“تقدم”: معارضة الإنقاذ “دور تاني” (1-2)
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
بدت كلمة حمدوك في عنتيبي عن نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان "الكيزانية" شاهداً آخر على أن "تقدم" لم تفرغ بعد من معارضة الإنقاذ، مع قولها إنها "نظام مباد" ورئيسه "مخلوع".
قال رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية والتقدمية "تقدم" عبدالله حمدوك في عنتيبي بدولة أوغندا في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الجاري إن اجتماعات الهيئة القيادية لمنظمته ستتناول نزع الشرعية عن الحكومة السودانية، التي تدير عملها من مدينة بورتسودان "حكومة بورتسودان"، لأنها ربما، كما سبق له القول، تأتمر بأمر الإسلاميين.
ولا يملك المرء أن يسأل هنا إن كانت "تقدم" هي جبهة لمعارضة الحكومة القائمة، أم إنها اختصت بوقف الحرب بين طرفيها، وهما الحكومة وقواتها المسلحة، بدفعهما للتفاوض. ولا يعرف المرء أيضاً إن كان نزع الشرعية عن القوات المسلحة والتي تأتمر بأمر الإسلاميين في عقيدة "تقدم"، هو الخطوة القادمة لأنها لم تعد في نظر "تقدم" سوى ميليشيات خالصة للمؤتمر الوطني أيضاً.
كما لا يعرف المرء جريرة هذه الحكومة تحديداً التي دعت "تقدم" لطلب إزالتها؟ وما لقيت "تقدم" منها من عراقيل خلال شغلها في إنهاء الحرب مما استدعى نزع الشرعية عنها؟ وهل سيتنزل محوها من ظهر بسيطة السودان برداً وسلاماً عليه؟
يخشى المرء أن تكون "تقدم" جاءت لحل حكومة بورتسودان "بعادة المعارضة" التي اكتسبتها منظماتها خلال نضالها الطويل ضد الأنظمة الديكتاتورية في السودان. وهذه العادة هي محض غيظ لا يلطفه فكر استراتيجي يفرق بين الحكومة والدولة ولا الوطن. وإذا كان ثمة ما يذكر لحمدوك خلال رئاسته للوزارة الانتقالية أنه فكك بعد جهد جهيد النظام الفادح من العقوبات الدولية على السودان، التي ألجمت بها المعارضة حكومة الإنقاذ. فدفع السودان 335 مليون دولار عام 2021 مثلاً تعويضاً لضحايا السفارات الأميركية في كينيا وأوغندا والمدمرة كول التي اتهم بها ليزيل اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فكان حمدوك ورث دولة موبوءة بالمقاطعة تناصرت حكومة الإنقاذ ومعارضتها معاً في صنعها.
وعادة المعارضة هي كل ما في جعبة "تقدم" في خطاب الدولة والجيش الدائر من حول الحرب الناشبة. فتجيء "تقدم" إلى محاكمة الدولة، لا بما اصطلح العلم في تعريفها بل بالاحتجاج عليها لأنها لم تكن الدولة الديمقراطية المدنية السعيدة التي أرادوها لوطنهم. فقالت الصحافية رشا عوض بخطأ الوقوف في يومنا مع هذه الدولة التي كانت قواتها المسلحة "أداة لوأد الديمقراطية لأكثر من نصف قرن". فلا تكون الدولة الحديثة في رأيها إلا بالديمقراطية.
وربط رشا للحداثة بالديمقراطية خطأ بيِّن. فالديمقراطية ليست سوى واحدة من ضروب التعاقد السياسي في الدولة الحديثة. فتكون الدولة الحديثة على حداثتها كيفما تعاقد الناس فيها، وبمثل هذه المحاكمة للدولة جعلت "تقدم" للدولة غاية، كأن تجسد برامجهم السياسة للحكم المدني الديمقراطي التي قاوموا دولة الإنقاذ من أجلها وأسقطوها. وكان بلغ بأهل "تقدم" التأذي من دولة الإنقاذ حداً طلبوا به ليومنا حل الدولة وتسريح الجيش كما رأينا من حديث حمدوك. وغائية الدولة، مثل أن يكون الهدف منها العدل بين الناس في الدولة الدينية أو الاشتراكية، مما لم يعد الشاغل في علم اجتماعها كما كان الحال قبلاً. وجاء العالم الألماني ماكس فيبر بهذه القطيعة مع غائية الدولة. فعرف الدولة بأنها التي لها حصرياً احتكار استخدام القوة على أبدان أهلها.
وأراد فيبر بهذا أن ينأى كعالم اجتماع من الخوض في حكم القيمة على موضوع دراسته، أي الدولة. فحقها في احتكار السلاح من حقائقها وكفى. وليس من وظيفة العلم أن يقرر في أخلاقية هذه الشرعة للدولة. وما تبقى للعلم هو أن يدرس الوسائل التي تستخدمها الدولة التي لها دون سواها توظيف القوة على من هم تحتها، أو ما يطلق عليه فيبر "أشراط السيطرة". وبعبارة، تخلص فيبر من حمولة تعريف الدولة بالغاية الأخلاقية منها التي رأيناها تستولي على العقول في "تقدم". وكان الأهدى أن يدرسوا "أشراط السيطرة" هذه في دولة الإنقاذ مثل بيوت الأشباح وغيرها لتعزيز الوعي ببرنامجهم للتقدم والديمقراطية، وتثقيف التغيير ليقع بدماثة ومتانة وفطانة لا في مثل الهرج الذي اكتنف دولة ثورة 2019 وطوى صفحتها بصورة معجلة.
