ما تعنيه المقاومة في ظرفها الراهن بالقياس إلى ما سبق!
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
لم يتوفّر للمقاومة الفلسطينية القائمة الآن من الأوضاع الخادمة ما توفّر للمقاومة الفلسطينية في أوقات سابقة، فقد قاتلت فصائل الثورة الفلسطينية منذ أواخر الستينيات وحتى مطالع الثمانينيات، في ظلّ المقاطعة العربية لـ"إسرائيل"، مع استثناء وحيد لاحق، وهو خروج مصر من الصراع بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978، والتي تحوّلت إلى معاهدة سلام في العام الذي يليه.
امتلكت قوى الثورة قواعد انطلاق علنية من الأراضي العربية المجاورة حتّى لو استدعى ذلك صراعا مع السلطة في الأردن أولا، وتداخلا مع الصراعات اللبنانية الأهلية تاليا، فقد حازت على تحالفات لبنانية داخلية مؤثّرة، لم يكسرها إلا التدخل السوري في لبنان في العام 1976. وفي المجمل، كان الظرف العربي أقلّ تآكلا ممّا هو عليه الآن، فالحواضر العربية التاريخية متعافية، والخطاب القومي كان لا يزال حاضرا ويمثّل الرافد الثقافي للجماهير العربية، وإلى حين غزو صدام حسين للكويت، كان التمويل الخليجي لمنظمة التحرير من عوامل قوّتها، ويضاف إلى ذلك التوازنات الدولية، الحاصلة بالاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، ودول عدم الانحياز. وقد فقدت القضية الفلسطينية تاليا، ومع مسار التسوية الذي دخلته منظمة التحرير، العديد من الأصدقاء الذين باتوا بعد ذلك حلفاء لـ"إسرائيل" كالهند واليونان، أو صارت تربطهم شراكات محددة معها كالصين.
يمكن القول اليوم، إنّ الموقف يكاد يكون نقيض ذلك، فالتوزان الدولي مختلّ لصالح أمريكا بنحو كاسح، ولا يمكن الحديث بعد عن قوى دولية مؤثّرة من شأنها دعم المقاومة الفلسطينية في صيغتها الراهنة، والأسوأ هو الانقلاب العربي من حالة المقاطعة، لا إلى حالة التطبيع، بل إلى حالة التحالف المعبّر عنها بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، والتي لها صيغ سرّية بين "إسرائيل" ودول عربية أخرى لم تلتحق بها بعد علنا.
ولم يكسر من هذا الواقع إلا الدعم الإيراني، ووجود قوى مناصرة للمقاومة الفلسطينية، ولكنها بدورها تعاني من مواجهة هذا الظرف المتردّي، مع التباسات خانقة، لها علاقة بالانقسامات الطائفية، وما نجم عن احتلال العراق، والحرب السورية، والفشل الذي مُنيت به ما سُمّيت بـ"ثورات الربيع العربي"؛ وهو الفشل الذي تحوّل بدول الثورة المضادة، لا سيما في الخليج العربي، من ملاحقة الإسلاميين إلى السعي للتحالف مع "إسرائيل" والقضاء على ما تبقى من أيّ ثقل إقليميّ لمصر.
وفي وضع كهذا لا يمكن القول اليوم، إنّ دولة عربية واحدة تتجرأ على دعم حركة حماس بوصفها حركة مقاومة، ولا يمكن لهذه الحركة أن تعمل في وضع مريح في جميع البلاد العربية بلا استثناء، فهي بين أن تكون ملاحقة رسميّا من عدد من الدول العربية، أو أنّها غير مرحب بها بنحو أو بآخر في بقية الدول، مع استثناءات تحصر نشاطها في إطار ضيق للغاية.
في هذا الظرف قاتلت، وتقاتل، هذه المقاومة في غزّة، التي طوّرت فيها بنيتها في حالة فلسطينية مضادة كذلك، فقد أخذ الإجماع الفلسطيني يتآكل، منذ ذهاب قيادة منظمة التحرير نحو حلّ الدولتين أواسط سبعينيات القرن الماضي، وتمأسس ذلك بعد توقيع اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة مطالع التسعينيات، ولم يكن الانقسام الذي وقع في العام 2007 بعدما لم تعترف عمليّا حركة فتح بنتائج الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس، إلا نتيجة لمسار التآكل في الإجماع الفلسطيني.
