تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في 17 أكتوبر 2024 أعلن الاحتلال الإسرائيلي مقتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في غارة شنها جيش الاحتلال مساء الأربعاء 16 أكتوبر، بعد 45 يومًا من اغتيال إسماعيل هنية، الرئيس السابق للمكتب السياسي، في إطار استراتيجية "قطع الرؤوس" التي تتبعها إسرائيل مع عدد من الفاعلين من غير الدول في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها حزب الله وحركة حماس، ليبقى السؤال حول مصير تلك التنظيمات، هل تنجح هذه الاستراتيجية في القضاء على حركات المقاومة وفي القلب منها حماس، أم ستصمد أمام الاحتلال حتى وإن مرت بفترات ضعف وهزائم عسكرية.

وتهدف استراتيجية قطع الرؤوس لتعطيل الإدارة التنظيمية للحركة وصنع القرار داخلها، بما يؤثر على رأس المال البشري للحركة، مع ما قد يترتب على ذلك من تدهور قدرة الحركة على العمل والهجوم. لم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل لهذه الاستراتيجية، فعلى مدار تاريخ حركة حماس كان مصير جميع قادتها معروف سلفًا، بدءً من الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، مرورًا بالرنتيسي، انتهاءً بمشعل والسنوار، والقوس مفتوح ليضم الأمين العام القادم، والذي يليه.

والمتتبع لهذه الاستراتيجية ونتائجها يدرك أن إسرائيل لم تنجح في السابق من القضاء على حماس كحركة مقاومة، إلا أن المتغير الجديد هو إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن الهدف الاستراتيجي لدولته بعد 7 أكتوبر 2023 هو القضاء على حماس بشكل كامل، وقد بدأ تحقيقه بعدد من الاغتيالات، وهو ما يطرح تساؤل حول سر بقاء هذه الحركة أمام جيش احتلال يدعمه دول أمريكا والغرب، بما يمتلكونه من تقدم في التسليح والتدريب واللوجيستيات، مقارنة بأسلحة محلية الصنع وأخرى أقل كفاءة بكثير من التي في يد جيش الاحتلال، فما هو السر وراء صمود هذه الحركة رغم كل التحديات؟

 

الهيكل التنظيمي لحركات المقاومة

حركات المقاومة تتكيف بشكل روتيني مع عمليات القتل والاغتيال المتكررة، ولا تبقى بلا قيادة، بل تستمر في إدارة الصراع وشن الهجمات وتظل تهديدًا قادرًا على خوض المعارك، مع محدودية تأثير مقتل القيادات على مستقبل هذه الحركات. 

هناك عدد من العوامل الرئيسية التي تؤثر على قدرة حركات المقاومة على الاستمرارية رغم مقتل قادتها وزعمائها، من بينها التماسك التنظيمي المتمثل في وجود الهياكل التنظيمية الهرمية (الرأسية والأفقية) التي تحمي الحركة من خلو منصب القيادة بوجود قادة بديلين يتقدمون الصفوف عند اللزوم بحيث لا يحدث فراغ قيادي في قمة هرم الحركة، بالإضافة لحماية الحركة من حدوث صراع على القيادة قد يؤدي لانقسامها ومن ثم ضعفها، وهذا واضح بشكل كبير في حركة حماس التي لا تتأثر بمقتل قادتها.

بالإضافة إلى ذلك فإن هناك 4 خصائص مهمة لحركات المقاومة تساعدها على البقاء؛ هي: العمر والحجم والإيديولوجية والشبكة، ويمكن التطرق لكل عنصر من هذه العناصر التي تتضمن خصائص حركة حماس، لمعرفة مستقبل هذه الحركة في مواجهة استراتيجية قطع الرؤوس.

فإن حجم حركة حماس وعمرها وأيديولوجيتها وشبكة اتصالاتها بغيرها من حركات المقاومة مثل حزب الله وغيره تؤثر جميعها على قدرة الحركة على الاستمرار بعد مقتل قادتها، وهذه العلاقات وشبكات الاتصالات تخلق طبقات كبيرة من التعقيد والعواقب غير المعروفة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. 

 

عدد أعضاء "حماس"

إن المجموعات الأكبر حجمًا هي الأكثر قدرة على التحمل والاستمرارية، بعد عمليات القتل والاغتيال وضربات قطع الرؤوس مقارنة بالمجموعات الأصغر حجمًا. وينبغي لنا أن نفكر في حجم المجموعة من حيث عدد الأفراد والموارد المادية. فكلما كان مخزون الموارد (البشرية أو المادية) الذي يمكن استغلاله في أعقاب الضربات أكبر، كلما كانت الحركة أكثر قدرة على استبدال قادة جدد وتجنيد أو تعبئة مقاتلين إضافيين. 

كما أن الحركات الكبيرة أكثر قدرة على تطوير مجموعات من المقاتلين ذوي المهارات المتخصصة وبالتالي يمكنها تعويض الخسائر بشكل أسرع وأكثر كفاءة، ويعمل هذا المخزون كاحتياطي للتغلب على الصدمة الفورية للاغتيال وتلافي آثار التداعيات التنظيمية الناجمة عن الضربة الموجهة للحركة. 

حسب الإحصائيات المعلنة من قبل الحركة فإن حماس لديها ما يزيد على 20 ألف عضو، من بينهم 50 عضوًا تقريبًا يمثلون المكتب السياسي، ويمثلون الحركة في الداخل الفلسطيني والخارج أيضًا، بالإضافة إلى الجناح العسكري للحركة والذي يتمثل في كتائب عز الدين القسام، التي يتراوح عدد عناصرها ما بين 15 – 40 ألف عنصر.

وهذه الأعداد وإن كانت تقريبية، إلا أنها تزداد في أوقات الأزمات، إذ إن العلاقة بين التجنيد والأزمة علاقة طردية، فكلما تعرضت حركات المقاومة لأزمات في مواجهة الاحتلال كلما ارتفع معدل تجنيد عناصر جديدة داخلها، ما يعني أن حركة حماس تتمتع برصيد كبير من رأس المال البشري الذي يجعلها في وضع أفضل، حتى إذا أخذنا في الاعتبار الخسائر الأخيرة التي لحقت بها منذ 7 أكتوبر حتى الآن. وبالتالي من المرجح أن تنجو من ضربات قطع الرؤوس. 

 

نصف قرن ويزيد!

إن حركات المقاومة الأكبر سنًا أكثر قدرة على تجاوز أزماتها خاصة أزمات فقد القيادات العليا، ولكن الأمر لا يتعلق بالعمر فقط، وإنما لما يرتبط به من هياكل تنظيمية، فالحركات الأكبر سنًا تميل إلى أن يكون لديها هياكل مؤسسية أكثر تعقيدًا وبالتالي لديها القدرة التنظيمية والقدرة على تحمل الضربات الموجهة إليها، ولديها هياكل بيروقراطية تجعلها بمعزل عن الصدمات.

تأسست حركة حماس رسميًا عام 1973 على يد أحمد ياسين كمؤسسة خيرية في قطاع غزة، تحت مسمى "المركز الإسلامي"، إلا أن وجودها كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين سابق لهذا التاريخ بسنوات، ما يعني أن الحركة تضرب بجذورها لأكثر من نصف قرن من الزمان، عاشت خلالها تحديات عديدة، واكتسبت خبرات مختلفة، واشتد عودها في مواجهة الاحتلال على مدار العقود، مما يجعلها أكثر قدرة على الاستمرارية والبقاء.

 

أيديولوجية الحركة والإخوان المسلمين

إن الحركات ذات المرجعية الدينية أكثر احتمالًا للبقاء على قيد الحياة بعد اغتيال قادتها من تلك التي لا تمتلك أيديولوجية دينية، حيث تستطيع الحركات الدينية الاعتماد على الروابط الاجتماعية القوية المعتمدة على الدين الواحد للبقاء على قيد الحياة بعد الضربات التي تتلقاها، كما تستفيد هذه الحركات الدينية من التزام أنصارها وأعضائها بمعتقداتها وقيمها العليا في أوقات الأزمات، مثل قيمة الجهاد ضد المحتل. 

وتصنف حركة حماس نفسها بأنها حركة مقاومة وجماعة إسلامية، تهدف لتحرير وطنها غبر مسار المقاومة المسلحة والسياسية في آن واحد، ويعتبر تاريخ الحركة في التكيف مع الفرص والتحديات والتهديدات ميزة وقيمة مضافة في مواجهة مقتل قادتها. 

 

شبكة العلاقات والمصالح.. إيران وأذرعها

إن حركات المقاومة تتواصل وتتعاون وتنظم صفوفها مع بعضها البعض، ومن الممكن أن تحمي العلاقات الخارجية هذه الحركات من الانهيار في أعقاب اغتيال أحد قادتها، وتعتبر "جودة" الدول والحركات الصديقة والداعمة لحماس أكثر أهمية من عدد هذه الدول والحركات، لا سيما حينما تكون دولة إقليمية ذات وزن وثقل سياسي في الإقليم ولها أذرع ممتدة بالقرب من إسرائيل، مثلما الحال مع إيران التي تقدم كل الدعم لحركة حماس من خلال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. 

وهذه العلاقة التكافلية ذات جودة عالية قادرة على تزويد الحركة بالمعرفة والخبرة في التغلب على استراتيجية قطع الرؤوس، كما يمكنهم توفير الأسلحة المختلفة، وكذلك المقاتلين المدربين تدريبًا جيدًا؛ للرد أو استعادة النظام والمعنويات بين مقاتلي الحركة وأنصارها. ويستطيع أي زعيم جديد للحركة استثمار شبكة العلاقات، لتدريب عناصره وزيادة تماسك الحركة، وجعلها باقية وتتمدد رغم "قطع الرؤوس". 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حماس حركة حماس اغتيال السنوار مصطفى حمزة حرکات المقاومة أکثر قدرة على مقتل قادتها قطع الرؤوس فی مواجهة حرکة حماس

إقرأ أيضاً:

الطريق إلى وقف الحرب على غزة

منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رفعت إسرائيل والولايات المتحدة شعار "تفكيك حماس" كهدف مركزي للعملية العسكرية. لكن بعد مرور عشرين شهرا من حرب طاحنة، بدأ الخطاب الأمريكي ينحرف تدريجيا نحو مقولة "تأجيل تفكيك حماس"، وهو ما يعكس تحولا تكتيكيا مهما يستحق التوقف والتحليل لفهم خلفياته ودلالاته.

الموقف الأمريكي الجديد.. تأجيل لا تراجع

عند التدقيق في طبيعة التحول، يتبين أن واشنطن لم تتخلَّ عن هدفها المُعلن بتفكيك حماس، لكنها بدأت تفصل بين الأهداف العسكرية والسياسية، وراحت تُقدّم أولوية لـ"التهدئة الإنسانية" و"استعادة الرهائن"، بل وبدأت تتحدث عن "مراحل انتقالية" و"ترتيبات مؤقتة" في غزة لا تشترط تفكيك الحركة فورا.

يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها:

- تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب، وتدهور صورة الولايات المتحدة عالميا بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل.

- فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم، رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي.

- الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم إلى عائلاتهم.

فشل إسرائيل في تفكيك حماس

رغم التفوق الناري والتكنولوجي الساحق، عجز الاحتلال عن كسر المقاومة الفلسطينية، وذلك لأسباب جوهرية:

- البيئة العملياتية المعقدة: حيث وفرت شبكة الأنفاق بُنية متاهية تجعل من المعركة تحت الأرض تحديا عسكريا بالغ الصعوبة، فيما نجحت المقاومة في إدارة حرب غير متماثلة أربكت التكتيكات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيلي.

- صمود المقاومة: الذي تجلّى في الحفاظ على هيكل القيادة والسيطرة رغم موجات الاغتيالات، واستمرار إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات النوعية.

- غياب البديل السياسي: فلا السلطة الفلسطينية جاهزة لاستلام زمام الأمور، ولا توجد قوى محلية بديلة تحظى بشرعية حقيقية داخل غزة. وهكذا، وقعت إسرائيل في مأزق: "إما حماس.. أو الفوضى".

كل هذه المعطيات دفعت واشنطن للاعتراف الضمني بأن حماس باتت واقعا لا يمكن تجاوزه، وبأن الحل العسكري الكامل غير واقعي في هذه المرحلة. وهو ما يؤكد وجود ارتباك استراتيجي، وفجوة واضحة بين الطموحات الإسرائيلية والقدرات الميدانية الفعلية، إلى جانب تصاعد التباينات بين واشنطن وتل أبيب، خاصة مع تعنّت نتنياهو وتصعيده لخطابات التحدي ضد الرؤية الأمريكية.

المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من بقاء حماس

- أمريكيا: بقاء حماس يُحبط مشروع "تطبيع ما بعد غزة" الذي كانت السعودية محورا فيه. كما أن وجود حركة مقاومة قوية، خارج الهيمنة الغربية، يُهدد مشروع الأمن الإقليمي وقد يعيد رسم المعادلات الإقليمية.

- إسرائيليا: عدم القضاء على حماس يُشكّل ضربة قاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي، ويُضعف "نظرية الردع"، ويُعمق اهتزاز ثقة الجمهور في منظومة الأمن والسيادة.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

أمام هذا التعقيد، تُطرح عدة سيناريوهات محتملة:

- تهدئة طويلة الأمد دون حسم: تبقى حماس فاعلا مركزيا، ولكن تحت قيود سياسية أو مالية.

- إدارة هجينة لغزة: بمشاركة ضمنية من حماس إلى جانب قوى محلية أو تحت غطاء دولي، في محاولة لتجاوز العقبة السياسية.

- تصعيد مؤجل: قد يُعاد فتح ملف الحرب لاحقا، مع استمرار استهداف الحركة أمنيا واستخباراتيا، دون معركة مباشرة في الوقت الراهن.

- فرصة أمام المقاومة: لترسيخ شرعيتها الواقعية، وفرض حلول ميدانية تُراكم منجزاتها، مستفيدة من التباين الأمريكي– الإسرائيلي ومن تآكل خيارات العدو.

خلاصة:

إن تأجيل تفكيك حماس لا يعني القبول بها، بل يُجسّد عجزا عن هزيمتها ميدانيا، ومحاولة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية في ضوء الفشل العسكري المتكرر.

إنه انتصار تكتيكي للمقاومة، يفتح الباب أمام تكريس وجودها السياسي والعملي، في وقت يعيش فيه المشروع الصهيوني أزمة عميقة على صعيد الردع والهيبة والتماسك الداخلي.

وكما أكدنا سابقا، نعيد التأكيد: أعظم ما أنجزته فصائل المقاومة لم يكن مجرد التخطيط أو التصنيع أو الجاهزية القتالية، بل نجاحها في صناعة الإنسان الفلسطيني المقاوم، الذي يجمع بين العقيدة الإسلامية والعقيدة التدريبية والعسكرية.

إنه الإنسان المجاهد القادر على التطوير والمبادرة والتضحية، دفاعا عن الأرض والحقوق والمقدسات.. ذاك الإنسان الذي تعجز عن مواجهته جيوش الأرض، مهما بلغ عتادها وتقدمت تقنياتها، ومهما طال الزمن أو قصر.

مقالات مشابهة

  • لهذه الأسباب تتحفظ القاهرة على تطبيع العلاقات مع دمشق
  • روسيا تعترف رسميا بإمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها حركة طالبان
  • غزة: "هدنة ترامب" تُحاصر حماس.. ما هي الخيارات المتبقية أمام الحركة؟
  • نتنياهو يتعهد بالقضاء على حركة حماس
  • لهذه الأسباب..رئيس غرب المنصورة يتابع العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي
  • البستاني نوه بالـMEA: كل التقدير لهذه الشركة التي تبقي الارزة مرفوعة في الأعالي
  • لهذه الأسباب مجتمعة لا يزال حزب الله مصرًّا على الاحتفاظ بسلاحه
  • حملة أمريكية مرتقبة تهدد بسحب الجنسية من ملايين المتجنسين.. لهذه الأسباب
  • الطريق إلى وقف الحرب على غزة
  • حركة البضائع عبر معبر جابر بين الأردن وسوريا ترتفع أكثر من 272 بالمئة