محنة بعض الحكومات مع الكفاءات
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
لا يراود المرء أدنى شكٍّ في أنَّ واحدًا من أهمِّ الإشكالات المُحبِطة والمُعوِّقة لخطط التنمية في دوَل العالَم العربي تتشكَّل، بل وتتعاظم بسبب إخفاق هذه الدوَل في المحافظة على ما تصنعه حكوماتها وأموالها من كفاءات علميَّة مؤهلة تأهيلًا أكاديميًّا رفيعًا. إذ غالبًا ما تتسرَّب هذه الكفاءات العلميَّة بعد عودتها لأوطانها التي ابتعثتها للدراسات العُليا في الدوَل المتقدِّمة مِثل دوَل أوروبا وأميركا الشماليَّة.
هي كفاءات تتسرَّب كتسرُّب الماء من بَيْنِ أصابع اليَدِ بعد محاولة الحفاظ عليه. وهنا، للمرء حقُّ التساؤل: هل يكمن الخلل في طرائق تعامل حكوماتنا مع الكفاءات بعد عودتها؟ أم أنَّه يكمن في الفجوة الحضاريَّة والثقافيَّة غير القابلة للردم بَيْنَ بيئات دراسة وتأهيل هذه الكفاءات عَبْرَ العالَم الغربي، من ناحية، وبَيْنَ بيئاتنا الاجتماعيَّة والمادِّيَّة والاعتباريَّة المتخلِّفة نسبيًّا، البيئات التي غالبًا ما تخذل هذه الكفاءات حتى بعد عودتها لأوطانها بإصرارٍ وعن نيَّات حسنة وصادقة «لردِّ الجميل» (جميل الوطن) من خلال الخدمة العامَّة؟
وإذا ما عمدت بعض الحكومات العربيَّة على «العناية الفائقة» بالكفاءات (من حمَلة الشهادات العُليا، كالماجستير والدكتوراه)، وذلك بمنحهم قطع أراضٍ لبناء دَوْر عليها أو السَّماح لهم باستيراد سيَّارات متينة خاصَّة من المناشئ التي يرغبون بها، فإنَّ شكاوى أصحاب الكفاءات لا تطفئها المرتَّبات العالية ولا سيَّارات المرسيدس، ولا التشريعات الخاصَّة، كما يبدو، بل وكما برهنت تجربة العراق على ذلك منذ بداية السبعينيَّات، إذ بقي حمَلة الشهادات العُليا الرفيعة يتطلَّعون ويتوقبون إلى خارج الحدود، إمَّا للعودة إلى حيث درسوا، أو للعمل في مؤسَّسات وجامعات خارج بلادهم طمعًا بالمزيد من المال والميزات، وهكذا.
ويبدو لي الآن أنَّ الأمْرَ أشْبَه بحلقة مفرغة من النَّار التي تحرق خطط التنمية وآمال سراة القوم، إذ تظهر الفجوات تلو الأخرى، كُلَّما حاول أهل الحلِّ والعقد ردم فجوة معيَّنة، فسرعان ما تظهر فجوة أخرى، وهكذا دواليك!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
قضية بوب فيلان وفرقة نيكاب تظهر نفاق اليمين بشأن حرية التعبير
أوردت كاتبة العمود البريطانية هندية الأصل ياسمين علي بهاي براون أن إسرائيل وأنصارها مذهولون ويشعرون بالإهانة من موجة الاستنكار الشديد التي اجتاحت البلاد، مع أن إسرائيل لم تستهدَف وحدها بالإدانة، بل دان الموسيقيون والمتحدثون دولا أخرى.
وأوضحت بهاي في موقع آي بيبر (I paper) التابع لمجموعة ديلي ميل الصحفية البريطانية أن أحد ثنائي فرقة الراب (بوب فيلان) هتف خلال حفلهم في غلاستونبري، "فلسطين حرة" و"الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي"، وانضم الكثير من الحضور إلى هتافه، مشيرة إلى أنه من الخطأ الواضح اتهام هذا الرجل بالرغبة في قتل دولة إسرائيل أو بمعاداة السامية.
وذكّرت الكاتبة بأن السفارة الإسرائيلية في المملكة المتحدة قالت إنها "تشعر بقلق بالغ بسبب الخطاب التحريضي والبغيض"، ودعت المنظمين والفنانين والقادة العامين إلى "إدانة ورفض جميع أشكال الكراهية".
ومن جهتها، دعت الكاتبة، هي الأخرى، السفارة الإسرائيلية الآن إلى إدانة الخطاب التحريضي والبغيض الصادر عن دولتهم وسفارتهم، مثل قول سفيرتهم تسيبي هوتوفلي في سبتمبر/أيلول الماضي إن "كل مدرسة وكل مسجد وكل منزل في غزة لديه منفذ إلى نفق، وبالطبع ذخائر"، في تبرير واضح لتدميرها.
وسارع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إدانة بوب فيلان، وفي المقابل تطالب صحيفة ديلي تلغراف بمعاقبة مغنية الراب لوسي كونولي، التي حرضت على العنف ضد طالبي اللجوء والمهاجرين خلال أعمال الشغب العام الماضي.
وتساءلت الكاتبة: هل أصبح الجنود الإسرائيليون في خطر حقيقي بعد غلاستونبري؟ مؤكدة أنها لا تستطيع الجزم بذلك، إلا أن المهرجانات الموسيقية تعد أهدافا سهلة بالنسبة لليمين، لأن حشودها في الغالب من دعاة حماية البيئة والمساواة، ومناهضي المؤسسات والشواذ جنسيا.
ومع أن بعض اليمينيين يدافعون بجنون عن حرية التعبير -كما تقول الكاتبة- فإنهم لا يدينون إلا "حركة الوعي" واليسار، أما إذا تحدثت حركة الوعي واليسار، بحرية وواجهوا اليمين، فإن أتباعه ينعتونهم بالعدوان "غير الوطني" في الداخل.
إعلانوأشارت الكاتبة إلى أن الشرطة تفحص الآن تسجيل فرقة بوب فيلان، وذكَرت بأنها احتجت على حرب فيتنام، وقاومت التاتشرية وعنف الشرطة والعنصرية، وتظاهرت مع رفاقها وتجمعوا وهتفوا، وأنشدوا أغاني التحدي، وكانت الشرطة قاسية، وصرخت ضدهم الصحف المحافظة، ولكنهم واصلوا، لأن أي سلطة لم تتمكن قط من منع الشباب من قول ما يفكرون فيه والتعبير عن مشاعرهم.
وختمت الكاتبة بأنه لا يمكن فصل السياسة عن الثقافة، وذكّرت بدعوة المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا للمقاطعة الثقافية في جنوب أفريقيا، وقالت إن ستيفي وندر أصدر أغنية "إنه خطأ (الفصل العنصري)"، واعتُقل خلال احتجاج مناهض للفصل العنصري في الولايات المتحدة.