تنفيذ متسارع لمخطط نتنياهو.. التوسع من البوابة السورية
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
وعلى الرغم من ضبابية المشهد وقتامته حول سياسة الحكام الجدد لسوريا ومشاريعهم إلا أن المؤشرات توحي بأن سوريا التي ظلت “إسرائيل” تصفها -على مدى سنوات متعاقبة- بأنها “رئة المقاومة” انقطع نفسها، وباتت تخيم على المنطقة سحابة سوداء قاتمة ستكون لها تداعيات سلبية على المنطقة برمتها وعلى محور المقاومة بشكل خاص.
تأتي هذه الأحداث بعد أكثر من عام على “طوفان الأقصى”، حيث تعرضت غزة لحرب إبادة جماعية لا مثيل لها في التاريخ، وخلالها كان الصمت العربي والإسلامي هو سيد الموقف باستثناء محور المقاومة الذي ساهم -بقدر ما يستطيع- في إسناد غزة بكل ما يملك، وخلال هذه المعركة شاهدنا مدى التواطؤ لهذه القوى التي سيطرت على الحكم في سوريا مع مجريات أحداث غزة، وعدم التفاعل معها، وبدلاً من تقديم الدعم للمحور ولغزة تحركت هذه الجماعات لقصم ظهرها تحت مبررات إسقاط النظام في سوريا، وإشعال “الثورة” من جديد.
توغل إسرائيلي ومحاولة لتعميق التقسيم
وفي ظل نشوة الجماعات المسلحة بالانتصار على الرئيس بشار الأسد والإطاحة به، كان العدو الإسرائيلي يتوغل في الأراضي السورية، وينفذ ضربات جوية هي الأكبر في تاريخه دون أن يصدر عن هذه الجماعات أي بيان إدانة أو استنكار، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام؟
وخلال الأيام الماضية، اقتنص المجرم نتنياهو هذه الفرصة، والأحداث في سوريا، ليتحرك وفق عدة مسارات متعددة: فمن الناحية السياسية أعلن مباشرة سقوط «اتفاقية فضّ الاشتباك» الموقعة عام 1974، ثم ما لبث أن دعا جيشه للتحرك والتوغل في الأراضي السورية، ليتمكن من السيطرة على مدينة البعث وجبل الشيخ، ثم التقدم على أطراف درعا وأطراف ريف دمشق، محققاً اطلالة مريحة على سوريا ولبنان من خلال السيطرة على المرتفعات الجبلية، في تحول استثنائي لم يكن ليحدث لولا هذه المتغيرات الجديدة.
وإلى جانب ذلك، نفذ سلاح جو العدو الإسرائيلي غارات عنيفة جداً وصفت بأنها الأعنف والأكبر منذ عام 1973م، وبمعدل وصل إلى نحو 300 غارة في اليوم، استهدفت ما تبقى من القدرات العسكرية السورية، سواء بطاريات الدفاع الجوي، أو مراكز البحوث العلمية، أو المطارات العسكرية (بما فيها مطار دير الزور ، ومطار «الثعلة» في السويداء، بالإضافة إلى الأسطول السوري الذي تم تدميره بهدوء عبر استهداف السفن واحدة تلو الأخرى. والأغرب أن التوغل البري والقصف الجوي العنيف حدث في ظل صمت عربي مطبق، وعدم تغطية إعلامية مواكبة له، ولا سيما من القنوات الفضائية التي غطت أحداث غزة على مدار الساعة، وفي مقدمتها قناة “الجزيرة” القطرية.
لا نعتقد أن جيش العدو الإسرائيلي سيمضي إلى السيطرة على العاصمة دمشق، لكنه بات الآن مطمئناً بأن الحكام الجدد لا يملكون سوى الأسلحة التقليدية في مواجهة “إسرائيل” إذا ما خرجوا في يوم ما عن النص المرسوم لهم، وهذا ما يجعل النظام القادم يفكر وفق ما هو مخطط له بالتقارب مع الكيان المؤقت، وتطبيع العلاقات معه، وفق ما صرح به مسؤول كبير في ما يسمى الجيش السوري الحر المعارض لصحيفة “تايمز اوف إسرائيل”، عندما قال: “إننا منفتحون على الصداقة مع إسرائيل، وليس لدينا أعداء غير نظام الأسد وحزب الله وإيران”، وأضاف “ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيراً، والآن نحن نعتني بالباقي”.
لقد كسبت أمريكا و”إسرائيل” سوريا، وما يريده المجرم نتنياهو الآن هي سوريا الضعيفة المقسمة والمجزأة، وأن تكون فيها سلطة أشبه بسلطة محمود عباس في الضفة الغربية، وقد تمضي “تل أبيب” في تنفيذ مخططاتها القديمة بسلخ الأراضي السورية، لا سيما في محافظة “السويداء” ذات الأغلبية الدرزية، وتشكيل حكم فيدرالي فيها يبعدها عن بقية الجغرافيا السورية، بموجب خطة يقودها شيخ عقل الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، موفق طريف، المعروف بمواقفه المؤيدة للاحتلال.
