عمسيب صدق مقولة المركز والهامش أكثر من الحركات المسلحة، ومن ثم انطلق من فكرة المركز الذي يعمل منشاره في الأطراف ويفصلها. ولكن هذا مجرد وهم. هذا المركز إن كان موجودا في يوم ما، فهو لم يعد موجودا الآن.

الدولة التي يوجد مركزها في بورتسودان الآن والجيش والقوات التي تقاتل ليست ملكا لأحد، إقليم أو جهة؛ هي (نظريا وعمليا)ملك لكل السودانيين، وإذا توهم عمسيب أو غيره أنهم يملكون نفوذا في هذه الدولة يمكنهم من تقرير مصير السودان فهذه مجرد أمنيات، لا أكثر.


كون أن الجنجويد أو سابقا الحركات المسلحة قالوا إن الدولة محتكرة من قبل مجموعات محددة، هذه كانت مبالغة ومغالطة يكذبها الواقع.

فهذا الجيش الموجود والذي يقاتل الآن في كل السودان هو جيش السودان، وإذا وجد بعض الأفراد في هذا الجيش أو خارجه اعتقدوا أنه ملكهم فهذا مجرد اعتقاد زائف.

بديهي أن الدولة ومؤسساتها محكومة بقوانين لا تسمح بهذا الهراء بأي شكل من الأشكال، وإن حدثت بعض التجاوزات من هذا الطرف أو ذاك (وذلك يشمل الحركات التي تشارك الآن باسم الهامش) فهي تجاوزات غير مسنودة بأي مسوغات ويمكن بسهولة ردعها وتصحيحها، وهو ما يحدث وسيستمر في الحدوث. لا أحد يجرؤ الآن ولا في المستقبل على القيام باستغلال مؤسسات الدولة لصالح مجموعة أو فئة جهوية أو حزبية أو غيرها، والممارسات الخاطئة التي حدثت في الماضي لا أحد يجرؤ على تبريرها ولا الدفاع عنها ناهيك عن تكرارها. موازين القوة داخل الدولة ما عادت تسمح بشيء من هذا القبيل. وكذلك الوعي الكبير بالتحديات التي تواجه الدولة وتواجه الشعب السوداني؛ تحديات وجودية تجعل الجميع يبحثون عن العدالة والمساواة للجميع، منعا لأي مهددات للاستقرار.

خطاب عمسيب يستمد قوته كخطاب للانفصال ليس من شخص عمسيب ولا من داعميه، ولكن من افتراض ضمني يحاول عمسيب ترسيخه (كأماني وأحلام يقظة) ويعمل كذلك البعض على تضخيمه من أجل المزايدة، هذا الإفتراض هو أن عمسيب بشكل ما يمثل موقف رسمي في الدولة، أو هو قريب منها، أو يعبر عن وجهة نظر أو موقف داخل دولة 56 العميقة وما شابه. هو يروج لهذه الفرضية ليكستب زخما وليرضي أوهامه، وبعض أعداء الدولة يروجون لنفس الفرضية بغرض اختزالها وعزلها عن الشعب ليسهل ضربها. والبعض يربط عمسيب بالإسلاميين وهذا مجرد جهل أو خبث والبعض يربطه بالاستخبارات العسكرية، وهو يحاول أن يطرح نفسه كمرشد للجيش وللدولة تصديقا لوهم احتكار الدولة وامتلاك نفوذ داخلها.

وبالفعل استطاع عمسيب بمهارة عبر الإيحاء المستمر ترسيخ فكرة قربه من مركز الدولة وقلبها بما يمكنه تحديد أجندة هذه الدولة. وهي مهارة تستحق الإعجاب، إستطاع بموجبها اكتساب زخم سياسي وإعلامي. ولكنها قد تكون مهارة في خداع الذات قبل التلاعب بالآخرين. فقد يكون لعمسيب بعض الصلات ببعض العساكر في الجيش أو الأمن وبعض الموظفين في الدولة، ولكنها لا تزيد كثيرا عن صلة أي شخص آخر لا يوهم نفسه بأنه مرشد أعلى ولا ينادي باستخدام المنشار لفصل أقاليم السودان بشكل اعتباطي.

فإذا لم تكن تملك الدولة تحت يدك، ولا الجيش ولا الحكومة، فأنت مواطن مثل الآخرين. يحق لك بالطبع أن يكون لديك أحلامك وأوهامك الخاصة، لا أحد يستطيع منع الناس من الكلام في زمن وسائط التواصل الاجتماعي.

نقطة أخرى ذات صلة أظنها نقطة متعلقة بالجانب النفسي لتلقي خطاب عمسيب كخطاب عنصري مضر بالوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، وهي أن البشر يميلون بشكل لا شعوري للخلط بين قوة وتأثير الخطاب من جهة وضرره وتأثيره السلبي من جهة أخرى. يحدث ربط ضمني مفاده أن الفكرة السلبية الخطيرة والمدمرة هي بالضرورة فكرة قوية. وبقدر ما يشعر الناس بخطورتها تكون ردة فعلهم تجاهها. ولكن هل بالفعل يملك هذا الخطاب البغيض والذي يستحي منه الناس عن حق هذه القوة على أرض الواقع؟ في وسائط التواصل الاجتماعي كل شيء متضخم بأكثر من حجمه، وذلك ينطبق على هذه الخطابات وعلى ردات الفعل تجاهها.

وأخيرا، فإن تقليلنا من هذا الخطاب وتأثيره لا يعني التسامح معه بأي شكل باعتباره حق. صحيح الطرح السياسي الموضوعي لا أحد يستطيع الاعتراض عليه هذا بديهي. ولكن كل ما من شأنه الإضرار بوحدة وتماسك الجبهة الداخلية عسكريا وسياسيا مهما كان تافها يجب أولا تجريمه وإدانته سياسيا وأخلاقيا؛ وثانيا ردعه وحسمه بقوة الدولة والقانون بغض النظر عن الشخص وموقعه.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لا أحد

إقرأ أيضاً:

نواف سلام: نزعنا السلاح من أكثر من 500 مخزن في جنوب لبنان

لبنان – أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن الحكومة حققت إنجازات عدة أبرزها استعادة سيادة لبنان وضمان الأمن على كافة أراضيه، كاشفا عن نزع السلاح من أكثر من 500 مخزن في الجنوب.

وقال سلام في مؤتمر “إعادة بناء لبنان إطار الاستثمار وفرص الأعمال” إن انهيار القطاع المالي في لبنان هو نتيجة الحوكمة السيئة والإفلات من العقاب والبلد يواجه تحديات كبرى”، مشيرا إلى أن “الهجمات الإسرائيلية دمرّت البنى التحتية وأثرت على حياة اللبنانيين والشعب صمد بثبات وإصرار كما صمدت الشركات والمؤسسات رغم الانهيار”.

وشدد على أن “الحكومة حققت الحكومة إنجازات عدة أبرزها استعادة سيادة لبنان وضمان الأمن على كافة أراضيه فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية والمالية”، مؤكدا أنه “حان الوقت لبناء الدولة الذي هو من أوّل مهمّات حكومتي وأعمدة رؤية حكومتي هي استعادة السيادة وضمان الأمن والاستقرار على كل مساحة الأراضي اللبنانية”.

وكشف سلام أنه “تم نزع السلاح من أكثر من 500 مخزن في الجنوب وعزّزنا الأمن في مطار بيروت ونعمل مع القنوات الدبلوماسية لتوقف إسرائيل هجماتها على لبنان وتنسحب من النقاط الـ5″، جازما أنه “على الدولة ان يكون لديها السيطرة الكاملة على كل القوات المسلحة وتحقيق السلام وتطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار 1701”.

ولفت إلى “أننا نعمل على إعادة إرساء السيطرة والمراقبة في كل القطاعات وخاصة مطار بيروت وقريباً مطار القليعات في غضون عام”، مضيفا: “أنجزنا تقدما حقيقيا لإعادة حقوق المودعين وقد أدخلنا معايير شفافة في التعيينات”.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنفذ عدد من الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدني
  • خبراء الحركات الإسلامية بين الباحث والمباحث
  • الهجمة على الجيش والمخاطر على السودان
  • مدير «أمن طرابلس» يبحث خطة إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة
  • أكثر من 4 مليون.. فيلم "ريستارت" يحتل المركز الثاني في دور العرض
  • المنيا تواصل دعم الأمن الغذائي: أكثر من نصف مليون طن قمح تم توريدها حتى الآن
  • هل صحيح أن الهدية لا تهدى؟ .. حقيقة مقولة منتشرة بين الناس
  • إسلام عنان: المتحور الجديد أقل خطورة.. ولكن أكثر انتشارا وتماسكا مع خلايا الجسم
  • الفنيش: الفوضى الأمنية “عميقة” ولن تُحل بلجان مؤقتة
  • نواف سلام: نزعنا السلاح من أكثر من 500 مخزن في جنوب لبنان