نشر المعهد المغربي لتحليل السياسات، ورقة بحثية للباحثة الأكاديمية المتخصصة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم ابليل، تناقش من خلالها لوبي القطاع الخاص في البرلمان المغربي عقب قرار للمحكمة الدستورية المتعلق بالرقابة على النظام الداخلي لمجلس النواب.

وأوضحت الباحثة أن « غياب إطار قانوني واضح ينظم استقبال اللجان الدائمة للفاعلين من القطاع الخاص، يؤدي إلى العمل في الظل وبشكل غير مؤطر، مما قد يؤثر سلبا على مبادئ الشفافية والمساواة ».

وناقشت الورقة قرار المحكمة الدستورية، الذي شدد على أهمية التزام مجلس النواب بالضوابط الدستورية في تنظيم عمله الداخلي، وقضت بمطابقة معظم مواده مع الدستور، إلا أنها أبدت ملاحظات ورفضت بعض المقتضيات التي رأت أنها تخالف المبادئ الدستورية، كما هو الحال بخصوص المادة 130 المتعلقة باستماع اللجان الدائمة لممثلي القطاع الخاص.

وقضت المحكمة في قرارها، موضوع الورقة البحثية، بعدم دستورية مقتضى من المادة 130 الذي يسمح للجان الدائمة بالاستماع إلى “فاعلين من القطاع الخاص”، ورغم أن المحكمة الدستورية استندت إلى عدم وجود نص دستوري واضح ينظم هذا التفاعل، إلا أن هذا القرار يثير تساؤلات كثيرة حول مدى انسجامه مع روح الدستور التي تدعو إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية، وحول مدى توافقه مع التوجهات العالمية ذات الصلة بتقنين عمل جماعات الضغط وتنظيم تفاعلها مع المؤسسات البرلمانية، وفق الباحثة مريم ابليل.

تقول الباحثة مريم اليل، إنه « من الواضح أن المحكمة الدستورية اعتمدت في قرارها على مبدأ التقيد الحرفي بالاختصاصات المنصوص عليها في الدستور والقوانين التنظيمية، بحيث ترى أن أي توسيع للاختصاصات يجب أن يكون بناء على نصوص تشريعية واضحة، وهو ما غاب في هذه الحالة ».

ورأت الورقة البحثية أن « رفض المحكمة الدستورية مرتبط بعدم وجود أساس دستوري أو قانوني ينص على إمكانية استماع اللجان الدائمة إلى فاعلين من القطاع الخاص، يدفع إلى طرح السؤال التالي: هل يجب أن تكون جميع المقتضيات المنصوص عليها في النظام الداخلي مذكورة صراحة في الدستور؟ أم فقط يمكن الاكتفاء بوجود قواعد عامة في الدستور تضع إطارا عاما، بينما يتم تفصيل هذه القواعد وتوضيحها من خلال الأنظمة الداخلية والقوانين الأخرى؟ ».

وتوقفت الورقية البحثية عند نماذج دولية تنظم عمل جماعات الضغط في البرلمان، منها الولايات المتحدة الأمريكية (قانون الإفصاح عن اللوبيات)، والاتحاد الأوروبي، (السجل الشفاف لممثلي المصالح)، ثم كندا (قانون تسجيل اللوبيات)، وأيضا أستراليا (مدونة قواعد سلوك اللوبيات)، وأخيرا المملكة المتحدة (قانون الشفافية في ممارسة الضغط).

وشددت الباحثة على أن « اللوبيات تلعب دورا رئيسيا في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة عبر تقديم المعلومات والخبرات للمشرعين، والدفاع عن مصالح محددة »، مؤكدة أنه « لضمان نجاح هذه الخطوة، يجب وضع إطار قانوني وتنظيمي يضمن الشفافية والمساءلة، وتجنب تضارب المصالح، ويمكن للمغرب الاستفادة من التجارب الدولية وتطوير نظام لوبيات يساهم في تحسين جودة العملية التشريعية وتمثيل مصالح المجتمع بشكل أفضل ».

وترى مريم ابليل، أن « الدول التي سمحت بتفاعل مؤسساتها البرلمانية مع القطاع الخاص، لم تتعرض بالضرورة لتضارب المصالح، طالما أن هناك قواعد شفافة تنظم هذا التفاعل »، مضيفة أنه « لعل أهم عنصر لعدم رفض هذا المقتضى يتعلق بكون هذه الاستشارة غير ملزمة، لأن الاستماع إلى فاعلين من القطاع الخاص لا يعني أن البرلمان ملزم باتخاذ قرارات وفقا لمصالح هذا القطاع، إنما يمكن الاستفادة من آرائهم كمصدر إضافي للمعلومة والمشورة. وتبقى هذه الآراء استشارية فقط، وهو ما لا يمس بمبدأ استقلالية السلطة التشريعية ».

وحدد قرار المحكمة الدستورية عددا من الشروط لتنظيم علمية الاستماع لباقي الهيئات التي قضمت المحكمة بدستورية بالاستماع لها من قبل اللجان، وجاءت في هذه الشروط أن لا تعقد اللجان الدائمة جلسة الاستماع إلا بعد عرض طلب مكتب اللجنة المعنية على مكتب مجلس النواب، الذي يعود إليه البت فيه قبل إحالته على الجهة المقصودة بالطلب، وأن تظل الاستجابة لطلب الاستماع رهينة بالموافقة المسبقة للمعنيين بالأمر.

ويشترط أيضا، أن تكون آراء الخبراء وممثلي المنظمات أو الهيئات على سبيل الاستئناس والاستفادة مما اكتسبوه من تجربة، ليس إلا، وأن يتقيد أعضاء اللجان الدائمة بالحياد والموضوعية والنزاهة، وألا يستعملوا المعلومات التي يحصلون عليها أثناء جلسة الاستماع هاته إلا فيما يتصل بأداء مهامهم النيابية. مما يبين أن الفاعلين من القطاع الخاص كانوا كذلك سيخضعون للشروط نفسها.

ووفق الورقة البحثية، ذكر قرار المحكمة الدستورية في تعليله لضرورة وجود سند دستوري لأي مقتضى يتم تنظيمه من خلال النظام الداخلي، أن الفصل 102 من الدستور حدد المؤسسات التي يمكن الاستماع إليهم أمام اللجان الدائمة (مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية)، إلا أنه لم يحدد السند الدستوري للاستماع لمن صرح بدستورية الاستماع لهم أمام اللجان (خبراء أو ممثلي منظمات أو هيئات).

تضيف الباحثة، « لكن السؤال يبقى لماذا تم استبعاد فاعلي القطاع الخاص؟ وهل تحقيق الديمقراطية التشاركية لا يرتبط كذلك باعتماد التشاور والإشراك لكافة الفاعلين في المجتمع؟ وألا يمكن أن تشكل آراء الفاعلين من القطاع الخاص قيمة مضافة لتيسير وظائف أعضاء المجلس؟ ».

وترة ابليل أن « استبعاد الفاعلين في القطاع الخاص من جلسات الاستماع أمام اللجان الدائمة يبدو غير مبرر، خاصة وأن الديمقراطية التشاركية تقوم على إشراك كافة الفاعلين في المجتمع، بما في ذلك القطاع الخاص، إذ يشكل هذا القطاع جزءا أساسيا من عملية التشاور وصنع القرار، نظرا لدوره المحوري في الاقتصاد وتأثيره المباشر على السياسات العمومية ».

وخلصت الورقة البحثية إلى أن « قرار المحكمة الدستورية قد يكون مفرطا في الحذر، ويجب تطوير آليات قانونية تسمح بالتفاعل المنظم بين البرلمان والفاعلين من القطاع الخاص بما يتماشى مع مبادئ الشفافية والديمقراطية التشاركية، كما أن تفاعل البرلمان مع القطاع الخاص لا يشكل تهديدا لاستقلاليته إذا تم تنظيمه بوضوح ووفقا لقواعد شفافة، بل يجب أن يكون هذا التفاعل عنصرا من عناصر تطوير الممارسات البرلمانية بحيث تستجيب للتغيرات المجتمعية والرقمية ».

لقراءة النص الكامل للورقة: انقر هنا

كلمات دلالية "ورقة سياسات"، لوبي القطاع الخاص، البرلمان، المحكمة الدستورية

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: قرار المحکمة الدستوریة من القطاع الخاص الورقة البحثیة اللجان الدائمة

إقرأ أيضاً:

البناء والأخشاب تعقد دورات تثقيفية عن قانون العمل الجديد

نظمت النقابة العامة للعاملين بالبناء والأخشاب، برئاسة عبد المنعم الجمل، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، أولى الدورات التثقيفية عن قانون العمل الجديد، والذي أقره مجلس النواب مؤخرا.

جاء ذلك في مقر مركز التدريب المهني المتطور التابع للنقابة العامة، بحضور ممثلين عن اللجان النقابية للعاملين في عدد من الشركات التابعة لقطاع التشييد والبناء.

واستعرض الدكتور نيازي مصطفى، خبير التشريعات العمالية، تفاصيل قانون العمل الجديد، والفارق بينه وبين القانون رقم (12) لسنة 2003 وتعديلاته.

وأكد نيازي مصطفى، أن القانون الجديد، حقق العديد من المطالب والامتيازات للعاملين في القطاع الخاص، ونجح في الحد من مشكلات تطبيق القانون القديم.

وقال إن التشريع الجديد اتجه لأنماط العمل الجديدة، وهي العمل عن بعد، وما يترتب عليه من أهمية ضمان حقوق العاملين، وكذلك ضوابط الحصول على الإجازات والأجور وغيرها.

وأوضح خبير التشريعات العمالية، أن قانون العمل الجديد ركز بشكل كبير على عمليات التدريب والتأهيل، بما يساهم في رفع كفاءة الأيدي العاملة، وتأهيلها لسوق العمل بما يضمن توفير فرص حقيقية تتماشى مع التطورات الحديثة.

وأكد أن قانون العمل الجديد، يساهم أيضا في تحقيق الاستقرار الوظيفي، من خلال منع فصل العامل تعسفيا، والقضاء على إشكالية استخدام استمارة (6) التي كانت تستخدم وسيلة لفصل العاملين تعسفيا، حيث يلزم القانون أصحاب الأعمال بتوثيق جميع إجراءات التوظيف أو إنهاء الخدمة في عقود العمل الرسمية مما يمنع التحايل القانوني.

وشهدت الدورة التثقيفية، نقاشا بشأن الفارق بين قانون العمل الجديد والقديم، وأبرز الامتيازات، وما يترتب عليه من الإبقاء على كافة حقوق العاملين في القطاع الخاص، ودور القانون في دعم الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار.

طباعة شارك النقابة العامة للعاملين بالبناء والأخشاب الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قانون العمل الجديد القانون رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته القطاع الخاص استمارة 6

مقالات مشابهة

  • الراعي يطلّع على أداء اللجان الدائمة ويحثها على مضاعفة الجهود لإنجاز أعمالها
  • العلامة مفتاح يلتقي قيادة الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة
  • مجلس النواب يشارك في الندوة المشتركة على هامش جلسات البرلمان الأفريقي
  • وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح
  • لجنة سنن البحر بجعلان بني بو علي تناقش سبل دعم الصيادين ومعايير استبدال قوارب الصيد وتأثير القوى العاملة الوافدة
  • مجلس النواب يعزز التعاون مع المحكمة الدستورية ويستعد لجلسة حوارية حول تطوير النظام الصحي
  • جمعية رجال الأعمال تبحث آليات إشراك القطاع الخاص في إدارة الأزمات والكوارث
  • البناء والأخشاب تعقد دورات تثقيفية عن قانون العمل الجديد
  • خبير اقتصادي: لماذا يمنع الانتقالي اللجان البرلمانية من عملها بالمحافظات المحررة؟
  • 4205 مستفيدين من “حافز” في القطاع الحكومي و6470 في الخاص