تتمسك الجماعة الحوثية الارهابية بالتصعيد ضد إسرائيل على الرغم من الضربات العنيفة التي وجهتها الأخيرة لـ«حزب الله» اللبناني، إلا أن الكثير من المؤشرات يوحي بأن الجماعة لجأت إلى المزيد من الحذر خوفاً من مواجهة المصير نفسه، مع استمرار طموحها للحصول على مكاسب من جولة الصراع الحالية في المنطقة.

وشهد الأسبوعان الماضيان؛ أي بعد مقتل أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، استمرار الجماعة في إطلاق صواريخها ومسيراتها باتجاه إسرائيل، لكن على فترات متقطعة، بالتزامن مع هجماتها ضد السفن التجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، في حين اكتفت إسرائيل بعملية هجومية وحيدة ضد الحوثيين.

وتعود آخر عملية حوثية ضد إسرائيل إلى السابع من الشهر الحالي، حين أعلنت الجماعة عن «تنفيذ عمليتين عسكريتين؛ الأولى استهدفت منطقة يافا بصاروخين باليستيين، والأخرى استهدفت منطقتي يافا وأم الرشراش بعدة طائرات مسيرة نوع (يافا) و(صماد4)»، وهو الهجوم الذي اعترفت إسرائيل بحدوثه بالتزامن مع هجمات أخرى من غزة ولبنان.

وبينما يذهب الكثير من المراقبين الغربيين، ومنهم مايك نايتس، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن الجماعة الحوثية تبدو وكأن لا شيء قد أوقفها، يزعم الكثير من المتابعين والمراقبين لصراع المنطقة أن إيران تخلت عن أذرعها في المنطقة ضمن صفقة لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.

وينفي الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان المقطري أن تكون هناك صفقة غربية مع إيران تلزمها بالتخلي عن أذرعها في المنطقة، ويرجح أن يكون ما يحدث لـ«حزب الله» اللبناني من ضربات عنيفة ناتجاً عن سوء تقدير إيران للموقف منذ البداية، وأن ما يجري حالياً هو مقدمة لانهيار منظومتها في المنطقة مجاناً.

وستخسر إيران بعد ذلك حتى التفاوض على ملفاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية والنووية، بما فيها رفع العقوبات، وفقاً لما قاله المقطري لـ«الشرق الأوسط»، وبسبب خسائرها في محور المواجهة المباشرة مع إسرائيل في فلسطين ولبنان، فإنها ستبحث عن الربح في الملف اليمني الذي سيبقى عالقاً بين مطامع أميركا وتهديدات إيران، لتكون شروط التهدئة صفقة مع إسرائيل، وأخرى مع المجتمع الدولي.

ويُبدي العديد من اليمنيين خشيتهم من أن تستغل الجماعة الحوثية مواجهتها مع تل أبيب لتحقيق المزيد من النفوذ، وفرض المزيد من الجبايات على السكان الذي يعيشون إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، إضافة إلى انتهازها الفرصة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، خصوصاً من الأطفال، وفق ما دأبت عليه.

تعويض في اليمن

يرى المقطري، وهو باحث يمني متخصص في اقتصاد الحرب، أن هذه الصفقة ستسمح ببقاء الجماعة الحوثية عامل ابتزاز لدول الجوار في هذا الملف، ليدفع اليمنيون ثمن انهيار الوجود الإيراني في لبنان وسوريا، وبحث إيران عن تعويض خسائرها، والذي لن يكون متاحاً مع الانهيار الدراماتيكي المتسارع لـ«حزب الله»، والذي أفقدها قوة التفاوض في الوقت الحالي في ظل الضربات الاسرائيلية الناجحة ضد حزب الله .

ويعدّ الكثير من المتابعين الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية ساحة أثيرة لإيران لإعادة ترتيب وموضعة صفوف أذرعها في المنطقة، في حال استمرت مساعي العدو الإسرائيلي نحو تصفية «حزب الله» وإنهاء نفوذه في لبنان.

وينبه الأكاديمي اليمني محمد الحميري، الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن الفترات الزمنية المتباعدة بين الهجمات التي تنفذها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل، لا تعني أنها تخلت عن المعركة؛ إذ إنها أعلنت عن مراحل متعددة ومتصاعدة من الهجمات، وتهديدها بالمزيد من المفاجآت والتصعيد.

وبحسب إجابات الحميري عن تساؤلات «الشرق الأوسط»، فإن مواجهة الجماعة الحوثية مع إسرائيل لا تقتصر على استغلال الموقف لصالحها دعائياً وإعلامياً، بل يتجاوز ذلك إلى إثبات وجودها وتعزيز نفوذها، خصوصاً أن الجماعة تثبت مع الوقت امتلاكها الكثير من القدرات التي لم تتمكن التحالفات الدولية من القضاء عليها، ما سيعزز من رغبتها في تحقيق المزيد من المكاسب.

وكان زعيم الجماعة الحوثية أعلن أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعته، منتصف الشهر الماضي، بصاروخ على تل أبيب، يأتي في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، متوعداً بالمزيد.

وأعلنت إسرائيل حينها عن إسقاط الصاروخ في منطقة بعيدة عن الأحياء السكنية، لكنها اعترفت بتسببه في حرائق واسعة، وتوعدت حينها على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الجماعة بدفع «ثمن باهظ»، مذكّراً إياها بالضربات على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي.

أولويات إسرائيل

توعدت إسرائيل الجماعة الحوثية أكثر من مرة، آخرها كان بعد مقتل نصر الله والهجوم الحوثي بصاروخ باليستي استهدف عاصمتها تل أبيب، وحينها أعلن الجيش الإسرائيلي أن وقت الجماعة سيأتي، واستهدف عقب ذلك التهديد بأقل من يوم منشآت عدة تحت سيطرة الجماعة، غالبيتها ذات طابع اقتصادي مدني، مثل محطات الوقود والكهرباء.

ويتوقع المحلل السياسي اليمني فارس البيل بأن الجماعة الحوثية تسعى، من خلال هجماتها على إسرائيل، إلى إثبات استمرارها في معركتها المزعومة معها، بعد أن شعرت بضغوط من أنصارها نتيجة تراجع هجماتها ضد إسرائيل بعد استهداف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة في يوليو الماضي، إلى جانب محاولة رد الدَّيْن لـ«حزب الله» الذي قدم لها الكثير من المساعدات والخبرات.

وينفي البيل أن تكون الجماعة الحوثية بصدد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها في موازاة ذلك تسعى لحفظ ماء وجه محور المقاومة أمام الضربات الإسرائيلية المتواصلة.

وينوه الباحث اليمني صلاح علي صلاح، إلى أن هناك فرقاً بين إعلان الجماعة عن هجماتها، واعترافات إسرائيل بهذه الهجمات؛ فالأولى تتحدث عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية، بينما تنفي الثانية وجود هذه الصواريخ مع الجماعة الحوثية، وهو ما يوحي بدخول المواجهة مرحلة الحرب التكنولوجية.

ويرجح صلاح في إفادته أن يتأخر الرد الإسرائيلي على الجماعة الحوثية إلى مرحلة ما من المواجهة مع أذرع إيران في المنطقة، بحسب أولويات إسرائيل التي لن تدع هجمات الجماعة عليها تمر دون انتقام.

فبحسب صلاح، لدى إسرائيل مهام منظورة في فلسطين وغزة ولبنان، قبل الانتقال إلى تصفية الجماعات الموالية لإيران والتابعة لها في سوريا، ثم الانتقال بعد ذلك للتعامل مع مثيلاتها في العراق، قبل أن تتجه فعلياً نحو اليمن، وذلك بحسب القرب الجغرافي، ما لم يحدث ما يستدعي تغيراً في هذا النهج.

واستبعد أن تكون العمليات الحوثية مجرد استعراض فقط، بل إن الجماعة تسعى فعلاً لمساندة «حزب الله» الذي قدم لها الكثير من الخدمات على المستوى اللوجيستي والخبرات التدريبية، إلى جانب الخدمات السياسية والإعلامية، فضلاً عن إدراكها أن إضعاف «حزب الله» سيؤثر عليها بالتبعية، وأن إسرائيل ستتفرغ للانتقام منها لاحقاً.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: إسرائيل جوّعت سكان غزة عمدا وبموافقة الغرب

تناولت صحف عالمية الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة وقالت إن إسرائيل تعمدت تجويع السكان بمساعدة الغرب، وإن إسقاط المساعدات جوا "فكرة سيئة وخطيرة".

ففي صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، قال مقال إن إسرائيل سمحت بإسقاط المساعدات جوا إلى غزة بعد ضغوط دولية، لكنه وصف الفكرة بأنها "سيئة وخطيرة وغير مناسبة للقطاع الذي يعاني المجاعة". وأضاف أن فتح المعابر والسماح بمرور المساعدات العالقة على الحدود هو الحل الأفضل.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رئيس وزراء فرنسي سابق: علينا أن نواجه الجنون القاتل في غزةlist 2 of 2أهداف الحرب الإسرائيلية في غزة تتلاشى وسط وعود فارغةend of list

كما نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للكاتب أوين جونز، قال فيه إن إسرائيل "جوّعت أهل غزة عمدا"، وإنها "لم تكن لتفعل ذلك من دون مساعدة الغرب".

وأضاف أن "فرك اليدين الظاهر من رئيس الوزراء البريطاني وقادة الغرب، وإبداء شعورهم بالقلق على ما يحدث في غزة، تصرف بلا أي أهمية، لأنهم كانوا يعرفون تماما ما يحدث للفلسطينيين".

وأكد الكاتب أن تجويع إسرائيل المتعمد لغزة "هو جريمة جرى الاعتراف بها وتصميمها وتنفيذها على مرأى الجميع"، مضيفا أنه "رغم الذنب الشائن والواضح لإسرائيل، فإن أكاذيبها ما زالت تلقى استحسانا من السياسيين والإعلام الغربي".

الدولة الفلسطينية استوفت شروطها

وفي صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، اعتبر مقال أن الحقيقة المرة لإسرائيل "هي أن كل يوم إضافي في غزة والضفة الغربية يكثّف موجة الاعتراف العالمية بضرورة قيام دولة فلسطينية".

فبعد فرنسا وبريطانيا، هناك إشارات من مالطا واليونان وبلجيكا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، كما يقول المقال الذي انتقد حكومة بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، قائلا "إن الإسرائيليين جميعهم كأنهم مختطفون من جانب عصابة من المجرمين تحتجزهم رهائن في عملية احتيال ديمقراطية، ولا يعرفون كيف الخلاص".

أما صحيفة "نيويورك تايمز"، فقالت إن تعهد بريطانيا وفرنسا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية "يعكس إحباطا عميقا من سلوك إسرائيل في غزة والضفة الغربية المحتلة".

إعلان

ونقلت الصحيفة عن خبراء في القانون الدولي أن هذه التعهدات "تعني أن فلسطين استوفت كافة الشروط المطلوبة لإقامة دولة مستقلة، وهي: سكان دائمون، وحدود إقليمية محددة، وحكومة، وقدرة على إدارة الشؤون الدولية، حتى لو كان أحد هذه العناصر محل نزاع".

وختاما، نقلت "وول ستريت جورنال" عن أمير أفيفي، وهو عميد إسرائيلي متقاعد يقدم المشورة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن إسرائيل "اعتقدت خطأ أن لديها موقفا تفاوضيا قويا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد هزيمة إيران وحزب الله والسيطرة على معظم قطاع غزة".

كما نقلت الصحيفة عن عوفر غوترمان، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات الإسرائيلية، أن فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "جعل من الصعب عاطفيا وسياسيا في إسرائيل إنهاء الحرب من دون القدرة على القول إن هجوما من طرف حماس لن يتكرر أبدا".

مقالات مشابهة

  • أي دور لأوروبا في الملف النووي الإيراني؟
  • صحف عالمية: إسرائيل جوّعت سكان غزة عمدا وبموافقة الغرب
  • إيران تطالب ترامب بتعويضات عن خسائر حرب الـ 12 يوما قبل استئناف مفاوضات النووي
  • العميد سريع: عملياتنا الجوية ضدّ إسرائيل لن تتوقف حتى رفع الحصار عن غزة
  • الغرب يُسلّح “إسرائيل” ويُرسل الطحين ببطاقات عبور
  • ماذا يعني إعلان الحوثيين مرحلة جديدة من التصعيد ضد إسرائيل؟
  • صاروخ «فلسطين 2» يضرب إسرائيل.. «أنصار الله» تؤكد استمرار العمليات العسكرية
  • طهران تؤكد الرد على أي هجوم جديد.. خامنئي: «الملف النووي» ذريعة لضرب إيران
  • محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل
  • «خامنئي»: الغرب يستغل الملف النووي كذريعة للاصطدام مع إيران