أثير – الشاعر والإعلامي العربي زاهي وهبي

هل نستمر في الكتابة؟
قد يبدو السؤال غريبًا أو مستغربًا لكنه يضمر بعض المشروعية.
التطور المذهل للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة يضعنا أمام تحديات غير مسبوقة.

مؤخرًا تم إنتاج عدة إعلانات ترويجية بواسطة الذكاء الاصطناعي من دون الحاجة إلى أي عناصر بشرية داخل الإعلان، أو إلى أي مساحة جغرافية لتصويره.

مَن يشاهد تلك الإعلانات لا يستطيع تمييزها بسهولة عن أي “إعلان بشري”.

هذه السابقة سوف تطاول صناعة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والنشرات الإخبارية وسواها من مواد مصورة. فيما تتولى تطبيقات أخرى كتابة النصوص والسيناريوهات والحوارات، وربما تنتفي معها حاجةُ شركات الإنتاج إلى كثير من الوظائف والموظفين ما عدا أولئك الذين يتولون مهام التعامل مع الروبوتات والتطبيقات الذكية.

الأمر نفسه ينطبق على مختلف أنماط الكتابة وأنواعها. وبالفعل صدرت رواية تجريبية من تأليف الذكاء الاصطناعي محاكاة لرواية الكاتب الأميركي الراحل جاك كيروك “على الطريق”. وفي الشِّعر قد تعطيك خوارزميات gpt3 الآن قصيدة حب ركيكة إذا طلبت كتابة قصيدة حب، لكن مع مرور الوقت وتطور هذه الخوارزميات سوف يتغير الحال ونحظى بتطبيقات قادرة على كتابة نصوص متماسكة أكثر من حيث الصياغة والبنية اللغوية، إلى جانب مقدرتها الراهنة على تقديم سيل جارف من المعلومات حول كل شيء، وصياغة نصوص تعريفية ممتازة، وتوفير كثير من الوقت والجهد للباحثين.

الهواجس كثيرة والأسئلة أكثر. هل تنتفي الحاجة إلى نصوص تحمل تواقيعنا كبشر نحيا على هذا الكوكب، ونمر خلال حيواتنا المختلفة بمراحل وأحوال وطقوس عيش تساهم في تشكيل وعينا وذائقتنا وطبيعة مشاعرنا وأحاسيسنا وأنماط تفكيرنا ووجهات نظرنا؟ وهل تستبدل الجامعات ومراكز الأبحاث ودور النشر وشركات الإنتاج وسواها من مؤسسات نصوصَ البشر بنصوص الذكاء الاصطناعي؟ وهل يصحّ في الكتابة الأدبية والفنية ما يصحّ في الكتابة العلمية والبحثية؟ وهل يمكن تخزين المشاعر مثلما يتم تخزين المعلومات؟ وتلقين الروبوتات الأحاسيس والعواطف المختلفة؟.

كل هذه الأسئلة مشروعة ومنطقية، ولا أجوبة حاسمة لها سوى ما يحمله قابل الأيام من جديد على صعيد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. لكن مَن يراجع حركة التاريخ و”تطوّر” الحياة على مر العصور، والثورات التي شهدتها البشرية من الثورة الزراعية إلى الصناعية إلى المعلوماتية وصولاً إلى زمن الذكاء الاصطناعي يلاحظ أن ما مِن اختراع أو ابتكار ألغى كلياً الحاجة إلى العنصر البشري. ثمة مهن كثيرة اختفت، لكن في موازاة ذلك وُلِدت مهن جديدة. ومثلما يشكّل الذكاء الاصطناعي مصدر قلق لكثير من الموظفين في قطاعات مختلفة، فإنه مصدر راحة لكثير من القطاعات خصوصاً لجهة المساعدة التي يوفرها في حلّ كثير مشاكل وعقد كثيرة تواجه الإنسان. الأهم هنا هو السؤال عن كيفية إدارة هذا “الذكاء” بحيث تُسنّ القوانين التي تجعله في صالح خير البشرية لا العكس. إذ يمكن لهذا “الذكاء” أن يستخدم سلمًا أو حربًا تمامًا مثل الطاقة النووية التي لو تركت على غاربها لشهدنا عشرات الـ”هيروشيما” والـ”ناغازاكي”، والحرب هنا ليست بالمعنى العسكري، وإنما بمعنى استغناء الشركات والمؤسسات عن العنصر البشري بكل ما يسببه ذلك من بطالة وفقر ومشاعر غبن وظلم تقود الكوكب إلى مزيد من الفوضى والخراب.

عَوْدٌ على بدء، الإبداع الأدبي والفني ليس مجرد كلمات قاموسية وصرف ونحو وبيان بديع، ولا حشو معلومات من هنا وهناك. إنه أولاً وعي ورؤى وأخيلة وأفكار ومشاعر وأحاسيس، وهذه كلها لا يمكن أن تمتلكها آلة مهما بلغت من الذكاء الاصطناعي. ثم أن النصّ الإبداعي ليس وليد لحظته الراهنة حتى لو كُتِبَ في تلك اللحظة، بل هو تراكم حياتي ومعرفي وشعوري نتاج المراحل التي (كما أسلفنا أعلاه) يمرّ بها الإنسان بين المهد واللحد. لذا من الصعب جداً أن يستطيع الذكاء الاصطناعي الحلول مكان الإنسان حتى وإن صار في إمكانه كتابة نصّ جيد، لأن ما سوف يكتبه هو نتيجة التخزين والتلقين. والفارق هائل بين أن تبتكر نصًا أو أن تستحضر نصًا يشبه ما نستعيده أحيانًا من الأرشيف.

يمكن للذكاء الاصطناعي، مع مرور الوقت، والمزيد من تطور خوارزمياته، أن يوفر نصوصًا جيدة يتكىء عليها مَن لا يجيدون التعبير الأدبي والفني، وذلك بناءً على نصوص تم تخزينها وتجمعيها مسبقًا. أما ابتكار نصّ جديد لا يشبه إلا صاحبه وما مرّ به من تجارب وحالات فهذه مسألة بعيدة عن الواقع… أقلّه حتى الآن!

مهما تطورت الروبوتات الذكية تبقى صنيعة الإنسان وأسيرة برمجته لها، لذا نعتقد أنها تهدد للأسف مستقبل الكثير من الوظائف والموظفين، لكنها لن تستطيع مجاراة الإبداع الإنساني القائم على تجارب الكائن البشري وخبراته التي تتراكم يومًا تلو يوم، ووعيه بتلك التجارب والخبرات.
لأننا نحيا سوف نظل نكتب. فالكتابة الإبداعية هي شهادة قيد على الحياة، وعلامة مضيئة في ظلمة الوجود.
لا القصائد تُوقِفُ حربًا، لا الأغاني تُرجِعُ الغائبين. نكتبُ لِنَحيا.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی الکتابة

إقرأ أيضاً:

«الذكاء الاصطناعي بين الوهم والحقيقة» حوار مشترك على طاولة منتدى الإعلام العربي



شهدت فعاليات اليوم الثاني لقمة الإعلام العربي 2025، ضمن أعمال منتدى الإعلام العربي، جلسة حوارية بعنوان «الذكاء الاصطناعي بين الوهم والحقيقة»، تحدث خلالها كل من الدكتور مروان الزرعوني، المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي في دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، وحمد الشيراوي، مدير إدارة المشاريع في مؤسسة دبي للمستقبل.
وتناولت الجلسة دور دبي والإمارات في قيادة التحول العالمي القائم على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والدور المتنامي لتطبيقاته في حياتنا اليومية والعملية، والتطور الكبير الذي يشهده هذا القطاع على مستوى المنطقة والعالم.
خطوات متسارعة
في مستهل الجلسة، أكد الدكتور مروان الزرعوني أن دولة الإمارات تخطو خطوات متسارعة نحو تبني الذكاء الاصطناعي في شتى القطاعات، وأن ما نشهده الآن ليس سوى بداية للتطور القادم بفعل التطور الكبير في أدوات الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنه ليس موجة عابرة، بل بات واقع تتمدد استخداماته في حياتنا اليومية والعملية، وأن من لا يستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم سيجد نفسه متخلفاً عن ركب التطور الذي تشهده المنطقة والعالم، كما أكد أن قطاع الإعلام بدأ يشهد مبادرات اقتصادية تُعنى بخلق فرص جديدة لصُنّاع المحتوى، ما يعكس التزام الدولة بتوفير منظومة متكاملة تدعم هذا التحول.
ولفت الزرعوني إلى أن الفجوة بين مستخدمي الذكاء الاصطناعي وغير المستخدمين تتسع بوتيرة متسارعة، مع تفوّق كبير في قدرة المستخدمين على إنتاج محتوى أكثر دقة، وبكفاءة أعلى، كما تحدث عن مستقبل قريب قد يشهد ظهور مفهوم ال(Vibe Coding) أو الترميز الشعوري، والذي يمكن الأفراد من إدارة شركات صغيرة بالاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في المهام التشغيلية.
وشدد على أن الفرصة لا تزال متاحة للجميع، داعياً إلى الاستفادة من وفرة المحتوى التدريبي على الإنترنت، ومن المبادرات الإماراتية المخصصة لإعادة تأهيل الكفاءات للانخراط في هذا التحول، مؤكدًا أن قطاعات مثل الرعاية الصحية، والعقارات، والخدمات اللوجستية، والتصنيع المستدام تشكل أولويات كبرى على خارطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدبي.
نماذج ناجحة
من جانبه، أوضح حمد الشيراوي أن رؤية دبي تقوم على تبنّي الذكاء الاصطناعي والاستفادة من العنصر البشري، مؤكداً أن المدينة تعمل دائماً على رصد أفضل التطبيقات العملية للتقنيات الحديثة، وعرضها كنماذج ناجحة للاستفادة منها عبر مختلف الفعاليات والمعارض التكنولوجية التي تنظمها وتستضيفها دبي على مدار العام، ضارباً المثل بالتطبيقات التي طوّرتها شرطة دبي، التي استخدمت من خلالها الذكاء الاصطناعي لتحقيق تحسّن بنسبة 300% في حل قضايا إعادة المفقودات إلى أصحابها، وهي مهمة تقليدية غالبًا ما كانت تُثقل العنصر البشري وتستهلك الكثير من الوقت والجهد.
وأضاف الشيراوي أن أحد أهداف دبي المستقبلية هو تغيير الصورة النمطية عن الذكاء الاصطناعي كخطر يهدد فرص العاملين ضمن مختلف القطاعات، مشبهاً الوضع الحالي بمرحلة ظهور الإنترنت، التي رافقتها مخاوف مشابهة، لكنها سرعان ما تبددت وأصبح الجميع يستخدم الانترنت بشكل يومي.
وفي ختام الجلسة، أوضح الشيراوي أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت متاحة للاستخدام من الجميع، لكن المستقبل لن يكون إلا للطامحين والراغبين في التقدم، وأن القرار البعض عدم استخدام الذكاء الاصطناعي اليوم قد يتحوّل إلى كابوس مهني في الغد المنظور، مضيفاً أن المستقبل سيقوده البشر، ولكن عبر أدوات ذكية، وأن الخارطة الشاملة للذكاء الاصطناعي التي تطورها دبي اليوم هي من أجل مستقبل أفضل للجميع.

مقالات مشابهة

  • مسؤولة أممية: تجاهل تحديات الذكاء الاصطناعي يعمق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة
  • «البرلمان العربي» يطالب باتفاقية دولية ملزمة لضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي
  • مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالدوحة يدعو لتكنولوجيا تحترم القيم الإنسانية العالمية
  • «الذكاء الاصطناعي بين الوهم والحقيقة» حوار مشترك على طاولة منتدى الإعلام العربي
  • قمة الإعلام العربي: الذكاء الاصطناعي واقع لا مفر من إجادته والتدريب عليه
  • بوعياش في مؤتمر دولي: مخاطر وتهديدات حقيقية تمس حقوق الإنسان بسبب الذكاء الاصطناعي
  • خلال تكريمها في قمة الإعلام العربي.. إسعاد يونس: الذكاء الاصطناعي يهدد صناعتنا
  • مؤتمر دولي بالدوحة يدعو إلى تقنين استخدام الذكاء الاصطناعي
  • فاروق جويدة: ترامب لا يهتم بالثقافة.. والإبداع البشري لا يمكن استبداله بالذكاء الاصطناعي
  • يسار جرار: الذكاء الاصطناعي يخلق الفرص للمستقبل