غضبة في واشنطن وانتفاضة تنديد ورفض داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي، ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ أكثر من عام.

أمريكا تُشهر السيف في وجه الجنائية الدولية

وفي مواجهة أمريكية مستمرة ضد العدالة الدولية وإسقاط لها، رفضت غالبية النخبة الأمريكية قرار اعتقال نتنياهو وغالانت، وكانت التصريحات على مستويات مختلفة بمثابة إشهار السيف في وجه المحكمة الجنائية الدولية، التي تمثل أحد أدوات منظومة العدالة الدولية، التي دأبت واشنطن على هدمها.



رفضت إدارة بايدن المنتهية ولايتها ونظيرتها المنتخبة بقيادة ترامب، بشكل قاطع قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت. وقد تعهد مايكل والتر، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، برد قوي على ما وصفه بتحيز المحكمة الجنائية الدولية المعادي للسامية، بحسب تعبيره، بعد تنصيب ترامب في كانون الثاني/ يناير 2025.

أزعم أنه ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة في مواجهة دائمة ضد العدالة الدولية، والأمثلة عديدة لا حصر لها
موقف فاضح وتناقض واضح

وفي موقف فاضح وشديد التناقض، ندد الرئيس الأمريكي جو بايدن بقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، ووصف هذا القرار بأنه يُعد "أمرا شائنا"، وقال في بيان: "سنقف دائما إلى جانب إسرائيل ضد أي تهديدات تواجه أمنها."

وقد كان لافتا للنظر التصريحات التحريضية للسيناتور الجمهوري الأمريكي "ليندزي غراهام، والتي تمثل احتقارا لمنظومة العدالة الدولية وتطاولا على أحد مؤسساتها، وتُعدُ انقلابا أخلاقيا فاضحا. وعلى منصة "إكس" كتب غراهام واصفا المحكمة الجنائية الدولية بأنها "منظمة مارقة ذات دوافع سياسية تدهس مفهوم سيادة القانون"! وانطلاقا من ثقافة الكاوبوي الأمريكية، التي يبدو أنها تهيمن عليه، أطلق غراهام تهديداته قائلا: "إن أي دولة أو منظمة تدعم قرارات الجنائية الدولية ستواجه موقفا حازما من الولايات المتحدة الأمريكية"!

جدير بالذكر، أن غراهام حرض مرارا وتكرارا ضد غزة، ودعا لضربها بقنابل خارقة للتحصينات، وزعم أنه يحق لإسرائيل استخدام سلاح نووي لتسوية غزة بالأرض، لإنهاء الحملة العسكرية، كما فعلت الولايات المتحدة بمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، إبان الحرب العالمية الثانية.

أمريكا إذ تهدم منظومة العدالة الدولية!

أزعم أنه ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة في مواجهة دائمة ضد العدالة الدولية، والأمثلة عديدة لا حصر لها.

في عام 2002، أصدر الكونغرس الأمريكي قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية" أو ما يعرف بقانون "غزو لاهاي"، والذي يهدف لحماية أفراد القوات المسلحة، والمسؤولين في الحكومة، سواء كانوا معينين أو منتخبين، من التعرض للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وقد تضمن قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية" مادة مثيرة للجدل، هي المادة 2008، التي تنص على "السماح للرئيس الأمريكي باستخدام جميع الوسائل الضرورية لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية، في حال احتجازه من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو بأمر منها، أو نيابة عنها".

وقد فسر كثيرون هذه المادة بأنها تعطى واشنطن حق القيام بعمل عسكري، وغزو مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا لإطلاق سراح أي محتجز، ومن هنا عُرف هذا القانون مجازا بقانون "غزو لاهاي".

ترامب وتهديد المحكمة الجنائية الدولية

خلال ولايته الأولى، وبصدد طلب التحقيق في جرائم القوات الأمريكية في أفغانستان، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحكمة الجنائية الدولية، وهدد برد سريع وقوي ضد أي قرارات تستهدف بلاده أو إسرائيل أو غيرهما من حلفاء واشنطن.

وكانت إدارة ترامب في ولايته الأولي، قد هددت قضاة ومدعي المحكمة الجنائية الدولية، على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، بمنعهم من دخول الأراضي الأمريكية وتجميد حساباتهم المصرفية، ومقاضاتهم في حال واصلوا التحقيق في جرائم الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم من حلفاء واشنطن.

وبعد التهديدات الأمريكية، صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية برفض طلب المدعي العام للمحكمة بشأن فتح تحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يفترض أنها ارتكبت في أفغانستان، بدءا من أيار/ مايو 2003، وعللت قرارها أن مثل هذا التحقيق في ذلك الوقت لا يخدم مصالح العدل!

فقدان للعدالة وضغوط أمريكية ودولية

في 20 /أيار/ مايو الماضي، صُدمت النخب الأمريكية عندما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، حيث كانت تلك هي المرة الأولى التي تجري فيها محاولة لمحاكمة أحد حلفاء واشنطن، علما أن قرار المدعي العام شمل في ذات الوقت ثلاثة من قادة حماس، هم: السنوار وهنية ومحمد الضيف، وتلك خطوة عليها مآخذ، إذ شابها فقدان للعدالة؛ وذلك بسبب مساواة الضحية بالجلاد، ومبالغات ومغالطات في توجيه اتهامات إلى المقاومة التي تواجه محتلا غاصبا.

وفي إطار منهجية واشنطن في الإطاحة بمنظومة العدالة الدولية، كان مشرعون أمريكيون قد أعلنوا قبل تقديم كريم خان طلب إصدار مذكرات الاعتقال، أنهم يستعدون لإصدار تشريع يستهدف المحكمة الجنائية الدولية. وقد أعلن مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري، بعد تقديم طلب إصدار مذكرات الاعتقال، قائلا: "إن واشنطن يجب عليها أن تعاقب المحكمة الجنائية الدولية وأن تعيد كريم خان إلى مكانه".

ماذا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية؟

بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، يرى البعض أن تلك خطوة تاريخية، تحمل رمزية كبيرة، ستشجع الدول الموقعة على ميثاق روما للضغط على إسرائيل، كما ستضع نتنياهو تحت ضغط كبير، وتحد من قدرته على التنقل، كما أنها تضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك.

قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بحق نتنياهو وغالانت، في ظل الانتفاضة الأمريكية ضده، ربما لا يتجاوز عتبة الخطوة الرمزية، وسيضاف إلى أرشيف القرارات الدولية السابقة، التي باتت طي النسيان لأنه لا توجد قوة قادرة على إنفاذها
ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ستكون له آثار بعيدة المدى على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، التي تزود إسرائيل بالسلاح.

لكن تجارب الواقع وشواهد التاريخ الحديث، تؤكد أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل، هم أول من يطيح بقرارات الشرعية الدولية، ويضربون بها عُرض الحائط.

كثيرا ما يتم الحديث عن النظام القائم على القواعد، فهل يوجد حقا نظام دولي قائم على القواعد، إذا كانت تلك القواعد تنطبق على البعض دون البعض الآخر؟

الحقيقة أن الأمريكيين والأوروبيين ينظرون إلى النظام القائم على القواعد على أنه النظام الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة، وليس النظام الذي تخضع فيه جميع الدول -بما فيها حلفاء واشنطن- للقواعد على قدم المساواة، بحسب تعبير "تاريتا بارسي" رئيس معهد كوينسي في واشنطن.

ختاما

إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بحق نتنياهو وغالانت، في ظل الانتفاضة الأمريكية ضده، ربما لا يتجاوز عتبة الخطوة الرمزية، وسيضاف إلى أرشيف القرارات الدولية السابقة، التي باتت طي النسيان لأنه لا توجد قوة قادرة على إنفاذها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأمريكي الجنائية الدولية الإسرائيلي نتنياهو جرائم غزة العدالة إسرائيل غزة نتنياهو جرائم أمريكي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قرار المحکمة الجنائیة الدولیة بحق نتنیاهو وغالانت الولایات المتحدة العدالة الدولیة حلفاء واشنطن

إقرأ أيضاً:

بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية.. شاركا بجرائم الإبادة في غزة

قررت النيابة العامة الفيدرالية البلجيكية ، إحالة قضية عسكريين إسرائيليين اعتقلتهما منذ 10 أيام، إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي , وهو ما عده حقوقيون بأنه تطور كبير في ملاحقة الجنود الإسرائيليين في الخارج أمام القضاء الدولي.

وكان القضاء البلجيكي قد حقق مع جنديين إسرائيليين يوم الـ20 من تموز / يوليو الماضي في إطار تحقيق بجرائم حرب الإبادة في قطاع  غزة, حيث تم التعرف عليها خلال حضورهما مهرجان الموسيقى الإلكترونية "تومورولاند" في منطقة فلاندرز البلجيكية وجرى اعتقالهما بشكل علني, وذلك عقب شكوى قانونية تقدمت بها كل من مؤسسة هند رجب الحقوقية وشبكة الإجراءات القانونية العالمية, قبل أن يتم الإفراج عنهما لاحقًا مع استمرار التحقيق.

"هند رجب".. تلاحق مجرمي الحرب
ومن ضمن الاتهامات الموجهة للجنديين "الهجمات على المدنيين، واستخدامهم كدروع بشرية، واللجوء إلى التعذيب، والتشريد القسري للسكان في غزة".

وبحسب مؤسسة "هند رجب"، فإن الجنديين يخدمان في لواء غفعاتي التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد رُفعت ضدهما دعوى تتهمهما بالمشاركة في جرائم حرب ارتُكبت في قطاع غزة خلال العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.

وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الشكوى تأتي في إطار حملة واسعة لكسر دائرة إفلات الجنود الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة من العقاب، مؤكدة أنها قدمت حتى الآن 30 دعوى قانونية في 15 دولة ضد جنود وضباط من جيش الاحتلال


لأول مرة في أوروبا .. بلجيكا تعتقل جنود إسرائيليين بتهم جرائم الحرب
وفي تطور ملفت في هذا الملف، قالت النيابة العامة البلجيكية إن قرار إحالة ملف الجنديين الإسرائيليين على المحكمة الجنائية الدولية جرى اتخاذه حرصًا على حسن سير العدالة واحترامًا لالتزامات بلجيكا الدولية, وهي خطوة تشير إلى أن بلجيكا بصدد تفعيل صلاحياتها القضائية الدولية لمحاكمة الأفراد المتهمين بانتهاك القانون الدولي الإنساني، حتى إن لم تقع الجرائم على أراضيها, وهو ما تسبب في أزمة بين بلجيكا و"إسرائيل"، نظرًا لكون هذا الإجراء يعد الأول من نوعه في أوروبا، يتم فيه اعتقال جنود إسرائيليين بتهم جرائم الحرب.

النيابة العامة الفيدرالية أوضحت في بيان لها نقلته وسائل الإعلام البلجيكية اليوم الجمعة ، أنه سيتم إحالة هذه الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق وزارة العدل، وهي السلطة المركزية المختصة بإحالة طلبات السلطات القضائية البلجيكية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وبهذا، تكون بلجيكا قد أرست سابقة في مجال التعامل مع الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب ضد قطاع غزة , وهو ما قد يفتح الباب أمام دول أخرى لاتخاذ الخطوات نفسها وإحالة ملفات الجنود الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب بعد التعرف عليهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وتعد بلجيكا رفقة إسبانيا من الدول التي تبنت مواقف متشددة من الحرب التي تشنها "إسرائيل" ضد قطاع غزة، حيث طالبت بتعليق اتفاقية الشراكة مع دولة الاحتلال.

كما أن القضاء البلجيكي أصدر منذ أسبوعين قرارا يقضي بمنع مرور أسلحة الى "إسرائيل" عبر الموانئ والمطارات البلجيكية، واعتبرت ذلك تطبيقا للقانون الدولي في ظل ما يجري في قطاع غزة.

وفي نبرة وصفت بالحادة, وصف ملك بلجيكا "لويس فيليب" التي تحتضن مؤسسات الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو, الانتهاكات في غزة بأنها "عار على الإنسانية", مضيفا خلال كلمة بقصره في بروكسل في تموز / يوليو الماضي إنه سيضم صوته إلى كل من يدين الانتهاكات الإنسانية الخطيرة في غزة، حيث يموت الأبرياء من الجوع ويقتلون بالقنابل بينما هم محاصرون.
"It is a disgrace to all of humanity."

During a speech marking the country's National Day, Belgium's King Philippe denounced "grave humanitarian abuses" in Gaza. pic.twitter.com/uczGB04p4v — DW News (@dwnews) July 21, 2025
جيش الاحتلال "يُخفي" جنوده لتجنيبهم الاعتقال في الخارج
وفي محاولة لتجنيب جيش الاحتلال اعتقال جنوده في الخارج , فقد عمد إلى اتخاذ قرار في مطلع كانون الثاني / يناير عام 2025 يمنع الكشف عن أسماء وصور الجنود برتبة عقيد وما دون ذلك في مناطق القتال في وسائل الإعلام خشية اعتقالهم لدى سفرهم إلى الخارج وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس، حيث دعا للاكتفاء بتصوير الجنود من الخلف أو بوجوه مشوشة.

وكانت تقارير أمنية إسرائيلية أفادت بارتفاع محاولات ملاحقة جنود جيش الاحتلال قضائيًّا في الخارج، ووصفت هذه المحاولات بأنها "نهج نجاح محتمل" ، حسبما ذكرت هيئة البث الرسمية.

مقالات مشابهة

  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية.. شاركا بجرائم الإبادة في غزة
  • السودان.. الجنائية الدولية تتسلم ملف جرائم الدعم السريع في دارفور
  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب
  • بلجيكا تحيل على الجنائية الدولية اتهامات بجرائم حرب ضد إسرائيلييْن
  • المنظمة الدولية للشرطة الجنائية تمنح وزير الداخلية وسام “الإنتربول” من الطبقة العليا
  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين على «الجنائية الدولية»
  • بلجيكا تحيل اتهامات بحق جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية
  • بلجيكا تقرر إحالة جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية
  • بلجيكا تُحيل إلى الجنائية الدولية اتهامات بجرائم حرب ضد إسرائيليَين
  • اعتقال حاخامات يهود خلال احتجاجات في واشنطن ونيويورك للمطالبة بإنهاء حصار غزة