومة" الفاخرة لصافي ناز على سبيل التباهي بأنها أتتني من كاتب كبير في قيمة وقامة جلال كشك، فلما بلغه كلامي وغزلي في العزومة غضب، واعتبر أن "العزومة" وما فيها من أسرار البيوت وأنني بذلك لم أحترم بروتوكل الزيارات، فلم يكررها ثانية، وبصراحة كان محقا في ذلك وقد تعلمت من هذا الموقف فيما بعد، لكني وقتها خسرت الكثير من الحمام المحشي والمشوي وخلافه، رغم أنه ـ رحمه الله ـ لم يكن يأكل إلا قليلا بسبب إصابته بالسكر والكوليسترول وأمراض أخرى اجتمعت عليه .
شهدت أفكار محمد جلال كشك تحولات، مثل تحولات عبد الوهاب المسيري وعادل حسين وطارق البشري وجيل كبير من المثقفين المصريين، بدأ حياته الفكرية والسياسية ماركسيا وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي، ثم تركه وتركهم وقدم نقدا عنيفا للماركسية ومنظماتها في الستينيات ونشر سلسلة مقالات أزعجت الاتحاد السوفيتي، حتى ردت عليه صحيفة البرافدا واعتبرت أن وجود جلال كشك في الصحافة المصرية هو إساءة للاتحاد السوفييتي، وكانت علاقات عبد الناصر وقتها قد توثقت بموسكو، فأوقفه عبد الناصر عن الكتابة وعن العمل كلية ثلاث سنوات كاملة، ولم يعد إلا بعد النكسة، فعاد إلى مؤسسة أخبار اليوم، ثم ترك مصر كلها وهاجر، وقضى حقبة من حياته في بيروت في حالة لجوء اختياري بعد مضايقات عصر السادات، حتى كانت الثمانينيات حاسمة في توجهه إلى الفكرة الإسلامية، والانحياز للإسلام كحضارة وهوية للأمة وشرط لنهضتها.
لم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.كان جلال كشك يجمع بين الجدية والصرامة في الكتابة وبين خفة الظل والصراحة في المواجهة، وعندما ابتلي في سنواته الأخيرة بسرطان البروستاتا، كان يتردد على لندن للعلاج والفحص، وفي آخر زيارة طبية، أجرى التحاليل، فقال له الطبيب أن أمامه ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر فقط في الدنيا ثم يموت، ويومها كتب مقالا مؤثرا للغاية في مجلة أكتوبر، وكان لها شأن في تلك الأوقات، كان عنوانه "أنعي لكم نفسي"، وحكى فيه ما جرى وأنه ينتظر الموت خلال ستة أشهر على الأكثر، هي كل ما بقي له من الدنيا، ويودع قراءه، ورغم الحزن والمفاجأة، إلا أنه لم يتخل عن خفة ظله في هذا المقال، فحكى فيه أنه بعد أن تسلم من المستشفى اللندني التحليل الذي يؤكد قرب وفاته، فوجئ باتصال يأتيه من شركة أمريكية متخصصة في "دفن الموتى"، وقالوا له: مستر جلال نحن لدينا تجهيزات راقية للجنازات، ومقابر مميزة وبأسعار مناسبة ويمكن أن نحجز لك مقبرة تسرك!!، وراح في المقال يلعن سلسفيل جدودهم، ولم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.
كان جلال كشك شرسا في معاركه الفكرية، موسوعي الثقافة، قوي الحجة، حاضر الذهن، صاحب جلد وصبر غير عادي على البحث والكتابة، لذلك كان مزعجا جدا لأكثر من تيار فكري ، وبشكل خاص كان مكروها من الأقباط المتطرفين، ومن استصحبوا الوعي الطائفي من المثقفين في كتاباتهم عن تاريخ مصر، ولذلك كان يكرهه بشدة الناقد المعروف لويس عوض وكذلك غالي شكري ، خاصة وأنه في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر" كشف عن دور "المعلم يعقوب" والفيلق القبطي الذي شكله للقتال بجوار الجيش الفرنسي الذي احتل مصر، وكان لويس عوض يثني في كتاباته على "المعلم يعقوب" عميل الاحتلال الفرنسي ويعتبره بطلا .
أيضا، يكرهه الناصريون بشدة، لأنه صاحب أهم الكتب التي كشفت عن الدعم الكبير الذي قدمته المخابرات الأمريكية "CIA"، لانقلاب ضباط حركة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وكان كتاباه "كلمتي للمغفلين"، و"ثورة يوليو الأمريكية" أشبه بزلزال ضرب الوعي الخرافي الذي سوقته آلة الدعاية الناصرية على مدار عقود، وذلك بسبب ما حواه الكتاب من وثائق وأدلة دامغة على الاتصالات واللقاءات السرية التي كانت تجري بين عبد الناصر وبعض ضباطه وبين السفارة الأمريكية، والترتيبات الأمريكية لدعم وحماية انقلاب الضباط ومنع جيش الاحتلال الانجليزي من التدخل، حيث كان جيشهم يرابط في منطقة القناة، على بعد ساعة واحدة من القاهرة.
أيضا، كان يحظى بكراهية شديدة من محبي الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومجاذيبه، لأنه القلم الوحيد الذي جرؤ على إهانة هيكل وإحراجه، بل وإعلان احتقاره وتحديه، في مقالات كثيرة، وفي كتب أيضا، وكشف تناقضاته، كما كشف تمريره لمعلومات غير صحيحة على الإطلاق، وتعتبر تضليلا للرأي العام، وكان له صبر عجيب في تتبع هيكل وإحراجه، ولذلك كان الناصريون وأنصار هيكل أكثر من شنعوا على جلال كشك، وأطلقوا حوله الشائعات والشبهات، ورموه بالاتهامات المرسلة والسخيفة والكاذبة التي يسهل إطلاقها على أي أحد، بدون أي دليل، محض كراهية وبهتان وتصفية مرارات عالقة في النفوس.
تتفق أو تختلف مع جلال كشك ، الذي توفاه الله في العام 1993 ، إلا أنك لا يمكن أن تتجاهل أن الثقافة العربية والصحافة العربية خسرت بموته قلما جبارا، وطاقة لا تكل ولا تمل من إثارة المعارك الفكرية والصحفية التي أحدثت استنارة حقيقية في جيل بكامله من المثقفين المصريين والعرب أراد البعض لهم أن يرسفوا في أغلال الزيف والبهتان، يرحمه الله .