حضرموت في قلب العاصفة:كيف يُعاد رسم اليمن تحت هيمنة الاحتلال الجديد؟
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
تشهد المحافظات الجنوبية المحتلّة، وفي مقدمتها حضرموت، وضعًا متشابكًا يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي، ويتقاطع فيه المحلي مع الإقليمي والدولي، بصورة تكشف بوضوح حجم المشروع الاستعماري الذي يستهدف اليمن منذ بداية العدوان.
فالتطورات الجارية ليست مُجَـرّد تنافس بين أطراف جنوبية أَو سعي فصائل مسلحة لفرض سيطرتها على الجغرافيا، بل هي امتداد واضح لمخطّط دولي واسع تُشارك في صياغته القوى الاستعمارية التقليدية، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وكَيان الاحتلال الصهيوني، بينما تتولى السعوديّة والإمارات الدورَ التنفيذيَّ المباشِرَ على الأرض.
الاحتلالُ لم يعد يعتمدُ على الأساليب العسكرية الصريحة كما كان يحدُثُ في القرن الماضي، بل يلبس اليومَ أثوابًا جديدةً تحت عناوين “الدعم”، و”الإسناد”، و”إعادة الاستقرار”، وغيرها من الشعارات التي تُخفِي خلفها مشروعًا حقيقيًّا يقومُ على نهب الثروات، وإضعاف القرار السياسي، وخلق واقع ديمغرافي وأمني هشٍّ يسمح بإدارة البلاد من الخارج.
هذا النموذج يتجلى بوضوح في الجنوب، حَيثُ باتت المحافظات هناك حقلًا تجريبيًّا لسياسات الاحتلال الجديد، من خلال نشر الفصائل المتعددة، وإعادة تشكيل القوى الأمنية وفق المقاس الإماراتي والسعوديّ، وتوظيف الصراعات المحلية لإدامة الانقسام.
حضرموت، في قلب هذا المشهد، تمثل الهدف الأكثر أهميّة بالنسبة للمخطّط الاستعماري لاعتبارات متعددة، أبرزها الثروة النفطية والموقع الاستراتيجي الممتد على بحر العرب، ومنافذ التصدير الحيوية، فضلًا عن مساحتها الواسعة التي تجعلها محورًا لأي مشروع تقسيمي يسعى لتفتيت اليمن.
ولهذا يبدو المشهدُ في حضرموت أكثر تعقيدًا؛ إذ تتنافَسُ السعوديّة والإمارات فيها ظاهرًا، لكن هذا الصراع الظاهري ليس إلا عملية توزيع أدوار تهدف في نهاية المطاف إلى تثبيت الوجود الخارجي وتحديد موازين القوة داخل المحافظات الجنوبية بما يخدم المصالح الأجنبية لا المصالح الوطنية.
ما يحدث على الأرض يشير إلى أن القرارات الحاكمة للمشهد السياسي والعسكري في الجنوب لا تُتخذ داخل عدن أَو المكلا أَو الغيضة، بل من غرف عمليات في الرياض وأبوظبي، وبالتنسيق مع القوى الغربية الراعية للمشروع.
فالفصائل التي تُرفع أعلامها في الشوارع ليست سوى أدوات تديرها تلك القوى، وما تحمله من شعارات عن “الجنوب”، أَو “القضية”، أَو “التحرير” لا يتجاوز سقف الوظيفة المرسومة لها.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن “التنافس السعوديّ-الإماراتي”، فَــإنَّ الحقيقةَ الأعمقَ هي أن الطرفين يتحَرّكان ضمن أهداف مشتركة، أهمها إبقاءُ اليمن تحت سيطرة غير مباشرة عبر وكلاء، وتفريغ الدولة من مؤسّساتها، وتحويل الجنوب إلى منطقة نفوذ أُحادي تتنقل فيها المصالح الأجنبية بلا محاذير.
هذا الوعي الشعبي المتنامي في جنوب اليمن يمثل عنصرًا مقلقًا بالنسبة للاحتلال وأدواته؛ فالمشروع الاستعماري يقوم أَسَاسًا على خلق بيئة خاضعة ومشتتة، بينما ما يحدث اليوم يشير إلى أن الناس بدأت تربط بين كثرة الفصائل العسكرية وغياب الدولة، وبين تدهور الوضع الاقتصادي وسيطرة القوى الأجنبية، وبين الأزمات المتفاقمة وتغييب القرار الوطني.
