حكم كتابة الآيات القرآنية بالذهب على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف والكعبة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
حكم كتابة الآيات القرآنية بالذهب على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف والكعبة المشرفة.. سؤال ورد لدار الإفتاء
قالت دار الإفتاء: قام سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى -وهو من أعلام التابعين، وكان يُلَقَّبُ بخامس الخلفاء الراشدين- بتوسعة المسجد النبوي الشريف بعد أن أمره بذلك الوليد بن عبد الملك؛ فكتب بالذهب سورةَ الفاتحة وقِصَارَ السُّوَر في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ من سورة: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: 1] إلى آخر القرآن؛ كما رواه ابن زَبَالَةَ عن غير واحد من أهل العلم -فيما نقله عنه أبو علي بن رُسْته في "الأعلاق النفيسة" (ص: 70، ط.
وكان رحمه الله تعالى يأمر بكتابة الآيات القرآنية الكريمة بالذهب على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف وتعجبه كتابة الخطَّاط حتى يطلب منه أن يكتب له مصحفًا على مثال ما كتب على المسجد.
وأضافت: لم يَرِدْ عن أحد من الأئمة والعلماء من الصحابة أو التابعين أنه أنكر ذلك أو سعى في محوه أو تغييره، وقد كان الزوَّار والحجيج من العلماء وغيرهم، سلفًا وخلفًا، يقصدون المسجد النبوي لزيارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه والصلاة في مسجده، ولم ينكر ذلك أحدٌ منهم، وذلك على اختلاف العصور إلى عصرنا هذا؛ قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (21/ 267، ط. دار الكتب المصرية): [ورُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه، وذلك في زمن ولايته قبل خلافته، ولم ينكر عليه أحدٌ ذلك] اهـ.
وأكملت الدار: تتابع المسلمون جيلًا بعد جيل من غير نكير على تطريز كسوتها وبابها بالآيات القرآنية بالذهب وغيره، ووصف الأزرقي [ت: 250هـ] باب الكعبة في "أخبار مكة" (1/ 244، ط. مكتبة الثقافة الدينية)؛ فذكر أنه كان مكتوبًا عليه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾.
بل نقل الإمام تقي الدين السبكي رضي الله عنه إجماع المسلمين على ذلك، فقال في رسالته "تنزل السكينة على قناديل المدينة" (1/ 276، ط. دار المعرفة): [وأما تذهيب الكعبة: فإن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله والي مكة ستة وثلاثين ألف دينار وجعلها على بابها والميزاب والأساطين والأركان، وذكر في "الرعاية" عن أحمد: أن المسجد يُصان عن الزخرفة، وهم محجوجون بما ذكرناه من إجماع المسلمين في الكعبة، ذكر ذلك صاحب "الطراز" من المالكية] اهـ.
وعلى ذلك نص بعض فقهاء المذاهب:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (30/ 245، ط. دار الفكر): [قال: ولا بأس أن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب] اهـ.
ونقل الإمام الفقيه أبو علي سند بن عنان المالكي [ت: 541هـ] صاحب كتاب "الطراز" الذي شرح به "المدونة" في ثلاثين سفرًا: إجماع المسلمين على مشروعية تذهيب الكعبة، نقله عنه الإمام التقي السبكي في "تنزل السكينة" المطبوعة ضمن فتاواه (1/ 276، ط. دار المعرفة).
وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 65، ط. دار إحياء الكتب العربية): [واعلم أن تزويق الحيطان والسقف والخشب والساتر بالذهب والفضة جائز في البيوت، وفي المساجد مكروه إذا كان بحيث يشغل المصلي، وإلا فلا] اهـ.، فكراهية الكتابة بالذهب عند المالكية منوطة بكونها مُلْهِيَةً للمُصَلِّين عن صلاتهم، فإن كانت بحيث لا تشغلهم ولا تلهيهم فالمعوَّل عليه عندهم أنها جائزة.
واحتج الإمام التقي السبكي على جواز تذهيب الكعبة وفرشها بالرخام؛ حيث يقول في رسالته "تنزل السكينة على قناديل المدينة" (1/ 268-270): [وقد قيل: إن أول مَن ذهَّب البيتَ في الإسلام: الوليد بن عبد الملك..، ولمّا عمل الوليد ذلك كانت أئمة الإسلام من التابعين موجودين وبقايا الصحابة، ولم يُنْقَلْ لنا عن أحد منهم أنه أنكر ذلك، ثم جميع علماء الإسلام والصالحون وسائر المسلمين يحجون ويبصرون ذلك ولا ينكرون على ممَرّ الأعصار.. وقد تولى عمر بن عبد العزيز عمارة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوليد، وذهَّب سقفه، وإنْ قيل: إن ذلك امتثال أمر الوليد، فأقول: إن الوليد وأمثاله من الملوك إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم فيه غرض يتعلق بملكهم ونحوه، أما مثل هذا -وفيه توفيرٌ عليهم في أموالهم- فلا تصعبُ مُراجعتُهم فيه؛ فسكوت عمر بن عبد العزيز وأمثاله وأكبر منه؛ مثل سعيد بن المسيب، وبقية فقهاء المدينة، وغيرها: دليلٌ لجواز ذلك] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الكعبة المشرفة دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم
إقرأ أيضاً:
ثواب حسن معاملة الخادم في الإسلام.. علي جمعة يكشف عنها
تحدث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن معاملة الخادم في الإسلام، منوها أن السنة النبوية أرست حسن معاملة الخادم وأقرت مساواته بغيره إنسانيا.
وقال علي جمعة، في منشور له، إنه ورد عن المعرور قال لقيت أبا ذر بالربذة ، وعليه حلة ، وعلى غلامه حلة ، فسألته عن ذلك ، فقال إنى ساببت رجلا ، فعيرته بأمه ، فقال لى النبى - صلى الله عليه وسلم - : « يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية ، إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم » (البخاري).
وفيه نبذ لكل قول أو فعل فيه إشارة إلى عدم احترام كرامة الإنسان، مهما دنت منزلته، ويبدو أن الذي دفع التابعي لسؤال الصحابي أن ملابس أبي ذر وملابس غلامه قد تطابقت في المنظر والهيئة، مما يعكس مدى تشرب الصحابة للقيم الأخلاقية العالية التي دربهم عليها رسول الله.
وعن أبي سعيد قال: كانت سوداء تقم المسجد، فتوفيت ليلا، فلما أصبح رسول الله أخبر بموتها، فقال: «ألا آذنتموني بها». فخرج بأصحابه فوقف علي قبرها فكبر عليها والناس من خلفه، ودعا لها، ثم انصرف. (سنن ابن ماجة).
وفيه بيان النبي أهمية أن يعرف المسلم من يقومون على خدمته ويحترمهم ويقدر فعلهم، فقد كان النبي يسأل عن أصحابه جميعا سواء منهم من كان شريفا أو ضعيفا، سأل عن منظفة المسجد، وشعر بفقدها، وحزن لموتها، وأنب أصحابه ولامهم على تصغيرهم شأنها وكتمان موتها عنه، ثم أخذ أصحابه وخرج إلى المقابر فاستدل على مكانها فأوقفهم وراءه وصلوا عليها.
كما أن فيه تدريب عملي للصحابة على احترام الآخر مهما صغرت مكانته الاجتماعية، وهذه المرأة التي كانت تنظف المسجد، لم يثبت لها التاريخ صفة غير تنظيف المسجد، ولكنهم بعد فعل النبي رسخ في نفوسهم معنى المساواة بين الآدميين، وأنه ليس في منهج الإسلام فرق بين أفراد أمته، فكلهم لآدم، وكلهم من تراب.