تتحوّل مساحة من الإسهام الثقافي العربي والفلسطيني لتحطيم هذه المقاومة بالكلمات، في حين أنّ "إسرائيل" بكل ما ألقته على غزّة معززا بالحصار والإبادة وقطع خطوط الإمداد؛ لم تتمكن من كسر هذه المقاومة
وإذا كان من المستحيل، في حالة هذا وصفها المختصر، تحقيق إنجازات سياسية في المحطات الكفاحية ذات الطبيعة الملحمية للمقاومة في قطاع غزّة، كما في حرب العام 2014، ومعركة سيف القدس في العام 2021، فإنّه لا ينبغي أن يقلّ عن ذلك استحالة أن تتمكن هذه المقاومة من تنفيذ عملية ناجحة عسكريّا واستخباراتيّا بنحو غير مسبوق في تاريخ الصراع عموما، وفي تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني وثوراته ومقاوماته وانتفاضاته كلها، كما في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا يقلّ عن ذلك استحالة أن تبقى هذه المقاومة واقفة على أقدامها تقاتل، كما اليوم في جباليا وبيت لاهيا وشمالي قطاع غزّة عموما، ببسالة وكفاءة وشجاعة بعد 13 شهرا من الحرب. هي حرب إبادة جماعية، تتقصد حرق الشريط الساحلي الضيق الذي لا تزيد مساحته على حارة في عاصمة من عواصم العالم الكبرى، بل من العواصم العربية، إذا أخذنا مساحة قطاع غزّة التي لا تزيد على 360 كم مربعا، بالنسبة للقاهرة التي تبلغ مساحتها 3085 كم مربعا، أو الرياض التي تبلغ مساحتها 1555 كم مربعا.
إنّ هذه المعطيات وبقدر ما تدلّ على صدقية هذه المقاومة وجدّيتها، ودحضها الدعاية التي تستهدف دوافعها وإرادتها على الاستمرار، تدلّ على كون المشكلة بالدرجة الأولى في المسارات التي خنقت كفاح الفلسطينيين، وآفاقه وممكناته، وليس في الكفاح نفسه ولا في خياراته، بما في ذلك الخيار الراهن، والذي يؤكّد على كون القدرة الإسرائيلية، ومهما امتلكت من أسباب القوّة المادية والدعم غير المنقطع، ليست حتمية النفاذ، وبدلا من الوقوف على هذه الحقيقة، تتحوّل مساحة من الإسهام الثقافي العربي والفلسطيني لتحطيم هذه المقاومة بالكلمات، في حين أنّ "إسرائيل" بكل ما ألقته على غزّة معززا بالحصار والإبادة وقطع خطوط الإمداد؛ لم تتمكن من كسر هذه المقاومة.
وبعدما كنّا نناقش دائما أنّ نقد هذه المقاومة لا ينبغي أن يتحوّل إلى إدانة أو تحطيم، وذلك بقطع النظر عن معنى هذا النقد في ظلّ الإبادة والحرب القائمة، وعن قصور أوجه النقد في عدم قدرته على الإحاطة بالموقف الفلسطيني الذي جاءت في سياقه عملية السابع من أكتوبر، وهو ما ينبغي العودة إليه بالنقاش لاحقا، فإنّ السؤال الذي ينبغي أن يظلّ موجّها لهؤلاء المتحفزين بالإدانة لمقاومة شعبهم: لماذا لا يعطون اهتماما مماثلا بالإلحاح نفسه والمثابرة نفسها، في نقد هذه الأوضاع العربية، وتلك الخيارات الفلسطينية الأخرى التي خنقت الكفاح الفلسطيني، وسدّت آفاقه؟! فإذا كانت حجتهم أنّ النقد لا ينحصر في توقيت دون آخر، وأنّ النقد بالضرورة مفيد دائما، فلماذا لا تعمل هذه الحجة في مسارات أخرى، ولا تستهدف أوضاعا وخيارات وجهات أخرى؟!
