أحدٌ كارثيّ على الكيان .. قراءة عسكرية لتطورات المواجهة ضد الكيان
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
شارل أبي نادر
بالرغم من أن الأمر لم يكن خارج مسار المواجهة العنيفة التي تجري حالياً بين حزب الله وبين ”إسرائيل“، حيث تنفذ الأخيرة عدواناً واسعاً على لبنان بكل إمكانياتها التدميرية وخاصة الجوية والبرية، وحيث تدافع المقاومة في مواجهة ذلك بكل ما تملك من قدرات عسكرية، سواء على مستوى الأعمال القتالية أو الصواريخ والمسيرات، فإن هناك عدة تساؤلات طرحت نفسها أمس الأحد بعد مروحة الاستهدافات الصاروخية والمسيرة التي نفذتها المقاومة داخل الكيان، والتي يجب التوقف عندها لما تحمله من دلالات مهمة وأساسية، والتي عليها يُبنى تقييم هذه الحرب غير المسبوقة بين كيان الاحتلال وبين الطرف الرئيسي من أطراف محور المقاومة، أو رأس الحربة في هذا المحور والذي هو حزب الله.
أهم هذه التساؤلات التي تفرض نفسها هي قدرة حزب الله الاستثنائية التي برهنها أمس من خلال مروحة الاستهداف الواسعة التي نفذها داخل الكيان، شمالاً وساحلاً ووسطاً في تل أبيب ووصولاً إلى أسدود جنوبها وعلى مسافة أكثر من ١٥٠ كلم عن لبنان، مع إجراء جولة استهداف نوعية بالصواريخ والمسيرات على أكثر من قاعدة جوية، ومنها بلماخيم جنوب تل أبيب، وعلى أكثر من قاعدة بحرية ومنها أسدود شمال غزة.
صحيح أنها كانت قدرة منتظرة ومعروفة وبالحد الأدنى الذي كان متوقعاً، ولكن حساسية الموضوع هو القدرة على إظهار هذه الإمكانيات الصاروخية والمسيّرة والتدخل بها، والنجاح عبرها في استهداف أغلب المواقع والمناطق الأكثر حساسية وأهمية داخل الكيان، وذلك بعد مروحة تدمير عنيفة ومتواصلة وغير مسبوقة تاريخياً، نفذها وينفذها العدو على لبنان عامة وعلى جنوبه خاصة، وتحديداً على المناطق المعنية باحتضان أغلب قواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات التابعة لحزب الله جنوب الليطاني.
النقطة الأخرى اللافتة في هذا الإطار، هي أن أغلب قواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات التي كانت أمس عماد مناورة الاستهداف من قبل المقاومة، هي غير بعيدة عن خطوط الاشتباك والمواجهة الحالية، في القطاع الغربي وتحديداً بين البياضة والناقورة وطير حرفا وشمع مع أوديتها، أو في القطاعين الأوسط والشرقي وتحديداً في الخيام وطلوسة وعلى مشارف أودية الليطاني والحجير، وحيث كانت هذه المناطق التي توجد فيها قواعد إطلاق أسلحة المقاومة، والتي هي نفسها بالتحديد الأهداف الفعلية لعملية العدو البرية داخل الأراضي اللبنانية، بقيت هذه القواعد ناشطة بقوة في استهدافاتها، وبقيت المقاومة تتدخل تماماً حسب المناورة المرسومة، في الزمان الذي تريده، وفي المكان الذي تختاره، وفي النمط الذي تقرره.
كل ذلك نفذته المقاومة بإتقان وبثبات، تحت إطار إدارة لافتة ودقيقة لمناورة النيران، عبر نشر منظومة فعالة من القواعد، على كامل جبهة المواجهة، وعلى عدة طبقات في عمق جنوب الليطاني ،ومقابل خطة دفاع جوي استثنائية للعدو، نشر من خلالها مروحة ضخمة من أحدث منظومات القبة الحديدية والدفاع الجوي، والمعززة بدعم جوي واسع عبر القاذفات المتعددة النماذج، والتي أصبحت مهمتها ملاحقة ورصد المقذوفات الجوية التي يستهدف فيها حزب الله كل أجواء الكيان.
انطلاقاً من هذا التدخل الصادم للمقاومة، والمتمثل بالاستهداف الصاروخي والمسير الفعال والناجح، واستنادًا لتداعيات الاستهدافات الصادمة داخل الكيان، خاصة أن هاجس العدو الرئيسي وهدفه الأول والأكثر إلحاحاً، كان وما زال، إبعاد هذه الاستهدافات ومنعها قدر الإمكان، وفشل في ذلك، لا بد من التطلع بعد اليوم إلى تأثيرات هذا المستوى الحاسم من الاستهداف على المواجهة، ولا بد من انتظار تغيير جدي على عدوان العدو وعلى مسار معركته ضد لبنان والمقاومة، وفي الوقت الذي لا يمكن فيه استبعاد جنوحه نحو التصعيد التدميري أكثر، أيضاً لا يمكن استبعاد جنوحه نحو القبول بوقف إطلاق النار وسلوك تسوية سياسية مقبولة من لبنان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: داخل الکیان حزب الله
إقرأ أيضاً:
القبيلة اليمنية كحاضنة للتكافل والتراحم .. قراءة في الأثر القرآني على البنية المجتمعية
في زمن تتكالب فيه التحديات على المجتمعات من كل جانب، وتُفتّت فيه الهُويات وتُغيَّب القيم، تبقى القبيلة اليمنية واحدة من آخر الحصون الاجتماعية التي ما تزال تَشُدّ النسيج المجتمعي بخيوط التكافل والتراحم، لم تكن القبيلة في اليمن مجرّد تكوين تقليدي، بل هي بنية متكاملة، تحمل في طياتها موروثًا قيميًا راسخًا، شكّل أساسًا لتماسك المجتمع اليمني في مواجهة المحن والعدوان والحصار.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
يأتي هذا التقرير ليسلّط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته القبيلة اليمنية كحاضنة للتكافل والتراحم، ويفتح نافذة تحليلية على كيفية تَشكُّل هذا الدور في ضوء الأثر القرآني وضمن إطار منهجية المسيرة القرآنية المباركة، التي أحيت ارتباط الإنسان اليمني بالقرآن الكريم كمنهج حياة، وفعّلت القيم الربانية في الواقع العملي، ويبرز كيف يمكن للبنية القبلية عند عودتها الصادقة إلى الله وكتابه ، أن تتحول إلى رافعة مجتمعية تنهض بالأمة وتُسهم في صناعة مشروع حضاري قائم على الرحمة والعدالة والإنفاق والتكافل.
وفي ظل المسيرة القرآنية، لم تعد القبيلة اليمنية مجرد عنصر من الماضي، بل عادت لتكون عمقًا استراتيجيًا في بناء مجتمع قوي، مؤمن، متراحم، ومتماسك، يعيش القرآن في حياته اليومية، ويجسد قيمه في واقعه بكل تفاصيله.
الدور البنيوي للقبيلة اليمنية
تمثّل القبيلة في اليمن وحدة اجتماعية راسخة، تجاوزت حدود الانتماء الدموي لتغدو إطارًا تكامليًا يحكمه العرف، وتدعمه القيم، ولم تكن القبيلة يومًا مجرد تركيبة اجتماعية تقليدية، بل منظومة تفاعلية تنهض بوظائف متعددة، الحماية، العدالة، الكرم، الإنفاق، وفوق كل ذلك، التكافل الاجتماعي، وعبر التاريخ، لم تنفصل القبيلة اليمنية عن مرجعيتها الدينية، بل تماهت مع القيم الإسلامية منذ بزوغ نور الإسلام، فكان اليمنيون من أوائل من لبّى نداء الإيمان، فدخلوا في دين الله أفواجًا.
القرآن الكريم كرافد تشريعي وأخلاقي
منهجية المسيرة القرآنية المباركة، التي أعادت توجيه المجتمع نحو العودة الصادقة إلى القرآن الكريم كمرجعية حاكمة، لم تكن محصورة في الجانب العقدي فقط، بل امتدت لتُحيي الأبعاد الاجتماعية للقرآن، ومنها قيم، الرحمة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، والإنفاق ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ ، والعدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، والإصلاح ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ .
هذه المبادئ لم تُقرأ نظريًا فحسب، بل أصبحت نبضًا عمليًا في سلوكيات القبائل، خاصة في ظل التوجيهات المستنيرة لقيادة المسيرة القرآنية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، التي أحيت الوعي الجماعي بضرورة التراحم والتعاون والتكافل، لا سيما في أوقات الأزمات.
منهجية المسيرة القرآنية وتأصيل التكافل
أعادت المسيرة القرآنية إحياء المفاهيم الإيمانية الأصيلة ضمن الواقع المعيشي للناس، من خلال عدة مسارات:
التحشيد المجتمعي لمبادرات الخير.. حيث أُنشئت مبادرات تطوعية في كل مديرية ومحافظة، بقيادة وجهاء ومشايخ القبائل، لتقديم العون للفقراء، وزيارة المرضى، ومساندة أسر الشهداء.
إحياء دور الزكاة كمورد شرعي يعود على المستضعفين في المجتمع .. تم توجيه القبائل نحو الالتزام الفعلي بإخراج الزكاة، وتوجيهها لمستحقيها، وفق ما أمر به الله، وتمثل الهيئة العامة للزكاة نموذجًا حيًا لهذه الرؤية.
إبراز التكافل في ميدان المواجهة .. في مواجهة العدوان والحصار، شكلت القبائل خطوط دعم مادي وبشري، حيث قدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، واحتضنت أسر المجاهدين والشهداء، في صورة تكافلية فريدة.
القبيلة كمصدر للتراحم لا للثأر
في ظل المسيرة القرآنية، تم العمل على تهذيب بعض الأعراف القبلية التي كانت تشكّل تهديدًا للسلم الأهلي، وأبرزها عادة الثأر، فأُعيد توجيه المفاهيم نحو الصلح، والعفو، وإصلاح ذات البين، مستندين إلى قول الله تعالى : ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ و ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ، وقد نتج عن هذا التوجه انخفاض كبير في النزاعات القبلية، وارتفاع منسوب التسامح، بما جعل القبيلة اليمنية اليوم بيئة حاضنة للسلم الاجتماعي، لا بؤرة للنزاع.
نماذج من الواقع .. قبائل تصنع الفارق
في كل المحافظات الحرة ، نشطت لجان التكافل الاجتماعي في رعاية أسر الشهداء والمحتاجين، حيث تتعاون القبائل بشكل دوري لجمع التبرعات وتنفيذ المشاريع الصغيرة، وسعت القبائل إلى تبني برامج إصلاح ذات البين الجماعية، وأسهمت في إنهاء مئات القضايا خلال العام الماضي، كما برزت مبادرات أهلية ذات طابع قبلي لدعم التعليم وتوفير المستلزمات المدرسية للفقراء، في مشهد يعكس الإحساس الجمعي بالمسؤولية.
خاتمة
ليست القبيلة اليمنية مجرد كيان اجتماعي من الماضي، بل هي مشروع حضاري متجدد، حين يُعاد ربطها بالقرآن الكريم، ويُستخرج من ميراثها ما ينسجم مع تعاليم الله وسيرة نبيه صلوات الله عليه وعلى آله ،
منهجية المسيرة القرآنية المباركة لم تُعد فقط تأصيل هذه القيم، بل أطلقت طاقات القبيلة في ميادين الخير، ورسّخت معاني الرحمة والتكافل، لتغدو القبيلة اليمنية بحق نموذجًا يُحتذى في زمان التيه والانقسام.