الحرب في السودان: أثر الانكماش الاقتصادي على القطاع المصرفي والمالي: تحليل الوضع الراهن والتوقعات المستقبلية
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور
أشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 20% خلال عام 2024، وهو انكماش (يضاف لما سبقه في العامين 2022 و 2023 بسبب انقلاب اكتوبر 2021 ومن ثم بسبب الحرب الكارثية) يمثل ضغطاً كبيراً على مختلف القطاعات، خاصة القطاع المصرفي والمالي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة في مجالات الودائع، التمويل، الاستثمار، وكفاية رأس المال.
تشير الأزمة الحالية إلى تراجع حاد في الودائع المصرفية، حيث يخشى الأفراد والشركات من إيداع أموالهم في البنوك وسط عدم اليقين السياسي والاقتصادي. هذا التراجع يؤدي إلى تقلص السيولة المتاحة لدى البنوك، مما يحد من قدرتها على تقديم التمويل الضروري، ويضعف دورها في تنشيط الاقتصاد. كما أن الاعتماد الكبير على العملات الأجنبية في الاحتياطيات وعدم استقرار سعر الصرف يفاقمان من أزمة الثقة في القطاع المصرفي.
من جهة التمويل، أدى التراجع الاقتصادي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، حيث تجد البنوك صعوبة في تمويل المشروعات الاقتصادية، والتي تعتبر أحد أهم المحركات لخلق فرص العمل وزيادة الإنتاج. أدى ذلك إلى تراجع الاستثمارات، سواء كانت داخلية أو خارجية، حيث أصبح المستثمرون يتجنبون المخاطر التي تنطوي على الدخول في بيئة غير مستقرة. ومع تراجع التمويل، تأثرت الشركات المحلية وأُجبرت بعضها على تقليص عملياتها أو التوقف الكامل أو مغادرة البلاد، مما أدى إلى فقدان العديد من فرص العمل وبالتالي تراجع مكاسب عوامل الانتاج باكملها (خاصة عائدات رأس المال والعمل والعائدات من الزراعة والقطاع العقاري).
يضاف لما تقدم تأثير الأزمة الحالية بشكل مباشر على كفاية رأس المال والملاءة المالية للبنوك، حيث أدى تراجع العائدات وزيادة مخاطر الديون المعدومة إلى تدهور قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها. البنوك الصغيرة والمتوسطة تأثرت بشكل أكبر، مما أدى إلى مخاوف من عدم قدرتها على الاستمرار في ظل تزايد الالتزامات المالية وانخفاض الإيرادات.
تجدر الاشارة الي ان الوضع النقدي داخل وخارج النظام المصرفي يعاني من التشتت والتضارب، حيث انخفضت كمية النقد المتداولة داخل النظام المصرفي في مقابل زيادة السيولة خارج القطاع الرسمي. أدى ذلك إلى ضعف الرقابة على حركة الأموال، وزيادة الاعتماد على التعاملات غير الرسمية، مما يزيد من صعوبة وضع سياسات نقدية فعّالة تسهم في ضبط الاقتصاد والتحكم في التضخم والسيطرة علي السيول والتحكم في الكتلة النقدية, التي كانت خارج القطاع المصرفي بنسبة تقدر ب 87% في اكثر التقديرات تفاؤلا قبل الحرب. في هذا السياق نؤكد ان طباعة العملة في هذه الظروف لن تجدي نفعا وستتسرب ببساطة خارج الجهاز المصرفي فالمشكلة ليست في العملة في حد ذاتها وانما في النظام والوضع في البلاد بمجملها أنها معالجة الظل والعود اعوج.
بذلك يُعد انكماش الاقتصاد عاملاً ضاغطاً على السياسة النقدية، حيث تواجه السلطات تحدي موازنة السيولة النقدية مع محاولة ضبط التضخم ودعم العملة المحلية. ومع تراجع الإنتاج وفقدان الوظائف، يشهد الاقتصاد السوداني انخفاضاً في مستويات التشغيل، مما يؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي الكلي. يؤدي هذا الوضع إلى انخفاض الطلب المحلي وتباطؤ في الاستثمار، مما يضعف النمو الاقتصادي ويزيد من معدلات البطالة، وخاصة بين فئة الشباب.
مع استمرار الأوضاع الحالية والحرب القائمة، فمن المتوقع أن يظل الوضع المالي والنقدي في السودان تحت ضغوط كبيرة. التحديات المرتبطة بتدني مستويات الإنتاجية، وتضخم الديون، وغياب الاستقرار السياسي ستزيد من صعوبة تحقيق التعافي الاقتصادي. وفقاً للمؤشرات الاقتصادية الكلية، سيؤدي استمرار الحرب، حتما إلى مزيد من التراجع الاقتصادي، حيث ستتقلص فرص العمل وستنخفض الثقة في المؤسسات المالية، مما يؤدي إلى تراجع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
تقتضي اي رؤية اقتصادية فعالة اعتماد سياسات هيكلية تهدف إلى استعادة الاستقرار النقدي والمالي، من خلال تحسين كفاءة القطاع المصرفي وزيادة الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تخلق فرص عمل وتحسن من الإنتاجية. يتطلب الوضع أيضاً تدابير طارئة لضمان استقرار السياسة النقدية، كتعزيز الرقابة على العملات الأجنبية وزيادة الحوافز للمدخرين والمستثمرين لضمان استمرارية تدفق السيولة وتحفيز النشاط الاقتصادي، لكن هذا كله بعيد المنال إذا لم يصمت صوت المدافع ويحل السلام والاستقرار السياسي.
يواجه الاقتصاد السوداني اذن تحديات جسيمة تتطلب جهودا جبارة من أجل تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وتهيئة بيئة مواتية لوضع مسار للتعافي وللتنمية . في حال استمرت الظروف الحالية، ستظل التوقعات قاتمة، إذ لا يمكن تحسين الوضع من خلال سياسات نقدية ومالية مدروسة تهدف إلى استعادة الثقة وتعزيز مرونة القطاع المصرفي، مما قد يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستقبلي مستدام يعيد للسودان قدرته على التنافس ويعزز من استقراره، لا يمكن ذلك إلا بوقف الحرب واتمام الترتيبات اللازمة لايجاد بيئة تمكن من الحياة والعمل بشكل (مقبول).
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القطاع المصرفی
إقرأ أيضاً:
محافظ سوهاج يترأس المجلس الاقتصادي الاجتماعي لمتابعة المشروعات الاستثمارية
ترأس اللواء دكتور عبد الفتاح سراج، محافظ سوهاج، اليوم، اجتماع المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالمحافظة، بحضور اللواء أ.ح أحمد السايس سكرتير عام المحافظة، الدكتور أحمد عزيز المستشار العلمي، وأعضاء المجلس، وممثلي التكتلات الاقتصادية، والمجتمع المدني، وعدد من المستثمرين ورؤساء الوحدات المحلية.
وأكد المحافظ خلال الاجتماع على أهمية دور المجلس في دعم مناخ الاستثمار، وتشجيع المشروعات التنموية، والعمل على إزالة المعوقات أمام المستثمرين، ومتابعة الخطط والرؤى الاقتصادية بشكل دوري.
واستعرض الاجتماع موقف المشروعات الاستثمارية، والتي بلغ عددها 36 مشروعًا، بزيادة 7 مشروعات جديدة عن الاجتماع السابق، حيث تم ترسية 4 مشروعات من بينها إنشاء أول فندق 5 نجوم بسوهاج، فضلًا عن تجهيز كراسات شروط لخمسة مشروعات جديدة بحي الكوثر، وجارٍ التنسيق مع مجلس الوزراء لإنهاء إجراءات 11 مشروعًا استثماريًا للحصول على حق الاستغلال بالعائد الدولاري.
ووجّه المحافظ بسرعة البدء في طرح 117 فدانًا بالصوامعة شرق للاستثمار الداجني، ضمن خطة استغلال الأصول غير المستغلة، ودعم الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل للشباب، كما ناقش الاجتماع مشروع "ريف سوهاج" على مساحة 10، 500 فدان بغرب جرجا، وجارٍ اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية.
استعرض الاجتماع أيضا موقف تسليم الأراضي بالمناطق الصناعية " غرب جرجا، غرب طهطا، الكوثر، الأحايوة"، حيث تم تسليم 114 قطعة أرض حتى الآن، وجاري تسليم 26 قطعة أخرى، كما تم مناقشة الموقف التنفيذي لمشروع تنفيذ أعمال المرافق بالمناطق الصناعية بغرب طهطا، وغرب جرجا.
وفي إطار خطة المحافظة للتوسع في إنشاء المصانع وجذب المزيد من الاستثمارات لتعزيز الاقتصاد المحلي، وجه المحافظ باتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لتخصيص عدد 2 قطعة أرض على مساحة 15 فدان بحى الكوثر لصالح هيئة تنمية الصعيد لإقامة مصنع لتجفيف الطماطم، بالإضافة إلى 30 فدانا بدار السلام لصالح الهيئة لإٌقامة مصنع لإنتاج المولاس من قصب السكر.
تطرق الاجتماع إلى مناقشة سبل تطوير منظومة الترويج للفرص الاستثمارية ومنظومة السياحة، ووجه المحافظ بعمل دليل تفصيلي للمناطق السياحية و الاستثمارية بالمحافظة، ونشره عن طريق جميع وسائل التواصل الاجتماعي، و توزيعه على الفنادق السياحية وشركات السياحة، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ برنامج تدريبي وتأهيلي لجميع العاملين بإدارات الاستقبال بجميع الفنادق بالمحافظة.
ويأتي ذلك ضمن جهود محافظة سوهاج لتعزيز الاقتصاد المحلي، من خلال التوسع في إقامة المشروعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة قادرة على استيعاب مختلف الأنشطة الصناعية والزراعية، بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ورفع مستوى دخل المواطنين، وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة بجميع مراكز المحافظة.