لجريدة عمان:
2025-06-13@13:23:49 GMT

هل عاد العصر الذهبي للتخطيط الإستراتيجي؟

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

اكتسب التخطيط الاستراتيجي أهمية كبيرة في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وذلك بعد أن غادرت علوم التكتيك والاستراتيجية مجالها الأول في العسكرية وبدأت تزحف للقطاعات الأخرى التي استنسخت مفاهيمها وممارساتها في العمليات المؤسسية، وشهدت فترة الثمانينات أوج انتشارها مع الطفرة الشاسعة لتبني المعرفة والابتكار، وقد كانت تلك الحقبة مميزة؛ فهي الفترة الزمنية التي بدأت فيها الاقتصاديات المتقدمة بحصاد ثمار الاستثمار في البحث العلمي والابتكار، ومع تسارع التقدم العلمي والتكنولوجي تراجعت مركزية التخطيط الإستراتيجي، وليس ذلك لأن العناصر الإستراتيجية أقل أهمية في الوقت الراهن، ولكنها أصبحت متأصلة في العمليات المؤسسية والقطاعية بحيث لم تعد كافية للتميز، ولكن هناك نقطة فاصلة وهي تكمن في مهارات وقدرات الفكر الإستراتيجي، والتي يمكنها أن تصبح حاسمة ومميزة وتنافسية لعودة أهمية التخطيط الاستراتيجي في المستقبل الرقمي.

تعالوا نعود لسنوات قليلة مضت، ونتذكر كيف عصف وباء «كوفيد-19» بمنظومات العمل، وأحدث ارتباكًا في الخطط الاستراتيجية ذات المدى الطويل، حتى أن الخطط السنوية كانت تُعد غير مجدية مع تصاعد المستجدات بشكل متواصل، وبرغم أن تداعيات هذه الجائحة قد بدأت فعليًا في الانحسار التدريجي منذ بدأت عملية توزيع اللقاحات إلا أن العودة الكاملة لمرحلة ما قبل الوباء هي في حكم المستحيل، فقد تغيرت معالم الحياة ومتطلبات سوق العمل، وكذلك تغير مفهوم التخطيط المستقبلي، ومعيار الإطار الزمني للخطط، ومن المرجح أن تحتاج الإستراتيجيات المؤسسية والوطنية إلى التركيز ليس فقط على العناصر التقليدية، مثل رسم الرؤى الطموحة والأهداف والمبادرات، بل وأيضًا على بناء مهارات وقدرات وفلسفة تتماشى مع واقع العصر مثل القدرات المتعلقة بالبيانات والرقمنة والابتكار، وبذلك فإن الحاجة ملحة إلى احتضان عناصر جديدة للتخطيط الإستراتيجي من أجل إيجاد الميزة التنافسية المنشودة، وإعادة رسم الأهداف مقابل تعريف أوسع وأشمل للنجاح والفشل، وإدراك الأبعاد الكاملة للفرص والتهديدات التي تواجه هذه الخطط على ضوء التقنيات المتطورة، وما يصاحبها من ظهور المنافسة غير التقليدية التي تفرضها انضمام الآلة والذكاء الاصطناعي إلى سوق العمل، واتساع نطاق المستفيدين والشركاء مع العولمة.

إذن لم يعد التخطيط الاستراتيجي التقليدي بأدواته الكلاسيكية قادرًا على اللحاق بالتقدم المتسارع، وخصوصًا بعد أن امتدت الأتمتة لتشمل جميع نظم التفكير الاستراتيجي وصناعة القرار، وهذا يقودنا إلى النقطة المحورية هنا، وهي مدى إدراك قادة العمل بأن عالم ما بعد الجائحة يحتاج إلى التركيز على ثلاثة محاور أساسية لدعم التخطيط والتنفيذ السليم وهي تتضمن الإجابة عن ثلاثة أسئلة بطريقة موضوعية واستشرافية وهي: هل يوجد معيار واضح وقائم على الحقائق لتقييم القدرات الرقمية؟ وهل قوة البيانات والتحليلات متوفرة لدعم عملية صناعة القرارات المستنيرة؟ وما مدى قوة سلسلة القيمة في الابتكار مقابل النماذج المعيارية؟ وهذه الجوانب هي التي تحدد قدرة المؤسسات على البقاء، واتخاذ القرارات بشكل صحيح وملائم للوصول الاستدامة، لأن التخطيط الاستراتيجي الجيد هو في الأصل مُمكن أساسي في محور إكساب المؤسسات سمة الاستباقية بدلًا من أن تكون تفاعلية في تشكيل مستقبلها؛ لأنه يسمح برسم الأحداث وتوقعها والتأثير عليها، وليس مجرد الاستجابة للتأثيرات والتداعيات التي تفرضها، وبالتالي، تمنحها القدرة على تشكيل اتجاهاتها المستقبلية والتقليل من المخاطر التي تصاحب قراراتها الحاسمة، وهي نقطة مهمة في إعادة الأهمية للتخطيط الإستراتيجي.

