"ليست عصاي.. بَيْد أنها كانت أقرب شيء ليُسراي.. ألقيتها في عين العدو المُسيَّرة؛ لأقول له: سأظل أقاوم، وإن قُطعت يُمناي، وإن نزف دمي، وإن خارت قواي.. نحن لا نستسلم، أيها الصهيوني الجبان، ننتصر أو نموت!".
وصلت رسالتك يا يحيى.. وصلت إلى العدو قبل الصديق، وإلى الكاره قبل المحب، وإلى "mbc"، و"العربية"، و"الحدث" (ألسنة حال الصهاينة العرب) قبل CNN الأمريكية.
وصلت رسالتك التي تمنى كُثر في هذا العالم الظالم المظلم ألا تصل، وأولهم نتنياهو قاتل الأطفال والنساء الذي أُسقِط في يده.. فكم تخيل من سيناريوهات لهذه اللحظة التاريخية؛ ليُعَمِّد نفسه "نبيا خاتما" لبني إسرائيل، وكم تمنى أن يجعل منك عِبرة، فأخزاه الله، وساء وجهه..
لقد سجل العدو (بعينه المُسيَّرة) الحقيقة التي لم يعد بإمكان أحد أن يطمسها، مهما بلغ من الحيلة والدهاء.. إنها مشيئة الله التي لا راد ولا مبدل لها.. قُضي الأمر وأصبح من التاريخ.. إن إخراج المشهد على هذا النحو الصادم لنتنياهو، حرمه من إظهارك على النحو الذي أظهر به الأمريكان صدام حسين، إبان احتلال العراق!
لقد ظهرت (يا يحيى) على النحو الذي تمنّيتَ، لا على النحو الذي أراده نتنياهو وتمناه.. ظهرتَ مقاوما عنيدا، مقاتلا حتى الرمق الأخير.. كما ظهرت بسيطا، متواضعا، عابدا، زهدا كل ما في جيبه 350 دولارا، أي أقل من ربع ثمن "صرماية" ينتعلها ملك أو رئيس عربي!
تمنيت (يا يحيى) أن يغتالك العدو؛ لتلقى الله شهيدا، فاستجاب لك ربُك، بأن حرم عدوه وعدوك من الزهو والتفاخر بنجاحه في "اصطيادك"، وأكرمك بالشهادة مشتبكا، لا مختبئا ولا متكئا، على خط التماس مع العدو الذي لم يعلم أنه كان يقاتل السنوار (شخصيا) إلا بعد أن فاضت روحك، إثر قصف المبنى بقذائف الدبابات.. ذلك المبنى الذي يبعد ثلاثمئة متر فقط، عن نقطة تمركز قوات العدو..
ثلاثمائة متر فقط تفصلك عن كتيبة للعدو، بينما أحدث طائرات التجسس تمسح قطاع غزة، بكل أنواع الموجات وأطوالها، على مدار الساعة، منذ أكثر من عام، بحثا عنك؟! أكنت تسخر من أعدائك؟ أم كنت تستعجل الشهادة؟ أم الاثنين معا؟
لكن.. كيف لي أن اسأل هذا السؤال، ولا تزال ذاكرتي تحتفظ بموقفك المشهود ذاك، يوم أن تلقيت تهديدا من قيادة العدو باغتيالك، فظهرت من فورك؛ لتعلن أنك في مكان كذا، وستبقى فيه مدة كذا، ثم تسلك طريق كذا، إلى موقع كذا.. تلك ساعة كاملة تكفيك (أيها الصهيوني) لإصدار أمر باغتيالي وتنفيذه.. ثم خرجتَ إلى الشارع تتبختر على قدميك، توزع التحيات والابتسامات على المارة، وابتلع الصهيوني تهديده؛ كي تفاجئه بطوفانك، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.. فصل ملحمي من التاريخ يُكتب منذ ذلك اليوم، أنت صانع يراعه ومداده.