غير أن بعضهم في "تقدم" جاء بفهم للدولة في تعريفها كالهيئة التي لها الحق الحصري في احتكار السلاح، ولكنه ما لبث أن ارتد عنه إلى مدخره من ثقافة مقاومتها. فقال خالد عمر يوسف القيادي في "تقدم" بعد الثورة وقبل الحرب إن قوات "الدعم السريع" تهدد وجود الدولة ولا بد من الخلاص منها بدمجها في القوات المسلحة، لأنه "لا يمكن أن نسمح بتعدد الجيوش". وسمى هذا الدمج بـ"أولوية" لأنه بغير توحيد الجيش فمستقبل السودان وتحوله إلى الديمقراطية في مهب الخطر، وعزز حجته بقوله إنه بالوسع إعفاء ضباط القوات المسلحة الأعضاء بمجلس السيادة وردهم إلى بيوتهم، ولكن من أين لنا إعفاء محمد حمدان دقلو وأخيه عبدالرحيم، أي ما سلطاننا على جيش سلالي في مصطلح أهل اليمن، ولكنه نصح مع ذلك بالتروي في محو "الدعم السريع" من خريطة العسكرية السودانية لأنه صار فينا غزير العدد، قوي العتاد، واسع النفوذ العالمي.
ولكن ما اندلعت الحرب حتى تخرط خالد من عادة الثقافة إلى عادة المعارضة. فاحتج على من يقول من الإسلاميين إن "الدعم السريع" ليس من الدولة. فقال إنهم مع ذلك من جاؤوا به من رحمهم، ورعرعوه في أكنافهم بجعله جيشاً في حد ذاته بقانون مجاز من البرلمان في دولة الإنقاذ عام 2017. بل وظل ضباط "الدعم السريع" وجنوده، في قوله، يصرفون رواتبهم من خزانة الدولة حتى بعيد الحرب. ولم يتفق لخالد الشرعية التي يضفيها غيره للجيش والدولة في يومنا، فقد انتفت هذه الشرعية عن الجيش و"الدعم السريع" منذ انقلابهما على الوثيقة الدستورية (2019) والحكومة الانتقالية خلال الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وهكذا نزع خالد الشرعية عن الدولة و"الدعم السريع" معاً في غمرة احتجاجه على إطاحة دولتهم التي رهنوا التحول الديمقراطي بها. وهذه ردة إلى عادة المقاومة. ونواصل
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: نزع الشرعیة عن دولة الإنقاذ الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
حكومة الإكوادور تعتذر لعمال المزارع الذين تعرضوا لظروف تُشبه “العبودية الحديثة”
يونيو 1, 2025آخر تحديث: يونيو 1, 2025
المستقلة/- أصدرت حكومة الإكوادور اعتذارًا علنيًا يوم السبت لمجموعة من عمال المزارع الذين تعرّضوا لظروف أشبه بالعبودية، وذلك وفقًا لحكم أصدرته المحكمة الدستورية العام الماضي.
في فعالية عُقدت بالقرب من القصر الرئاسي في كيتو، أقرّ عدد من أعضاء مجلس الوزراء الإكوادوري بأن أكثر من 300 عامل في مزرعة أباكا مملوكة لليابانيين أُجبروا على العيش في ظروف تُشبه “العبودية الحديثة”، وتعهدت وزيرة العمل إيفوني نونيز بأن الإكوادور ستسعى جاهدةً “لبناء دولة تضمن حقوق الإنسان للعمال”.
يُعدّ الاعتذار الذي أصدره مسؤولون حكوميون أحد إجراءات التعويض التي أمرت بها المحكمة العام الماضي.
في الحكم، قضت المحكمة الدستورية بأن عمال شركة فوروكاوا اليابانية أُجبروا بين عامي 1963 و2019 على العيش في مساكن تفتقر إلى الخدمات الأساسية في مزرعة غرب الإكوادور، حيث كانت الحوادث شائعة بسبب نقص التدريب على السلامة.
حضر موظفون سابقون في شركة فوروكاوا مراسم يوم السبت برفقة محاميهم، الذين اتهموا الشركة بعدم دفع تعويضات للعمال المتضررين من الظروف القاسية في مزرعتها بمقاطعة سانتو دومينغو دي لوس تساتشيلاس.
ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من ممثلي فوروكاوا. غيّرت الشركة مالكيها في عام 2014، وقالت إن الظروف تغيرت منذ ذلك الحين. كما طلبت فوروكاوا من حكومة الإكوادور رفع الحظر المفروض على بيع ممتلكاتها في الإكوادور حتى تتمكن من دفع تعويضات للعمال.
يُستخدم نبات الأباكا، المعروف أيضًا باسم قنب مانيلا، في صناعة الورق الخاص والحبال وشباك الصيد ويشبه نبات الموز، لكن ثماره غير صالحة للأكل.
تُعد الإكوادور أكبر مُصدّر للموز في العالم، وهي أيضًا من بين عدد قليل من الدول التي تُنتج كميات كبيرة من الأباكا.