وهذا يعني أن التخطيط الإستراتيجي بحاجة إلى إعادة تشكيل ليتلاءم مع بيئة الأعمال اليوم، لأن الحاجة إلى رسم مسارات العمل النموذجي هي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، والأساليب التقليدية في وضع الخطط والإستراتيجيات لم يُعد لها مكان، فقد فرض عالم اليوم أهمية تحقيق الملاءة والرشاقة لمواكبة متطلبات السرعة والجودة، ولتسهيل البقاء على المسار الصحيح في العمل في الوضع الراهن وفي المستقبل، وهذا يستوجب الالتفات إلى تطوير جيل جديد من المخططين الإستراتيجيين الذين يمتلكون الرؤية المستقبلية الواثقة، ويمسكون بزمام التكنولوجيا، ولديهم الإلمام الكافي بالمهارات العلمية والإدارية، ولا تنقصهم ثقافة العمل بالانفتاح على التطور وتقبل الأفكار، ولا نبالغ إذا قلنا بأن صناعة هذا الفكر وهذه الثقافة المعاصرة للتخطيط هي بمثابة الفارق الحقيقي في حفظ واستدامة الميزة التنافسية في عصر أصبحت فيه الأعمال والثقافات تتجه نحو الانغماس العالمي، وأصبحت القدرة على بناء الخطط الأصيلة التي لا تستنسخ تجارب أخرى مماثلة من أهم نقاط القوة الاستراتيجية.

إن رسم الخرائط الاستراتيجية، ومقارنة الأداء مقابل المعايير المرجعية، وإجراء التحليل التنافسي، وتقييم القوة النسبية هي جميعها محاور وظيفية للتخطيط الإستراتيجي، وتقوم بها المؤسسات بغض النظر عما إذا كانت تمتلك قوة الاستشراف المستقبلي، أو إنها تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف على المدى القصير، وتكمن النقطة المِفْصَلية هنا في الانتقال إلى ما هو أبعد من مجرد تصميم خارطة الطريق، فهي تسعى لجلب المواهب والمهارات والقدرات لدعم الأدوار الجديدة للتخطيط الإستراتيجي، وكسر الصوامع والقوالب التي رسمت الكثير من الحدود بين قادة الإستراتيجيات والفرق التنفيذية، مما أدى إلى تحويل المهام التخطيطية إلى مجرد نماذج متماثلة للتشغيل وقياس الأداء، ويجب على المخططين ومتخذي القرارات توسيع نطاق اختصاصهم إلى ما هو أبعد من مجالهم التقليدي، وتمكين البعد الاستباقي للوصول للرشاقة في التكيف مع المتغيرات، وتقليل الاستجابة والبقاء في الحالة التفاعلية، وهي مرحلة متقدمة من الإجادة في التخطيط الإستراتيجي وتتطلب إضافة قدرات جديدة على مستوى التقنيات المتقدمة، وتوظيف البيانات، واستقراء مختلف السيناريوهات الطارئة أو غير المتوقعة مثل الأوبئة وغيرها، لأن معرفة ما يجب التركيز عليه في الحاضر وما يمكن تأجيله للمستقبل القريب قد يكون أمرًا صعبًا، ولكنه من المتاح توجيه أدوات التخطيط الإستراتيجي لتعريف الاتجاهات الناشئة، والانتفاع منها مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي، فالأمر كله يتعلق بالبقاء في صدارة الاتجاهات، والاستفادة من القيمة المستقبلية اليوم، فالمستقبل قد أصبح أقرب ما يكون إلينا، ويمكن صناعته من خلال التوأمة بين التخطيط النموذجي، وبين تمكين الأنشطة التشغيلية، والتكتيكية، والاستراتيجية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التخطیط الاستراتیجی التخطیط الإستراتیجی للتخطیط الإستراتیجی

