القانون الأمريكي لاستقرار ليبيا: هل يمكن لقانون خارجي أن يصنع دولة؟
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
الاستقرار لا يُستورد.. والسيادة لا تُستعار. هذه الحقيقة تبدو بديهية، لكنها تعود اليوم لتفرض نفسها بقوة مع دخول "قانون استقرار ليبيا" الأمريكي إلى واجهة المشهد. فالقانون -مهما جُمّلت ديباجته بشعارات الدعم والمساعدة -هو في جوهره إطار نفوذ يعكس رؤية واشنطن لمستقبل ليبيا أكثر مما يعكس حاجات الليبيين أنفسهم.
من هذا المنطلق تنطلق هذه المقالة لتفكيك القانون الأمريكي وقراءة مقاصده وتحليل أثره على السيادة الليبية، ثم مقارنته بالتجارب التي اعتمدتها واشنطن في العراق وأفغانستان وهايتي، وصولا إلى آليات عملية تمنع تحوّله إلى منصة وصاية جديدة على الدولة الليبية.
خاطر تجعل من الضروري التفكير في كيفية منع تحوّل "قانون استقرار ليبيا" إلى أداة وصاية جديدة. وتنبع القدرة على ذلك من صلابة البنية الوطنية، فواقع الانقسام السياسي وتعدد مراكز القرار وتذبذب الخطاب السيادي يمنح أي تشريع خارجي قابلية أكبر للتأثير
يُقدَّم "قانون استقرار ليبيا" كتشريع داخلي أمريكي، لكنه صُمّم بحيث يُنتج آثارا عابرة للحدود. وقد تضمّن ثلاث طبقات رئيسية أبرزها صياغة سياسة أمريكية واضحة تجاه ليبيا، تُلزِم الإدارات المتعاقبة بدعم العملية السياسية الأممية والانتخابات وحماية المؤسسات الاقتصادية، وعلى رأسها النفط والمصرف المركزي، مع رفض التدخل الأجنبي. هذه الصياغة ليست مجرد إعلان نوايا، بل إطار موجّه للسياسة الخارجية الأمريكية يتحوّل لاحقا إلى أدوات تنفيذية عبر العقوبات والتمويل والحظر الدبلوماسي.
الطبقة الثانية في القانون تتمثل في إدراج ليبيا ضمن منظومة مراقبة دولية دائمة؛ إذ يفرض القانون إعداد تقارير مفصلة حول التحركات التركية والروسية، ونشاط المرتزقة، والتعاملات المالية للمؤسسات الليبية، وسجل حقوق الإنسان، والإنفاق العام. وبذلك تصبح ليبيا ملفا استراتيجيا داخل الكونغرس، تماما كما حدث مع العراق في أواخر التسعينيات.
أما الطبقة الثالثة فتظهر في منظومة العقوبات الواسعة التي يمنح القانون من خلالها للرئيس الأمريكي سلطة إدراج أفراد وكيانات تصفها واشنطن بأنها "معرقلة للاستقرار"، وتشمل قادة مليشيات ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال وأطرافا أجنبية. كما تتيح العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر وتعطيل التحويلات المالية، وهي أدوات تُحدث تأثيرا مباشرا في البنية الاقتصادية والسياسية للدولة.
هذه البنية التشريعية تُلقي بظلالها على السيادة الليبية في ثلاثة مسارات رئيسة:
ففي المسار السياسي، لم يعد تحديد "المعرقلين" شأنا داخليا أو أمميا، بل قرارا أمريكيا يخضع لتقدير سياسي، مما يخلق اختلالا في ميزان القوى الداخلية وقابلية لاستخدام العقوبات لترجيح طرف على آخر، مع نشوء اعتماد غير مباشر على "الرضا الأمريكي" كمحدد لشرعية بعض الفاعلين.
وفي المسار الاقتصادي، يمنح القانون واشنطن سلطة مراقبة حركة الأموال وعقود النفط وإدارة الأصول السيادية، تحت ذريعة منع الاستغلال غير المشروع للموارد. وهكذا يصبح الاقتصاد الليبي ميدانا حساسا يمكن الضغط عليه بسهولة في لحظات التوتر السياسي.
أما في المسار الأمني، فإن الحديث عن "إصلاح القطاع الأمني" و"دمج الجماعات المسلحة" و"بناء قوات موحدة، يحمل نبرة توحي بأن الإصلاح الأمني مشروع خارجي أكثر منه مشروعا وطنيا، وهو ما أثبتته التجارب السابقة في دول أخرى.
ولكي تتضح خطورة هذا القانون، يكفي النظر إلى النماذج التي تعاملت معها واشنطن سابقا. ففي العراق بدأ الأمر بقانون ظاهره الإصلاح وانتهى إلى هندسة سياسية كاملة للدولة بعد التدخل العسكري. وفي أفغانستان بُنيت مؤسسات على قاعدة الدعم الخارجي، لكنها انهارت سريعا بمجرد الانسحاب الأمريكي. وفي هايتي تحولت العقوبات الفردية إلى وسيلة لإدارة النخب بدل معالجة جذور الأزمة. والنتيجة المشتركة بين هذه النماذج أن الدولة تصبح "بيئة مُدارة" لا "فاعلا سياديا" عندما تتحول التشريعات الخارجية إلى إطار مرجعي فوق وطني.
هذه المخاطر تجعل من الضروري التفكير في كيفية منع تحوّل "قانون استقرار ليبيا" إلى أداة وصاية جديدة. وتنبع القدرة على ذلك من صلابة البنية الوطنية، فواقع الانقسام السياسي وتعدد مراكز القرار وتذبذب الخطاب السيادي يمنح أي تشريع خارجي قابلية أكبر للتأثير. ولهذا، فإن المواجهة الفعالة لا تكون بالاعتراض الخطابي، بل بإعادة بناء مظلة سيادية موحّدة تعيد تنظيم العلاقة بين الداخل والخارج.
تبدأ هذه المظلة بتوحيد الموقف السيادي، عبر بلورة خطاب وطني واحد يعلن بوضوح أن القانون الأمريكي تشريع داخلي لا يُلزم ليبيا ولا يُعتمد عليه كمرجع لتحديد الشرعية السياسية، فالتباين في المواقف يسهّل على الخارج قراءة المشهد من زاوية مصالحه. ويتطلب الأمر أيضا تحصين المؤسسات الاقتصادية عبر رفع مستوى الشفافية في بيع النفط وإدارة العائدات والإنفاق العام والعقود الدولية، لأن تقليص الثغرات يُضعف قدرة الخارج على استخدام "الاستقرار الاقتصادي" كأداة ضغط.
لا يكمن السؤال الحقيقي في ما إذا كان القانون الأمريكي جيدا أم سيئا، بل في ما إذا كانت ليبيا تمتلك مؤسسات قادرة وسيادة فاعلة تمكّنها من التعامل معه دون الانجراف إلى دائرة النفوذ
ويحتاج المشهد كذلك إلى تدويل مضاد، يسمح لليبيا بالتحرك دبلوماسيا عبر الاتحاد الأفريقي ودول المتوسط والشركاء الدوليين الرافضين للهيمنة الأحادية، حتى لا تبقى الساحة مفتوحة أمام النفوذ الأمريكي وحده. كما يتعين إعادة هيكلة ملف حقوق الإنسان داخليا، حتى لا يتحول إلى مدخل جاهز للعقوبات، وذلك من خلال دعم القضاء والرقابة ومعالجة الانتهاكات ضمن إطار وطني.
ومع ذلك، يمكن لليبيا -بصورة أكثر جرأة- أن تستخدم القانون ذاته كسلاح دفاعي، عبر تقديم ملفات موثقة حول وجود المرتزقة والقواعد الأجنبية وخرق حظر السلاح، بما يعيد توجيه العقوبات نحو الأطراف المنتهكة لسيادة ليبيا بدل أن تكون سيفا مسلطا على الداخل.
وفي ظل تشظّي القرار الوطني، يبرز خيار إضافي يتمثل في تفعيل أو تأسيس هيئة عليا للرئاسات تضم رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، ليُناط بها الإشراف على الملفات السيادية الحساسة، ومنها التعامل مع التشريعات الدولية. وجود مثل هذه الهيئة يمنح ليبيا صوتا واحدا في مواجهة الخارج، ويقلل من فرص استغلال الانقسام المؤسسي، ويعيد ضبط التوازن السيادي بحيث لا يتحول أي قانون خارجي -بما فيه القانون الأمريكي- إلى إطار بديل يملأ فراغ القرار الوطني.
