"التجارة والصناعة" تطلق حزمة من المبادرات المعززة لمنظومة المواصفات والمقاييس وتحقيق الاقتصاد المُستدام
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
◄ إصدار مواصفات عدادات المياه والطابوق الذكي والأسقف مُسبقة الصب خلال 2025
◄ توقيع اتفاقيات تعاون لتحسين جودة المنتجات وتمكين المختبرات
إبراء- وليد الحسني
أطلقت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار النسخة المطورة من المتجر العُماني للمواصفات القياسية، والبطاقة الخضراء لترشيد استهلاك المياه، وعلامة الجودة، وقاعدة بيانات المختبرات -ضمن منصة "حزم"- وذلك بفعالية "منظومة المواصفات والمقاييس لاقتصاد مستدام" والتي أقيمت في ولاية إبراء بمحافظة شمال الشرقية.
وأقيمت الفعالية بمشاركة دولية واسعة، تحت رعاية معالي الدكتور سعود بن حمود الحبسي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، وبحضور معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وحضور سعادة محمود بن يحيى الذهلي محافظ شمال الشرقية، وأصحاب السعادة ولاة ولايات محافظة شمال الشرقية وممثلي مجلس والشورى بولايات المحافظة، ونخبة من الخبراء من مؤسسات التقييس الدولية والإقليمية.
وقدم عماد الشكيلي المدير العام للمواصفات والمقاييس بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، عرضا مرئيا عن إنجازات المديرية واستراتيجية منظومة المواصفات والمقاييس والتي تسعى لتعزيز البيئة الأساسية للتقييس للوصول إلى ممكنات المرحلة في البحث والدراسات والابتكار والتطوير بمنظومة الخدمات وتنظيم السوق، وتحديد عام 2028 لتكون سلطنة عُمان ضمن خارطة التقييس العالمي.
وتحدث الشكيلي عن أهم شركاء المديرية العامة للمواصفات والمقاييس المحليين والدوليين وأبرز الإنجازات المتحققة، ومنها تطوير المختبرات الوطنية المرجعية للمواصفات، وتوريد وتركيب وتشغيل أجهزة مخبرية لمختبري المعادن الثمينة لرفع كفاءة المختبرات، مع توريد وتركيب وتشغيل وحدات التحقق من مضخات الوقود في عدد من المحافظات، وإنجاز إصدار اللائحة الفنية لنظام المطابقة، ومنصة حزم الإلكترونية الموحدة لخدمات التقييس ومواصفة السيارات الكهربائية، والتي تسهم في تمكين القطاع الخاص في مجال توريد المركبات الكهربائية، مع إنعاش القطاع التجاري وسلسلة الإمداد عن طريق الوكالات التجارية ومعارض السيارات، بالإضافة إلى توفير قابسات الشحن الكهربائي، وتدشين فرع مركز الاعتماد الخليجي في مقر المديرية العامة للمواصفات والمقاييس مع اعتماد المواصفة العُمانية.
وأضاف المدير العام للمواصفات والمقاييس أن مشاريع العام المقبل 2025 ستتمثل في وضع استراتيجية التقييس والجودة (2026-2030)، مع العمل على تحسين مؤشرات عُمان 2040 وإصدار مواصفة عدادات المياه ومواصفات الطابوق الذكي ومواصفات الأسقف مسبقة الصب وإعادة هيكلة مواصفات المتجر الإلكتروني، وإنشاء مجلس التقييس العُماني والحصول على الاعتمادات الدولية، وتنفيذ الدراسة الاستشارية لرسم خارطة طريق التحول الرقمي في المديرية العامة للأنظمة الالكترونية، مشيرا إلى أن المنتجات المطابقة للمواصفات القياسية شهدت نموا خلال العام 2024 بنسبة 24% مقارنة بالعام الماضي والذي سجل 10%، بينما ارتفعت نسبة جودة المعدن الثمين والأحجار الكريمة بالسوق المحلي العام الماضي بنسبة 42%.
وشهدت الفعالية التوقيع على برامج تعاون بين وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وأطياب للخدمات الدولية، لتمكين المختبرات وتحسين جودة المنتجات، وتوقيع برنامج تعاون مع شركة صناعة الكابلات العُمانية لتطوير المواصفات القياسية وتمكين الصناعات الوطنية للكابلات، بالإضافة إلى توقيع برنامج تعاون بين الوزارة وشركة الألفية الجديدة للمعايرة لتحسين مواصفات وجودة المنتجات البترولية وتمكين المختبرات.
وتضمنت الفعاليات جولة لراعي الحفل وأصحاب المعالي والسعادة والحضور في المعرض المصاحب للفعالية، حيث تم التعرف على المختبر المتنقل لمعايرة مضخات الوقود لضمان سرعة الاستجابة والدقة والموثوقية في قياسات كميات الوقود ونوع الوقود المقدمة للمستهلكين، والذي يلعب دورًا بارزًا ويقدم حلولاً مرنة وفعّالة تساهم في تحقيق أعلى مستويات من الأمان والجودة في السوق، بالإضافة إلى حضور افتتاح السيارات الهيدروجينية والكهربائية، والتي تمكن القطاع الخاص في مجال توريد المركبات الكهربائية، مع إنعاش القطاع التجاري وسلسلة الإمداد عن طريق الوكالات التجارية ومعارض السيارات، والتعرف على جهود توفير قابسات الشحن الكهربائي.
وقدم معرض الابتكارات لطلبة المؤسسات الأكاديمية، نبذة هامة عن تبني دعم الأفكار والابتكارات عند الطلبة وتعزيز الوعي بأهمية الاختراعات والابتكارات وترجمتها لتكون مشاريع ذو عائد تجاري.
ويؤكد إطلاق عدد من البرامج والمبادرات ضمن الفعالية الاهتمام بأحدث التطورات في المواصفات والمقاييس، حيث يهدف إطلاق علامة الجودة لتعزز من ثقة المستهلكين في المنتجات والخدمات، كما تلعب دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني، مع تحسين عمليات الإنتاج وتطبيق أنظمة ومعايير الجودة ابتداء من المواد الخام الداخلة في تصنيعه وحتى وصوله إلى المستهلك، وسيؤدي ذلك بالتالي إلى تحسين جودة المنتجات المحلية والواردة، وكذلك يجعل المنتجات المحلية قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، مع زيادة الصادرات، وبالتالي سيساهم في تعزيز الدخل الوطني وتحقيق التوازن في الميزان التجاري، كما سيساهم في تشجيع البحث والتطوير وتحسين التكنولوجيا وزيادة الكفاءة.
أما إطلاق البطاقة الخضراء لترشيد استهلاك المياه، فتأتي كخطوة نحو تعزيز الأمن المائي في سلطنة عُمان، لتساهم في تحسين إدارة هذا المورد الحيوي من خلال تنظيم أدوات ووسائل ترشيد استهلاك المياه، ويعزز تطبيق متطلبات اللائحة في الوعي البيئي وتساعد في خفض تكاليف المياه للمستهلكين.
وفي إطار تعزيز جودة المنتجات وضمان توافقها مع المواصفات واللوائح الفنية المعمول بها، جاء إطلاق قاعدة بيانات المختبرات ضمن منصة "حزم" كخطوة مبتكرة ورائدة في مجال تسجيل ومطابقة المنتجات في سلطنة عُمان، إذ تمثل هذه المنصة حلًا شاملًا يربط المشغلين الاقتصاديين بجهات تقويم المطابقة مما يساهم في خلق بيئة اقتصادية متينة ويضمن جودة للمنتجات في الأسواق العُمانية. ويعزز إطلاق النسخة المطورة من المتجر العُماني عمل المواصفات والمقاييس في الجودة والموثوقية للمنتجات العُمانية.
وتضمنت الفعالية إلقاء عدد من الكلمات لرؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، وتقديم أوراق عمل متنوعة، حيث قدمت السيدة الدكتورة جهاد بنت جبر البوسعيدية مديرة دائرة المواصفات بالمديرية العامة للمواصفات والمقاييس ورقة عمل حول "المواصفات القياسية بين إنجازات الحاضر وتطلعات المستقبل"، مشيرة إلى أهم الإنجازات التي تحققت في العام 2024 إلى جانب التطلعات المستقبلية في إطار رؤية عُمان 2024 والخطة الخمسية الحادية عشرة.
وأشارت البوسعيدية في عرضها المرئي إلى الرؤية المستقبلية التي تعزز التحول الرقمي في جميع عمليات التقييس، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وتسريع الإجراءات، مبينة أنه من المتوقع أن توفر هذه الخطوات الوقت والجهد، ما يسمح بالتركيز على تطوير معايير مبتكرة تدعم التنويع الاقتصادي والاستدامة.
وقدم خالد محمد الشهري مسؤول الإعلام الرقمي بهيئة التقييس الخليجية ورقة عمل عن "مبادرة سفراء التقييس"، وهي مبادرة تطوعية من هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تهدف إلى تفعيل المشاركة المجتمعية من خلال استقطاب المتخصصين والمهتمين في الدول الأعضاء للمساهمة في نشر ثقافة التقييس وزيادة الوعي بأهمية التقييس وارتباطه بحياتنا اليومية، إلى جانب المساهمة في بناء قدراتهم المعرفية في مجالات التقييس من خلال إتاحة الفرصة لهم للمشاركة في الندوات والفعاليات العامة المتعلقة بالتقييس، وذلك إيماناً من الهيئة بدور المجتمع بكافة فئاته في المساهمة بنشر التوعية بالتقييس.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري، بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي لسلطنة عمان على مدى السنوات المقبلة. فالمؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه سلطنة عُمان إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.
وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية. فالموانئ العُمانية مثل صلالة والدقم وصحار لا تُعد بوابات بحرية عادية، بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت اتفاقية CEPA، فإن هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل سلطنة عُمان. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.
ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلا أن الجانب الأكثر أهمية لسلطنة عمان يكمن في تعزيز الصناعات المحلية. إذ تستهدف عُمان ضمن رؤيتها 2040 بناء اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإن مجالات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألمنيوم، الأسمنت، الرخام، المنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب، بل تحفّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.
ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريويهن لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: سيناريو متحفظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، وسيناريو تفاؤلي يفترض نمواً بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناء على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المتحفظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المتحفظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية، بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.
ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون لعُمان موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما وُظفت هذه الفرص بالشكل الصحيح - عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية - فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.
بينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. فالعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة، بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي، ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقع أن تشكل الاتفاقية حافزًا لعدد من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في سلطنة عُمان، وتستهدف خلق قيمة مضافة قبل التصدير.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيو-اقتصادية عميقة تتجه فيها دول عديدة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والانفتاح على آسيا، ما يجعل توقيع الاتفاقية مع الهند خطوة تجسد فهمًا استراتيجيًا لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. فالهند اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وضمن أكبر خمس اقتصادات عالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ وبالتالي، فإن تأسيس شراكة اقتصادية شاملة معها يضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة ستعيد تشكيل مسارات التجارة خلال العقود المقبلة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن لسلطنة عمان أن تعمّق دورها كمركز إقليمي للتجارة والخدمات الصناعية، وأن تستفيد من الطلب الهائل في الهند على المواد الخام والمنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية.
وإذا ما نظرنا إلى تأثير الاتفاقية على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، سنجد أن CEPA قد تكون فرصة تاريخية لهذه الفئة من الشركات لتوسيع آفاق أعمالها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل جزءًا أساسيًا من هيكل الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى بيئة تجارية تدعم منتجاتها وتمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة. ومع تيسير الإجراءات الجمركية، وتخفيض الرسوم، وتسهيل النفاذ إلى الأسواق، يمكن لهذه الشركات أن تجد في السوق الهندية منفذًا واسعًا لتسويق منتجاتها، سواء في قطاعات الأغذية، أو المنسوجات، أو المنتجات العطرية، أو الصناعات التقليدية. وهذه النقلة يمكن أن تُسهم في خلق ثقافة تصدير أقوى، وترسيخ روح المبادرة، وتعزيز الابتكار داخل الشركات العمانية.
أما على مستوى الأمن الغذائي، فإن الهند ـ باعتبارها قوة زراعية ضخمة ـ يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا لسلطنة عمان في تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة. ومع تسهيل الاستيراد عبر CEPA، يمكن لعُمان أن تؤمن سلة غذائية متنوعة بأسعار تنافسية، ما يرفع من مستوى الاستقرار الغذائي ويعزز من قدرة السوق المحلي على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، يمكن للمنتجات العمانية الفريدة - مثل التمور واللبان ومنتجات الرخام - أن تجد طريقها إلى منافذ البيع الهندية بطريقة أكثر سلاسة، وهو ما يشكل مكسبًا اقتصاديًا وثقافيًا في آن واحد. ومع توسع المبادلات التجارية وتحسن كفاءة سلاسل الإمداد، ستصبح عُمان مركزًا لوجستيًا أكثر جاذبية للشركات العالمية التي تبحث عن نقطة ارتكاز بين آسيا وأفريقيا والخليج. ويمثل هذا التحول فرصة كبيرة للقطاع الخاص العماني الذي يمكنه استثمار هذا الموقع عبر إنشاء مراكز تخزين وتوزيع حديثة، وتطوير شبكات نقل، وإطلاق خدمات لوجستية متقدمة تدعم التجارة العابرة للقارات. وهذا التحسين في أداء الموانئ والمناطق الحرة سيؤدي إلى دوران اقتصادي أسرع داخل سلطنة عمان، ويُعزّز إيرادات الدولة من الأنشطة المرتبطة بالنقل والموانئ والجمارك والخدمات المساندة.
وفي ضوء هذه المعطيات المتداخلة، ومع ما تحمله المؤشرات الاقتصادية من دلالات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة في العلاقات العمانية الهندية، تبدو سلطنة عمان أمام منعطف تاريخي يمكن أن يغيّر مسار اقتصادها خلال العقد المقبل. فكل الأرقام، وكل التوجهات، وكل السيناريوهات المستقبلية تشير إلى أن تفعيل اتفاقية CEPA لن يكون مجرد حدث اقتصادي عابر، بل نقطة انطلاق نحو دورة نمو أكثر نضجًا وجرأة وتنوعًا. ومن المتوقع، إذا ما سارت الأمور وفق الإيقاع الذي ترسمه اليوم المعطيات، أن تتضاعف التجارة الثنائية خلال سنوات قليلة، وأن تتجاوز حاجز 20 مليار دولار في منتصف العقد القادم، وربما تقترب من 30 مليار دولار خلال عشر سنوات، في حال استفادت سلطنة عمان إلى أقصى حد من مزايا التموضع الجغرافي والتكامل الصناعي مع الهند.
ولا تقف التوقعات عند حدود التجارة وحدها، بل تمتد إلى الصناعات التحويلية التي يُرجّح أن تشهد توسعًا ملحوظًا، خاصة تلك المعتمدة على المعادن والبتروكيماويات والمواد البنائية، إلى جانب فرص متنامية في الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصناعية. ومع بروز الموانئ العُمانية كمراكز توزيع إقليمية، يتوقع أن تتسارع حركة الاستثمار في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يعيد تشكيل الخريطة اللوجستية في المنطقة، ويجعل من سلطنة عمان محطة رئيسية في سلاسل الإمداد بين آسيا والخليج وأفريقيا.
وعلى مستوى سوق العمل، تشير التقديرات المستقبلية إلى إمكانية خلق الوظائف النوعية التي يمكن أن تمنح الشباب العُماني فرصًا غير مسبوقة للاندماج في قطاعات صناعية وتقنية جديدة، وترفع من مستوى المهارات الوطنية، وتدعم مسار التوطين في القطاع الخاص. ومع اتساع رقعة التصنيع والتصدير، ستنشأ احتياجات موازية في قطاع الخدمات والتعليم والتقنية، ما ينتج دورة اقتصادية متكاملة ترفد بعضها بعضًا، وتُرسي قواعد نمو متواصل ومستقر.
أما على المدى الطويل، فإن تفعيل الاتفاقية قد يمهد لمرحلة يصبح فيها الاقتصاد العُماني أكثر قدرة على مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر استعدادًا لاستيعاب التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية. ومع استمرار التنويع، وتوسّع الصادرات، وتعاظم دور سلطنة عمان كمركز لوجستي محوري، يمكن لعُمان أن تنتقل من موقع المنافس الإقليمي إلى موقع اللاعب الفاعل في التجارة الدولية. وقد نشهد خلال عشر سنوات اقتصادصا عمانيًا متجددًا، واسع القاعدة الإنتاجية، متصلًا بشبكات التجارة العالمية، ومتقدمًا بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 بوصفها رؤية طموحة لاقتصاد مرن، مبتكر، ومستدام.
من الناحية النوعية، يشير هذا النمو إلى زيادة الصادرات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تستفيد قطاعات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألومنيوم، الأسمنت، الرخام، اللبان، والتمور من تحسن سلاسل التوريد وفتح الأسواق الهندية. النمو في هذه القطاعات، الذي بدأ يظهر بالفعل في بيانات 2025، يعكس قدرة الاقتصاد العُماني على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. عمليا، إذا ارتفعت الصادرات غير النفطية بمعدل يتراوح بين 6% و12% سنويا نتيجة النفاذ إلى السوق الهندي وتحسين اللوجستيات، فإن هذا سيترجم إلى زيادة ملموسة في حصيلة التبادل التجاري الكلي.
تحقيق السيناريو التفاؤلي يتطلب مجموعة من العوامل التمكينية، أبرزها تسريع عمليات التصديق والتوقيع والتنفيذ للاتفاقية مع وضع آلية متابعة مشتركة لضمان تطبيق بنود التفضيل الجمركي وإزالة العوائق الإجرائية. كما يشمل تطوير البنية التحتية اللوجستية للموانئ والمناطق الحرة ومرافق التخزين والتبريد وطرق الربط الداخلي لالتقاط الطلب المتزايد.
كذلك، تعد الحوافز الاستثمارية للقطاعات ذات القيمة المضافة وبرامج التدريب الفنيّة من العناصر الأساسية لضمان استدامة النمو الصناعي. إضافة إلى ذلك، فإن إقامة تحالفات تجارية وشراكات تسويقية مع موزعين هنود يسهم في تسهيل النفاذ إلى الأسواق الهندية على مستوى المدن والمناطق، بينما تتيح حزم الدعم للصادرات الصغيرة والمتوسطة وصول المنتجات العُمانية إلى رفوف السوق الهندي بفعالية وجودة تنافسية.
بشكل عام، تشير هذه التقديرات إلى أن تفعيل CEPA يشكل فرصة استراتيجية لعُمان لتعزيز التجارة الثنائية، تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل واسعة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز قدرة سلطنة عمان على تأدية دور متنامٍ في التجارة الإقليمية والدولية.