أتعلم (يا يحيى) أن العدو الغبي قد نسف المنزل الذي واجهته فيه نسفا؛ حتى لا يبقى أثر يشهد على ما يراه الناس بطولة؟ ألا يعلم هذا العدو أن الأثر قد خَلَّده التاريخ بيده لا بيدك، ولا بيد إعلام القسام الحربي، ولا بيد مراسلي الجزيرة الشجعان في غزة؟ إذا كان قد نسف المبنى، فماذا عن بقعة الأرض التي شهدت هذا الحدث النادر؟ هل بإمكانه (مهما أوتي من قوة) أن يقتلعها، أو يمحوها من الوجود؟
أتعلم (يا يحيى) أن الأطفال قد أعادوا "تمثيل" مشهد مواجهتك لعين العدو المسيرة؟ أتعلم أن الرسامين وهواة الرسم قد تسابقوا إلى رسم هذا المشهد الاستثنائي؛ إعجابا بك، ونكاية في حفنة الجبناء والعملاء الذي يحكموننا، وقادتهم العسكريين الذين لا يشهرون أسلحتهم إلا في وجوهنا، ولا يصوبونها إلا إلى صدورنا؟
أتعلم أن جنودا غربيين متقاعدين قد أثنوا على بطولتك، وأشادوا بثباتك، وأدوا لك التحية العسكرية؟ أتعلم أن اليابانيين اعتبروك أحد أبطال الساموراي الذين يحظون بمكانة خاصة لديهم، ورسموا لك صورة بزي الساموراي الشهير؟
كثر أنتم يا أبا إبراهيم.. تشبهون بعضكم بعضا إلى حد عجيب مذهل، غير أن لكل منكم أسلوبه في الأداء.. الأداء الذي سجلته عيون العدو المسيرّة.. تلك العيون التي أرتنا حقيقتكم رغما عنه، ودون أدنى رغبة منكم.
أرتنا عيون العدو إخلاصكم، وثباتكم، وبأسكم.. أرتنا إبداعكم في الصمود والمواجهة بعيدا عن الأعين، حيث لا رياء ولا سُمعة.. نقلت إلينا (هذه العيون) صورة المقاوم الشهيد الذي أبى إلا أن يلقى الله ساجدا، ونقلت إلينا صورة المقاوم الشهيد الذي كبا ونهض، ثم كبا ونهض، في إصرار عجيب على النيل من عدوه، ولو في آخر عهده بالدنيا، ثم كنت أنت يا أبا إبراهيم، وغيركم كُثر لا نعلمهم، ولكن الله يعلمهم.. ولا غرابة في ذلك (رغم غرابته في واقعنا البائس المخزي) فقد تعهدكم وربَّاكم شيخ "قعيد"، لا يستطيع أن يسقى نفسه شربة ماء، غير أنه استطاع بإيمانه، وعزيمته، وإخلاصه، ومثابرته، أن يحرك القلوب، ويوقظ الضمائر.
صحيح أنك ألقيت العصا بوجه المسيرة يا أبا إبراهيم، غير أنها أصابتنا جميعا.. نحن وهُم على السواء، وأعني بـ"هُم" أولئك الذين يعيشون بيننا، يتسمون بأسمائنا، ويتكلمون لغتنا، وقلوبهم وأقلامهم وألسنتهم مع أعدائنا.. لقد أحدثت العصا (يا أبا إبراهيم) في كل من رأى الفيديو أثرا لن ينساه، كل حسب طبيعته وسريرته، لا حسب ما يبدو عليه أمام الناس..
سلام على السنوار، قرنفلة المقاومة وشوكتها.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السنوار غزة المقاومة غزة المقاومة السنوار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أبا إبراهیم
إقرأ أيضاً:
فتاوى تشغل الأذهان.. حكم من نوى يضحي ولم يستطع.. وهل الطواف في الطوابق العليا يعدل ثواب أدائه في صحن الحرم؟ ومن هو المضطر الذي يستجيب الله دعاءه؟
فتاوى تشغل الأذهان..
هل يأثم من نوى أن يضحي ولم يستطع
هل طواف الحاج ففي الطوابق العلوية يعدل ثواب بجوار الكعبة
من هو المضطر الذي لا يرد الله دعاؤه
نشر موقع “صدى البلد”، خلال الساعات الماضية، عددا من الفتاوى الدينية المهمة التي تشغل الأذهان وتهم المسلمين، نرصد أبرز هذه الفتاوى في هذا التقرير.
في البداية، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه يجوز للحاجِّ أن يطوف بالأدوار العلوية أثناء أدائه المناسك، وله من الأجر مثل مَن طاف في صحن الطَّواف حول الكعبة مباشرة.
وقال مركز الأزهر، إنه يُباح له الاستراحة أثناء الطَّواف والسعي عند الحاجة إلىٰ ذلك؛ لِكِبَرِ سِنِّه أو الإرهاق الشَّديد، ويُثاب علىٰ ترك التَّزاحم صيانةً للحُجَّاج والمعتمرين.
وأشار إلى أنه يُسَنّ الإكثار من التلبية من حين الإحرام إلى بداية طواف العمرة، وإلى رمي جمرة العقبة في الحج يوم العيد، وَيُلَبِّي المحرم راكبًا وماشيًا، وفي حال النزول والصعود، وعلى كل حال، وتبدأ التلبية من وقت الإحرام وتنتهي عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر.
من هو المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟
الدعاء من أعظم العبادات التي حث عليها الإسلام، وقد وعد الله عباده بالإجابة حين قال: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، لكن من بين كل الداعين، يبرز المضطر كأقربهم إلى القَبول، إذ أن دعاءه لا يُرد، غير أن كثيرين لا يدركون من هو المضطر المقصود في الآية الكريمة.
كشف الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في مقطع فيديو مسجل، عن المعنى الحقيقي للمضطر الذي لا يُرد له دعاء، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان كلما اشتد عليه أمر لجأ إلى الصلاة، وأن تعبير "حزبه أمر" يدل على خروجه من نطاق الأسباب إلى اللجوء للمسبب الأول، وهو الله سبحانه وتعالى.
وأضاف الشعراوي أن العبد حين يستنفد كل الأسباب التي في متناوله، ولا يعود لديه سبيل سوى التوجه لله، يكون قد دخل في حال "الاضطرار" الحقيقي.
وهنا، يتوجه إلى الله قائلًا: "يا مسبب، يا الله"، لأن الأسباب كلها لم تُجدِ نفعًا، ولم يبقَ له إلا التوسل بالمسبب الأعظم.
وأشار إلى أن الله يقول لعبده المضطر: إن كنت قد سعيت وأبديت الأسباب ولم تقصر، فأنا لا أرد يدك، لأن الأسباب نفسها هي يد الله الممدودة لعباده، ولا يجوز ردها. مستشهدًا بقوله تعالى: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه».
بهذا التفسير، يوضح الشعراوي أن المضطر ليس فقط من يعاني أو يمر بضيق، بل هو من بذل جهده في الأسباب، ثم لجأ بقلبه وروحه إلى الله، يقينًا منه أن المسبب فوق كل سبب.
حكم من نوى يضحى ولم يستطع
ورد سؤال إلى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، حول ما إذا كان الشخص القادر على الأضحية يأثم إذا لم يذبحها.
فأوضح جمعة أن ترك الأضحية لا يُعد إثمًا، لكنها سنة مؤكدة، ومن يتركها فقد ضيّع على نفسه فضلًا كبيرًا، تمامًا كمن يؤدي الصلاة المفروضة دون سننها، أو يصوم رمضان دون أن يتبع ذلك بصيام الستة من شوال.
فالأضحية من الأعمال التي يُثاب فاعلها، ولا يُعاقب تاركها.
وأشار إلى حديث طلحة بن عبيد الله، حين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، فأجابه النبي بأن عليه خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان، ودفع الزكاة، ثم قال له: "لا إلا أن تطوع".
فلما قال الرجل: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص"، قال النبي: "أفلح إن صدق". واستشهد جمعة بهذا الحديث ليؤكد أن السنن ليست واجبة، ولكن فضلها عظيم، وهي تعوّض النقص الذي قد يحدث في أداء الفروض.
وأكد أن الأعمال المستحبة مثل الأضحية تمثل "هامش أمان" للعبد، تُستر به جوانب التقصير في العبادات الأخرى، وأضاف أن بعض العلماء كانوا يرون أن "جبر الكسر" بالأعمال الصالحة قد يكون سببًا في شفاء ما تعجز عنه الأدوية، وأن جبر الخواطر عند الله له أجر لا يُقدَّر.