في الخلاصة، لا يكمن السؤال الحقيقي في ما إذا كان القانون الأمريكي جيدا أم سيئا، بل في ما إذا كانت ليبيا تمتلك مؤسسات قادرة وسيادة فاعلة تمكّنها من التعامل معه دون الانجراف إلى دائرة النفوذ. فالتشريعات الخارجية، مهما بلغت قوتها، لا تُصبح خطيرة إلا عندما تكون الدولة في حالة هشاشة. أما إذا استعاد الداخل قدرته على صنع القرار وتحديد الأولويات، فلن يتجاوز القانون الأمريكي حدود تأثيره الطبيعي كتشريع لدولة أخرى. السيادة تُبنى.. ولا تُستورد. والاستقرار لا يأتي إلا من داخل ليبيا، لا من نصوص تُكتب في واشنطن، مهما كانت قوة اللغة أو جاذبية الوعود.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الاستقرار ليبيا السيادة ليبيا امريكا استقرار سيادة قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الأمریکی فی ما إذا
إقرأ أيضاً:
كيف وظَّف الإسرائيليون قرار التقسيم لمصلحتهم؟!
كيف أدارتْ إسرائيل ملف قرار التقسيم رقم 181 الصادر يوم 29/11/1947، ووظفته لمصلحتها، لتخدم نظريتها الشهيرة وهي: إن العرب قومٌ رافضون لكل مشاريع الحلول السلمية، وإنهم يسعون دائماً لإشعال الحروب، أي أنهم إرهابيون بطبيعتهم؟!
أولاً، تابع مسؤولو الوكالة اليهودية، قبل تأسيس إسرائيل اللجنة الأممية المكلفة بقرار التقسيم وهي (اليونسكوب)، وضغطوا على الدول المشتركة في اللجنة، وهي إحدى عشرة دولة: أستراليا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، غواتيمالا، الهند، إيران، هولندا، البيرو، السويد، الأورغواي، يوغسلافيا.
وضعتْ اللجنةُ السابقة ثلاثة حلول للقضية الفلسطينية: الحل الأول، دولة (عربية) ذات أغلبية عربية. والحل الثاني، حلّ الدولتين. أما الحل الثالث فهو، حل دولة واحدة ثنائية القومية!
بعد حوالى تسع سنوات على قرار التقسيم، وبعد أن سوَّقت إسرائيل للعالم أن الفلسطينيين رفضوا القرار، نشر رئيس الوزراء الأسبق، ووزير الخارجية، موشيه شاريت، نص رسالة سرية كان قد بعثها إلى بن غوريون، قبل التصويت على القرار، وقبل تأسيس إسرائيل: «ستصوت مع قرار التقسيم 25 دولة من دول العالم البالغ عددها 57 دولة، سترفضه 13 دولة، ستمتنع 17 دولة عن التصويت، وستغيب دولتان».
كانت نتيجة التصويت مختلفة عما توقعه، موشيه شاريت، كانت نتيجة التصويت في مصلحة إسرائيل، بعد مطاردة دول اليونسكوب، وهي أن 33 دولة صوتت مع القرار، مقابل 13 دولة عارضت القرار وامتناع عشر دول عن التصويت!
ولا أنسى أن اللوبي اليهودي النشط استعان بأبرز علماء اليهود قبل تأسيس إسرائيل استعان، بألبرت أنشتاين صاحب النظرية النسبية لكي يتواصل مع، جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، لأن الهند كانت تُصر على منح الفلسطينيين حقوقاً أكبر بسبب كثرة عددهم، فأرسل، أنشتاين رسالة لنهرو قال فيها: «نذكركم بأن اليهود ظلوا ضحايا الاضطهاد قروناً، وهم يستحقون وطناً» فرد نهرو برسالة قال: «نحن نتعاطف مع اليهود، ولكننا نرفض قرار التقسيم، لأنه قرارٌ ظالم»!
أثمر ضغط اللوبي الصهيوني على تلك الدول في نتائجه النهائية، كما أنهم استغلوا رفض العرب لقرار التقسيم ونجحوا في جعل الأمم المتحدة تمنح الأرض لليهود بنسبة 55% من أرض فلسطين في قرار التقسيم، بينما منحتْ الفلسطينيين 43%، كل ذلك على الرغم من أنّ عدد الفلسطينيين بلغ عام 1947 مليون وثلاثمائة وستين ألف فلسطيني، بينما بلغ عددُ اليهود ستمائة وأربعة عشر ألف يهودي فقط، أي أن نسبة الفلسطينيين هي 69% بينما نسبة اليهود تبلغ 31%، كما أن أملاك الفلسطينيين بلغت ثلاثة وعشرين مليون دونمٍ، بينما امتلك اليهودُ مليوناً ونصف المليون دونم فقط!
هكذا استغلت إسرائيل قرار التقسيم وجعلته بمثابة الاعتراف الدولي بتأسيس دولة إسرائيل، لذا فقد نصت وثيقة استقلال إسرائيل: «في يوم 29/11/1947 تبنّت الجمعية العامة قراراً بإنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين، لذلك نعلن نحن ممثلي المجلس الوطني، والحركة الصهيونية في العالم، استناداً لحقنا الطبيعي والتاريخي، وقرار الجمعية العامة عن قيام الدولة اليهودية في فلسطين، وأن المجلس الوطني الحالي سيعمل كأدوات مؤقتة للدولة، ونحن نعرض السلام والوحدة على كل الدول المجاورة، دولة إسرائيل مستعدة للتعاون مع مؤسسات وممثلي الأمم المتحدة بشأن تنفيذ قرار(181) يوم 29/11/1947»!
هكذا استفاد الإسرائيليون من قرار 181 وهو قرار التقسيم، فاعتبروه سنداً قانونياً دولياً وشرعياً لإقامة دولتهم، رغم أن القرار أشار إلى دولتين، وليس دولة واحدة، تمكن الإسرائيليون من الإعلان عن دولتهم واغتيال الدولة الفلسطينية الأخرى (العربية).
انطلاقاً من مبدأ استغلال كل الفرص عند سياسيي إسرائيل الأوائل، فإن سياسيي إسرائيل الذين جاؤوا بعدهم واصلوا استغلال قرار التقسيم باعتباره احتفالاً باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بإسرائيل فقط، أما الفلسطينيون فأصبحوا عند سياسيي إسرائيل الرافضين.
انطلاقاً من مبدأ استغلال كل حدث سياسي عند سياسيي إسرائيل، فإن داني دانون، سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، أعلن عن احتفالية كبرى في مقر الأمم المتحدة بمناسبة صدور قرار التقسيم عام 2017: «أقام داني دانون حفلاً غنائياً كبيراً في ذكرى صدور قرار تقسيم فلسطين، وتأسيس إسرائيل بعد قرار التقسيم بأشهر قليلة، حضر الاحتفالَ ممثلو ثلاثٍ وثلاثين دولة، وهي الدول التي اعترفتْ بإسرائيل عند تأسيسها! وكذلك سبعمائة مدعو من العالم، إضافة إلى السفراء والدبلوماسيين، وأباطرة المال، ومن أبرز الحاضرين رئيسُ الكونغرس اليهودي العالمي، رونالد لاودر، كل ذلك جرى بالتنسيق مع سفيرة أميركا، نيكي هايلي، وصندوق أراضي إسرائيل، وغيرهم، قال داني دانون: نجحنا في التواصل مع اثني عشر سفيراً عربياً وإسلامياً، وهم وإن لم يصوتوا بعدُ لإسرائيل، إلا أنهم في طريق ذلك، لم تعد إسرائيل جزءاً من المشكلة، بل أصبحت طرفاً في الحل، بدأ الاحتفال بالوقوف إجلالاً للدولة التي سمّاها، بوريس جونسن، وزير خارجية بريطانيا، أروع إنجاز في القرن العشرين! ثم، عُزف النشيدُ الإسرائيلي، هاتكفا، (الأمل) ثم صعدت المغنية الإسرائيلية المشهورة، نينت، وغنت أغنية (قدس الله)»! (صحيفة، يديعوت أحرونوت 27-11-2017)!
ظل الفلسطينيون في تلك الفترة ينتظرون القرار العربي باعتبار العرب حاضنة النضال الفلسطيني، دون أن تكون لهم جبهة وطنية جامعة
لم يكتفِ اللوبي الصهيوني بالاحتفالات في ذكرى التقسيم، بل إنه انتقد كل الذين اعتبروا القرار موافقة دولية أيضاً على تأسيس دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة إسرائيل، على الرغم من رفض العرب للقرار، بل إن سياسيي إسرائيل وباحثيها واظبوا على المتابعة والدراسة والتعليق على آراء كل باحث منصف أو كل مشكّك في نوايا إسرائيل، وكل مَن يُبرر الظروف العالمية في فترة إصدار القرار، حتى أن دوف ليبمان، عضو الكنيست من حزب «هناك مستقبل»، رفض تبرير باراك أوباما، الرئيس الأميركي الأسبق في كتابه المشهور (الأرض الموعودة) لأن أوباما برر في كتابه السابق الرفض العربي لقرار التقسيم قائلاً: «رفض العرب قرار التقسيم لأنهم كانوا قد تحرروا من الاستعمار حديثاً»، أي أنهم كانوا يعانون من الاحتلال، فهم لا يقبلون (كياناً يهودياً)!
علَّق دوف ليبمان قائلاً: «إن الرئيس أوباما كان يقصد أن إسرائيل (كيان استعماري)»!
الحقيقة هي أن الفلسطينيين لم يكن لهم تنظيمٌ أو جبهة نضالية وطنية مؤثرة عام 1947، كان العربُ هم الناطقون باسمهم، وكان هناك من العرب من أبدَوا الموافقة على قرار التقسيم، مثل حسني البرازي رئيس وزراء سورية الأسبق قال: «القرار مناسب لكل من اليهود والعرب» ولكنه كان صوتاً فريداً، اتُّهم بأنه جاسوسٌ وعميل، لأن معظم دول العرب رفضت وشجبت قرار التقسيم، حتى أن الجامعة العربية نفسها قررت تأسيس جيش الإنقاذ، برئاسة فوزي القاوقجي وهو ضابط في الجيش السوري، ولكنه لم يكمل خطته، بل استقال بعد أن وُقِّعتْ اتفاقية رودس بين إسرائيل وبعض الدول العربية عام 1949.
كذلك فإن الملك فاروق دعا لعقد المؤتمر الأول للقمة العربية في مدينة أنشاص بمصر في أيار 1946، وصدر عن المؤتمر قرار ببقاء فلسطين عربية!
ظل الفلسطينيون في تلك الفترة ينتظرون القرار العربي باعتبار العرب حاضنة النضال الفلسطيني، دون أن تكون لهم جبهة وطنية جامعة يمكنها أن تتخذ القرار المناسب، ولكنهم فوجئوا في عهد جرائم العصابات الصهيونية، قبل تأسيس إسرائيل، بأن العرب لم يكونوا مستعدين لمنع الكارثة، كارثة التهجير عام 1948، ورأى الفلسطينيون أنفسهم أن العرب لن يتمكنوا من إرجاع حقوقهم لأن جيوشهم التي دخلت فلسطين لم تكن مؤهلة لذلك، فبدؤوا بتنظيم صفوفهم وأسسوا منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة فلسطينية، بموافقة عربية، وكعضو في الجامعة العربية!
غير أننا، نحن الفلسطينيين، لم نتمكن حتى اليوم من الاستفادة من خطط الإسرائيليين وتنظيم صفوفنا في مواجهة المخططات التي تهدف لسلبنا كل حقوقنا وفق مقولة: «إن العدو الإسرائيلي ليس ذلك الكيس التقليدي المحشو بالرمل الذي اعتدنا تعليقه في خطاف حديدي في حجرنا، وتصويب الحراب إليه، إنه ذلك العدو الذي يجب أن نعرفه كشرط رئيس من شروط الانتصار عليه»!
هذا القول للشاعر الفلسطيني، معين بسيسو، في كتابه «نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة عام 1970».
الأيام الفلسطينية