حديث هؤلاء تحديدا عن معاناة أهل غزّة في ذريعة لإدانة مقاومتها، ما هو إلا صورة من صور الرضا بالإبادة
هل الوقت مفتوح دائما لنقد المقاومة بل واتهامها وإدانتها وتحطيمها، ومفيد في هذه الحالة فقط، ولا فائدة مرجوة منه في نقد الفاعلين الآخرين، من عرب وفلسطينيين، تجاوزوا حصار خيارات الشعب الفلسطيني وخنقها إلى التواطؤ الصريح أو الضمني على إبادة الفلسطينيين في غزّة لأجل سحق مقاومتهم؟! ولو سلمنا بحجتهم في كون حسابات الواقفين خلف السابع من أكتوبر لم تتمكن من توقع حجم العنف الإسرائيلي، أليس مؤكدا، بما يستدعي منهم النقد والإدانة، إسهام أدوار أخرى، عربية وفلسطينية، في تعزيز سياسة الإبادة الإسرائيلية بنحو صريح ومقصود لا عن حسابات خاطئة، ممّا جعل الشعب الفلسطيني في غزّة بمقاومته يكاد يكون وحيدا؟!
نعم.. ليس متوقعا منهم أن يتجهوا بالنقد للأدوار الأخرى، لأنهم في النتيجة اصطفوا داخل هذه الأدوار الأخرى التي لا تهمها إبادة الفلسطينيين في غزّة ما دامت الطريق الوحيد لسحق مقاومتهم! إنّ حديث هؤلاء تحديدا عن معاناة أهل غزّة في ذريعة لإدانة مقاومتها، ما هو إلا صورة من صور الرضا بالإبادة!
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية العربية إسرائيل المقاومة نقد إسرائيل فلسطين غزة العرب المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المقاومة فی العام فی غز ة
إقرأ أيضاً:
الفصائل الفلسطينية تطالب باعترافٍ دولي غير مشروط بالدولة المستقلة
الثورة نت/..
أكدت الفصائل الفلسطينية، اليوم الخميس، أنّ “المقاومة لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حيث يرتبط سلاح المقاومة جوهرياً بهذا المشروع الوطني العادل”.
وقالت الفصائل في بيان إنها تابعت باهتمام مجريات المؤتمر الدولي رفيع المستوى للأمم المتحدة، الذي اختُتم مؤخراً في نيويورك.
وأضافت إن المؤتمر جاء في مرحلةٍ خطيرةٍ وحساسة من تاريخ شعبنا، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكاب حرب إبادة بحق شعبنا وأهلنا في قطاع غزة، ويمارس واحدة من أبشع عمليات التجويع في تاريخ البشرية، في وقت تطالب فيه المحكمة الجنائية الدولية بمثول قادته لمساءلتهم ومحاكمتهم، وسط صمت دولي مطبق.
ونوه بما حمله من مضامين مهمة تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.
وحيّت الفصائل “صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة، الذي يواجه بصبرٍ وثباتٍ واحدةً من أبشع الحروب التي عرفها العصر الحديث”.
وقالت إن “هذا الصمود العظيم، في وجه آلة القتل والدمار، يشكّل الركيزة الأساسية التي أفشلت أهداف العدوان”، ورسّخت حق شعبنا في الحياة والمقاومة. مشيدة “بالدور البطولي الذي تؤديه المقاومة في الدفاع عن شعبنا، وتثبيت إرادته الوطنية في ظل حربٍ غير متكافئة وظروف إنسانية كارثية”.
وأكدت أن “أيّ جهدٍ يُبذل على المستوى الدولي لإسناد شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة هو محلّ تقدير وترحيب، ويُعدّ ثمرةً طبيعية لتضحيات وصمود شعبنا على مدار 77 عاماً منذ النكبة، ونتيجةً مباشرةً لما أحدثته الحرب الصهيونية المدمّرة من اتساعٍ في دائرة التضامن الدولي مع شعبنا، وما شكّله ذلك من ضغطٍ متزايد على المجتمع الدولي”.
