يوم المرأة العُمانية.. إشراقة في سماء الإنسانية
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
في كل عام، يأتي يوم السابع عشر من شهر أكتوبر حاملًا معه يومًا عظيمًا للاعتراف بجميل المرأة العُمانية، وللتذكير دائمًا بمكانتها السامية، ودورها الرائع في رفعة الوطن، حيث نحتفل سويا بالمرأة العُمانية، والتي تستحق منا جميعًا كل تقدير واحتفاء، وهو ليس يومًا للاحتفال بالإنجازات فحسب، بل هو دعوةٌ للتأمل في المكانة السامية التي وضعها الإسلام للمرأة، وتأكيدٌ على الدور الفعال الذي تلعبه في بناء المجتمعات ورقيها.
وقد كرم الإسلام المرأة تكريمًا عظيمًا، ورفع من مكانتها في المجتمع، فجعل لها حقوقًا وواجبات واضحةً، تحفظ كرامتها، وتصون دورها كأم، وزوجة، وعضو فاعل في بناء الأمة. وتضمن لها المشاركة في الحياة العامة، والتملك، وكل ما يجعلها فردًا نافعًا لمحيطها ومجتمعها. فمن أوائل مظاهر هذا التكريم أن منح الإسلام المرأة حق التعليم، وبين فضل طلب العلم للجميع، كما قال الرسول ﷺ: «طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم ومسلمة». كذلك، منحها حق التملك والتصرف في أموالها، وحق المشاركة في الحياة العامة.
وأستشهد هنا بمقولة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، والتي أكدت على أهمية دور المرأة في المجتمع، حيث يقول سماحته: "إذا كان مما يتردد على الألسنة أن المرأة نصف المجتمع، فإني أقول وأؤكد بأن المرأة هي المجتمع كله، فبقدر ما تكون عليه من عفة وطهارة ونزاهة يرجى للمجتمع أن يسعد بجيل في المستقبل يتصف بهذا كله، فإن المرأة هي صانعة الأجيال".
بهذا التكريم الشامل، ضرب الإسلام أروع الأمثلة في احترام المرأة وإعطائها حقوقها، وجعلها شريكًا متساويًا في مسؤوليات بناء الأسرة والمجتمع، لتكون لبنةً أساسيةً في تحقيق الحضارة الإسلامية وترسيخ القيم النبيلة.
وقد كانت السلطنة كما جرت العادة سباقة في تخصيص يوم لتكريم المرأة العُمانية، وهي من أوائل الدول العربية التي أولت اهتمامًا خاصا بتكريم المرأة التي هي نصف المجتمع، وهي الشريك في حمل راية الوطن الغالي، ففي عام 2009، جاء التوجيه السامي من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بتخصيص يوم سنوي للاحتفاء بالمرأة العُمانية، ليكون السابع عشر من أكتوبر يومًا تاريخيا يخلد فيه دور المرأة العُمانية في مسيرة النهضة والتطور، وتقديرًا لما قدمته المرأة من عطاء وبذل في مختلف المجالات، وما أبدته من تفان في بناء المجتمع العُماني منذ فجر النهضة الحديثة.
وقد أصبح هذا اليوم رمزًا للنهضة النسائية العُمانية التي تمثل شريكًا أساسيا في دفع عجلة التنمية المستدامة، وإسهامًا في تطوير المجتمع العُماني وتقدمه على مر العقود.
ومن أقوال السلطان قابوس الخالدة عن المرأة ودورها في حمل مشعل التقدم والتطور والرقي في الوطن الغالي قوله رحمه الله: "إن الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضًا منكسرًا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟".
ومنذ السنوات الأولى للنهضة، حصلت المرأة العُمانية على فرص متساوية في التعليم والعمل، حتى وصلت إلى مناصب قيادية في الدولة، حيث شغلت مناصب وزاريةً وقياديةً في مؤسسات حكومية. ولقد أثبتت المرأة العُمانية قدرتها على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، وأصبحت جزءًا أساسيا من التنمية المستدامة التي تتبناها السلطنة. وأثبتت المرأة العُمانية جدارتها وقدرتها على المساهمة الفاعلة في مسيرة النهضة الحديثة. ففي مختلف المجالات، استطاعت المرأة أن تحقق إنجازات لافتةً تجعل منها نموذجًا يحتذى به.
ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، أولى المرأة العُمانية اهتمامًا بالغًا، مؤكدًا على الدور المحوري للمرأة في بناء المجتمع، واستمرار التنمية. وأعطى جلالته توجيهات ساميةً لتعزيز مكانة المرأة العُمانية، وضمان تمكينها في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وقد أكد جلالته- حفظه الله- على أهمية دور المرأة ومشاركتها في نهضة المجتمع، حين قال: "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب في مختلف المجالات، خدمة لوطنها، ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها .
وقد دعا جلالته- أيده الله- إلى تذليل الصعوبات التي قد تواجه المرأة، وتعزيز بيئة داعمة تمكنها من المساهمة الفاعلة في بناء الوطن. إضافة إلى ذلك، تم التركيز على تهيئة الفرص الكافية لتأهيل النساء العُمانيات في شتى الميادين، وتوفير الرعاية اللازمة لحل المشكلات التي قد تعيق تقدم المرأة سواءٌ في العمل أو الحياة العامة، مما يعزز التزام السلطنة بإدماج المرأة بشكل كامل في رؤية "عُمان 2040".
وفي ظل هذا الاهتمام الكبير والدور المحوري الذي تؤديه المرأة في المجتمع، يصبح من واجبنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، أن نواصل دعم المرأة وتعزيز مكانتها في جميع المجالات. فالمرأة ليست فقط شريكًا في الحياة؛ بل هي عمود الأساس في بناء الأسرة والمجتمع. ولذا، علينا أن نسعى جميعًا لتوفير بيئة آمنة وداعمة تتيح لها تحقيق طموحاتها، وتضمن لها حقوقها كاملةً في التعليم والعمل والرعاية الصحية، وعلينا أن نغرس في أجيالنا القادمة قيم الاحترام والتقدير لدور المرأة في المجتمع، وأن نعزز من وعي المجتمع بأهمية المرأة في المشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة، لتكون بحق نموذجًا يحتذى به على مستوى العالم.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية الاجتماعية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ…) جعلنا الله من أهل الخير، سبيلًا لتغيير حالنا وحال من نحب لكل خير.
ما الشرارة التي تغير مجرى حياتك؟
في كل رحلة في حياتنا نحو الخير، نمر بلحظات حسية ومواقف معنوية، قد تكون عابرة أو تمر مرور الكرام دون أن نعيرها اهتمام، ولكن بين الفَيْنة والأخرى، تظهر في حياتنا ومضات خير (إن من الناس مفاتيح للخير) كالشرارة في سرعتها وكثرتها، تترك أثر خير في حياتنا، تضيء أفكارنا وتدفعنا وتمنحنا القدرة على رؤية الحياة من منظور جميل (فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه).
الومضة في الحياة قد تكون نتيجة لفكرة عابرة خطرت في بالنا أثناء قراءة كتاب، أو نصيحة تلقيناها من صديق قريب، ربما تخرج هذه الومضات من مواقف صعبة نمر بها، لتتحول فجأةً إلى شرارة توقظ في داخلنا شعورًا جديد، وتدفعنا للتغيير، إنها تلك اللحظة التي نشعر فيها أن هناك شيئاً قد تغير بداخلنا، نقطة تحول تدفعنا نحو النمو والتطور.
تعتبر الومضات بمثابة دعوة للتفكر والتأمل في حياتنا اليومية، وهي فرصة لاستدامة النمو والتغيير، والمواكبة، والإبداع نحو تنمية قدراتنا في الحياة الشخصية والمهنية.
لنبادر ونبحث عن هذه الومضات، لتفتح قلوبنا نحو العطاء، والحب، والصفاء، والنقاء، وعقولنا نحو الوعي والفهم، والإدراك، والإبداع، والإبتكار، وتصنع لنا حاضرًا مزدهر لمستقبل مشرق، لخلق نوعية حياة أفضل تتألق بالأمل والإلهام، لتحسين نمط حياتنا، وبناء مجتمع ينعم بأسلوب حياة متوازن.
ومضة الشرارة مهما كان شكلها هي دعوة للتحرك نحو الأفضل.
من الممكن أن تجد ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك من خلال:
* لحظة إلهام من أب أو أم أو زميل أو مدير: قد ترى أحدهم يتعامل بطريقة ذكية وملهمة، أو سمعت نصيحة من ملهمك أضاءت لك طريقًا جديدًا في التعامل مع المواقف الصعبة أو تطوير ذاتك، ومضة الشرارة هذه ستدفعك لتقليد الإيجابية وعن مسارات جديدة للنمو.
*إدراك نقاط قوتك الواقعية: دومًا تأتي ومضة الشرارة عندما تُكلف بمهمة تتجاوز توقعاتك، وتكتشف فيها قدرات لم تكن تعلم بوجودها، هذا الإدراك يمنحك ثقة جديدة ويغير نظرتك لقدراتك الشخصية والمهنية.
*التعلم من خطأ فادح: أحيانًا تكون الشرارة ناتجة عن خطأ كبير ارتكبته، الألم الناتج عن الخطأ يدفعك للتعلم العميق، وتغيير منهجيتك، وتطوير مهاراتك لتجنب تكراره، فتخرج أقوى وأكثر حكمة.
*تقدير غير متوقع: تلقي شكرًا أو تقديرًا غير متوقع على جهد بذلته، قد يكون الشرارة التي تُعيد إشعال حماسك وتُشعرك بقيمة عملك.
*التحدي الذي تحول إلى فرصة: سنواجه مشكلة كبيرة أو تحديًا صعبًا يجعلنا نشعر بالإحباط، لكن مع التفكير والإصرار والعزيمة، سنجد حلًا مبتكرًا ذا إبداع وسبيل لتجاوز هذا التحدي، هذه اللحظة ستعلمنا أن العقبات يمكن أن تكون فرصة تساهم في تعزيز جودة حياتنا الشخصية والمهنية.
الخلاصة: الرسول صلى الله عليه وسلم من صفاته التفاؤل وهي ومضة الشرارة نحو حياة إيجابية، قال عليه الصلاة والسلام: (لا عَدوى ولا طِيَرةَ وأُحِبُّ الفألَ، قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: وما الفَألُ؟ قالَ: الكلِمةُ الطَّيِّبةُ) متفق عليه.