الجزيرة:
2025-12-07@21:28:48 GMT

عرق متوهم.. كيف أرخ شلومو زند لتاريخ كراهية اليهود؟

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

عرق متوهم.. كيف أرخ شلومو زند لتاريخ كراهية اليهود؟

"كلّ كاتب للتاريخ مقيّد بروح العصر، وبطبيعة المكان، اللذين يحيا فيهما، وإذا كان منصفًا، فإنّه يتوجّب عليه أن يبذل جهدًا، وأن يكشف بقدر المستطاع الشحنات الذاتية التي تُرجّح موقفه من التاريخ وتصوغه" هذا ما يقوله شلومو زند في كتابه "عرق متوهم.. تاريخ موجز لكراهية اليهود" الذي صدر عام 2000م وصدرت ترجمته إلى العربيّة عام 2024م عن دار مدارات للأبحاث والنشر للمترجمين يحيى عبد الله، وأميرة عمارة.

شلومو زند هو أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب ومن أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، وكان أول كتبه إثارة للجدل "اختراع الشعب اليهودي" الذي صدر عن دار فيرسو للنشر سنة 2009م.

ولد زند لأبوين يهوديين بولنديين نجيا من الهولوكوست، وكانا ممن يعتنقون الآراء الشيوعية والمعادية للإمبريالية، وقد رفض والداه تلقي التعويضات من ألمانيا عن معاناتهم أثناء الحرب العالمية الثانية.

في معسكر للنازحين أمضى زند سنوات حياته الأولى، لينتقل مع والديه وأسرته إلى يافا عقب احتلالها عام 1948م. وطُرد من المدرسة الثانوية في سن الـ16، ولم يكمل دراسته الثانوية إلا بعد انتهاء خدمته العسكرية. وتنقّل زند بين اتحاد الشباب الشيوعي الإسرائيلي "بنكي" ومنظمة "ماتزبين" الأكثر تطرفًا ومعاداة للصهيونية في عام 1968م. واستقال منها عام 1970م بسبب خيبة أمله بها، ورفض عرضًا من الحزب الشيوعي الإسرائيلي "راكاه" لإرساله لدراسة السينما في بولندا، وفي عام 1975م حصل زند على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة تل أبيب. ثم انتقل بعدها للدراسة في باريس ما بين عام 1975م وعام 1985م، إثر فوزه بمنحة دراسية، وبعد دراسته في باريس درّس فيها عقب حصوله على درجة الماجستير في التاريخ الفرنسي، ومن بعدها الدكتوراه عن أطروحته حول "جورج سوريل والماركسية".

ومنذ عام 1982م، تنقّل زند للتدريس بين جامعة تل أبيب وجامعة كاليفورنيا، ومدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.

هل اليهود عرق خالص؟ وما أصول كراهية اليهود؟ وهل معاداة الصهيونيّة كراهية لليهود ومعاداة للساميّة؟ يأتي كتاب "عرق متوهم" للإجابة عن هذه الأسئلة في 132 صحيفة يتحدث المترجم في مقدمته عن أهمية الكتاب الذي يقدم الإجابات من خلال تفنيد الأكاذيب التي أسس عليها الصهاينة مشروعهم الاحتلالي في فلسطين، فيقول "تفنيده، بالحُجة والدليل العلمي، أساطير مؤسسة للصهيونية وأكاذيب مروجة لها، منها: أكذوبة "نفي" اليهود من فلسطين على يد الرومان في القرن الأول للميلاد، وأكذوبة "نقاء العرق اليهودي".

ويؤسس الكتاب للتفريق بين كراهية اليهود بوصفهم أبناء دين، وبين ومعاداة الصهيونية، ومناهضة ممارسات "دولة إسرائيل" الوحشية والإجراميّة ضد الفلسطينيين وانتهاجها نظامًا للفصل العنصري.

كما يستعرض الكتاب تاريخ العلاقة المركبة والمعقدة بين اليهودية والمسيحية، منذ نشأتها، ليصل إلى ظاهرة كراهية اليهود في أوروبا وبلوغها ذروتها مبينًا أسبابها المركبة، مركزًا في تفصيله على السبب العَقَدي. ويقدم الكتاب إثباتًا أنّ كراهية اليهود في أوروبا شملت مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ثمّ يتحدّث الكتاب عن انحسار ظاهرة كراهية اليهود في أوروبا، مُلمحًا إلى أن كراهية الإسلام حلَّت في الغرب محل كراهية اليهود.

تنقّل زند للتدريس بين جامعة تل أبيب وجامعة كاليفورنيا، ومدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس (الصحافة الأجنبية)

بين 14 عنوانًا يتنقل زند للإجابة عن أسئلة الكتاب الرئيسة على النحو الآتي:

العنوان الأول: "كبح التهوُد"

وتحت هذا العنوان يتحدث زند عما يقوله علماء الأنثروبولوجيا عن انحدار اليهود من عرق واحد، ومن ذلك ما قاله ريمون أرون "السواد الأعظم ممن يُطلق عليهم اليهود لا ينحدرون، بيولوجيًّا، من نسل أسباط سامية".