إقرأ أيضاً:

مصر تسارع بتعزيز المخزون الاستراتيجي للسلع.. خطوة استباقية لتأمين احتياجات المواطنين

تتجه أنظار العالم إلى منطقة الشرق الأوسط في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، ومع الضربات الجوية الأخيرة التي استهدفت مواقع في إيران، تبرز الحاجة الملحة للدول من أجل تعزيز أمنها القومي على مختلف الأصعدة. 

في هذا السياق، تتسارع مصر بوتيرة ملحوظة في تعزيز مخزونها الاستراتيجي من السلع الأساسية، وهي خطوة استباقية تعكس رؤية واضحة لأهمية تأمين احتياجات المواطنين في أوقات الأزمات. 

بدأ العمل على هذا التوجه منذ أشهر، يكتسب اليوم أهمية مضاعفة، ليصبح ركيزة أساسية ضمن استراتيجية الدولة لضمان استقرار الأسواق وتلبية متطلبات الشعب في ظل أي تطورات إقليمية أو عالمية غير متوقعة. 

وتُكثّف مصر جهودها لتعزيز مخزونها الاستراتيجي من السلع الأساسية؛ تحسبًا للتصعيد العسكري في المنطقة بعد الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع في إيران فجر اليوم.

مصر تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط

وقال رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، اليوم الجمعة، إن مصر تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، واتخذت الحكومة خطوات فعلية بالتنسيق بين محافظ البنك المركزي حسن عبدالله ووزير المالية أحمد كجوك، لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، لضمان استقرار الأسواق في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسي.

وزير الطيران يتفقد المرافق الحيوية بالمطارات لمواجهة التطورات الإقليمية.. صوريعمل بشكل طبيعي.. وزارة الطيران: المجال الجوي المصري آمنالضربات الإسرائيلية .. مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلى بغداد وعمان وبيروت5 دول تعلق حركة الطيران بعد العدوان الإسرائيلي على إيران

وأشار رئيس الوزراء في بيان، إلى عقد اجتماع مرتقب مع وزيري الكهرباء والبترول لبحث سيناريوهات تداعيات التصعيد العسكري على الأوضاع الاقتصادية، وخاصة في قطاعي الطاقة والإمدادات.

مخزون السلع الاستراتيجية 

كما أكد مدبولي أن الحكومة بدأت منذ فترة في بناء احتياطي استراتيجي يكفي لستة أشهر على الأقل، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية، بما يضمن استدامة توافر السلع وتخفيف أي تأثيرات محتملة على السوق المحلي.

وأطلقت مصر، في يوليو، خطة لزيادة مدة المخزون الاستراتيجي من السلع إلى 9 أشهر، مستفيدة من تراجع أسعار بعض السلع عالميًا وتوفر العملة الأجنبية.

رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلعرئيس الوزراء يلتقى وزير البترول والثروة المعدنية لمتابعة ملفات العملرئيس الوزراء يناقش خطة العمل لإجراء التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت 2027رئيس الوزراء يتابع خطط وإجراءات التوسع في مشروعات تحلية مياه البحر

فيما صرح وزير التموين الدكتور شريف فاروق، بأن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح يكفي لأكثر من 6 أشهر، والسكر يكفي 12 شهرًا، والزيوت النباتية 4 أشهر، واللحوم والدواجن 12 شهرًا، موضحًا أن الدولة تواصل العمل على تعزيز هذا المخزون لتجاوز الحد الآمن وضمان استقرار الإمدادات الغذائية.

احتياطي النقد الأجنبي 

كما أظهرت بيانات البنك المركزي ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 48.525 مليار دولار بنهاية مايو 2025، مقابل 48.144 مليار دولار في أبريل، بزيادة 381 مليون دولار، ما يمكن الدولة من تغطية وارداتها لنحو 8 أشهر.

كما توصلت مصر إلى اتفاقات مع عدد من شركات الطاقة العالمية، من بينها أرامكو السعودية وشل وترافيجورا، لشراء ما بين 150 و160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال حتى نهاية 2026، بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار، لتأمين احتياجات البلاد من الكهرباء خلال فترات الذروة.

وتتضمن هذه الصفقات شروطًا مرنة تتعلق بآجال السداد وخيارات التوريد الإضافي، بما يساعد مصر في مواجهة انخفاض إنتاج الغاز المحلي وتفادي تكرار الانقطاعات الكهربائية التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين.

واجتمع الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، صباح اليوم الجمعة، بالمهندس جابر دسوقى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، والمهندسة منى رزق رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، بحضور المهندسة صباح مشالى نائب الوزير وعدد من مسئولي الوزارة والمركز القومى للتحكم، ومشاركة رؤساء توزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية، عبر خاصية  "الفيديو كونفرنس " وذلك فى  اطار الاستعداد الدائم لمواجهة كافة الاحتمالات والنتائج التى قد تترتب على الظروف الطارئة التى تمر بها المنطقة، وانعكاساتها على دول الإقليم.

استقرار الشبكة الموحدة واستمرارية التغذية الكهربائية

اطمئن الدكتور محمود عصمت على استقرار الشبكة الموحدة واستمرارية التغذية الكهربائية ، وراجع احتياطات الوقود اللازم لتشغيل وحدات الانتاج ، وزيادة نسبة مشاركة الطاقات المتجددة فى مزيج الطاقة خلال الفترة المقبلة، واستخدام أنماط التشغيل الجديدة لتحقيق الاستخدام الامثل للوقود وزيادة العائد على وحدة الوقود المستخدم فى انتاج الكيلوات ساعة ، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة فى اطار خطة العمل الحالية.

رفع درجة الاستعداد ومتابعة استقرار التغذية الكهربائية

وجه الدكتور محمود عصمت رؤساء شركات توزيع الكهرباء برفع درجة الاستعداد ومتابعة استقرار التغذية الكهربائية وتوفير الكهرباء لكافة الاستخدامات، والتنسيق الدائم والمستمر مع مراكز التحكم فى الشركات والتحكمات الإقليمية بالشركة المصرية لنقل الكهرباء، مؤكدا على تواجد جميع القيادات على رأس العمل على مدار اليوم ، والمتابعة اللحظية لكافة المستجدات لتأمين الشبكة الموحدة واستقرار التغذية الكهربائية.

طباعة شارك الضربات الجوية الأخيرة إيران الشرق الأوسط تصاعد التوترات الجيوسياسية مصر السلع الأساسية احتياجات المواطنين

مقالات مشابهة

  • مصر تسارع بتعزيز المخزون الاستراتيجي للسلع.. خطوة استباقية لتأمين احتياجات المواطنين
  • مصر تزيد مخزونها الإستراتيجي من السلع إثر هجوم إسرائيل على إيران
  • رد فعل مجلس الوزراء عقب هجوم إسرائيل على إيران.. زيادة المخزون الاستراتيجي من السلع
  • قناع توت عنخ آمون الذهبي إلى المتحف المصري الكبير
  • صنعاء تعلن فتح طريق “عقبة ثرة” الاستراتيجي.. ومطالبة بخطوة مماثلة من عدن 
  • شمال السودان، منطقة لها خواص ما يسمى عسكريا بمناطق “الإستنزاف الإستراتيجي”
  • مستشارة بعلم النفس: عدم التخطيط سبب صعوبة العودة للعمل بعد الإجازة  
  • فهد الخليلي: تراجع معدلات الإنجاب مؤشر له تبعات اقتصادية تمسّ نمو السوق ونجاح الخطط التنموية
  • التخطيط:13% نسبة البطالة بالعراق
  • خلال لقائه رئيس مجلس الشورى في دولة قطر: رئيس البرلمان العربي يشيد بالجهود التي يقوم بها أمير دولة قطر لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني