انتفاضة واشنطن ضد قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت!
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
غضبة في واشنطن وانتفاضة تنديد ورفض داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي، ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ أكثر من عام.
أمريكا تُشهر السيف في وجه الجنائية الدولية
وفي مواجهة أمريكية مستمرة ضد العدالة الدولية وإسقاط لها، رفضت غالبية النخبة الأمريكية قرار اعتقال نتنياهو وغالانت، وكانت التصريحات على مستويات مختلفة بمثابة إشهار السيف في وجه المحكمة الجنائية الدولية، التي تمثل أحد أدوات منظومة العدالة الدولية، التي دأبت واشنطن على هدمها.
رفضت إدارة بايدن المنتهية ولايتها ونظيرتها المنتخبة بقيادة ترامب، بشكل قاطع قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت. وقد تعهد مايكل والتر، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، برد قوي على ما وصفه بتحيز المحكمة الجنائية الدولية المعادي للسامية، بحسب تعبيره، بعد تنصيب ترامب في كانون الثاني/ يناير 2025.
أزعم أنه ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة في مواجهة دائمة ضد العدالة الدولية، والأمثلة عديدة لا حصر لها
موقف فاضح وتناقض واضح
وفي موقف فاضح وشديد التناقض، ندد الرئيس الأمريكي جو بايدن بقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، ووصف هذا القرار بأنه يُعد "أمرا شائنا"، وقال في بيان: "سنقف دائما إلى جانب إسرائيل ضد أي تهديدات تواجه أمنها."
وقد كان لافتا للنظر التصريحات التحريضية للسيناتور الجمهوري الأمريكي "ليندزي غراهام، والتي تمثل احتقارا لمنظومة العدالة الدولية وتطاولا على أحد مؤسساتها، وتُعدُ انقلابا أخلاقيا فاضحا. وعلى منصة "إكس" كتب غراهام واصفا المحكمة الجنائية الدولية بأنها "منظمة مارقة ذات دوافع سياسية تدهس مفهوم سيادة القانون"! وانطلاقا من ثقافة الكاوبوي الأمريكية، التي يبدو أنها تهيمن عليه، أطلق غراهام تهديداته قائلا: "إن أي دولة أو منظمة تدعم قرارات الجنائية الدولية ستواجه موقفا حازما من الولايات المتحدة الأمريكية"!
جدير بالذكر، أن غراهام حرض مرارا وتكرارا ضد غزة، ودعا لضربها بقنابل خارقة للتحصينات، وزعم أنه يحق لإسرائيل استخدام سلاح نووي لتسوية غزة بالأرض، لإنهاء الحملة العسكرية، كما فعلت الولايات المتحدة بمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، إبان الحرب العالمية الثانية.
أمريكا إذ تهدم منظومة العدالة الدولية!
أزعم أنه ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة في مواجهة دائمة ضد العدالة الدولية، والأمثلة عديدة لا حصر لها.
في عام 2002، أصدر الكونغرس الأمريكي قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية" أو ما يعرف بقانون "غزو لاهاي"، والذي يهدف لحماية أفراد القوات المسلحة، والمسؤولين في الحكومة، سواء كانوا معينين أو منتخبين، من التعرض للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقد تضمن قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية" مادة مثيرة للجدل، هي المادة 2008، التي تنص على "السماح للرئيس الأمريكي باستخدام جميع الوسائل الضرورية لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية، في حال احتجازه من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو بأمر منها، أو نيابة عنها".
وقد فسر كثيرون هذه المادة بأنها تعطى واشنطن حق القيام بعمل عسكري، وغزو مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا لإطلاق سراح أي محتجز، ومن هنا عُرف هذا القانون مجازا بقانون "غزو لاهاي".
ترامب وتهديد المحكمة الجنائية الدولية
خلال ولايته الأولى، وبصدد طلب التحقيق في جرائم القوات الأمريكية في أفغانستان، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحكمة الجنائية الدولية، وهدد برد سريع وقوي ضد أي قرارات تستهدف بلاده أو إسرائيل أو غيرهما من حلفاء واشنطن.
وكانت إدارة ترامب في ولايته الأولي، قد هددت قضاة ومدعي المحكمة الجنائية الدولية، على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، بمنعهم من دخول الأراضي الأمريكية وتجميد حساباتهم المصرفية، ومقاضاتهم في حال واصلوا التحقيق في جرائم الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم من حلفاء واشنطن.
وبعد التهديدات الأمريكية، صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية برفض طلب المدعي العام للمحكمة بشأن فتح تحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يفترض أنها ارتكبت في أفغانستان، بدءا من أيار/ مايو 2003، وعللت قرارها أن مثل هذا التحقيق في ذلك الوقت لا يخدم مصالح العدل!
فقدان للعدالة وضغوط أمريكية ودولية
في 20 /أيار/ مايو الماضي، صُدمت النخب الأمريكية عندما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، حيث كانت تلك هي المرة الأولى التي تجري فيها محاولة لمحاكمة أحد حلفاء واشنطن، علما أن قرار المدعي العام شمل في ذات الوقت ثلاثة من قادة حماس، هم: السنوار وهنية ومحمد الضيف، وتلك خطوة عليها مآخذ، إذ شابها فقدان للعدالة؛ وذلك بسبب مساواة الضحية بالجلاد، ومبالغات ومغالطات في توجيه اتهامات إلى المقاومة التي تواجه محتلا غاصبا.
وفي إطار منهجية واشنطن في الإطاحة بمنظومة العدالة الدولية، كان مشرعون أمريكيون قد أعلنوا قبل تقديم كريم خان طلب إصدار مذكرات الاعتقال، أنهم يستعدون لإصدار تشريع يستهدف المحكمة الجنائية الدولية. وقد أعلن مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري، بعد تقديم طلب إصدار مذكرات الاعتقال، قائلا: "إن واشنطن يجب عليها أن تعاقب المحكمة الجنائية الدولية وأن تعيد كريم خان إلى مكانه".
ماذا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية؟
بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، يرى البعض أن تلك خطوة تاريخية، تحمل رمزية كبيرة، ستشجع الدول الموقعة على ميثاق روما للضغط على إسرائيل، كما ستضع نتنياهو تحت ضغط كبير، وتحد من قدرته على التنقل، كما أنها تضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك.
قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بحق نتنياهو وغالانت، في ظل الانتفاضة الأمريكية ضده، ربما لا يتجاوز عتبة الخطوة الرمزية، وسيضاف إلى أرشيف القرارات الدولية السابقة، التي باتت طي النسيان لأنه لا توجد قوة قادرة على إنفاذها
ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ستكون له آثار بعيدة المدى على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، التي تزود إسرائيل بالسلاح.
لكن تجارب الواقع وشواهد التاريخ الحديث، تؤكد أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل، هم أول من يطيح بقرارات الشرعية الدولية، ويضربون بها عُرض الحائط.
كثيرا ما يتم الحديث عن النظام القائم على القواعد، فهل يوجد حقا نظام دولي قائم على القواعد، إذا كانت تلك القواعد تنطبق على البعض دون البعض الآخر؟
الحقيقة أن الأمريكيين والأوروبيين ينظرون إلى النظام القائم على القواعد على أنه النظام الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة، وليس النظام الذي تخضع فيه جميع الدول -بما فيها حلفاء واشنطن- للقواعد على قدم المساواة، بحسب تعبير "تاريتا بارسي" رئيس معهد كوينسي في واشنطن.
ختاما
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بحق نتنياهو وغالانت، في ظل الانتفاضة الأمريكية ضده، ربما لا يتجاوز عتبة الخطوة الرمزية، وسيضاف إلى أرشيف القرارات الدولية السابقة، التي باتت طي النسيان لأنه لا توجد قوة قادرة على إنفاذها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأمريكي الجنائية الدولية الإسرائيلي نتنياهو جرائم غزة العدالة إسرائيل غزة نتنياهو جرائم أمريكي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قرار المحکمة الجنائیة الدولیة بحق نتنیاهو وغالانت الولایات المتحدة العدالة الدولیة حلفاء واشنطن
إقرأ أيضاً:
الصين تكشف حدود القوة الأمريكية.. كيف قلبت حرب ترامب التجارية الطاولة على واشنطن؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا، تناولت فيه: تقييم صفقة ترامب التجارية الأخيرة مع الصين، والتي لا تُعد سوى تراجع غامض عن الحرب التجارية التي بدأها، مع إبقاء رسوم جمركية مرتفعة تضر أمريكا أكثر من الصين.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الصفقة التجارية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع الصين، هذا الأسبوع، تبدو غامضة إلى حد كبير، لكنها تتماشى مع النمط المعتاد لما وصفه أحد معلّقي "فاينانشال تايمز" بذكاء بـ"تجارة تاكو"، في إشارة إلى ميل ترامب للتراجع في اللحظات الأخيرة، مع وجود متغير جديد هذه المرة".
ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي، دين بيكر، قوله إنّ: "هذه الرسوم تُضر بالاقتصاد الأمريكي أكثر من الصيني، إذ يتوقع البنك الدولي تباطؤ نمو الولايات المتحدة من 2.8 بالمائة إلى 1.4 بالمائة، بينما يظل نمو الصين دون تغيير، وهو ما يوضح من يدفع فعليًا ثمن "يوم التحرير" الذي أعلنه ترامب".
"تعقيد الاقتصاد العالمي وتشابكه بات كافيًا لفرض قيود حتى على الولايات المتحدة، رغم قيادتها من قبل رئيس لا يتردد في استخدام أي وسيلة متاحة. وأوضح الباحثان هنري فاريل وأبراهام ل. نيومان أنّ هذا الترابط يمكن تسخيره كأداة للضغط حيث تستغل الدول نفوذها الاقتصادي لممارسة الإكراه" بحسب التقرير نفسه.
وتابع: "قد كانت واشنطن الأكثر نشاطًا في هذا المجال، عبر فرض عقوبات متنوعة، بما في ذلك العقوبات الثانوية ومعاقبة الأفراد وعزل دول كاملة عن المنظومات العالمية. لكن الإفراط في استخدام هذه الأدوات بدأ يكشف عن حدود فعاليتها وتكاليفها المتزايدة".
إلى ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنّ: "الولايات المتحدة استخدمت هيمنتها الاقتصادية، خاصة في القطاع المالي العالمي، كسلاح فعال ضد خصومها على مدى العقود الماضية؛ فالدولار يُستخدم في نحو 90 بالمائة من معاملات الصرف الأجنبي ويشكل حوالي 57 بالمائة من احتياطيات الصرف الأجنبي العالمية ويُصدر به أكثر من 60 بالمائة من ديون العالم".
وأردف: "كما يخضع نظام سويفت المالي لتأثير واشنطن على الرغم من أن مقره يقع في بلجيكا، ما يمنحها القدرة على عزل دول مثل إيران وروسيا وكوريا الشمالية عن النظام المالي العالمي دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية".
إلى ذلك، أفادت الصحيفة بأنّ: "التجارة تختلف عن المال في عالم متعدد الأقطاب حيث تمتلك الدول خيارات عدة؛ إذ فرضت أمريكا قيودًا على صادرات الإيثان إلى الصين، فاستبدلته بكين بوقود آخر".
ومضت بالقول: "فضلا عن ذلك، تمتلك الصين نفوذًا كبيرًا كونها أكبر مصدر للبضائع عالميًا وتسيطر على تصنيع 30 بالمائة من القيمة العالمية وتحتكر معالجة مواد حيوية كالنيكل والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة والليثيوم وهي ضرورية للتكنولوجيا الحديثة".
واسترسلت: "عندما قيّدت أمريكا تصدير تكنولوجيا الرقائق المتقدمة، ردت الصين بحظر تصدير بعض المعادن النادرة اللازمة للإلكترونيات وأنظمة الدفاع الأمريكية ولم تجد أمريكا بدائل سريعة".
وبحسب الصحيفة فإنّ: "استراتيجية ترامب -إن وُجدت- كانت مبنية على فهم خاطئ للصين. فالصين كانت تستعد لمثل هذا الضغط من خلال تقليل اعتماد اقتصادها على الواردات الأمريكية وتوسيع علاقاتها التجارية مع دول أخرى وتحفيز مواطنيها على تحمل المصاعب للدفاع عن وطنهم أمام الضغوط الخارجية".
وأكّدت: "قبل ترامب بفترة طويلة، استخدمت واشنطن نفوذها الاقتصادي بشكل مفرط جدًا. وتُظهر قاعدة بيانات العقوبات العالمية أن عدد العقوبات الأمريكية المفروضة على دول أجنبية تضاعف أكثر من خمس مرات خلال العشرين سنة الماضية".
واستدركت: "لكن ترامب صعّد الأمر إلى مستوى جديد من خلال تهديده بفرض تعريفات جمركية وإجراءات أخرى غير متعلقة بالتجارة، مثل سحب التأشيرات عن الطلاب الأجانب. ولم يعد يبدو كرجل يمثل الدولة الرائدة في العالم، بل أشبه برئيس عصابة".
وختمت الصحيفة بالقول: "كانت حرب ترامب التجارية مثالاً واضحًا على سوء استخدام القوة الصلبة في مجال لم تكن للولايات المتحدة فيه ميزة واضحة؛ حيث أدّى الإكراه إلى مقاومة بدلاً من الامتثال. هذه الحرب عطّلت الأسواق وأضرت بالتحالفات وسرّعت البحث عن بدائل للأنظمة التي تهيمن عليها أمريكا".
واستطردت: "أكبر تكلفة على استخدام القوة الصلبة الأمريكية بهذه الطريقة العنيفة ستكون تآكل القوة الناعمة الأمريكية؛ الإيمان والثقة في أمريكا التي جعلتها رائدة في صياغة الأجندات العالمية ومنحتها مكانة محورية في مجالات عديدة من المالية والعملات إلى السياسة الدولية".