وقالت “إنّ شعبنا يطالب باعترافٍ دولي غير مشروط بدولته المستقلة وحقوقه الوطنية الثابتة، باعتبارها استحقاقًا سياسيًا وعدالة تاريخية لا يجوز التفاوض عليها أو تأجيلها”.
وأضافت: “إنّ الطريق إلى الحل تبدأ أولاً بوقف هذا العدوان الفاشي على شعبنا، ووقف جريمة الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال”.
وأكدت “أنّ المقاومة الفلسطينية تؤكد استعدادها لحل قضية الأسرى لديها ضمن سياق اتفاق لوقف إطلاق النار، وانسحابٍ كاملٍ لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وفتح المعابر، والشروع الفوري في إعادة الإعمار”.
وأضافت: كما تؤكد الفصائل على ضرورة الذهاب إلى مسارٍ سياسي جادّ، برعايةٍ دوليةٍ وعربية، يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق تطلعات شعبنا في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس”.
وأكملت مؤكدة “أن وقف حرب الإبادة والتجويع بحق شعبنا في غزة هو واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل التأجيل أو المقايضة، ويجب أن يتم فوراً دون ربطه بأي ملفاتٍ سياسية كحق شعبنا في دولته أو حل قضية الأسرى، إذ لا يجوز أن يُساوَم شعبنا على حقه في الحياة”.
واعتبرت أن “الاحتلال الصهيوني هو المصدر الرئيس للإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، وما يرتكبه من إبادةٍ جماعية وتجويع ممنهج في قطاع غزة يرسّخ طبيعته الإجرامية”.
وقالت: “وبناءً على ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها هي ردّ فعل طبيعي ومشروع على هذا الاحتلال، وهي حقٌ أصيل كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية، وأكدته المؤسسات والهيئات الدولية التي اطّلعت على الجرائم المرتكبة بحق شعبنا”.
وأضافت: أنّ هذه المقاومة لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وتحقيق أهداف شعبنا في التحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حيث يرتبط سلاح المقاومة جوهرياً بهذا المشروع الوطني العادل.
وتابعت: “أنّ المشهد الفلسطيني هو شأن الداخلي لأبناء شعبنا في الوطن والشتات. وعلى هذا الأساس، ندعو إلى تنفيذ الاتفاقات الوطنية السابقة المُوقّعة في القاهرة والجزائر وموسكو وبكين، والتي أكدت جميعها على ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
وأشارت إلى أن ذلك يشمل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بما يعزز موقعها القانوني والتمثيلي للكلّ الفلسطيني، إلى جانب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الداخل والخارج، على أسسٍ وطنية وديمقراطية، ومن دون أي اشتراطات مسبقة”.
وأكدت “أنّ اليوم التالي لانتهاء العدوان الصهيوني هو يومٌ فلسطيني بامتياز، يجب أن تتضافر فيه جهود ومكونات شعبنا كافة – الوطنية والسياسية والشعبية – جنباً إلى جنب مع جهود البناء والإعمار، لاستعادة وحدتنا الوطنية، وترسيخ شراكة حقيقية تليق بتضحيات شعبنا وصموده الأسطوري”.
وقالت: إنّ الحديث عن دمج الكيان الصهيوني في المنطقة هو مكافأة للعدو على جرائمه، ومحاولةٍ بائسة لإطالة بقائه على أرضنا المسلوبة؛ فلقد أثبتت التطورات الراهنة، خصوصاً خلال الشهور الأخيرة، أن هذا الكيان هو مصدرٌ رئيسي لعدم الاستقرار والشرور والإرهاب، ليس فقط في منطقتنا، بل على مستوى العالم بأسره”.
وأكدت أن “شعبنا الفلسطيني، كغيره من شعوب العالم التي وقعت تحت نير الاحتلال والاستعمار، سينال حريته واستقلاله، مهما طال الزمن وكبرت التحديات، مستنداً إلى عدالة قضيته، وصمود ومقاومة أبنائه، ووقوف كل أحرار العالم إلى جانبه في نضاله المشروع من أجل التحرّر والعودة والاستقلال”.
صدر البيان عن: حركة المقاومة الإسلامية حماس، حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، طلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة.