قواعد اللعبة الجديدة في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
لاشك أن ما يحدث الآن في لبنان وقطاع غزة يمثل منعطفا مهما ومرحلة أساسية من مراحل ترسيم قواعد النظام العالمي الجديد. فالشرق الأوسط في النهاية هو إحدى مناطق الصراع والنفوذ، وبالتالي فإن الأمر يتجاوز في تأثيراته الإستراتيجية بعض الفاعلين الرئيسيين في المشهد الصراعي مثل التنظيمين المتطرفين حركة“حماس، وحزب الله اللبناني، لأنهما في النهاية مجرد "دمى" تحركها قوى إقليمية تسعى بدورها إلى تغيير قواعد اللعبة وفرض ما يسمى بمحور المقاومة كلاعب أساسي في المنطقة.
بلا شك أنه من الصعب الآن بناء توقعات أو تقديرات دقيقة حول مآلات الأحداث في جنوب لبنان وغزة، لأن المسألة لا تقاس بمسار الحروب فقط، بل ترتبط أساسا بما ستؤول إليه النقاشات على مائدة التفاوض التي سينتهي إليها ما يحدث الآن سواء بشكل علني أو سري، أو بكليهما معا. ولكن ما يمكن توقعه هو أن هناك واقعا استراتيجيا جديداً يلوح في أفق الشرق الأوسط. وهنا يمكن قراءة المشهد في إطاره الجيوإستراتيجي والجيوسياسي الأوسع والأشمل، والذي يضم بؤرا صراعية إقليمية موازية مثل السودان وليبيا واليمن والقرن الأفريقي وما يدور فيه.
أحد السيناريوهات المتوقعة يتمثل في نجاح إسرائيل في تحقيق هدفها الخاص بالقضاء على تهديدات حزب الله اللبناني، وذلك في إطار محاصرة ما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأذرع الأخطبوط الإيراني، والسعي لاحقا للقضاء على "رأسه". وقد حققت دولة إسرائيل في ذلك نتائج مهمة، أبرزها القضاء على جميع قيادات حزب الله اللبناني، وهي مسألة ستؤثر لا محالة في فاعلية الحزب وقدرته على اتخاذ القرار، حيث يحتاج إلى وقت طويل لإعادة ترتيب هياكله وملء فراغ القيادة الناشئ عن الاغتيالات الأخيرة. وهي مسألة حقيقية رغم شراسة القتال الدائر في جنوب لبنان بين عناصر الحزب والجيش الإسرائيلي، لأن البنية التحتية القتالية للحزب لا تزال تعمل في معظمها، وبالتالي لم يكن يتوقع القضاء على هذه البنية تماما بمجرد القضاء على القيادات.
تحجيم خطر حزب الله وتحييد الحوثيين سيدفعان دولة إسرائيل على الأرجح إلى الذهاب إلى المرحلة الثانية من التخطيط الإستراتيجي، وهي القضاء على البنية التحتية للمشروع النووي الإيراني لاستكمال حلقات إنهاء التهديدات التي تواجه دولة إسرائيل. وهي خطوة ربما ترى حكومة بنيامين نتانياهو أن الوقت الراهن يمثل الفرصة المثالية السانحة لتحقيقها، سواء من حيث المعطيات القتالية ولجم قدرة الأذرع الإيرانية على الرد، أو من حيث الدعم الأميركي المطلق مدفوعا بحسابات الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي كلما اقتربت كلما ازداد حماس إدارة جو بايدن لإبداء دعمها لإسرائيل من دون أي تردد أو محاذير خشية أن يؤثر أي تهاون في نتائج اقتراع نوفمبر المقبل.
في حسابات الأرباح والخسائر من وجهة النظر الإسرائيلية، نجد أن هناك إغراء يلوح في الأفق للانقضاض على المنشآت النووية الإيرانية، ولكن دولة إسرائيل قد لا تجد نفسها في عجلة من أمرها حتى تهيئ الظروف اللازمة لذلك بشكل تام، وفي مقدمة هذه الظروف استدراج إيران لتنفيذ هجمات كبيرة ضد إسرائيل بما يوفر للأخيرة مشروعية الرد وفقا للطريقة التي تراها ملائمة لتحقيق أمنها والتصدي لما تتعرض له من تهديدات.
إسرائيل نجحت في استغلال الهجوم الدموي لحماس لتحقيق أهداف أوسع وأشمل من فكرة النصر والهزيمة التي تسعى إليها ميليشيات من منظورها المصالحي الضيق
بلا شك أن إسرائيل قد نجحت في استغلال الهجوم الدموي لحماس في السابع من أكتوبر لتحقيق أهداف أوسع وأشمل من فكرة النصر والهزيمة التي تسعى إليها ميليشيات من منظورها المصالحي الضيق. وهذا أمر طبيعي يعكس الفارق بين تفكير استراتيجي عميق لدولة مثل إسرائيل، وميليشيا تسعى لتحقيق انتصارات تلفزيونية تجذب بها آهات وقلوب الإعجاب من جمهور اللحظة. والنتيجة المتوقعة لكل ما يحدث على هذا الصعيد هو شرق أوسط جديد لم تسعَ إليه دولة إسرائيل بقدر ما نجحت في استغلال الظروف والمعطيات التي وفرتها لها التنظيمات الميليشياوية الإيرانية في اليمن، وغزة، ولبنان، والعراق، والتي منحت إسرائيل هدايا مجانية لإعادة ترسيم قواعد اللعبة الشرق أوسطية وحرق المراحل على هذا الصعيد.
قواعد اللعبة الجديدة في الشرق الأوسط ستكون على الأرجح خالية من اللاعبين من غير الدول، للمرة الأولى منذ عشرات السنين، حيث يتوقع اختفاء أو انتهاء أدوار الأذرع الإرهابية الإيرانية. ولكن هذا الأمر يبقى في الحقيقة مرهونا بحجم الجهود التي تبذل إقليميا ودوليا لاستكمال حلقات الفعل الإسرائيلي العسكري، ولكن على الصعيد السياسي والدبلوماسي. ففي النهاية ستنتهي هذه الحروب على موائد التفاوض، وهي فرصة سانحة قد لا تحين مرة ثانية إذا لم تستغل بشكل جيد، للقضاء على الفوضى التي تسود المنطقة بفعل هذه الميليشيات التي لا تهدد دولة إسرائيل فقط، بل تبقى شوكة في خاصرة دول مثل العراق ولبنان واليمن، وتحول دون استكمال هذه الدول سيادتها على أراضيها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله الشرق الأوسط قواعد اللعبة دولة إسرائیل القضاء على
إقرأ أيضاً:
فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للزميلة الأولى في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، زها حسن، قالت فيه: "إنه وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المواقع النووية الإيرانية وما تلاها من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدا أن اتفاقا آخر بات وشيكا، هذه المرة في غزة".
وأضافت حسن، في المقال الذي ترجمته "عربي21": "مع ذلك، في أواخر الأسبوع الماضي، أوقفت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مشاركتهما في المفاوضات، متهمتين حماس بنقص التنسيق وحسن النية".
وتابعت: "إن استمرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في احترام إسرائيل وانسحابه من المحادثات خطأ فادح. فما لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن رغبة ترامب في قيادة سلام إقليمي أوسع يشمل تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية ستُصبح من الماضي".
وأردفت: "مع ذلك، لم يُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم القومي المتطرف، أي مؤشرات على استعدادهم لإعطاء الأولوية لسلام دائم. حتى لو تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين لدى حماس، فقد أكد نتنياهو أن إنهاء الحرب في غزة مستحيل حتى يتم نزع سلاح حماس بالكامل ونفي قادتها".
وأوردت: "حتى في هذه الحالة، يريد أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة والضفة الغربية إلى أجل غير مسمى"، مضيفة: "في أيار/ مايو، قال نتنياهو عن سكان غزة: نحن ندمّر المزيد والمزيد من المنازل، وليس لديهم مكان يعودون إليه. والنتيجة الحتمية الوحيدة هي رغبة سكان غزة في الهجرة خارج قطاع غزة".
