سودانايل:
2025-12-12@21:25:46 GMT

كيفية إنقاذ السودان من الحرب القبلية الشاملة

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

ليس هناك أدنى شك في أن ما يجري الآن في السودان يمثل آخر تمظهرات المشروع الحضاري في تعقيد المشاكل التاريخية للبلاد. مسارات الحرب لا تنفصل كما حركة التاريخ. فكل حدث يدفع نحو آخر. لا يمكن تجاوز النظر للانتهاكات التي يدفع المواطنون غالب ثمنها الآن هنا وهناك دون بحث الفاعل الأساسي الذي يحرك الأحداث بعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة.


تحديداً، وبكل الوضوح، عزمت الحركة الإسلامية ممثلة في المؤتمر الوطني، وبعض أجنحتها على عرقلة مراحل الثورة بكل المكر والخداع، وتوظيف التناقضات البينية وسط القوى السياسية من جهة، وبقية مكونات الحراك السياسي والعسكري في البلاد.
وسط هذه السيولة الأمنية، والعسكرية، والانهيار التام للخدمات الإنسانية، وغياب الحقائق المجردة حول يوميات الحرب، أصبحنا ننظر لكل حدث بقليل من المعلومات عنه. فالطرفان يحاولان بقدر الإمكان اختطاف الرأي العام من خلال كوادرهم النشطة. ولما كان إعلامنا الحر المستقل قد فشل في تبني منابر محايدة لنشر حقيقة الأحداث اليومية فإن الروايات المدنية تظل الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يجري على الأرض. ولكن هذه الروايات نفسها تحتاج إلى التحقق حتى لا نقع في مصيدة تزييف الحقائق لصالح أيٍ من الطرفين.
الانتهاكات التي طلت تطال المدنيين بسبب القصف الجوي المكثف المنسوب للجيش، وكذلك الانتهاكات المنسوبة للدعم السريع، مدانة بأغلظ العبارات لدى كل ضمير الإنساني. ولا يستطيع أحد أن يزايد، أو يبتز دعاة لا للحرب على الانحياز لهذا الطرف، أو ذاك. فمنذ اليوم الأول للحرب أصدرت أحزابنا المركزية جميعها بيانات تندد بالحرب برغم علو صوت البلابسة وسط الميديا الحديثة. وبخلاف الأحزاب نشطت كل منظمات المجتمع المدني بخلفياتها كافة في إدانة استمرارية الحرب بوصف أنها أكثر من عبثية، وتقود البلاد إلى حافة الاقتتال القبلي. ذلك انطلاقاً من تأثير المكونات الحاملة للسلاح في الحرب، وقدرة أي مكون على نصرة ذاته بالقبيلة، أو الجهة الجغرافية. وهذا التوجه الإجرامي يتصاعد بين كل تحول وآخر في مسار الحرب. فجميع المشاركين في الاقتتال حريصون على تجييش أرضياتهم الاجتماعية أو الجغرافية، أو الأيديولوجية. على أن خلف هذه المكونات تضطلع جماعات من المؤتمر الوطني متباينة في مواقفها بصب الزيت في النار في كل منعطف عبر نشاط محموم في منصات إعلامية.
ليس هناك ما يمكن قوله في ظل هذا التسارع في إشراك القبائل في صراع الأزمة الوطنية سوى القول إنها طبيعة الحرب الأهلية، والتي أوقدت نيرانها قيادات المؤتمر الوطني في صراعها مع الدعم السريع. ولم تنفع بطبيعة الحال تلك التحذيرات من المكون المركزي السياسية، وعوضاً كان تجريم الناشطين السياسيين القوميين هو من ضمن الخطة الأساسية التي اعتمد عليها المؤتمر الوطني لجني انتصارين: تحييد هذه المكونات بخلط فكرة الحرب الأهلية بالكرامة الإنسانية، وإفشال الحراك القومي الجمعي المنادي بإيقاف الحرب لاستئناف مسار ثورة ديسمبر. وهناك أهداف أخرى فرعية لهذه الخطة الكيزانية تمثلت في ابتزاز المدنيين والعسكريين، وحملهم على الاستجابة لخطة المؤتمر الوطني التي تغذيها الغرف الإعلامية في كل ثانية، واستعادة الروح للخطاب الإسلاموي، وتمهيد المجال لكوادر الحركة الإسلامية للتحرك بحرية وسط مؤيدي الحرب، وتحويل الصراع السوداني من سياسي إلى مناطقي، وهذا ما يرفع عن كاهل الإسلاميين عبء الرفض العام لوجودهم في المشهد السياسي.
إن هذا التصعيد الجديد في الحرب، وموضعتها ضمن الخلفية الجغرافية المغموسة بالعصبية القبلية، يمثل البداية للفوضى الشاملة التي لن تستثني إقليماً دون آخر. وعوداً إلى بدء ما قلناه بأن الأحداث الاجتماعية تمثل سلسلة مترابطة من بدئها حتى منتهاها، فإن من المؤكد أن الأيام المقبلة ستفرز الكثير من مستجدات الحرب التي قد تشل حركة العقلاء من السودانيين تماماً، وبالتالي نكون تحت رحمة مكيدة المغذين للحرب بشكل مستتر، وظاهر.
لا أدري إلى أي مدى بقيت هناك مساحة وسط المتحاربين للتعقل لتجنيب البلاد من التفتت التام عبر الحرب الاهلية الشاملة، ولا ندري إلى أي مدى تستطيع القوى السياسية والمجتمعية المركزية أن يكون لها فائض قيمة وسط هذا التحشيد القبلي للطرفين، وكذلك لا ندري بشأن توفر إمكانية للمجتمع الدولي حتى يحول مسار الحرب إلى نهاية لكي لا يوثر على الأمن الإقليمي، والدولي. ولكن عموماً ندري أن بلادنا للأسف تتجه بسرعة إلى الهاوية السحيقة إذا لم تنبجس المفاجأة السياسية من رحم الغيب لتفرض إنقاذاً للبلاد، ومواطنيها من مستقبل مخيف.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی

إقرأ أيضاً:

السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟

واستعرض برنامج "سيناريوهات" التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدت إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة بابنوسة الإستراتيجية وحقل هجليج النفطي، أهم وأكبر حقل نفطي في السودان.

بدوره، أعلن الجيش عن "انسحاب تكتيكي" بهدف حماية المنشآت النفطية الحيوية، في تطور يدخل الحرب مسارا تصعيديا ينذر بمرحلة أصعب.

وطرح البرنامج على ضيوفه تساؤلات جوهرية حول مستقبل السودان، ورأوا أن مستقبل السودان تحدده 3 سيناريوهات رئيسية:

استمرار حرب الاستنزاف لفترة طويلة على عدة جبهات رغم التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة. ترسيخ مناطق نفوذ يسيطر فيها كل طرف على مساحات شاسعة، مما يزيد احتمال تفكك البلاد. الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة وتفاقم الكارثة الإنسانية قد تجبر الأطراف على العودة إلى مفاوضات جادة والقبول بهدنة إنسانية على الأقل.

وقد أسفرت الحرب حتى الآن عن مقتل نحو 150 ألف شخص، وفق تقارير الأمم المتحدة، بينما تجاوز عدد النازحين في الداخل والخارج 12 مليون سوداني.

وتفشت المجاعة في مناطق واسعة، خاصة في إقليم دارفور، مع وضع إنساني متدهور إلى مستويات غير مسبوقة.

وأشار الخبير الإستراتيجي والسياسي الدكتور أسامة عيدروس إلى أن الحدث الأكبر في التطورات الجارية هو سقوط مدينة الفاشر وما تلاها من مجازر وتصفيات عرقية.

ورأى عيدروس أن جغرافيا الحرب تظل كما هي دون تغيير كبير، مشيرا إلى أن الجيش يحتفظ بقوته النوعية من 25 فرقة، فقد منها 6 فرق كانت محاصرة، لكنه استطاع سحب قواته منها وإعادتها إلى الشمال.

السيطرة الجغرافية

وعلى صعيد توزيع السيطرة الجغرافية، أوضح رئيس تحرير صحيفة الوسط الدكتور فتحي أبو عمار من ميلانو أن 90% من كردفان -باستثناء عاصمة الإقليم الأبيض والدلنج وكادقلي- تحت سيطرة الدعم السريع، إضافة إلى الصحراء غرب دنقلا والدبة والمثلث والعوينات.

ومن جهة أخرى، شدد المتحدث باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة -المعروف باسم صمود- الدكتور بكري الجاك من كمبالا على عدم وجود صيغة معروفة للحسم العسكري.

وأكد رفض التحالف للحرب مبدئيا وأنه لا يرى فيها وسيلة لتحقيق أي حلول في البلاد، محذرا من أن انخراط القوى المدنية والسياسية في الحرب يجعل تقسيم البلاد أمرا يسيرا وسهلا.

وفي إطار البحث عن الحلول الممكنة، استعرض البرنامج المبادرات الرئيسية لإنهاء الحرب، بدءا من مبادرة جدة التي انطلقت في مايو/أيار 2023 برعاية سعودية وأميركية وأدت إلى توقيع إعلان جدة الإنساني الذي نص على حماية المدنيين والمرافق، لكن الطرفين لم يلتزما به.

ثم تلتها مبادرة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) التي بدأت في يوليو/تموز 2023 بدعم الاتحاد الأفريقي، لكنها واجهت تحديات بسبب رفض الحكومة السودانية رئاسة كينيا للجنة الرباعية متهمة الرئيس الكيني وليام روتو بالانحياز لقوات الدعم السريع.

ثم جاءت المبادرة الرباعية -التي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات- كآخر المحاولات لإنهاء الصراع

ودعا بيان المجموعة الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة إنسانية مدتها 3 أشهر لتوفير المساعدات العاجلة، يليها وقف دائم لإطلاق النار ثم عملية انتقال سلمي للسلطة تمتد لـ9 أشهر تفضي إلى حكومة مدنية مستقلة.

شروط المبادرة

ولإنجاح هذه المبادرة، شدد مستشار المبعوث الأميركي السابق إلى السودان الدكتور كاميرون هدسون على ضرورة قبولها من الطرفين بدون شروط لوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي أكد صعوبة تحقيقه.

واتهم هدسون دولا إقليمية بالضلوع في تأجيج الأزمة في السودان، مما يحول دون نجاح المبادرة الرباعية، موضحا أن الدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع من دول إقليمية لا يمكن مقارنته بالدعم المحدود الذي يتلقاه الجيش السوداني من مصر أو السعودية أو قطر أو تركيا.

ويرى الجاك أن السيناريو المرجح ليس تقسيما إداريا منتظما كما حصل في ليبيا، بل تحول البلاد إلى كانتونات عسكرية تحكم بواسطة أمراء حرب يتقاسمون السلع ويسيطرون على بعض الموارد الاقتصادية، محذرا من استخدام عملات مختلفة وتوقف الخدمة المدنية والتعليم في مناطق واسعة.

وخلص عيدروس إلى أن السودان يقف على مفترق طرق خطير، حيث يتطلب إنهاء الحرب تضافر الجهود الدولية والإقليمية مع نهوض السودانيين أنفسهم لمقاومة العدوان ووقف النزيف، مع ضرورة ظهور طبقة سياسية جديدة ونخبة مستنيرة قادرة على تجاوز الصراع الصفري على السلطة وبناء مستقبل مستقر للبلاد.

Published On 12/12/202512/12/2025|آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • حروب الشيطنة إنقاذ لسمعة الكيان الصهيوني
  • الوفد يشارك في المؤتمر الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي في ستوكهولم
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • الإمارات: الحرب في السودان بلا منتصر والإغاثة يجب أن تتدفق دون عوائق
  • اكتمال ترتيبات مؤتمر المجلس الوطني الإرتري في استوكهولم
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • تناسل الحروب
  • انطلاق المؤتمر الوطني للشباب الأردني في التحديث السياسي
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى