من دمشق للقاهرة: قراءة بانعكاسات المشهد السوري على مستقبل حقوق الإنسان بمصر
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
تمثل التجربة السورية نموذجا للدول التي تعتمد على القمع كوسيلة لإدارة الحكم، حيث أظهرت نتائجها أن تجاهل المطالب الشعبية والاعتداء على حقوق الإنسان يقود إلى زعزعة الاستقرار وخلق أزمات طويلة الأمد. نظام الأسد القمعي دفع ثمن تجاهله لهذه المطالب، مما أدى إلى انهيار مؤسساته وتحول البلاد إلى ساحة صراع داخلي وإقليمي.
في السياق المصري، تحمل هذه التجربة دلالات بالغة الأهمية. إن استمرار القمع السياسي وقمع الحريات العامة في مصر يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ويضعف مناعة الدولة أمام التحديات الداخلية والخارجية. فقد يؤدي تآكل الثقة بين المواطنين والنظام إلى تزايد حدة الأزمات، مما يترك البلاد أمام خيارات محدودة وغير سلمية.
التجربة السورية ليست مجرد سرد للماضي، بل تُعتبر إنذارا يوضح أن القمع يولّد أزمات لا رجعة فيها. إن تعزيز الإصلاح السياسي، وضمان احترام حقوق الإنسان، والانفتاح على مطالب الشعب، ليست خطوات تجميلية، بل هي حجر الزاوية لضمان استقرار مستدام. تجاهل هذه الدروس قد يدفع الدول ذات السياقات المشابهة إلى مسارات من الفوضى والانهيار، وهو ما يجعل من الضروري أخذ العبرة قبل فوات الأوان.
الاعتماد على القمع في كل من سوريا ومصر يُظهر تجاهلا واضحا لأهمية الحقوق والحريات كركائز أساسية لبناء دولة مستقرة. الأنظمة التي تعتمد على القمع تُعرض نفسها لخطر الانهيار عند أول مواجهة كبيرة مع احتجاجات شعبية واسعة، فالقمع لا يُعالج الأسباب الجذرية للاحتجاجات، مثل الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، بل يزيد من تعقيدها
انعكاسات المشهد السوري على حقوق الإنسان في مصر
استمرار القمع كأداة للحكم
في سوريا، أدت سياسات القمع إلى تدمير العلاقة بين الدولة والمجتمع، والاحتجاجات السلمية التي انطلقت في عام 2011 قوبلت برد فعل أمني عنيف، شمل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإخفاء القسري. هذه السياسات لم توقف الحراك الشعبي، بل على العكس زادت من حجم الغضب والتوتر، مما دفع البلاد نحو دوامة من العنف والانهيار السياسي. النظام السوري، الذي اعتمد على القمع لضمان استمراريته، وجد نفسه في مواجهة انهيار شامل لمؤسساته، بما في ذلك الجيش الذي فقد سيطرته تدريجيا أمام المعارضة الوطنية المسلحة. هذا الوضع يُظهر أن القمع قد ينجح في تأجيل الأزمات، لكنه لا يمكن أن يوفر حلا مستداما.
في المقابل، النظام المصري يُظهر توجهات مشابهة في اعتماده على القمع كوسيلة للحفاظ على السلطة. منذ عام 2013، شهدت مصر موجة واسعة من الاعتقالات والمحاكمات السياسية التي استهدفت المعارضة والنشطاء الحقوقيين. والقضاء تم تسييسه، وأصبحت الأجهزة الأمنية أداة قمعية تُستخدم لتثبيت النظام بدلا من حماية المواطنين. هذه السياسات قد توفر استقرارا ظاهريا على المدى القصير، لكنها تضعف الثقة بين الشعب والدولة وتُعمق حالة الاحتقان المجتمعي.
الاعتماد على القمع في كل من سوريا ومصر يُظهر تجاهلا واضحا لأهمية الحقوق والحريات كركائز أساسية لبناء دولة مستقرة. الأنظمة التي تعتمد على القمع تُعرض نفسها لخطر الانهيار عند أول مواجهة كبيرة مع احتجاجات شعبية واسعة، فالقمع لا يُعالج الأسباب الجذرية للاحتجاجات، مثل الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، بل يزيد من تعقيدها. التجربة السورية تُظهر أن القمع الممنهج لا يؤدي فقط إلى زعزعة استقرار النظام، بل قد يُشعل صراعات داخلية تؤدي إلى تفكك الدولة.
إذا لم يأخذ النظام المصري العبرة من التجربة السورية، فقد يجد نفسه في مواجهة تحديات مشابهة. الاستقرار الحقيقي لا يمكن تحقيقه من خلال القمع، بل يتطلب احترام الحقوق الأساسية والحريات العامة، وتعزيز العدالة الاجتماعية. الإصلاح السياسي هو المفتاح لبناء نظام شرعي ومستقر يستطيع مواجهة الأزمات دون اللجوء إلى العنف أو القمع.
الحاجة الي الإصلاح السياسي
التجربة السورية تسلط الضوء على عواقب إنكار الإصلاح الفعلي واستبداله بإجراءات شكلية تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم. فنظام الأسد تجاهل المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، واعتمد على تغييرات سطحية في الدستور وانتخابات بلا معنى لتعزيز قبضته على السلطة. هذه الإجراءات لم تفلح في تهدئة الشارع أو معالجة جذور الأزمة، بل عمّقت التوترات، ما أدى إلى انهيار النظام أمام ثورة شعبية تحولت إلى صراع شامل.
في مصر، يتكرر النهج ذاته. منذ عام 2013، شهدت البلاد محاولات لإظهار إصلاحات شكلية، مثل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تفتقر إلى التنافسية، وتعديلات دستورية تُرسخ السلطة بدلا من توزيعها بشكل عادل. بدلا من فتح المجال أمام عمليات إصلاحية حقيقية تستوعب المعارضة والمطالب الشعبية، اكتُفي بإجراءات تجميلية تهدف إلى إضفاء شرعية زائفة على النظام القائم، مثل الحوار الوطني. هذه الممارسات قد توفر استقرارا ظاهريا، لكنها تترك جذور الأزمات دون معالجة.
غياب الإصلاح الحقيقي يعني أن الأنظمة الاستبدادية تستنزف مصداقيتها تدريجيا، وتفقد ثقة الشعب في مؤسساتها. في سوريا، أدى هذا النهج إلى تآكل شرعية النظام وانهيار مؤسساته الأساسية، ما فتح الباب أمام التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية. ومصر تواجه تحديا مشابها: استمرار تجاهل المطالب الشعبية والإصلاحات الجادة قد يهدد استقرار الدولة ويعرضها لأزمات لا يمكن احتواؤها
غياب الإصلاح الحقيقي يعني أن الأنظمة الاستبدادية تستنزف مصداقيتها تدريجيا، وتفقد ثقة الشعب في مؤسساتها. في سوريا، أدى هذا النهج إلى تآكل شرعية النظام وانهيار مؤسساته الأساسية، ما فتح الباب أمام التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية. ومصر تواجه تحديا مشابها: استمرار تجاهل المطالب الشعبية والإصلاحات الجادة قد يهدد استقرار الدولة ويعرضها لأزمات لا يمكن احتواؤها.
الإصلاح السياسي الحقيقي يتطلب فتح المجال أمام مشاركة حقيقية من كافة الأطياف السياسية والاجتماعية، واحترام سيادة القانون، وإعادة بناء المؤسسات على أسس من العدالة والشفافية. الدرس الواضح من سوريا هو أن الإصلاح ليس خيارا شكليا، بل ضرورة لحماية الدولة وضمان استقرارها في وجه الأزمات المستقبلية. مصر لديها فرصة للتعلم من هذا الدرس، لكن أي تأخير في تبني إصلاحات جادة قد يجعلها تواجه مصيرا مشابها.
تجنب عسكرة السياسة
أخشى بشدة من الترويج لفكرة أن التغيير السياسي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اللجوء إلى السلاح، متجاهلين التكاليف الباهظة لهذا المسار على الشعوب والدول. هذه الفكرة الخطيرة تُزرع في أذهان البعض خلال نشوة الانتصار، وكأنها الخيار الوحيد لإحداث تحول في الأنظمة.