تطويق حزب الله
لقد جاءت هذه المتغيرات بشكل دراماتيكي ومفاجئ للجميع، وبالفعل مثلت ضربة موجعة للمقاومة، ولتحركاتها المناهضة لـ”إسرائيل”، فهي من ناحية التوقيت جاءت بعد عدوان إسرائيلي غاشم على لبنان بسبب مساندة حزب الله لغزة، وتعرض الحزب لضربات موجعة على رأسها اغتيال سماحة الأمين العام الشهيد القائد حسن نصر الله، وما تلاها من تداعيات وأحداث أثرت بشكل كبير على حزب الله.
وبعد يوم واحد من إعلان اتفاق وقف العدوان الصهيوني على لبنان، تحركت هذه الجماعات، وبعد خطاب للمجرم نتنياهو قال فيه “الأسد يلعب بالنار”، فكانت هذه هي كلمة السر التي دفعت الجماعات المسلحة للتحرك صوب سوريا، وهو تحرك خطير جداً، ومقلق للأمن القومي اللبناني، ولمستقبل حزب الله، وذلك من عدة نواحٍ:
أولاً: أن ما حدث يمثل تطويقاً كاملاً لحزب الله، وقطعاً لخطوط الإمداد والسلاح الذي كان يمر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر الحدود العراقية ثم إلى لبنان.
ثانياً: أن أي حرب إسرائيلية قادمة على لبنان أو حزب الله ستجعله يعاني كثيراً، إذ أن الخلفية له مشلولة تماماً، فالحزب يريد أن يقاتل وهو يستند إلى ظهر قوي كما حدث في حرب تموز 2006، أما الآن فليس لديه أي ظهر ليستند عليه.
ثالثاً: قد نخشى من حدوث السيناريو الأسوأ على حزب الله، وهو اشتراك الجماعات المسلحة مع “إسرائيل” في الحرب على الحزب من أجل تدميره والقضاء عليه.. لا ننسَ أن “إسرائيل” هدفها الاستراتيجي هو تدمير الحزب، ولهذا فإن ما حدث بالفعل يشكل خطراً كبيراً ومحدقاً على حزب الله، والمستفيد الأبرز هنا هي “إسرائيل”.
وإذا ما أردنا التعرف أكثر على النوايا الإسرائيلية في سوريا خاصة وفي المنطقة بشكل عام، فعلينا الرجوع إلى الخريطة التي قدمها نتنياهو في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر الماضي، أثناء اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله.
الخريطة لم تكن مجرد رسم على لوحة معدنية، بل أظهرت رؤية نتنياهو لما وصفه بـ “محور النعمة”، الذي يضم الدول المطبّعة، في مقابل “محور النقمة”، الذي يشمل دول المقاومة، حيث كانت سوريا ضمن الدول المستهدفة في الأجندة الإسرائيلية، ولهذا فإن جميع الأحداث في المنطقة تسير وفق هذا المخطط الذي ترعاه وتتبناه في المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية وأذرعها في المنطقة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی سوریا حزب الله
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تعمل على تغيير النظام القانوني الذي يحكم الضفة الغربية لتسريع الضم
نشر موقع "موندويس" تحليلا لتقرير جديد صادر عن مركز "عدالة" يكشف عن الخطوات المتسارعة التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية لفرض تغييرات قانونية وهيكلية تُرسخ السيطرة الدائمة على الضفة الغربية، وبشكل خاص في المنطقة "ج"، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وقال الموقع في هذا التحليل الذي ترجمته "عربي21"، إن التقرير الجديد الصادر عن مركز عدالة القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، والذي يقع في 87 صفحة، بعنوان "الهياكل القانونية للتمييز والفصل العنصري وتصنيف المناطق: ازدواجية نظام الأراضي الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة"، يصف الطرق التي تبني بها حكومة نتنياهو منظومة قانونية طويلة الأمد تهدد حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
وقالت الدكتورة سهاد بشارة، المديرة القانونية لمركز عدالة والمؤلفة الرئيسية للتقرير، لموقع "موندويس" إن هذه التطورات ليست شيئا جديدا، مؤكدة أن تسليط الأنظار على غزة لا يجب أن يحجب خطورة الخطوات القانونية في الضفة منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية مهامها في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
وأكدت بشارة أن ما يحدث في الضفة الغربية يُسرّع سياسات الضم بشكل خطير، في انتهاك صارخ للقانون الدولي؛ حيث تُكثّف إسرائيل إجراءاتها لتغيير الوضع القانوني للعديد من الفلسطينيين القاطنين في المنطقة "ج" الذين يتعرضون لتهجير مُكثّف بسبب عنف المستوطنين والسياسات الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني والقيود على فرص التنمية في المنطقة.
وأشار الموقع إلى أن التقرير يوثّق بناء الحكومة المتطرفة الحالية لما تصفه منظمة عدالة بـ"الآليات التأسيسية التي ترسخ إسرائيل من خلالها نظامًا يُسهّل الهيمنة على المناطق والفصل العنصري".
وتُشكّل المنطقة "ج" أكثر من 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وهي تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة.
