لماذا تحتاج منظومات الابتكار إلى المزيد من شركات «اليونيكورن»؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
في كل عام تنبثق مجموعة من الشركات الناشئة العلمية والقائمة على التكنولوجيا، والعدد الأكبر منها مصدره مشروعات التخرج الطلابية، ولو تتبعنا الأرقام والإحصاءات سنجد أن نسبة من هذه الشركات تتعثر بسبب التحديات الرئيسية التي تواجهها وعلى رأسها التمويل، وتواجه الشركات التي تستمر في أعمالها تحديات مصيرية مثل المنافسة على الحصة السوقية، وكذلك مخاوف تقلبات البيئة الاقتصادية، والتغييرات التكنولوجية، ولذلك فإن منظومات الابتكار الوطنية لا تكتسب القيمة النوعية من هذه الشركات بغض النظر عن ارتفاع عددها، وذلك بسبب الديناميكية العالية التي ترافق نشأتها وخروجها من محيط الأعمال، ولذلك فإن الاحتياج الفعلي لتعزيز الحراك الابتكاري هو الطموح لإنشاء الشركات العلمية المستقرة ذات البعد المستدام، أو ما تعرف اصطلاحًا بالشركات أحادية القرن أو «اليونيكورن».
في البدء تعالوا نقف قليلًا عند هذا المصطلح الذي يُعبّر عن كائن خرافي وشائع في الرسوم المتحركة، حيث ظهر رسميًا مسمى اليونيكورن في عالم الأعمال في عام 2013م، وكان ذلك بعد نشر المقال المشهور لخبيرة الدراسات المالية الأمريكية الدكتورة إيليين لي، والذي أطلق مسمى اليونيكورن على شركات وادي السليكون التي قفزت قفزة هائلة من حيث الأداء المالي والتفوق التكنولوجي، وتخطت قيمة أسهمها حاجز المليار دولار خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، ولكنها بقيت مملوكة لمؤسسيها، ولم تُطرح مباشرة للاكتتاب العام، وهذه الخصوصية غير المألوفة أضفت على هذه الشركات الصفة الاستثنائية والنادرة مثل القصص الخيالية لمغامرات الحيوان أحادي القرن، وعلى الرغم من أن هذه الاستعارة هي في الأصل رأي شخصي للخبيرة إلا أنه قد وجد قبولًا لدى الأكاديميين والمفكرين، وكذلك قادة الصناعة والأعمال، والصحافة والإعلام، وأصبح اليونيكورن هو المسمى المتعارف عليه للإشارة إلى الشركات الناشئة ذات قيمة المليار دولار، والتي تعتمد على الابتكارات التقنية التحويلية التي تحدث التغيير الجذري في المشهد الابتكاري، ثم قامت دورية هافارد للأعمال بمسوحات لرصد شركات اليونيكورن وقد بلغ عددها آنذاك (39) شركة أحادية القرن، ومع مرور الوقت التفتت دول العالم إلى أهمية دعم هذه الشريحة من شركات الابتكار لدورها الكبير في تعزيز منظومات الابتكار الوطنية، وشهدت هذه الدول نشأة الجيل الثاني من هذه الشركات، مما ألهمت الطموح لوضع شركات اليونيكورن على قائمة المستهدفات الاستراتيجية. وهذا يثير الكثير من الفضول، فالمؤشرات التقليدية لقياس الأداء في منظومات الابتكار ترتبط بشكل مباشر بالارتفاع الإيجابي في مؤشرات مدخلات ومخرجات الابتكار، ولكن السعي نحو تشجيع نشوء شركات أحادية القرن هو توجه نوعي، والسؤال الأهم هنا هو: كيف يمكن لشركات اليونيكورن أن تعزز منظومات الابتكار الوطنية؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال تعالوا نتوقف عن أحد أبرز الأمثلة على الشركات أحادية القرن والتي تستحق الدراسة والتعلم منها، فهي قد حققت نجاحًا كبيرًا في عبور عتبة المليار دولار في غضون سنوات قليلة، ولم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها تمكنت من مضاعفة قيمتها المالية إلى عشرين ضعفًا بالبقاء في الصدارة، والنجاح المذهل في إعادة تشكيل قطاع الابتكار في خضم المشهد المتطور باستمرار للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والحديث هنا هو عن شركة كانفا (Canva) الأسترالية التي أنتجت منصة للتصميم الجرافيكي، حيث بدأت كشركة ناشئة صغيرة في عام 2013م، وذلك على يد ثلاثة من أساتذة التصميم وهم ميلاني بيركنز، وكليف أوبريخت، وكاميرون آدمز، انبثقت فكرة المنصة من ملاحظات ميلاني أثناء تدريسها لبرامج التصميم الجرافيكي في جامعة غرب أستراليا، حيث لاحظت أن عجز الطلبة عن إنتاج تصاميم ذات جودة يعود إلى صعوبة استخدام برامج التصميم الإلكترونية التقليدية، ومحدودية أدوات التصميم المتاحة بها، مما شكلا عائقًا كبيرًا للطلبة الذين ليس لديهم تدريب مسبق في مهارات التصميم، وألهم هذا التحدي أستاذة مادة التصميم فكرة إنشاء منصة مبسطة وسهلة الاستخدام، وكما أشارت ميلاني في حديثها إلى أن الهدف قد كان في تحويل التصميم الجرافيكي إلى عملية «بديهية» متاحة للجميع، وتعزيز احتياجات شريحة المستفيدين الذين هم في أمس الحاجة للتصميم ولا يملكون إمكانية الاستعانة بالشركات باهظة الثمن، مثل شريحة الطلبة والمعلمين ورواد الأعمال الناشئين، ومن هنا جاء إيمان فريق ميلاني بأن التصميم لا ينبغي أن يكون حصريًا أو معقدًا. إن نجاح منصة كانفا يعود بشكل أساسي إلى جودة الفكرة الابتكارية التي كانت موجهة نحو المستخدم، وتدور حول إعادة تعريف التصميم الجرافيكي، وصناعة المحتوى، وذلك على ضوء تسارع الاحتياج للوسائط المرئية في عالم أصبح الاتصال المرئي هو أساس الحياة المهنية والاجتماعية، وبذلك فإن الإطار الاستراتيجي لشركة كانفا يقع ضمن «الاستهداف الموجه»، وأما مسارات النمو والتوسع فقد تمحورت حول الابتكار المستمر لاستكشاف نماذج الأعمال المجدية، وفي الوقت ذاته استقطاب المهارات والكفاءات التقنية والإدارية المتميزة، وتمكنت شريحة كبيرة من هذه الكفاءات من إنشاء شركات ابتكارية بعد انضمامها للعمل في كانفا، واكتساب خبرات عملية في الابتكار وريادة الأعمال، وتُعد قصة نجاح منصة كانفا في حد ذاتها مصدر إلهام المبتكرين الشباب، والشركات الناشئة العلمية على مستوى العالم، إذ أن الفكرة قد واجهت الكثير من التحديات في بداياتها، إذ كافح المؤسسون في إقناع الممولين بجدوى الفكرة، وبحسب تصريحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن فكرة منصة كانفا قد تلقت رفضًا لأكثر من (100) مرة من قبل المانحين للتمويل والمستثمرين، ولكن ثقة الفريق بجدوى الفكرة، وإصرارهم على تحويلها إلى ابتكار فعلى قد ساهم في ظهور المنصة على أرض الواقع. إن نشوء شركات اليونيكورن ليس مجرد شاهد على نجاح ريادة الأعمال العلمية، ولكنه يعكس الحاجة الواقعية إلى رفع سقف الطموح في إنشاء شركات الابتكار، وتمهيد الطريق للشركات القادرة على إحداث الفارق الإيجابي في النظام البيئي للشركات الناشئة العلمية، والقيام بدورها المحوري في صميم منظومات الابتكار، من حيث تعزيز الأداء الكلي، وبناء الكفاءات والقيادات العلمية، وإيجاد النمو المستدام، وتعزيز الميزة التنافسية، ورفع الجاهزية لمواكبة الجيل القادم من شركات الابتكار العملاقة. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الشرکات من هذه
إقرأ أيضاً:
من كاوست إلى العالمية.. سعودي يقود مستقبل الابتكار في أشباه الموصلات
تواصل المملكة دعمها للمواهب البحثية الشابة في مجالات التقنية المتقدمة، ضمن رؤية طموحة تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي مستدام، ومن بين هذه الكفاءات الوطنية يبرز اسم د. ناصر الفرج، الباحث في جامعة تورنتو والفائز بزمالة "ابن رشد" لما بعد الدكتوراة، والذي ويسعى إلى إحداث نقلة نوعية في مجال الإلكترونيات الضوئية وإلكترونيات الطاقة من خلال أبحاثه المتقدمة في أشباه الموصلات.
بدأ الفرج مسيرته الأكاديمية في جامعة ويسترن ميشيجان بالولايات المتحدة، حيث تعرّف إلى الأسس التطبيقية للهندسة الكهربائية، غير أن التحول الحقيقي في مسيرته البحثية جاء عند التحاقه بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي وصفها بأنها وفرت له بيئة بحثية نابضة بالحياة وتوجيهًا أكاديميًا عالي المستوى، مكّنه من بلورة رؤيته البحثية وصقل مهاراته في مجالات متقدمة."كاوست" نقطة تحول حقيقيةوفي كاوست، أعدّ الفرج أطروحته للدكتوراة تحت إشراف البروفيسور بون أوي، وتناولت الإلكترونيات الضوئية فوق البنفسجية العميقة، مع تركيز خاص على استخدام أشباه الموصلات ذات الفجوات العريضة، وهي مواد تمتلك خصائص كهربائية وضوئية فريدة تمكّن من تطوير أجهزة متقدمة وعالية الكفاءة.
أخبار متعلقة كلية المسجد النبوي تبدأ التسجيل للعام الدراسي 1447.. الشروط والروابطاستعرضا العلاقات الثنائية.. ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من المستشار الألمانيوأوضح الفرج أن دراسته في كاوست شكّلت نقطة تحول حقيقية في حياته، وقال: "كانت تجربتي في كاوست تحولية بحق، فقد زودتني ليس فقط بتدريب بحثي استثنائي، بل أيضًا بمنظور عالمي وشبكة دائمة من الزملاء والمرشدين".
وأضاف: "تلك البداية المبكرة في مجال الوصلات غير المتجانسة شكّلت مسار بحثي بشكل عميق، ولا تزال تدفعني إلى استكشاف إمكاناتها الكاملة في تطبيقات متنوعة، من إلكترونيات الطاقة إلى أنظمة الاتصالات والإلكترونيات الضوئية".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ناصر الفرج سعودي يقود مستقبل الابتكار في أشباه الموصلات من كاوست إلى العالمية - اليوممنصة علمية متقدمةالبيئة متعددة التخصصات في كاوست، والتي تدمج بين هندسة أشباه الموصلات والفيزياء التطبيقية وعلوم المواد، وفّرت للفرج منصة علمية متقدمة أهلته للعب دور قيادي في أبحاث ما بعد الدكتوراة بكندا.
وأسهمت هذه الخلفية في تمكينه من تطوير تقنيات جديدة في صناعة أشباه الموصلات، من بينها اكتشاف طريقة مبتكرة لنمو المواد على السيراميك الموصل، وهو اختراق يُحسن من إدارة الحرارة في الأجهزة الإلكترونية، ويدعم تطوير إلكترونيات أكثر كفاءة.
كما ركّز الفرج على إدخال مواد متقدمة مثل أكسيد الغاليوم وأكسيد الإريديوم، والتي تفتح آفاقًا جديدة لتصنيع أجهزة مدمجة مع السيليكون بأداء أعلى وكفاءة طاقة محسّنة.
هذه الابتكارات تعزز أداء قطاعات متعددة تشمل الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، ومراكز البيانات، والاتصالات، والتشخيص الطبي، وتسهم في خفض استهلاك الطاقة وتعزيز الإنتاجية وسرعة الاتصال.
وعن تأثير هذه التطورات، يقول: "يُركز بحثي على معالجة العوائق الرئيسية في تقنية أشباه الموصلات لتمكين أجهزة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وعالية الأداء، التأثير المحتمل يمتد عبر العديد من الصناعات الحيوية لنمو الاقتصاد العالمي واستدامته."زمالة ابن رشدسجل الفرج عددًا من براءات الاختراع، ونشر أبحاثًا مؤثرة في مجاله، إضافة إلى حصوله على عضوية متميزة في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) ، كما شارك في تأسيس شركة "NovuSemi Hybridia Inc" بكندا، لتطبيق مخرجات البحث في تطوير حلول عملية مبتكرة.
ويؤكد الفرج أن كاوست وزمالة ابن رشد لعبتا دورًا جوهريًا في تمكينه من تحقيق هذه الإنجازات، وقال: "زمالة ابن رشد قدمت لي الموارد والشبكة العلمية والدعم البحثي اللازم لمواصلة مشروعي الطموح، ورسخت التزامي بتسخير العلم والتقنية لخدمة المملكة."
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } سعودي يقود مستقبل الابتكار في أشباه الموصلات من كاوست إلى العالمية - اليوم
كما يثمن الفرج البيئة الريادية في كاوست التي تدعم الفكر الابتكاري، وتعدّ، في رأيه، حجر الأساس في جهود المملكة للتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، مشيرًا إلى أن الجامعة تمتلك أدوات قوية لردم الفجوة بين البحث والتطبيق الصناعي، من خلال الشراكات والتدريب والمرافق الحديثة.مستقبل صناعة أشباه الموصلاتويرى الفرج أن لدى المملكة فرصة فريدة لتكون لاعبًا محوريًا في مستقبل صناعة أشباه الموصلات، بدعم من كاوست وبرامج مثل زمالة ابن رشد، التي تستثمر في رأس المال البشري من خلال تمكين الباحثين السعوديين من المضي قدمًا في المسارات التقنية المتقدمة، وإعدادهم للمنافسة العالمية.
وأشار إلى أن الزمالة تمثل نموذجًا لاستثمار استراتيجي في نخبة المواهب السعودية في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (STEM)، وتسهم في بناء جيل من الباحثين القادرين على قيادة الاقتصاد الوطني نحو آفاق أرحب من الابتكار والتطور.
وختم الفرج حديثه برسالة تفاؤل، مؤكدًا أن "مستقبل المملكة في المجال التقني يعتمد على طموح ومثابرة شبابها الموهوب، وأنه على يقين بأنهم قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة تبهر العالم".