سودانايل:
2025-12-15@07:26:13 GMT

أعداء الديموقراطية وتقويض المصلحة الوطنية

تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT

بقلم: د. محمد حمد مفرح

يتسم الحكم الشمولي، بصورة عامة، و المعروف بالنهج الدكتاتوري و القمع و مصادرة الحريات، بالسعي المستديم لترسيخ اقدامه في الحكم و محاربة الديموقراطية ليفسح المجال لنفسه للحكم لأطول فترة ممكنة، غير عابئ بمصالح الشعوب و نهضتها. و يعد هذا هو ديدن كل الحكومات الشمولية التي حكمت السودان و التي ظلت تقف طوال تاريخها حجر عثرة في طريق توطين و ترسيخ نظام الحكم الديموقراطي بالبلاد.

و قد تسبب هذا النهج في استئثار الحكومات الشمولية بغالب سنوات الحكم الوطني منذ الاستقلال حتى تاريخه، كما قاد لاجهاض كل محاولات نجاح و استقرار الديموقراطية بالسودان.
و تعد تجربة حكم الانقاذ، باعتبارها الفترة الأطول في تاريخ السودان، المثال الأسطع في محاربة الديموقراطية بل و الاستماتة في ذلك مع شيطتة كل رموزها و الصاق التهم الجزافية المغرضة بهم بغية اغتيالهم معنويا و بالتالي قطع الطريق على الديموقراطية. و ظلت الانقاذ منذ انقلابها على الحكم الديموقراطي في العام ١٩٨٩م تعمل جاهدة، من خلال حكمها، على ترسيخ مفهوم الدكتاتورية Concept of dictatorship بديلا للديموقراطية. و قد تمظهر هذا المفهوم عبر فلسفة حكم الانقاذ و سياساتها و ممارساتها طوال فترة حكمها و ذلك على نحو حاولت معه ان تسبح عكس تيار البداهة و طبيعة الاشياء لتؤكد لجماهير الشعب السوداني، ضمنا و صراحة، أن نظام حكمها الدكتاتوري هذا، مهما كانت سلبياته، يعد البديل الأفضل للنظام الديموقراطي. و مضت اكثر من ذلك، مدعومة من قبل الاسلامويين (سندها الأساسي)، و مدفوعة بقبضتها الحديدية و بطشها و قمعها لمعارضيها فضلا عن مصادرة الحريات العامة، زاعمة، بلسان الحال و لسان المقال، أنها كتبت، من خلال حكمها، نهاية تاريخ البلاد عبر اسدال الستار على أي محاولة لتغيير نظامها.
و ينطوي هذا النهج،.اي نهج محاربة الديموقراطية عبر ترسيخ الدكتاتورية، على جهل بمفهوم الديموقراطية التي تمثل، عكس الدكتاتورية، افضل نظم الحكم بل و تلتقي مع الشريعة الاسلامية التي يدعون الحرص عليها، في المقاصد و الأهداف. و تتمثل افضلية الديموقراطية في أنها تعمل على ادارة الصراع الفكري و اختلاف الرؤى في جو من الحرية المنضبطة و تقوم على الحرية Freedom و الشفافية Transparency و المساءلة Accountability.
يقول الكاتب الاسلامي المصري خالد محمد خالد في كتابه (الديموقراطية ابدا)، معبرا عن قيمة الديموقراطية (ان التاريخ يلوح لنا بكلتا يديه و في يمينه تجربة و عن يساره تجربة و يقول ان الشعوب التي لا تدافع عن حرياتها تموت و تنقرض).
و ليس ثمة من شك في أنه إذا قام الاسلامويون بالسودان، اعمالا للشريعة، بدعوة علماء المسلمين للتفاكر حول كيفية تطوير نظرية أو نظام حكم قائم على الشريعة الاسلامية و مواكبة للعصر، و نجح مسعاهم هذا ثم سعوا للدفع به في ادبيات السياسية الدولية، ليس ثمة من شك في أنهم إذا قاموا بهذا المسعى لتصدرت الشريعة الاسلامية الفكر السياسي الدولي بديلا عن الديموقراطية التي تعتبر وليدة الفكر السياسي الغربي. بيد انهم اعتمدوا، بدلا من ذلك، الدكتاتورية التي تناقض، في مفهومها و مقاصدها و مراميها، الشريعة الاسلامية و الديموقراطية على حد سواء.
و من ناحية أخرى يؤكد نهجهم هذا على عدم الاعتبار بدروس ثورة اكتوبر ١٩٦٤م ضد نظام الرئيس عبود و ثورة ابريل ١٩٨٥م ضد نظام.نميري. هذا علاوة على عدم قراءتهم للتاريخ السياسي و عدم المامهم بمصير الدكتاتوريات على المستوى الاقليمي و الدولي، و التي لم تسعفها قبضتها الحديدية على استدامة السلطة و سلب الشعوب حرياتها و التحكم في مصائرها الى الأبد، او قرؤوا هذا التاريخ لكنهم تجاهلوه و تعاموا عنه او لم يستوعبوه. و هذا يعني، بطبيعة الحال، انهم لم يتعظوا بتجربة حكم القذافي في ليبيا او على عبد الله صالح في اليمن أو عيدي امين في يوغندا أو بوكاسا في أفريقيا الوسطى أو نيكولاي تشاوسيسكو الرئيس الروماني السابق أو اغستو بينوشيه رئيس تشبلي السابق،
على سبيل المثال لا الحصر. و قد اعتمدت هذه التجارب الدكتاتورية نهجا عمد الى مصادمة منطق التاريخ السابق في شرق العالم و غربه و الذي سعت من خلاله انظمة دكتاتورية كثيرة لاحلال الاستبداد محل الديموقراطية فكان مالها الفشل الذي أورث البلدان المعنية الموت الجماعي و الدمار الشامل Mass destruction و غيرهما من الماسي، كما خصم كثيرا من مسيرتها الحضارية.
و قد استمرت الانقاذ، مدفوعة بامساكها بمقاليد الأمور في السودان و رسوخ قدميها في التربة السياسية بالبلاد، استمرت في محاولة تعزيز سياساتها الاستبدادية عبر اقصاء معارضيها و محاربة الديموقراطية، بعد أن وضعت يدها تماما على كل مجالات الحياة بالبلاد و حولتها الى ملك من املاكها.
و قد قادها هذا الوضع، معززا بفترة حكمها الطويل التي رأت انها هزمت من خلالها كل المعوقات التي تعتور طريق حكمها، قادها الى قناعة بأنه من الاستحالة هزيمتها و انها لا محالة مستمرة في حكمها الى ما شاء الله. و قد تجلى ذلك عبر تصريحات قيادات الانقاذ و الاسلامويين الذين كانوا بصرحون بكل زهو بأنهم اتوا بما لم تستطعه الأوائل و انه ليس هنالك من يستطيع إيقاف مد نظامهم. كانوا يتباهون ب(ثورة التعليم) غاضين الطرف عن سلبياتها، و
بانتصاراتهم على الحركات المسلحة و كل من عارضهم دافنين رؤوسهم عن سياساتهم الراديكالية غير المتبصرة التي قادت الى فصل الجنوب كما افرزت بؤر صراع مسلح.في كل من دار فور و جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق القت بظلال جد قاتمة على مجربات السياسة بالسودان. هذا علاوة على انهم كانوا يتباهون بالبنية التحتية كالطرق و الجسور التي بنوها ناسين ان الخدمات كالصحة و التعليم و غيرهما قد تدهورت في عهدهم بشكل مريع و ان مجانية التعليم اصبحت في ذمة التاريخ.
مجمل القول أن محصلة حكم الانقاذ، بالرغم من التضخيم الزائف لها و الغبار الكثيف الذي اثير حولها، تعد جد بائسة، عنوانها التدهور العام و المعاناة و التراجع الشديد على أكثر من صعيد. و يؤكد التقييم الموضوعي و الواقعي و المنصف لهذه التجربة على أن الانقاذ فشلت على اكثر من صعيد، ما ادى الى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة. و ليس أدل على ذلك من ان الوضع الاقتصادي في عهد الانقاذ قد تدهور الى حد كبير و ان ديون السودان الخارجية بلغت ستين مليار دولار كما أن البلاد صنفت واحدة من أفقر دول العالم.
و من المفارقات المؤسية ان فلول نظام الانقاذ ظلوا، مع كل ذلك، يبذلون الجهد الجهيد في محاربة الفترة الانتقالية سعيا وراء عودتهم للحكم، و ذلك عبر خلق الأزمات و شيطنة قيادات الفترة الانتقالية مع الصاق التهم الجزافية بهم. و بالطبع فان هذه التهم مؤسسة على أدلة و قرائن احوال كثر لا يتسع المجال لتفصيلها. و قد واصلوا هذا النهج حتى انقلبوا على الحكومة الانتقالية في اكتوبر ٢٠٢١م. و لما لم يتمكن الانقلابيون من تكوين حكومة قاموا باشعال الحرب الحالية و التي تؤكد كل الأدلة من تسجيلات الاسلامويين و تصريحاتهم العلنية، و كل قرائن الأحوال، على انهم هم الذين بدؤوها.
و هكذا ظل فلول الانقاذ يسعون سعيا حثيثا لقطع الطريق على التحول الديموقراطي Democratic transition بكل السبل. و لكي يحققوا هدفهم هذا فقد عملوا و ما زالوا يعملون على عرقلة كل المبادرات الاقليمية و الدولية التي هدفت و تهدف الى وقف الحرب. و السبب في ذلك هو ببساطة ان إيقاف الحرب يتقاطع مع مصالح نظام الانقاذ للعودة للحكم و خلافه كما يعرضهم للمحاكمات التي لا تسقط بالتقادم.
و بذا فقد ضرب فلول الانقاذ و الداعمون لهم عرض الحائط بكل المناشدات الخاصة بوقف الحرب و ظلوا بدعون لاستمرارها بالرغم من ان وقفها يعد هدفا انسانيا ملحا يتوقف عليه انقاذ الشعب السوداني و مقدراته من عقابيل استمرار الحرب.
و تبعا لذلك فما زال مسلسل محاربة الديموقراطية مستمرا من خلال ممارسات و أفعال هدامة و مستميتة لا تأبه بمصلحة الوطن. و قد تجلى ذلك مؤخرا من الافعال الهدامة و المحمومة التي قامت بها، كما تؤكد الحيثيات المنطقية، عناصر من نظام الانقاذ و مناصريهم، خلال زيارة د. حمدوك الأخيرة للندن في مسعى منه لانقاذ الشعب و البلاد من افرازات و عقابيل الحرب الدائرة.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشریعة الاسلامیة من خلال

إقرأ أيضاً:

بعد حادث مأساوية.. وزارة التربية المغربية تطالب بتحديث أسطول سيارات المفتشين فورا

أتخذت وزارة التربية الوطنية المغربية خطوة عاجلة لتأمين وسائل التنقل الخاصة بالمفتشين والمفتشات، بعد حادث مأساوي أودى بحياتهما أثناء مزاولتهما مهامهما الرسمية، في مؤشر واضح على حرص الوزارة على تحسين ظروف العمل داخل المنظومة التعليمية وتعزيز السلامة المهنية.

طلب عاجل لموافات الوزارة بالمعطيات

طالبت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في مراسلة رسمية، جميع مديرات ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في المغرب، بموافاتها بالمعطيات الخاصة بوسائل التنقل المستخدمة من قبل المفتشين والمفتشات، وذلك قبل الأربعاء 17 دجنبر الجاري، لتقييم الوضع الحالي وإعداد خطط عاجلة لتحديث أسطول سيارات المصلحة.

دعا الكاتب العام للوزارة بالنيابة، الحسين قضاض، المسؤولين اللامركزيين إلى تقديم تقارير مفصلة تتضمن “الوضعيات والمعطيات الخاصة بإحداث وتأهيل وتجهيز مقرات المفتشيات الإقليمية” و”برنامج العمل المتعلق بتأهيل وتجهيز هذه المقرات”، مع التركيز على وسائل النقل المخصصة لهم.

وأكد المصدر أن هذه الخطوة تأتي تنفيذا لتعليمات وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خلال اجتماعات الحوار التدبيري في يوليوز 2025، في إطار تحسين ظروف عمل هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم بما يتوافق مع الأدوار الأساسية لهذه الهيئات داخل المنظومة التربوية، وتعزيز جودة التعلمات.

متابعة لحادث مأساوي بالعرائش

وقع الحادث الذي أثار القلق في صفوف المفتشين في العرائش، عندما تعرضت مفتشتان لحادث سير بواسطة سيارة مصلحة تابعة للمديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. 

أسفر الحادث عن وفاة إحدى المفتشتين على الفور، فيما نقلت الثانية إلى المستعجلات في حالة حرجة لتوافيها المنية في الأول من دجنبر الجاري.

احتجاجات وتحركات نقابية

نفذ العديد من المفتشين وقفة إحتجاجية، بدعوة من النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم، إلى جانب وقفات أخرى، للتأكيد على ضرورة معالجة أوضاع أسطول سيارات المصلحة وحماية أرواح الأطر التربوية.

وصرح المكتب الوطني للنقابة بأن هذا الحادث المؤسف هو نتيجة مباشرة للإهمال المتواصل في صيانة سيارات المصلحة والاستهتار بحياة الأطر التعليمية، مؤكدا أن المسؤولية تقع على عاتق الوزارة والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة، والمديرية الإقليمية للعرائش، بسبب تقصيرهم في تحديث الأسطول وعدم توفير العدد الكافي من السيارات وصيانتها الدورية.

الوزارة تعلن عن خطوات إصلاحية

أشارت الوزارة إلى أنها تنتظر من مديرات ومديري الأكاديميات تقديم معطيات دقيقة حول كل وسائل التنقل المستخدمة، لضمان اتخاذ التدابير اللازمة على الفور، بما يضمن سلامة المفتشين والمفتشات أثناء أداء مهامهم اليومية، ويعزز جودة الرقابة والتأطير والتقييم في جميع المؤسسات التعليمية.

وأضافت الوزراة بأنها تسعى بتلك الإجراءات إلى معالجة الثغرات التي يعاني منها أسطول سيارات المصلحة، وتوفير بيئة عمل آمنة للأطر التربوية، وهو ما يعكس التزام وزارة التربية الوطنية المصرية بالارتقاء بالمنظومة التعليمية وحماية العاملين بها من أي مخاطر محتملة.

حى شمال الجيزة يحاصر منطقة انفجار الغاز ويزيل 7 منازل مهددة بالانهيار القبض على أخطر تاجر أسلحة ومخدرات في قوص النيابة العامة تكسر صمت الانفجار وتفتح أخطر ملفات مدينة العمال بإمبابة رحلة علمية تتحول لكارثة مروعة.. تفاصيل حادث أطباء قنا انفجار غاز يهز أسيوط ويحوّل محل كشري لدقائق رعب حقيقية غموض قاتل بساحل سليم: جثة طفل 12 سنة تحيّر الشرطة بوابة الوفد تكشف تفاصيل نتائج الحصر العددي لانتخابات مجلس النواب بأسيوط سيد عيد مرشح حزب الوفد بحدائق القبة ينعى رحيل النائب احمد جعفر ويصفه بصاحب الايادي البيضاء تفاصيل التحقيقات الكاملة في قضية سائق محافظ الدقهلية وتهريب الاوكسي انفجار ماسورة غاز في إمبابة يودي بحياة شخص وإصابة 4 آخرين

مقالات مشابهة

  • وزير التموين يجتمع مع رئيس مصلحة دمغ المصوغات لمتابعة خطط التطوير
  • نائب القائد العام: نبارك إجراء الانتخابات البلدية ونؤكد دعمنا للاستحقاقات الوطنية التي تدعم مسار بناء الدولة
  • سبائك وجنيهات ذهبية مغشوشة تشغل المصريين
  • للحد من التلوث.. أعمال تنظيف لمجرى نهر الليطاني في منطقة المرج ـ الحوض الأعلى
  • نيامي.. التحالف الإسلامي يختتم برنامج محاربة تمويل الإرهاب
  • نقابة العلاج الطبيعي تكرم نقيب الأشراف لدوره في محاربة التطرف
  • «التحالف الإسلامي» يختتم البرنامج المتقدم في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال بنيجيريا
  • بعد حادث مأساوية.. وزارة التربية المغربية تطالب بتحديث أسطول سيارات المفتشين فورا
  • مصلحة الضرائب تبدأ العمل بالمنظومة الضريبية الموحدة وتفعيل الشرطة الضريبية
  • مصلحة الجمارك تعلن إحباط تهريب 27 ألف حبة مهلوسة بمنفذ وازن