كما ينقل تحت هذا العنوان أقوال مفسري التوراة التي تدل على أنّ اليهودية ليست عرقًا ولا يمكن أن تكون كذلك، ومن ذلك تفسير أوريجينس، أحد أهم مفسري التوراة ـ في بداية القرن الثالث للميلاد، الذي يقول عن الاسم اليهوديّ: "ليس اسم عرق وإنما اسم اختيار ــ أسلوب وطريقة حياة ــ فإذا قبل إنسان ما، أجنبي ليس من أمة اليهود، منهاج اليهود وتهود، فإن هذا الإنسان يسمى يهوديًا بشكل واضح".

العنوان الثاني: "شعب عِرق مُشتت أم جماعات دينية؟"

وتحت هذا العنوان يناقش المؤلف مفهوم "عرق" في العهد الجديد ففيه ولدت أسطورة "نفي" اليهود فيما يؤكد زند أنه لا يوجد أي إثبات أو دليل على استئصال الرومان لسكان يهودا استئصالًا مؤثرًا، أو أنهم قاموا بتهجيرهم طوعًا أو كرهًا من أرضهم، وهو هنا يعيد ما كان أثبته في كتابه المثير للجدل "اختراع الشعب اليهودي" الذي نفى فيه ما يسمى بالشتات اليهودي إذ يقول: "فإننا لن نجد في التوثيق الروماني الغني ولو إشارة واحدة إلى حدوث أيه عملية نفي من أرض يهودا".

العنوان الثّالث: "بداية العلاقات اليهودية ـ المسيحية في أوروبا"

وتحت هذا العنوان يفصل زند القول في صورة اليهودي التي ترسخت عبر الزمن في المخيلة الأوروبية ـ المسيحية، والتي تقوم على اليهودي المرابي الذي يحصل الثراء من الإقراض بالربا في حين أن الكنيسة تعلن في رسالتها: "اليهودية صنو الربا، والربا أمر مستنكر". ويستعرض المؤلف هنا جملة من عمليات طرد اليهود من مختلف المناطق الأوروبية في مناسبات مختلفة.

العنوان الرّابع: "غُرباء في الإنسانية.. من إيراسموس إلى فولتير"

"تعلمنا أن عقيدة معاداة اليهود لم تكن قط إرثًا للجموع. تشارك العقيدة المهيمنة مثقفون لامعون أيضًا" يشير زند بمقولته هذه إلى كراهية مجموعة من النخب الفكرية والأدبية والفنيّة الأوروبيّة لليهود منهم إيراسموس ولوثر وفولتير ويفصّل القول في ذلك.

العنوان الخامس: "ثورة.. انعتاق.. وقومية"

"غرباء غير أوفياء لأوروبا من قارة أخرى" هذه المقولة للفيلسوف الشهير كانط في وصف اليهود ينطلق منها زند للحديث عما غدا حالة نبذ لليهود داخل القارة الأوروبيّة، ويشرع زند الأسباب الخلفيّة لذلك بقوله "أسهمت حقيقة أن أوروبا أيضًا، التي باتت قومية أكثر فأكثر، أصبحت في الوقت نفسه أكثر رأسمالية أيضًا. وحيث إن بعض الأسر اليهودية، قلة قليلة من يهود أوروبا، برزت في هذا التنافس الكبير في تركيز رؤوس الأموال المصرفية الضخمة سواء في بريطانيا، أم في فرنسا أم في ألمانيا، فإن هذا البروز قد اقترن جيدًا بتراث العداء المسيحي للإقراض بالربا منذ عصر ما قبل الحداثة".

العنوان السادس: "اليهود بين الرأسمالية والاشتراكية"

وتحت هذا العنوان ينقل زند مواقف المفكر الفرنسي الكبير شارل فورييه وانتقاداته القاسية لليهود ورؤيته للتعامل معهم، وهو وإن كان صهيونيًا شرسًا إلا أنه كان كارها لليهود في الوقت نفسه ومن ذلك قوله: "أقترح مرارًا وتكرارًا إغلاق أبواب فرنسا في وجوههم إلى الأبد"، وتتمثل رؤيته للحل في "إعادة اليهود إلى الأرض المقدسة".

العنوان السّابع: "تصنيف عرقي، دَمَقرطة وهجرة"

وتحت هذا العنوان يرصد زند المؤلفات التي صدرت منذ القرن الـ19 باحثة في الأعراق البشرية ليصل إلى نتيجة أنّ العنصرية أصبحت "أمرًا بديهيًّا، وعقيدة علمية وشعبية على حد سواء، وبقيت كذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على أبعد تقدير".

ويقول زند: "كان أحد العوامل المحفزة لتحويل كراهية اليهود إلى صرعة في دوائر اليسار واليمين هو عملية التحول إلى الديمقراطية التي مر بها العالم الغرب ـ أوروبي"

العنوان الثّامن: "قضية درايفوس وولادة الصهيونية"

"انتهت قضية درايفوس الأولى بميلاد حركة قومية جديدة ــ يقصد الصهيونية" هكذا يقول زند وهو يستعرض مواقف شريحة من اليهود على ظهور الصهيونية، ليصل إلى القول "الاستعمار البريطاني الذي وضع الحركة الصهيونية على خارطة الدبلوماسية الدولية، فإن عملية الإبادة النازية هي ما مكن الحركة الصهيونية من تحقيق حلمها بصورة جزئية".

العنوان التاسع: "إبادة شعب العِرق اليهودي"

يؤكد زند أنّ الألمان لم يكرهوا اليهود بشكل أكبر من كراهية البولنديين أو الأوكرانيين لهم، ويشرح ذلك بقوله: "لكن لم تُخترع في أوساط البولنديين أو الأوكرانيين آلة إبادة فعالة كل هدفها هو محو أناس أحياء بشكل ممنهج معتمدة على إنجازات تكنولوجيا القرن الـ20".

العنوان العاشر: "انبعاث شعب العرق اليهودي"

تحت هذا العنوان يفصل زند القول في محاولة كثير من مفكري وقادة الصهيونية الانتماء إلى دولهم الأوروبيّة وبيئاتهم التي نشؤوا فيها في بداية مسيرتهم الفكرية فقد كانوا منحازين إلى الأفكار القومية التي تبلورت في مختلف الدول، لكن ما عايشوه من كراهية اليهود جعلهم يبحثون، عن هوية أخرى مغايرة.

وفي هذا العنوان يفصل زند القول في الكتابات الصهيونيّة والتنظير لها فيقول: "إذ كان تيودور هرتزل قد دفع بالفكرة الصهيونية في 1897م، فإنه لم يكن المخترع الحصري لها، فقد سبقه بضع شخصيات يهودية اقترحوا سيادة ذاتية قومية كرد محتمل على الكراهية المتعاظمة تجاه اليهود".

العنوان الحادي عشر: "من هو اليهودي؟ من بصمات الأصابع حتى الحمض النووي"

وتحت هذا العنوان يفصل زند القول في التغيرات التي طرأت من التغير في رؤية ماهية اليهود، وكيف وصل الأمر إلى أن تغدو التوراة هي المعيار الوحيد للهوية اليهودية، ويؤكد زند أن "تصنيف اليهود عرقيًا عن طريق اختلاق أصل جيني يهودي متوهَّم"، ويصفه بأنه احتيال علمي زائف. ليصل إلى نتيجة مفادها: "لا يمكن حتى الآن تحديد من هو اليهودي ومن هو غير اليهودي بناءً على نتائج الحمض النووي".

العنوان الثّاني عشر: "حرب 1967م.. حق الآباء"

وهنا ينقل زند بشكل مستفيض صورة استنفار كل آليات المعرفة "الإسرائيلية" التأريخية، والأثرية، والبيولوجية، من أجل تحقيق إنجاز يعبر عنه زند بقوله: "إثبات أن أصل يهود العالم مشترك، وأنهم يشكلون أمة واحدة، نُفيت قبل ألفي عام وأن حقها في أرض إسرائيل لا جدال فيه".

العنوان الثّالث عشر: "هل انحسرت الكراهية التقليدية لليهود؟"

وتحت هذا العنوان يستعرض زند كيف ولدت كراهية اليهود في حوض البحر المتوسط ثم يجيب عن سؤال نشأتها في القارة الأوروبيّة حتى العصر الحديث. وكيف نشأت عقب ذلك في الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وصولا إلى الانحسار الكبير في كراهية اليهود عقب هجرتهم من أوروبا.

العنوان الرّابع عشر: "معاداة الصهيونية.. هل هي معاداة جديدة للسامية؟"

يصب زند في هذا العنوان إلى نتيجة يعبر عنها بقوله "سيكون من السخف أن نطالبهم ــ يقصد الفلسطينيين ــ بألا يكونوا معادين للصهيونية، وهم يعيشون تحت احتلال واستيطان متواصل يُنفذ باسم الرؤية الصهيونية ويرى في الأماكن التي يقيمون بها "وطنًا لـ"الشعب اليهودي".

ويلفت زند إلى نقطة مهمة وهي أنه من الصعب إنكار حقيقة أن كارهي الإسلام من الأوروبيين يَرَونَ "في "دولة إسرائيل" حصنًا متقدمًا للعالم "اليهودي المسيحي" الذي يقف بكل قوة في مواجهة المد الإسلامي".

ويختم زند كتابه باستشراف المستقبل معبرًا عن مخاوفه من انتشار "كراهية متجددة لليهود، ليس فقط في أوساط اليمين الراديكالي، ولكن في أوساط الضحايا الجدد للكراهية أيضًا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جامعة تل أبیب الأوروبی ة ة الأوروبی فی أوروبا لیصل إلى فی باریس ة للیهود ة التی

إقرأ أيضاً:

أزرق المايا: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ضياعها

دزان-المكسيك – محاطًا بغابة كثيفة وتحت ظلال متداخلة لأشجار شاهقة، يشق لويس ماي كو، البالغ من العمر 49 عامًا، طريقه بصعوبة عبر شجيرات تصل إلى ارتفاع الكتف بحثًا عن نبتة نادرة. حرارة الـ40 درجة المئوية الخانقة تضعف الحواس، والهواء المشبع بالرطوبة يلتصق بجلدنا، فتتشكل حبات العرق وتتساقط.