حكم مدني للمستوطنين وعسكري على الفلسطينيين
أوضح الموقع أن إسرائيل تخلت عن المبررات الأمنية للموافقة على بناء المستوطنات منذ أواخر السبعينيات، واعتمدت سياسة تستند إلى أسس مدنية وليست عسكرية. ويصف تقرير عدالة كيف أُنشئت الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تحكم الضفة الغربية لإضفاء الطابع الرسمي على الفصل بين الشؤون العسكرية والمدنية.
ويؤكد التقرير أن "إسرائيل نقلت الحكم على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية، مما أدى إلى ترسيخ الهيمنة على المناطق وتوسيع المشروع الاستيطاني بشكل كبير".
وفي الآونة الأخيرة، أدت الإجراءات الحكومية -مثل تعيين بتسلئيل سموتريتش في منصب وزير المالية- إلى تعزيز السلطة القانونية للموظفين المدنيين الموالين للمستوطنين في الضفة الغربية.
وقد عززت هذه التغييرات دور الهيكلين القانونيين المختلفين اللذين يحكمان الحياة في القرى الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية: الأول حكم عسكري على الفلسطينيين، والثاني حكم مدني وفقًا للقانون الإسرائيلي يدير حياة المستوطنين.
1. إدارة السلطات المحلية
يصف التقرير إحدى أكثر الآليات إثارةً للقلق، والتي تكشف عن نية إسرائيل ضمّ كامل الضفة الغربية. بعد نقل المستوطنات من الإدارة العسكرية إلى الحكم المدني، ومنح صلاحيات قانونية وإدارية مهمة لموظفين مدنيين مؤيدين للمستوطنين، يُمكن لإسرائيل أن تُجادل بأنّ المستوطنات تخضع الآن للسيادة الإسرائيلية.
لكنّ التقرير يؤكّد أنّ تطبيق القانون الإسرائيلي على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية يُمثّل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني ويُشكّل "ضمًا فعليًا".
2. حوافز مالية للمستوطنات
ذكر التقرير أنّ "المستوطنات الإسرائيلية تحصل على مزايا مالية واسعة من خلال الدعم الحكومي المباشر، والسياسات التفضيلية، والحوافز المالية في قطاعاتٍ مُتعددة، بما في ذلك تخصيص الأراضي، والإسكان، والبنية التحتية، والزراعة".
وضمن هذه السياسة، تواصل إسرائيل ضخّ المليارات سنويًا لتطوير المستوطنات في الضفة الغربية، مما يمثل انتهاكًا للقانون الدولي.
ويشرح تقرير عدالة بشكل مفصل "الآليات القانونية وراء هذه الحوافز وكيف يُسهّل القانون الإسرائيلي توزيعها" على المستوطنات.
3. إعلان الأراضي تابعة للدولة
ويؤكد التقرير أن إعلان إسرائيل تحويل الأراضي في الضفة الغربية إلى ملكية الدولة يُعدّ "الآلية القانونية الأساسية التي استولت من خلالها السلطات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي".
لكن حجم ضم الأراضي في الفترة الأخيرة ارتفع بوتيرة غير مسبوقة، ويتضمن التقرير معلومات تُظهر حقيقة صادمة: أعلنت إسرائيل عن ضم أراض فلسطينية وتحويلها لملكية الدولة في أقل من سنة واحدة أكثر مما قامت خلال 18 سنة.
من 1998 إلى 2016، تم إعلان ما يزيد قليلاً عن 21 ألف دونم كأراضٍ تابعة للدولة الإسرائيلية، ولكن في غضون تسعة أشهر فقط (من نهاية شباط/ فبراير 2024 إلى أوائل كانون الأول/ ديسمبر 2024)، تم إعلان أكثر من 24 ألف دونم كأراضٍ تابعة للدولة، فيما يُعدّ تسارعًا غير مسبوق تاريخيا.
جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة
خصص تقرير عدالة قسمًا كاملًا للإطار القانوني والهيكلي المعمول به في المنطقة (ج)، والذي يهدف لتوسيع مشروع الاستيطان الإسرائيلي.
وتخلص منظمة عدالة إلى أن إسرائيل ترتكب 5 جرائم من خلال سياساتها في الضفة الغربية: انتهاك القانون الدولي الإنساني؛ تعميق آليات الضم الفعلي غير القانوني؛ حرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير؛ تعميق نظام الفصل العنصري في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ ارتكاب جرائم حرب.
وقد رصدت أحدث نشرة إخبارية من منظمة "عير عميم"، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية، توسع سيطرة إسرائيل في القدس الشرقية. وأكدت تيس ميلر، مسؤولة التوعية العامة في "عير عميم"، أن آليات التهجير التي تم رصدها داخل القدس ليست منفصلة عن الآليات التي يتم تطبيقها في غزة والضفة الغربية.
ووفقا للدكتورة بشارة، فإن تقرير منظمة عدالة يهدف إلى خلق "ضغط دولي ضد هذه التغييرات طويلة الأمد في الضفة الغربية، التي تنتهك القانون الدولي وتهدد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".