واسترسلت: "لكن صيغة نتنياهو لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط غير مناسبة. لن تقبل أي حكومة عربية بالتهجير القسري للفلسطينيين. علاوة على ذلك، أوضحت الدول العربية بشكل متزايد أنها لم تعد مستعدة لتعميق علاقاتها أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية ذات سيادة".
"شكّل نتنياهو عقبة أمام أهداف ترامب في الشرق الأوسط منذ ولايته الأولى في البيت الأبيض. آنذاك، كان ترامب يأمل في أن يجعل من اتفاق سلام كبير في الشرق الأوسط إنجازه الأبرز. لكن بسماحه لنتنياهو بالمشاركة في صياغة خطته لعام 2020 للسلام الإقليمي الشامل، قضى ترامب على أي فرصة كانت لديه للنجاح" وفقا للمقال نفسه.
وأوضح: "إذا كان لأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما تلاها من أحداث أثر بالغ على الدول العربية الرئيسية، فهو أن الحاجة إلى السلام والأمن الإقليميين مُلحّة، وأن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لا ينفصل عن هذا الهدف. لقد أصبح غياب الحل بمثابة حبل مشنقة للأمن القومي يلفّ عنق كل دولة في الشرق الأوسط".
ومضى بالقول: "كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واضحا: فبعد ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، لا يمكن لبلاده قبول سوى عملية تطبيع تُشبه تلك التي اقترحتها مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي اعتُمدت في قمة جامعة الدول العربية: يجب على إسرائيل أولا قبول دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وعندها فقط ستُطبّع السعودية العلاقات".
وتابع: "ينبغي على ترامب أن يسعى إلى اتفاق يحظى بدعم مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي أوروبا. سيحتاج إلى العديد من الحكومات في تلك المناطق إلى جانبه للمساعدة في توفير مليارات الدولارات اللازمة لتمويل إعادة إعمار غزة".
واسترسل: "فقط عندما تخضع غزة والضفة الغربية لسلطة واحدة، يمكن أن تبدأ المهمة الهائلة المتمثلة في تعافي غزة وإعادة إعمارها. ولا يمكن إلا لقيادة فلسطينية موحدة وشرعية أن تضمن الالتزام بشروط أي اتفاق سياسي مستقبلي مع إسرائيل".
وأبرز: "في نهاية المطاف، وللتوصل إلى سلام حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيحتاج ترامب إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الجهة المعترف بها دوليا والتي تمتلك الأهلية القانونية لتوقيع اتفاق نيابة عن جميع الفلسطينيين. وبدعمه ضم حماس تحت مظلة المنظمة، سيخفف من احتمالية وجود مفسدين".
واستدرك: "كان ترامب مستعدا بشكل فريد للانفصال عن إسرائيل في العديد من القضايا - على سبيل المثال، من خلال عقد صفقات مع جماعة الحوثي في اليمن وفتح حوار دبلوماسي مع الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، على الرغم من تحالفه السابق مع تنظيم القاعدة".
وبحسب المقال نفسه، "سيُضطر ترامب إلى الانفصال عن نتنياهو مجددا، بغض النظر عن تداعيات ذلك على مستقبله السياسي. عليه التراجع عن تصريحه السابق الداعم لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، وأن يُوجّه رسالة مباشرة للإسرائيليين مفادها أن أمنهم مرتبط بأمن الفلسطينيين وسائر المنطقة".
واختتم بالقول: "فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، أبدت إدارة ترامب مرونة بالفعل بخروجها عن تقليد واشنطن التقليدي بفتح قنوات اتصال مع حماس لضمان إطلاق سراح مواطن أمريكي محتجز في غزة. والآن، يتطلب وضع المصالح الأمريكية في المقام الأول التوسط لوقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة. إذا مضى ترامب قدما، فقد يُحقق إنجازا يُستحق جائزة السلام - ولكن ليس إذا ماتت غزة جوعا".