هذه الحقيقة تُعد تهديدًا كَبيرًا للمخطّط؛ لأَنَّها تؤسس لمقاومة سياسية واجتماعية قادرة على إعادة صياغة المشهد من جديد.
المشهد في الجنوب ليس معزولًا عن السياق الإقليمي، فالدور السعوديّ-الإماراتي يأتي ضمن هندسة أكبر ترسمها واشنطن ولندن، وتحاول من خلالها إعادة تشكيل المنطقة بما يضمن أمن الكيان الصهيوني والتحكم في الممرات البحرية والثروات.
اليمن -بموقعه الحيوي على باب المندب وبحر العرب- يشكل أحد أهم الأهداف لهذه الهندسة؛ ولذلك يجري التعامل معه وفق استراتيجية طويلة الأمد تُقسّم البلاد فعليًّا وتُبقي على كيانات ضعيفة متناحرة تمنح القوى الأجنبية حرية الحركة والسيطرة.
ورغم خطورة هذا الواقع، إلا أن التجارِبَ أثبتت أن الوعيَ الوطني -عندما يتجذر- قادر على إحداث تحول كبير، وأن اليمنيين، الذين واجهوا قوى أعظم بكثير عبر التاريخ، لا يمكن أن يقبلوا بأن يتحول وطنهم إلى مستعمرة بواجهة جديدة.
إن ما يتعرض له الجنوب اليوم ليس قدرًا محتومًا، بل مشروعٌ يمكن كسره بإرادَة الشعب وباستعادة الدولة وبالتفاف اليمنيين حول مشروع وطني واحد يحفظ سيادة البلاد ويمنع تمزيقها ويُسقط كُـلّ أشكال الوصاية والاحتلال.
إن الاحتلالَ مهما حاول أن يخفيَ نفسَه خلفَ شعارات زائفة، يبقى في النهاية احتلالًا تشارك فيه أدوات محلية لكنها تعمل على تنفيذ أجندة سعوديّة وإماراتية وصهيونية وأمريكية.
والصراعُ المعلَنُ بين هذه الأدوات ليس إلا ستارًا يخفي حقيقةً أبسطَ وأكثرَ وضوحًا: أن اليمن مستهدَف، وأن ثرواتِه مستهدَفة، وأن سيادتَه تتعرَّضُ لأكبر عملية تجريف ونهب في تاريخه الحديث.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
صراع النفوذ السعودي الإماراتي يطفئ مدن حضرموت
هذا التوقف القسري، الذي حدث مساء السبت 29 نوفمبر 2025، كان ضريبة مباشرة لـ اشتباكات مسلحة بين مليشيات محلية متنافسة، تسيرها أيادي النفوذ السعودي والإماراتي.
وأكدت “بترومسيلة”، في بيان عاجل، اضطرار الفرق الفنية لإيقاف العمليات في القطاع (14) إثر تدهور غير مسبوق في الوضع الأمني حول منشآتها.
وتحدثت الشركة عن تعرض بعض المواقع لمحاولات اقتحام وتوترات أمنية، ما دفعها إلى الالتزام بقواعد السلامة المهنية لحماية العاملين وتجنب وقوع “حوادث كارثية وخسائر هائلة لا يُحمد عقباها” قد تنتج عن تعرض المواد النفطية والغازية في الخزانات للاحتكاك بالنيران.
وأشارت إلى أن استمرار التوترات حال دون تمكّن فرقها من ضخ الكميات المخصصة من الغاز إلى محطة كهرباء وادي حضرموت المركزية ومحطة الجزيرة الغازية، وهو ما أدى إلى توقف الإمدادات اللازمة لتشغيل المنظومة الكهربائية في الوادي.
كما أشار البيان إلى أن الشركة بذلت جهودا للحفاظ على العمليات الإنتاجية في القطاعين (14) و(10)، وتوفير الكميات الضرورية من الغاز والديزل، إلا أن ارتفاع المخاطر الأمنية وعدم استقرار الأوضاع حالا دون استمرار التشغيل الآمن.
ومع تصاعد المواجهة حول المنشآت الحيوية بين قوات ما يسمى بحماية حضرموت التابعة لحلف القبائل الموالية للسعودية وما يسمى بقوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتياً، أصبحت فواتير النفوذ الإقليمي تدفع من حساب المواطن الحضرمي، الذي يُحرم من أبسط الخدمات جراء تحويل منابع الثروة إلى ساحة صراع على السيطرة.