جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@20:37:29 GMT

عقيدة روسيا النووية الجديدة وما بعدها

تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT

عقيدة روسيا النووية الجديدة وما بعدها

حمد الناصري

 

سأبدأ مقالي بالمثل الإيطالي المأثور باللاتينية "إذا أردت السِّلم فاستعد للحرب" والذي قاله يوليوس قيصر.. ويستخدم هذا المثل كشعار وهدف على نطاق واسع عالميًا، كالبحرية الملكية البريطانية التي ترفعه كشعار رسمي لها.

ومن خِضم التطورات العالمية والتي أصبحت تتفاعل وتتسارع كاشفة عن أحداث مُؤثرة وخطيرة تشكل تحديات ليس فقط لصانعي القرار في الدول الكبرى بل يَمتد تأثيرها إلى العالم كله ومنطقتنا بالذات.

وآخر ما طرأ من تلك الأحداث وبعد تداعيات انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المُتحدة واستحواذ حزبه الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ وبعد إعطاء أمريكا وبعض دول الناتو الضوء الأخضر لأوكرانيا باسْتخدام صواريخ "ستورم شادو" متوسطة المدى في قصف أهداف داخل العُمق الروسي، وأصدر الكرملين بيانَا يُؤكد فيه أنّ سياسات حلف الناتو أصبحت تُشكل تهديدًا رئيسيًا ومُباشرا لروسيا الاتحادية، لذلك أجرت روسيا تغييرًا في عقيدتها النووية وصادق عليها الرئيس الروسي قبل أيام قليلة ونشرتها وسائل الإعلام الروسية والعالمية وكان أول رسالة وجّهتها روسيا لدول الناتو هي استخدام صاروخ روسي مُتطور فرط صوتي ومُتعدد الرؤوس لقصف هدف كبير في أوكرانيا مِمّا أثار هلع المُحللين والسياسيين الأوربيين على حد سواء.

وقصفت القوات الروسية المُجمع الصناعي الأوكراني بمدينة "دينيبروبيتروفسك" لأول مرة، مِمّا أدى إلى تدمير المُجمع الصناعي كاملًا وانقطاع الكهرباء عن العاصمة كييف وثلاث مُدن كبرى في أوكرانيا، واستغرقت رحلة الصاروخ من شرق روسيا إلى العاصمة كييف الأوكرانية وتقدر بأكثر من 1000 كيلومتر 5 دقائق فقط.

ونقلًا عن مدير شبكة أبحاث الجُغرافيا السياسية الجديدة ميخالو ساموس، فإنّ روسيا باستخدامها لهذا الصاروخ لأول مرة فإنها تنقل الحرب لمستوى جديد تمامًا، وتُرسل رسالة غير نووية مُحملة على صاروخ مُصمم لحمل الرؤوس النووية لكل قادة أوروبا، مَفادها أنّ روسيا ستستخدم هذه الصواريخ من الآن فصاعدًا وفي كل مكان بعد انسحاب أمريكا من معاهدة عدم استخدام تلك الصواريخ في عام 2019، وأنّ كافة مدن وعواصم دول الناتو ستكون تحت رحمة الصواريخ الاستراتيجية الروسية، سواءً كانت مُحملة برؤوس تقليدية أو نووية، وإنِّه يجب على قادة أوروبا أن يراجعوا حساباتهم جيدا، وأنه إذا تمادت أوكرانيا مجددًا وقصفت المدن الروسية، فسيتم استبدال رؤوس تلك الصواريخ وفي أي لحظة برؤوس نووية، وسيكون الهجوم الروسي أقوى بكثير وأكثر فتكًا وتدميرًا.

كل تلك الأحداث إضافة إلى تسريب روسيا لتفاصيل عن "عملية اليد الميتة" والتي هي عبارة عن برنامج ردع نووي يعمل دون الحاجة إلى قرار  من أي جهة وفي حالة مُبادرة أمريكا والناتو بقصف روسيا وتدمير مُدنها ومقتل كل القيادات الروسية حينها سيتم تفعيل البرنامج وإطلاق أكثر من 4000 صاروخ نووي على مُدن وقواعد دول الناتو والولايات المتحدة مِمّا سيؤدي بالضرورة إلى دمار نصف الكرة الأرضية ودخول ما تبقى من الدول في شتاء نووي مُميت وكالح.

لذلك بادر الرئيس المنتخب ترامب وفي مُحاولة لنزع فتيل حرب عالمية ثالثة لا تُبقي ولا تذر بالتصريح أنّ فترته الرئاسية ستنهي كل الحروب وتفاعل معه بوتين إيجابيًا فيما تسببت تصريحاته بصدمة لحكام دول الناتو.

خلاصة القول.. إننا لسنا بعيدين عمّا يحدث والتطورات المُتلاحقة زادت كثيرًا من حِدة التضخم الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الذهب والنفط والغذاء والبيتكوين وأنّ مِن الحكمة التهيؤ لأسوأ الاحتمالات في منطقتنا وفي الوطن العربي والاستمرار على سياسة عدم التحيز إلى أي جهة من الأطراف المُتصارعة والنأي بدولنا وشُعوبنا عن تلك الصراعات المدمرة.

ويجب أنْ نتوقع بأنّ العالم سيكون فعلًا على شفير حرب عالمية ثالثة.؛ أو على الأقل عودة الحرب الباردة وقد يكون مطلوبًا من كافة الدول أنْ تتخذ موقفًا مع أو ضِد وهو ما ليس في مصلحة دولنا وسيكون الوقوف على التل ومُراقبة الأحداث هو الموقف الأكثر اعتدالًا وحِكمة.

حفظ الله بلادنا وكافة بلاد المُسلمين والعالم من شرّ الفِتن والحروب.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: دول الناتو

إقرأ أيضاً:

عقيدة ترامب للأمن القومي.. من أكثر المتضررين في العالم؟

في تحول جذري يعيد صياغة دور الولايات المتحدة في الساحة الدولية، كشفت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، المكونة من 37 صفحة، والتي تؤسس لمرحلة "الواقعية التجارية" وتنهي حقبة "تصدير الديمقراطية".

هذا التحول لم يبق حبرا على ورق، بل ترجم بشكل فوري لتحركات تشريعية في الكونغرس لإنهاء "قانون قيصر" ورفع العقوبات عن سوريا، في خطوة يصفها المراقبون بأنها "تاريخية".

وتأتي وثيقة إدارة ترامب للأمن القومي الجديدة بفكر مغاير عن نمط تعامل أسلافه من رؤساء أميركا، إذ يهدف ترامب بسياسته الجديدة إلى تجاهل مفهوم الديمقراطية، ويعمل على إعادة صياغة شكل علاقته مع الحلفاء والمنافسين.

وحسب تقرير عرضه برنامج "من واشنطن"، فإن الوثيقة تستند إلى 3 محاور رئيسية، وهي إعادة ترتيب الخصوم (الصين وروسيا)، والقوى المزعزعة للاستقرار (إيران)، والمسارح المتغيرة مثل (أميركا اللاتينية والبحر الأحمر وأفريقيا)، غير أن الجوهر يكمن في "تغيير الأدوات".

ومن ضمن المتغيرات التي شملتها إستراتيجية ترامب، هي تخليها عن حماية أمن الدول الغنية والمتقدمة، مطالبا تلك الدول بأن تتحمل المسؤولية الأولى عن أمن مناطقها.

وتتبنى الوثيقة لهجة مغايرة عن الإستراتيجيات الأميركية السابقة، إذ تتحدث بصراحة عما سمته "محو الطابع الأوروبي" في خطاب يقترب من سرديات اليمين المتطرف ويثير توترا عميقا داخل أوروبا نفسها.

ويتخلل الإستراتيجية عدة تساؤلات حول أبعادها على السياسة التجارية والدبلوماسية، وملامح العلاقات الدولية الأميركية في العالم إذ تقلص من سيطرة واشنطن على النظام الدولي.

الاقتصاد هو الأمن

ويرصد برنامج "من واشنطن" بتاريخ (2025/12/11) آراء مراقبين ودبلوماسيين سابقين حول أبعاد التغيرات الأساسية التي كشفتها إستراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي.

ويرى السفير الأميركي السابق روبرت فورد تحولا جذريا في وثيقة ترامب للأمن القومي، إذ تتعامل الإدارة مع الشرق الأوسط باعتباره منطقة "أكثر استقرارا" مما يظن البعض، وميدانا مفتوحا للشراكات التجارية بدلا من الحروب.

وأوضح فورد أن الإستراتيجية تهمش الشرق الأوسط كمنطقة تهديد أمني، معتبرة إياه منطقة "أكثر استقرارا" وجاهزة لاستحداث شراكات تجارية بدلا من التدخلات العسكرية، مضيفا أن هذا التحول يعني عمليا انسحابا عسكريا أميركيا متوقعا من سوريا والعراق، حيث تستعيض الإدارة عن الجنود بالشركات، والتدخلات العسكرية بصفقات الاستثمار.

واللافت -حسب فورد- هو الغياب التام لمصطلح "حقوق الإنسان" في الوثيقة، مقارنة بذكرها 8 مرات في إستراتيجية سلفه الرئيس جو بايدن، مما يؤكد أن المعيار الجديد للعلاقات هو "المصلحة"، لا "المبادئ".

كما أوضح الدبلوماسي السابق أن الإستراتيجية تصب تركيزها على النصف الغربي من الكرة الأرضية وهو الأمر الجديد فيها، كما تشدد على أهمية منطقة شرق آسيا، وهو ما يشبه توجهات أوباما وبايدن.

أبعاد الإستراتيجية على الحرب في غزة

وفي قراءة دقيقة لمستقبل الحرب في غزة ضمن هذه الإستراتيجية، يؤكد فورد بشكل قاطع أن إدارة ترامب لا تملك أي رغبة "ولو بنسبة ضئيلة" في استخدام القوات الأميركية في أي شكل من أشكال في العمليات داخل قطاع غزة، سواء كانت عمليات قتالية أو حتى لحفظ السلام.

وستتبع واشنطن سياسية "النفس القصير"، فترامب يرفض سيناريو "الأحذية على الأرض" أو دخول أي جندي أميركي داخل غزة، حسب السفير الأميركي السابق.

واستشهد فورد بما حدث في التوتر الأخير بين إسرائيل وإيران كـ"نموذج مصغر" لعقيدة ترامب العسكرية، إذ تنفذ أميركا هجوما عسكريا قويا ومكثفا (ضربات صاروخية)، لمدة زمنية قصيرة جدا (يومين فقط)، ثم انسحابا فوريا وإعلان العودة للتفاوض بمجرد انتهاء المهمة المحددة.

ويعد هذا النموذج -حسب فورد- هو ما سيطبق على غزة، فواشنطن لن ترسل جنودها، ولن تتورط في المستنقع الميداني.

ويرى فورد أن المعضلة الكبرى في غزة لن تكون عسكرية فحسب، بل دبلوماسية، إذ يتساءل: "هل ستحافظ إدارة ترامب على اهتمامها المستمر في غزة؟".

ففي عالم ترامب، الدبلوماسية تشبه الصفقات التجارية السريعة، بينما يتطلب حل نزاع غزة "اهتماما مستداما"، وهو الأمر "الذي يفتقده ترامب الذي يُعنى بملفات أخرى بمجرد انخفاض حدة الصور الإعلامية".

ويرى الدبلوماسي السابق نبيل خوري أن الخطيئة الكبرى في عقيدة ترامب تكمن في قراءتها المعكوسة للواقع، فبينما أجمعت الإدارات السابقة على مركزية القضية الفلسطينية، يتجاهل ترامب ذكر "فلسطين" إلا مرة واحدة، ومتجاهلا قضية "حل الدولتين".

ويركز ترامب بدلا من ذلك على "دمج إسرائيل" وتوسيع التطبيع كبديل عن الحلول السياسية الجذرية، بحسب خوري.

بين "النرجسية" والواقعية المفرطة

رغم احتفاء أنصار "الواقعية السياسية" بإستراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي، فإن هذا النهج يواجه انتقادات حادة، إذ يصف خوري الوثيقة بأنها "نرجسية وشخصية للغاية" وتتسم بتناقضات خطيرة، خاصة في افتراضها أن المنطقة مستقرة في وقت تشتعل فيه الجبهات من غزة إلى لبنان.

ويحذر خوري من هذا التناقض الجوهري في الوثيقة، إذ يرى ترامب أن إسرائيل تفوقت على أعدائها في غزة، وبالتالي لا داعي للوجود الأميركي، وهو الأمر غير الصحيح، يضيف خوري، "لأن خططه قد تتطلب انخراطا أكبر وليس أقل"، مرجعا تزايد التوتر في المنطقة إلى تجاهل ترامب للجذور السياسية الخاصة بالصراع في غزة والاعتماد على "ذكاء الرئيس الشخصي" بدلا من الخبراء.

من جانبه، يشير المحلل السياسي محمد المنشاوي إلى أن ترامب أعاد تعريف "الأمن القومي" ليشمل الأمن الاقتصادي والمجتمعي (مكافحة الهجرة والمخدرات)، موجها خطابه للداخل الأميركي بقدر ما هو للخارج، ومستبدلا المظلة العسكرية التقليدية بمفهوم "القبة الذهبية" الصاروخية وإحياء الترسانة النووية.

واتفق الخبراء على أن واشنطن في عهد ترامب تنظر إلى الشرق الأوسط بوصفه "سوقا تجاريا" وليس "مشروعا سياسيا"، موضحين أن غض النظر عن حقيقة الوضع هناك سيعمق الأزمات، بينما يرى المنشاوي أنها "الواقعية الفجة" التي يطلبها الشارع الأميركي.

Published On 12/12/202512/12/2025|آخر تحديث: 12:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:04 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • تراجع جماعي للأسواق الأوروبية بفعل التوترات الروسية الأوكرانية وتحذيرات الناتو
  • الأمين العام لحلف الناتو يحذر: روسيا قد تهاجم إحدى دول الحلف خلال خمس سنوات
  • الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصفاة نفط في ياروسلافل الروسية
  • من لاوس.. شويغو يحذر من “الناتو الشرقي” وتقدير لدور سيسوليت في تعزيز العلاقات مع روسيا
  • عقيدة ترامب للأمن القومي.. من أكثر المتضررين في العالم؟
  • رئيس الناتو يحذر الحلفاء من خطر روسيا خلال 5 سنوات.. ماذا قال؟
  • الرئيس الأوكراني: روسيا تريد الاحتفاظ بمحطة زابوريجيا النووية
  • الناتو يحذر من حرب كبرى مع روسيا ويدعو أوروبا للاستعداد الفوري
  • روسيا: عضوية أوكرانيا في الناتو غير مقبولة
  • الدفاع الروسية : إسقاط 287 مسيرة أوكرانية فوق أراضي روسيا خلال الليلة الماضية