لجريدة عمان:
2025-05-31@13:46:03 GMT

ماذا يملأ الفراغ في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

تبدو لوهلة صفة «التاريخي» مبررة لوصف الإطاحة بنظام بشار الأسد بعد أكثر من خمسين عاما من الحكم الاستبدادي، وثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية المتقطعة وما أحدثته من معاناة. شعب سوريا مبتهج، أو الغالبية منه. ويحق لهم أن ينعموا بهذه اللحظة. فهم يستحقونها. وهي تذكرنا بالاحتفالات التي رافقت سقوط صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، غير أن لنا في هذه الذكريات نذيرا وخطرا.

فالنذير لأن هذه الفرحة قد تتحول عما قريب إلى عبرات، والتحرر إلى قمع يتجدد، إذا ما أدى السقوط المفاجئ إلى تحول الهياكل الكريهة لكن المستقرة نسبيا إلى فوضى لا يمكن احتواؤها. والخطر يتمثل في أن الفراغ السياسي والعسكري التالي سوف يشهد منافسة من فاعلين لا يهتمون بالعدالة أو المصالحة، وإنما بالسلطة والانتقام. والانتقام في سوريا طبق يقدَّم ساخنا، وقد رجع الآن إلى قائمة الأطعمة.

يمكن أن نتعقب جذور حملة الإطاحة بالأسد وصولا إلى درعا في جنوب غرب سوريا التي شهدت ثورة شعبية في 2011. وفي هذا السياق، فإن نجاح جماعة «هيئة تحرير الشام المقاتلة» في الزحف من قاعدتها في إدلب بشمال غرب سوريا إلى العاصمة دمشق يمثل نهاية مناسبة: فهي ثورة شعبية قام بها الشعب من أجل الشعب. لكن ليس بوسع أحد الآن أن يخبرنا بشكل المستقبل السوري الذي يتصوره قائد (هيئة تحرير الشام) أبو محمد الجولاني، الجهادي ذي العلاقات السابقة بالقاعدة المطلوب للاعتقال والذي أعاد تصوير نفسه باعتباره زعيم تحرير وطني. وجماعة (هيئة تحرير الشام) لها سجل في انتهاكات حقوق الإنسان والحكم الاستبدادي في إدلب.

يتردد أن كثيرًا من السوريين تدفقوا تحت لواء هيئة تحرير الشام بينما كانت قوات الجولاني تتجه جنوبا. لكن جماعات أخرى، مختلفة الأغراض والمصالح، تتحرك بسرعة لاستغلال الأزمة. وتتضمن تحالفا من الميليشيات القومية بقيادة الأكراد في الشمال الشرقي ـ أي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والفصائل المتمردة المدعومة من تركيا والمعروفة مجتمعة باسم الجيش الوطني السوري، وجماعات المعارضة في الجنوب، التي تتحد على كراهية الأسد لكن قد لا يجمعها ما هو أكثر.

هل بوسع الفسيفساء السورية السابقة على الحرب ـ أي سوريا العلمانية، متعددة الأعراق والأديان، المتسامحة تسامحا استثنائيا ـ أن تلملم أجزاءها مرة أخرى؟ هل الجولاني رجل مناسب لزعامة أمة؟ من سواه قد يحول دون تشظي سوريا أرضا وسياسة؟ ما من إجابة بعد لدى أحد على هذه الأسئلة. فقد أعلن رئيس وزراء النظام محمد غازي جلالي أنه ـ خلافا للأسد ـ باق في منصبه ومستعد للعمل مع المتمردين. وهي كلمات شجاعة، فعسى ألا تكون كلماته الأخيرة.

فالتحديات المقبلة عصيبة حقا. لقد أدت الحرب الأهلية إلى مصرع ما يزيد على ثلاثمائة ألف شخص، برغم أن بعض التقديرات تضاعف هذا الرقم. ويعتقد أن قرابة مائة ألف شخص مفقودون أو مختفون قسرا منذ 2011. فأين هم؟ تبدأ الآن المحاسبة المروعة. نصف السكان ـ قرابة اثني عشر مليون شخص - نازحون. وعشرات الآلاف معتقلون دون محاكمة، وتعرضوا للتعذيب وإساءة المعاملة. وسجونهم تفرغ الآن، مما يبعث موجة من الغاضبين المصابين بجراح جسدية ونفسية وانتقامية إلى مجتمع مدمر ومختل بالفعل. وقد يعود ملايين اللاجئين من تركيا والأردن إلى ديارهم بأعداد غفيرة. لذلك تلوح كوارث إنسانية وأمنية في الأفق.

ويمثل التدخل الأجنبي المدمر - وهو محور قصة سوريا منذ بدء الحرب - تهديدا حقيقيا آخر إذا ما انهارت الأمور. إذ يمثل إسقاط الأسد هزيمة كبيرة لراعييه الرئيسيين، أي روسيا وإيران. لقد دخل فلاديمير بوتين سوريا في عام 2015 بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، معليا أولوية مكافحة الإرهاب على دعم القوى المؤيدة للديمقراطية. ونجحت قاذفات القوات الجوية الروسية، بجانب الحرس الثوري الإيراني، في إبقاء الأسد في السلطة. وكانت مكافأة بوتين هي إنشاء قواعد عسكرية وزيادة النفوذ. وكل هذا أصبح الآن معرضا للخطر.

بالنسبة لإيران، ليس الانهيار السوري إلا أحدث الحلقات في سلسلة من الانتكاسات المرتبطة برد إسرائيل على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر 2023. فإضعاف إسرائيل لحزب الله في لبنان، وهو الحليف الرئيسي لطهران فيما يسمى بـ«محور المقاومة» في المنطقة، حرم الأسد من دعامة مهمة أخرى وجعل موقف إيران أكثر ضعفا. ويقال إن السفارة الإيرانية في دمشق تتعرض للهجوم، وأن دبلوماسييها فروا. ومع ذلك، لن تستسلم روسيا أو إيران. وسوف تسعيان إلى صياغة النظام الجديد لصالحهما، بغض النظر عن الأفضل للشعب السوري. ويمكن أن يقال مثل ذلك في حق إسرائيل التي قامت مرارا ـ في حملتها على حماس وغيرها من حلفاء إيران ـ بقصف ما تقول إنه أهداف لإيران وحزب الله في دمشق وأماكن أخرى في سوريا. وترى طهران لإسرائيل يدا في سقوط الأسد. ورغم أن ذلك قد لا يكون متعمدا، فمن المؤكد أن إسرائيل ــ متبعةً قانون العواقب غير المقصودة ــ قد ساعدت في تقويض بنيانه. والآن ينتابها شعور بالقلق من وجود دولة فاشلة على حدودها تسيطر على أسلحة الأسد الكيميائية، فضلا عن تجدد محتمل لتهديد جهادي إسلامي.

وبالحديث عن الأهداف الذاتية، يأتي رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، في الصدارة. فمن المعتقد أنه أعطى هيئة تحرير الشام الضوء الأخضر لشن هجومها بعد أن رفض الأسد محاولاته لإنشاء منطقة عازلة حدودية داخل سوريا. وأردوغان شديد الانشغال بـ«التهديد» الكردي من شمالي سوريا والعراق. فقد يرسل الآن مزيدا من القوات لتعبر الحدود. ولكن هل كان يعتزم حقا سحق النظام وإثارة الفوضى في أنحاء سوريا؟ لعل أردوغان يستطيع أن يوضح كيف يخدم هذا مصالح تركيا.

ما لم نصدق نظريات المؤامرة القاتمة، فقد فوجئت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا بالأحداث مثلما فوجئ بها الأسد. وهذا في حد ذاته فشل استخباراتي مثير للقلق، ولكن سجل الغرب طوال الحرب السورية لم يكن إلا فشلا طويلا ومخزيا. فقد بدا أن هذه الحرب هي الأشد معاناة، والأكبر في النزوح الجماعي، وجرائم الحرب، والاستعمال غير المشروع للأسلحة الكيميائية وغيرها من الأهوال. والواقع أن تدخلات الغرب العرضية ــ من قبيل قصف دونالد ترامب لمرة واحدة في عام 2017 لمنشآت عسكرية سورية بعد هجوم بالأسلحة الكيماوية في خان شيخون بإدلب ــ قد تمت بهدف إراحة الضمير الجمعي أكثر مما تمت لإحداث تغيير حقيقي. والآن يلعب الغرب دور المتفرج مرة أخرى ــ برغم أن التهديد الذي يشكله فشل الدولة تهديد ملح. ويقول ترامب في غطرسة: «هذه ليست معركتنا».

ولا جدوى أيضا من النظر إلى الجيران العرب في الخليج طلبا للمساعدة في هذه اللحظة الحرجة.. فقبل أكثر قليلا من عام، نجح الأسد في تحطيم حالة النبذ الدولية لبلده في قمة جامعة الدول العربية في الرياض. إذ قوبل بحفاوة من القيادة السعودية وآخرين. وكانت الرسالة غير الدبلوماسية كثيرا هي أن الأسد قد عاد. وأعيد تأهيله. ويمكن أن يتعامل معه العالم مرة أخرى، وهذا خطأ. أما الآن فتقع على عاتق الشعب السوري مهمة إنقاذ سوريا التي لن ينقذها غيره.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام

إقرأ أيضاً:

كيف ساهم تطبيق تجسس في إسقاط نظام الأسد؟

أدى هجوم إلكتروني متطور، تنكّر في صورة مبادرة مساعدات إنسانية، إلى إضعاف الجيش السوري كثيرا، مما يُعتقد أنه ساهم في الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

وحسب معلومات كشف عنها تحقيق للصحفي السوري كمال شاهين، ونُشر في 26 مايو 2025 بموقع مجلة نيوز لاين الأميركية، فإن هذه العملية تُسلط الضوء على حقبة جديدة من الحرب السيبرانية التي يمكن للأدوات الرقمية فيها، أن تُطيح بقوة عسكرية تقليدية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيلlist 2 of 2هآرتس: دولة تحتفل بالإبادة الجماعية فقدت عقلها كلياend of list

عملية خداع مزدوج

الاستغلال بدأ بتطبيق مزيف يطلق عليه: STFD-686، وهو يحاكي تطبيق "الأمانة السورية للتنمية" الرسمي، والذي كانت تُشرف عليه أسماء الأخرس زوجة الأسد.

وتم توزيع هذا التطبيق عبر قناة تلغرام غير موثقة، مستهدفاً الضباط الذين يعانون من ضائقة اقتصادية شديدة، مع وعود بمساعدات مالية مثلت الطُّعم الذي جذب الآلاف منهم لتحميله، وتوفير معلومات شخصية وعسكرية كجزء من إجراءات التسجيل.

لكن بمجرد تثبيته، لم يكتفِ التطبيق بجمع بيانات حساسة عبر نماذج تصيد احتيالي (مثل رتب الضباط، ومواقع خدمتهم، وتفاصيل عائلاتهم)، بل استخدم كذلك برنامج التجسس SpyMax.

هذا البرنامج المتقدم سمح للمهاجمين بالوصول الكامل إلى سجلات المكالمات، والرسائل النصية، والصور، والمستندات، وحتى تفعيل الكاميرات والميكروفونات من بُعد على الأجهزة المُخترقة.

إعلان

هذه العملية المعقدة، التي جمعت بين الخداع النفسي والتجسس الإلكتروني المتطور، تُشير إلى تخطيط دقيق ومُحكم، وفقا لشاهين.

انهيار من الداخل

ظل برنامج التجسس هذا يعمل خمسة أشهر على الأقل قبل "عملية ردع العدوان" التي شنتها قوات المعارضة السورية، والتي أدت إلى سقوط النظام وسيطرتها على حلب في ديسمبر/كانون الأول عام 2024.

البيانات التي تم جمعها وفرت للمهاجمين خريطة حية لانتشار القوات ونقاط الضعف الإستراتيجية، مما منحهم نافذة آنية على الهيكل العسكري السوري، ويُرجح أن المعلومات المُخترقة ساعدت الثوار في تحديد الثغرات الدفاعية والتخطيط لهجمات مفاجئة وسريعة.

تُسلط هذه الحادثة الضوء على نقطة فريدة، وهي أن حملة التجسس هذه لم تستهدف أفرادًا بعينهم، بل مؤسسة عسكرية بأكملها. ويُمكن أن يُفسر هذا الاختراق الواسع النطاق للقيادة العسكرية حالات تضارب الأوامر والفوضى داخل الجيش السوري خلال الأيام الأخيرة للنظام، وحتى حوادث النيران الصديقة التي شهدتها ساحة المعركة وبالذات في حماة.

الحرب السيبرانية:

ورغم أن المخططين الحقيقيين لهذا الاختراق لا يزالون مجهولين، فإن ثمة تلميحات تشير إلى جهات فاعلة مختلفة، بما فيها فصائل المعارضة السورية وأجهزة استخبارات إقليمية أو دولية، فإن فعالية الهجوم كانت واضحة.

جنود تابعون للنظام السوري المخلوع في منطقة بحلب الغربية، سوريا (رويترز)

وتُجسد هذه الحادثة كيف يمكن للأدوات الرقمية منخفضة التكلفة، أن تُدمر قوة عسكرية تقليدية، وتوضح كيف أن نقاط الضعف المنهجية مثل انخفاض الروح المعنوية، وانخفاض الأجور، ونقص الوعي الأمني الرقمي، والفساد، يُمكن أن تُصبح ثغرات تُستغل في الحروب الحديثة.

ومن الصعب تحديد عدد الهواتف التي تعرضت للاختراق في الهجوم بدقة، ولكن يُرجّح أن يكون العدد بالآلاف، وقد أشار تقرير نُشر على قناة تلغرام  نفسها في منتصف يوليو/تموز إلى إرسال 1500 تحويل مالي ذلك الشهر، مع منشورات أخرى تُشير إلى جولات إضافية من توزيع الأموال، و"لم يوافق أيٌّ من الذين تلقوا الأموال عبر التطبيق على التحدث معي، مُشيرين إلى مخاوف أمنية" على حد تعبير شاهين.

إعلان

وخلص التحقيق إلى أن الكشف عن هذا الهجوم السيبراني ساعد في تفسير كيف سقط نظام كان مهيمنًا في السابق بهذه السرعة وكيف كانت مقاومته ضعيفة إلى هذا الحد.

مقالات مشابهة

  • الأردن يوقف استقدام العمالة الوافدة فهل يملأ المواطنون الفراغ؟
  • داعش يتبنى أول هجوم ضد الجيش السوري الجديد منذ سقوط نظام الأسد
  • اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟
  • تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق
  • هذه الأسباب تؤخر عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد
  • داعش يتبنى أول هجوم ضد القوات السورية الجديدة منذ سقوط الأسد
  • سوريا.. أول هجوم لـ"داعش" منذ سقوط الأسد
  • طفرة في التعاون الاقتصادي بين سوريا والأردن بعد سقوط الأسد
  • "حصان طروادة السيبراني".. تطبيق الكتروني ساهم في انهيار نظام الأسد
  • كيف ساهم تطبيق تجسس في إسقاط نظام الأسد؟