بعد تمشيط الأحراش، يعثر ماي، وهو خزّاف من السكان الأصليين للمايا، على شجيرة تشبه في شكلها وملمسها شجيرات أخرى حوله، لكنه يصر على أن هذه الشجيرة مميزة. يلمس الأوراق الناعمة المترامية الأطراف ويخبرني أنها "تشوج" البرية (ch’oj، "نبتة النيلة" بلغة المايا، وanil بالإسبانية) -أو Indigofera suffruticosa- وهي مكون أساسي لابتكار صبغة "أزرق المايا" المبجلة.

يقول ماي بنظرة تأملية، وهو يرفع قبعته المصنوعة من سعف نخيل "اللوانو" المتشابك ليمسح جبينه بظهر يده: "لقد استغرق الأمر سنوات قبل أن أجدها (النيلة) وكان معظم الناس من يوكاتان يعتقدون أنها انقرضت في شبه الجزيرة".

أقول له بلغتي المايانية المحدودة ونحن نقرفص خلف شجيرة "تشوج" التي يبلغ ارتفاعها مترا ونصف المتر هربًا من الشمس الحارقة التي لا هوادة فيها: "تشوكوج (حار)". يلتفت إليّ بعينين طيبتين ويقدم لي الماء من زجاجته.

يقول: "إن شبه جزيرة يوكاتان تمر بأسوأ موجة جفاف منذ عقود. فلنرتح، وسأخبرك كيف أعدت ابتكار أزرق المايا".

بئر الماء المقدس في تشيتشن إيتزا، يوكاتان يستخدمها المايا في الاحتفالات الدينية من ضمنها التضحيات البشرية (غيتي)أزرق المايا: لون الطقوس

يشبه لون الصبغة الأيقونية سماءً زرقاء صافية أو لون الفيروز في البحر الكاريبي القريب. كان يُستخدم في طلاء الفخار والمنحوتات والجداريات والمجوهرات والملابس والمذابح، وبشكل تقشعر له الأبدان، البشر الذين قدمهم المايا القدماء لآلهتهم طلبًا لرضاهم. وفقًا للراهب الفرنسيسكاني الإسباني دييغو دي لاندا كالديرون -الذي اشتهر بحماسته في تدمير مخطوطات المايا- كان المايا يطلون البشر قبل إجبارهم على مذبح وقطع قلوبهم النابضة.

إعلان

الضحايا الآخرون، الذين أُلقي بهم في "سينوتي تشينكو" أو "البئر المقدس" (السينوتي هي كهوف جيرية مترابطة ومغمورة بالمياه) في تشيتشن إيتزا، كانوا مغطين باللون الأزرق بالمثل. كانت السماء الصافية أثناء الجفاف إشارة للكهنة لاختيار ضحيتهم التالية وطلائها باللون نفسه للتضحية بها لإله المطر "تشاك"، الذي يُعتقد أنه يعيش في "شيبالبا" (العالم السفلي للمايا) تحت "السينوتي". كان الكهنة يأملون أن يجلب ذلك المطر ليضمنوا حصادًا وفيرًا لمحاصيلهم.

عندما قام عالم الآثار الأميركي إدوارد هربرت تومسون بتجريف البئر المقدسة في أوائل القرن الـ20، تم انتشال 127 هيكلاً عظميًا، من بين أشياء أخرى. كما وجد عدة أمتار من الطمي الأزرق، الذي تشير الدراسات اللاحقة إلى أنه كان "أزرق المايا" الذي تلاشى عن الزخارف وضحايا القرابين.

لا يزال من الممكن رؤية اللون الأزرق السماوي الفاتح بين الأنقاض في الموقع الأثري المشهور عالميًا "تشيتشن إيتزا" في يوكاتان على جداريات يزيد عمرها عن 800 عام.

لم تبتكر الحضارات القديمة سوى حفنة من الأصباغ الزرقاء، مثل اللازورد أو الأزرق المصري. ومع ذلك، كانت هذه في الغالب أصباغًا أو معادن، بينما تطلب "أزرق المايا" مزيجًا كيميائيًا من مواد عضوية وغير عضوية. قبل وصول النسخ الاصطناعية من الصبغة الزرقاء خلال الثورة الصناعية، كان اللون نادرًا للغاية وغالبًا ما يكون أغلى من الذهب في أوروبا. نشأ حجر اللازورد شبه الكريم في جبال أفغانستان ولم يكن متاحًا إلا للأثرياء. لكن في العالم الجديد، كانت الصبغة الزرقاء وفيرة ومزدهرة.

عندما وصل الإسبان في القرن الـ15، استغلوا "أزرق المايا"، إلى جانب كل الكنوز التي سرقوها من حضارات أميركا الوسطى. سيطر الإسبان على الملوّن الثمين حتى أواخر القرن الـ17 إلى أوائل القرن الـ18 عندما بدأت البدائل الاصطناعية في الظهور. ثم اختفت المعرفة الشائعة بـ"أزرق المايا" حتى أعيد اكتشافها في القرن الـ20.

يضع لويس ماي كو يده الملطخة باللون الأزرق أسفل قناع وجه ثلاثي الجوانب، مزين بأوراق النخيل المجففة ومطلي باللون الأزرق الماياني الذي نحته بنفسه (الجزيرة)أعجوبة تقنية وفنية

في عام 1931، عثر عالم الآثار الأميركي إتش إي ميروين لأول مرة على "صبغة جديدة" على جداريات داخل معبد المحاربين في تشيتشن إيتزا. أُطلق عليها اسم "أزرق المايا" بعد بضع سنوات (1942) من قبل عالمي الآثار الأميركيين آر جيه غيتنز وجي إل ستاوت. توقفت الأبحاث خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يتم الكشف عن أن صبغة "أزرق المايا" قد صُنعت عن طريق خلط الطين، والباليجورسكيت (طين ليفي نادر)، والنيلة إلا في الخمسينيات من القرن الماضي من خلال تحليل حيود المسحوق. وفي عام 1993، نشر المؤرخ والكيميائي المكسيكي كونستانتينو رييس فاليريو وصفة لإعادة ابتكار اللون باستخدام الباليجورسكيت والمونتموريلونيت (طين ناعم) وأوراق النيلة.

يقدّر العلماء المعاصرون هذه الصبغة الغامضة لأن مرونتها الفريدة في مواجهة العوامل الجوية قد حافظت عليها في حالة شبه مثالية على الجداريات والتحف والمخطوطات التي تعود إلى عصور ما قبل الكولومبية، حتى بعد ألف عام.

إعلان

تقول ماريا لويزا فاسكيز دي أغريدوس-باسكوال، أستاذة تاريخ الفن في جامعة فالنسيا بإسبانيا: "لقد حظيت الصبغة باهتمام كبير بسبب طبيعتها الغريبة كمادة هجينة عضوية وغير عضوية، ولوحة ألوانها المميزة، التي تتراوح من الفيروزي الفاتح إلى الأزرق المخضر الداكن، ومقاومتها الهائلة لهجوم الأحماض والقلويات والكواشف العضوية والتدهور البيولوجي". وتقول إن الخصائص المذكورة أعلاه تجعل "أزرق المايا" أحد أهم الإنجازات التقنية والفنية لحضارة المايا.

وتضيف فاسكيز أنه رغم تحديد "أزرق المايا" كصبغة جديدة في عام 1931، فإن الأمر استغرق وقتًا طويلاً حتى فهم العلماء تركيبته، ولا تزال الدراسات مستمرة.

وتقول لي: "لم يكن الأمر سهلاً لأنه كان صبغة هجينة، بين العضوي وغير العضوي، وكشف المكونات العضوية معقد"، مشيرة إلى التحسينات في التحليل الكروماتوغرافي (فصل الألوان) وغيره من التحليلات العلمية للمكونات التي سمحت لها ولفريقها بتحديد تركيبة "أزرق المايا" بشكل أكبر. حدد بحثها أن العملية الكيميائية المعقدة لابتكار الصبغة نتج عنها لونان متميزان: "الإنديغوتين" و"الديهيدروإنديغو".

تقول فاسكيز: "تطلب ‘أزرق المايا’ طريقة معقدة لتصنيع مزيج من مواد وعناصر مختلفة، مثل استخلاص الصبغة من نبات ‘تشوج’ قبل ترسيبها على طين خاص يسمى الباليجورسكيت". وتضيف: "يثبت ‘الإنديغوتين’ المستخرج من النيلة الذي يلتصق بالطين عن طريق تسخينه في فرن، مما ينتج لونا ثانيًا يسمى ‘الديهيدروإنديغو’، وهو ما يصنع ‘أزرق المايا'".

وفقًا لفاسكيز، يستفيد المجتمع العلمي بشكل كبير من الشعوب الأصلية التي "تحافظ على المعرفة المتوارثة عن الأجداد".

وتقول: "إنهم حراس كل هذه التقاليد المتعلقة بأسلافهم، ومن الضروري المساعدة في التطور العلمي. إنه اتصال بين الماضي والحاضر. هذه التقاليد القديمة مهمة، وآمل ألا تضيع".

يد ماي، مطلية باللون الأزرق المايا، أمام فرن النار الذي يستخدمه لتسخين التركيبة التي تنتج الصبغة (الجزيرة)"لؤلؤة الجنوب": حيث بدأت الرحلة

وُلد ماي في دزان، وهي قرية يبلغ عدد سكانها 6 آلاف نسمة في الجزء الغربي من يوكاتان على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب عاصمة الولاية، ميريدا. معظم شبه الجزيرة مسطح ومليء بـ "السينوتي" التي تشكلت في أعقاب النيزك الكارثي الذي قضى على الديناصورات. ومع ذلك، في بلدية تيكول، التي تضم دزان، ترتفع الأرض إلى حد ما، مما يفسح المجال لمنطقة "بوك" (التلال بلغة المايا)، التي كانت مأهولة منذ حوالي القرن السابع قبل الميلاد.

تنتشر في المنطقة العديد من مدن المايا المهمة التي تعود إلى عصور ما قبل الكولومبية، مثل موقع "أوكسمال" للتراث العالمي، وهي مدينة مايانية قديمة ذات هندسة معمارية جميلة على طراز "بوك". تتميز المباني في الأنقاض بجدران رأسية ناعمة مع سمات مثل الأعمدة، والإفريزات المتقنة، والأقنعة المزخرفة، والثعابين المنحنية، التي تمثل في الغالب إله المطر "تشاك"، وإله الثعبان ذي الريش "كوكولكان"، على التوالي.

لا تزال المنطقة مشهورة اليوم بسبب جودة الفخار والمنحوتات الطينية العالية، وخاصة مدينة تيكول، الملقبة بـ"لؤلؤة الجنوب"، على بعد 5 كيلومترات من دزان. المنطقة هي أيضًا مصدر للباليجورسكيت الموجود في الكهوف، الذي يستخدمه بعض الخزافين لطحنه وخلطه مع أنواع أخرى من الطين لجعل الفخار أكثر متانة. هنا، صقل ماي مهاراته في صناعة الخزف كطالب بين بعض أشهر الحرفيين في المكسيك، وبدأ في نهاية المطاف رحلته لإعادة ابتكار "أزرق المايا".

يقول وهو ينقر بإصبعه على صدغه: "حلمت بالعمل كما فعل أسلافي بالطين والأصباغ الطبيعية". يذكرني بأنه، مثل معظم الناس في قريته، لغته الأم هي المايا، ويؤكد أنه فخور بالعمل مثل أسلافه في ابتكار "أزرق المايا".

إعلان

كان ماي في الـ17 من عمره عندما بدأ في نحت الخشب أثناء دراسته لثقافة المايا في جامعة يوكاتان المستقلة، مستلهمًا من هندسة المايا المعمارية حول منطقته. كان شغفه هو تجسيد الوجوه ذات الملامح المايانية المميزة. بعد حوالي 20 عامًا، سار على خطى خزافي تيكول وبدأ النحت بالطين وتعلم من الخزافين الآخرين تزيين الفخار بأصباغ عضوية مثل الأحمر والأبيض.

ومع ذلك، أثار فضوله أيضًا معرفة أنهم استخدموا أصباغًا اصطناعية، مثل الأزرق. في زيارة لأطلال المايا في بونامباك، تشياباس، أسرته جداريات مطلية بلون فيروزي جميل. اكتشف ماي أن الصبغة الزرقاء السماوية كانت مقدسة لدى أسلافه وتستخدم أثناء الطقوس. بعد استجواب زملائه أكثر، علم أن المعرفة اللازمة لابتكار هذا اللون في شكله التقليدي قد فُقدت في يوكاتان، مما قاده نحو طريق إعادة اكتشاف التقنيات القديمة.

ربما كانت الجداريات الشهيرة في بونامباك بولاية تشياباس في المكسيك هي الوصف الأكثر بلاغة ووضوحًا لطقوس المايا (غيتي)فك شفرة الأزرق

في البداية، قرأ أي كتب ومخطوطات إسبانية قديمة يمكنه العثور عليها وتعلم بعض العلوم وراء إعادة ابتكار "أزرق المايا". ومع ذلك، فإن معظم الأبحاث حول الصبغة مكتوبة باللغة الإنجليزية، التي لا يتحدثها. في عام 2018، بدأ ماي السفر في جميع أنحاء الولاية بحثًا عن معلومات، بما في ذلك الاسم الماياني للنيلة. بعد حوالي 3 سنوات، عندما كان يتحدث مع شيوخ القرية، وجد دليلا.

يقول: "كل المعرفة بنبات ‘تشوج’ قد انتقلت عبر الأجيال كنبات طبي أو لتبييض الملابس، لكن استخدامه في يوكاتان كصبغة، على ما يبدو، ضاع إلى الأبد". علم ماي من أحد كبار السن أن النيلة كانت تُترك في حوض من الماء طوال الليل، ثم تُحرّك قبل أن تُقلّب الملابس المتسخة في الماء لفترة قصيرة لتبييضها. وإذا تُركت لفترة طويلة في الخليط، فإنها تتحول إلى اللون الأزرق.

يتذكر ماي شعور "كيماك أول" (السعادة) الحقيقي عندما كشف له الشيخ أن الاسم الماياني لنبتة النيلة هو "تشوج".

سمح له ذلك بجمع معلومات من شيوخ القرية الناطقين بلغة المايا الذين يمكنهم توجيهه في الاتجاه الصحيح. اتضح أن المكون الرئيسي لـ"أزرق المايا" كان تحت أنفه تمامًا.

في ذلك الوقت، عمل ماي مدرسا في مدرسة ابتدائية في المركز الثقافي البلدي في كوبا، كوينتانا رو. تذكر أن طلابه كانوا يستخدمون الشجيرات كقوائم مرمى لألعاب كرة القدم في الحديقة الخلفية للمركز. أدرك أن تلك الشجيرات كانت نباتات النيلة.

طلب من الحارس وصديقه المقرب، دون غوستينو، مساعدته في "إنقاذ" النباتات. كان غوستينو، الذي يقول ماي إنه يستخدم أوراق النبات للطب التقليدي لعلاج آلام المعدة الشديدة، سعيدًا بتسييج الشجيرات لحمايتها.

جمع ماي بذور "تشوج" وزرعها، وزرع 30 شجيرة أخرى في قطعة أرض قريبة استعارها من المركز الثقافي. في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بمساعدة العديد من المساعدين من كوبا، أعد خليطه من "تشوج" وطين الباليجورسكيت في حوض خرساني كبير مملوء بالماء. في البداية، لم تطفُ سوى رغوة بيضاء على السطح، ولكن بعد تحريك الخليط لمدة ساعة، بدأ الماء يتحول إلى اللون الأزرق، مما أثار هتافات من المجموعة. ومع ذلك، رأى ماي أن اللون لا يزال باهتًا جدًا ويحتاج إلى مزيد من التنقية لتحقيق "أزرق المايا" الأصيل.

يقول: "في كوبا، تمكنا من استخلاص صبغة زرقاء من النبات، لكن في مختبري (غرفة احتياطية حولها لاختبار خلطاته) في منزلي في دزان وباستخدام فرن طيني بنيته، مشابه للأفران التقليدية في تيكول التي يستخدمها الخزافون، وجدت القطعة المفقودة".

"لقد جربت إضافات طبيعية مختلفة. حاولت تجميد ‘تشوج’، وتركه يتحلل. استغرق الأمر العديد من المحاولات الفاشلة قبل أن أفك الشفرة أخيرًا". ولكن بعد ذلك جاءت اللحظة التي شاهد فيها ماي اللون يتحول من الأزرق الناعم إلى الفيروزي النابض بالحياة. كرر العملية وأنتج اللون نفسه في كل مرة. لقد نجح في إعادة ابتكار اللون المراوغ.

يحمل شهر مايو/أيار المنتج النهائي المسحوق من صبغة المايا الزرقاء (الجزيرة)الاعتراف العلمي

في التاسع من يناير/كانون الأول 2023، أعلن ماي على وسائل التواصل الاجتماعي أن باحثين في إيطاليا والمكسيك قد صادقوا على تركيبته. كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها العالم "أزرق المايا" المصنوع بالطرق التقليدية في يوكاتان منذ ما يقرب من قرنين.

إعلان

أرسل له ديفيد بوتي، الباحث في معهد علوم التراث التابع للمجلس الوطني للبحوث في بيروجيا بإيطاليا، ورودولفو بالومينو ميرينو، أستاذ الفيزياء والرياضيات في جامعة بويبلا المستقلة في المكسيك، ملفات رقمية تحتوي على تفاصيل علمية لتحليلاتهم.

جاء عمل ميرينو أولاً في أغسطس/آب 2022، باحتمال 95% أن تركيبة ماي أصلية. في عام 2023، تحقق تحليل بوتي من أنها "أزرق المايا" بنسبة 100%. وأكدت كلتا المؤسستين الأكاديميتين أن عيناته، التي تحتوي على الباليجورسكيت وكربونات الكالسيوم والنيلة، تسببت في "تداخل بين جزيئات النيلة" -وهو تفاعل كيميائي- مما أدى إلى "أزرق المايا" أصيل.

يقول ماي: "كنت في قمة السعادة. استخدم أسلافي ‘أزرق المايا’ حصريًا في الممارسات الاحتفالية، وحتى ذلك الحين، كان بكميات محدودة. لقد كان لون الآلهة، ولم يُسمح إلا للنخبة باستخدامه".

ويضيف: "عندما كنت طفلاً، علمني أبي وجدي أن العمل الجاد والمستمر يؤتي ثماره. عدم الاستسلام أبدًا وبذل قصارى جهدك، حتى لو لم تنجح، هي قيم مايانية نموذجية".

لصنع "أزرق المايا"، يضع ماي أوراق "تشوج" في ماء قلوي باستخدام الجير أو الرماد لمدة 24 ساعة في حوض خرساني في منزله. ثم يتم تصفية الخليط ووضع طين الباليجورسكيت، الذي يتم جمعه من الكهوف القريبة، في قاع الحوض لامتصاص الصبغة. بعد خبز الطين الأزرق الناتج في فرن عند حوالي 250 درجة مئوية، يتم طحنه إلى مسحوق ناعم ووضعه داخل قنينة صغيرة، جاهزة للبيع.

في عام 2021، بدأ ماي بيع منتجه "أزرق المايا" تجاريًا للفنانين والشركات. ثم، في أواخر عام 2023، انتقل من كوبا إلى دزان ليكون أقرب إلى عائلته وحول "الميلبا" (المزرعة) العائلية إلى مزرعة أكبر لـ"تشوج". ينتج الحصاد الجيد ما يقرب من 10 كيلوغرامات من الصبغة سنويا.

يجلس ماي القرفصاء بجوار نباتات صغيرة من نبات النيلة (تشوج) في مزرعته في دزان، يوكاتان، المكسيك (الجزيرة)إلهام الأجيال القادمة

مع تلاشي شمس وقت متأخر من بعد الظهر، نسير بضع مئات من الأمتار نحو مزرعة ماي. يشير إلى 3 شبان مشغولين بقطع الأعشاب الضارة بمناجل حادة. يقول إن "تشوج" هش ويعاني من المنافسة ضد الأنواع الأخرى التي تنمو بسرعة أكبر، وتحجب ضوء الشمس وتستحوذ على معظم مياه الأمطار. لهذا السبب يخلق العمال مساحة لـ"تشوج"، التي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى أكثر من مترين، لتنمو دون عائق، تنمو الأعشاب الضارة بسرعة في غابة يوكاتان خلال موسم الأمطار (من يونيو/حزيران حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول).

الطالب الجامعي بنجامين تينريرو بوت، 23 عامًا، من إل نارانخال، كوينتانا رو، هو أحد هؤلاء العمال. يقول بحماس، آخذًا استراحة ويضع منجله على ركبته: "يمثل ‘أزرق المايا’ جذوري، ويسعدني أن أشارك في مشروع يكرم تراث المايا".

كان يعاني من صعوبة في دفع تكاليف دراساته في مجال السياحة البديلة في جامعة المايا متعددة الثقافات في كوينتانا رو عندما اقترح عليه أستاذه، غييرمو تالافيرا، مشروع ماي. يبتسم بوت وهو يلتفت نحو ماي، ويقول إن هدفه بعد التخرج هو الترويج لـ"أزرق المايا". "أعتقد أنه من المهم أن يكون الناس من جميع أنحاء العالم على دراية بهذه الصبغة المذهلة وتاريخها".

يحاول ماي إخفاء فخره، قائلاً إن هدفه هو إلهام الأجيال الشابة للحفاظ على تراث المايا.

يقف ماي بجانب نباتات تشوج البرية الناضجة التي اكتشفها قرب مزرعته في دزان (الجزيرة)الفخر الثقافي للمايا

عندما نعود إلى دزان في وقت لاحق من اليوم، يتوقف ماي في متجر صغير لزيارة صديقة للعائلة، كاتالينا كانكوب هاب، التي نحت وجهها في عام 2018 باستخدام صبغة "أزرق المايا".

أنحني برأسي لأدخل من باب صغير، وتقترب منا امرأة ترتدي "هويبل" (لباس تقليدي أبيض مطرز بتصميم زهري ملون). يطلب ماي رؤية التمثال الذي صنعه لها. تشير إلى ما فوق خزانة ملابس، قائلة بنبرة اعتذار إنها تحتفظ به هناك بعيدًا عن متناول أحفادها. ينزله ماي. هناك تشابه قوي بين التمثال ومضيفتنا.

تقول كاتالينا كانكوب هاب بابتسامة محببة: "إنه يرفع معنوياتي عندما أنظر إليه. ‘أزرق المايا’ لون جميل، ومن الرائع أن لويس تمكن من إعادة اكتشافه".

على رغم اكتشافه المهم، لا يزال عمل ماي مشروعًا فرديًا، دون انتماء أو تمويل من السلطات الوطنية، كانت مساعدته المالية الوحيدة منحة لمدة عام واحد في عام 2021 من مركز سانتو دومينغو للتميز لأبحاث أميركا اللاتينية التابع للمتحف البريطاني في لندن. يختار عدم تسجيل براءة اختراع لوصفته لأن ذلك سيتطلب نشر تركيبته الفريدة، وقد يستخدمها أشخاص أو شركات لإنشاء نسخ أخرى. ومع ذلك، فإن اكتشاف ماي محمي من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

يقول: "سأكون سعيدًا بمشاركة تركيبتي لو تلقيت دعمًا كافيًا من السلطات المكسيكية". ولكن بعد ذلك تهبط كتفاه وهو يشرح أن الحكومة المكسيكية استخدمته كدعاية أثناء بناء "قطار المايا": وهو خط سكة حديد بين المدن يبلغ طوله 1554 كيلومترًا في المكسيك يجتاز شبه جزيرة يوكاتان.

كاتالينا كانكوب هاب، 85 عامًا، خياطة من دزان، تقف بجانب التمثال الذي صنعته لها ماي. التمثال مزين بطلاء أزرق مايا (الجزيرة)

عندما نشر ماي نتائج تركيبته على وسائل التواصل الاجتماعي، أقنعه المسؤولون الحكوميون بالمشاركة في فيديو ترويجي لـ"قطار المايا". كما حضر جلسة تصوير مع العديد من العلماء من جامعة ميريدا المستقلة، ووُعد بمساعدة مالية لدعم مشروعه. ومع ذلك، يدعي أنه لم يتلق أي تمويل من أي شخص على المستوى الوطني.

يقول ماي: "البيروقراطية المكسيكية تجعل من الصعب جدًا على أشخاص مثلي أن ينجحوا، ومع ذلك فهي تأخذ قطعة من نجاحي مع كل خطوة أتخذها".

"آمل أن يفهم الناس أنني قد رعيت هذا المشروع بعرقي ودمي وأفضل أن يظل ‘أزرق المايا’ في أيدي السكان الأصليين للمايا".

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يتحدث عن العراق: استهدفنا الميليشيات التي تحركت ضدنا
  • أزرق المايا: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ضياعها
  • ماذا ينتظر المسجد الأقصى في عيد "الحانوكاة" اليهودي؟
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الصهيونية على غزة إلى 70,360 شهيدًا
  • تحذيرات في إسطنبول.. تهويد الأقصى يتسارع وصعود الصهيونية الدينية يفاقم الخطر
  • مظاهرة في برلين تضامناً مع فلسطين ورفضاً للإبادة الصهيونية
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الصهيونية على غزة إلى 70,354 شهيدًا و 171,030 مصابًا
  • الصهيونية في طور التشكل.. قراءة تاريخية وفكرية في إسرائيل المعاصرة
  • المجموعات المسلحة الجديدة التي ظهرت في غزة مؤخرا
  • اليهود في ذروة البياض: منشور لماسك على إكس عن انقراض البيض يثير جدلًا واسعًا