التجربة السورية تبرز بشكل واضح مخاطر عسكرة السياسة وتحول الصراعات السياسية إلى مواجهات مسلحة. ما بدأ كاحتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة والإصلاح السياسي قوبل بعنف مفرط من النظام السوري، مما أدى إلى عسكرة الصراع. هذا التحول كان له تأثير كارثي على المستويات الإنسانية والسياسية والاقتصادية، حيث تحولت سوريا إلى ساحة حرب مستمرة أدت إلى تشريد الملايين ومقتل مئات الآلاف، فضلا عن تفكك الدولة والمجتمع.
في مصر، يشكل الحفاظ على سلمية المعارضة السياسية ضمانة أساسية لتجنب سيناريو مشابه. ورغم الضغوط الهائلة على المعارضة من اعتقالات وقمع للحريات، إلا أنها ظلت متمسكة بسلمية نضالها. المفارقة أن النظام المصري نفسه، يعمل على عسكرة الحياة السياسية والاجتماعية بطرق غير مباشرة. أمثلة ذلك تشمل دعم مليشيات مثل "مليشيات العرجاني" في سيناء، التي توسع نفوذها تحت مظلة رسمية، ومليشيات "نخنوخ" التي تُستخدم كأداة للسيطرة وإرهاب المعارضين على المستوي المحلي. هذه السياسات لا تزيد فقط من تعقيد المشهد، بل تزرع بذورا لفوضى قد تكون مستدامة.
هذا الوضع المزدوج يبعث برسائل خطيرة إلى الداخل والخارج على حد سواء. فمن جهة، يتهم النظامُ زورا المعارضةَ بالسعي لإثارة الفوضى، بينما هو من يعمل على عسكرة المجتمع. ومن جهة أخرى، يُرسل إشارة خاطئة بأن حمل السلاح قد يكون الخيار الوحيد المتبقي للتغيير، وهو أمر يعرض البلاد لخطر الانزلاق نحو مسارات مشابهة لما شهدته سوريا.
لتجنب هذه المخاطر، يجب أن يعمل النظام المصري على التخلي عن استراتيجيات عسكرة المجتمع، وتعزيز سيادة القانون كبديل عن دعم المليشيات. فتح المجال السياسي والحوار مع المعارضة هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، وعلى المعارضة أن تستمر في التمسك بسلميتها مهما كانت الضغوط، لأن اللجوء إلى السلاح لن يؤدي إلا إلى تكرار السيناريو السوري بكل مآسيه.
القبول بانهيار الجيوش
انهيار الجيش السوري، الذي كان رمزا لسلطة النظام وأداة قمع فعّالة، حظي بترحيب دولي وإقليمي باعتباره ضرورة للتخلص من نظام استبدادي أضعف البلاد لعقود. هذا القبول لم يكن سعيا لزعزعة الاستقرار، بل استجابة لحقيقة أن الجيش لم يعد يُمثل مؤسسة وطنية حامية للشعب، بل أداة قمع تضر بمصالحه، وانهياره فتح المجال لإعادة بناء مؤسسات تُعبر عن الشعب وتعزز الاستقرار.
في مصر، حيث يُعتبر الجيش عمود النظام السياسي، يُثير أي حديث عن انهياره قلقا كبيرا، لكن التجارب الإقليمية تُبرز أهمية الفصل بين الجيش والسياسة للحفاظ على دوره الوطني. استمرار الجيش في لعب دور سياسي واقتصادي مهيمن يهدد شرعيته الشعبية ويضعف كفاءته في أداء مهامه الأساسية كحام للدولة من التهديدات الخارجية.
رغم صعوبة القبول بانهيار الجيوش، فإنه في بعض الحالات يُصبح ضرورة لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعادلة. ومع ذلك، يتطلب هذا المسار رؤية واضحة لإعادة تشكيل المؤسسة العسكرية كجزء من مشروع إصلاحي شامل يوازن بين الأمن واحترام الحقوق الأساسية.
التجربة السورية تُظهر أن تفكيك الجيوش المرتبطة بالأنظمة القمعية قد يكون خطوة شاقة، لكنها ضرورية لإنهاء الاستبداد وبناء مؤسسات تحترم إرادة الشعب. النجاح في هذا التحول يعتمد على تقديم بدائل قادرة على تحقيق الاستقرار وضمان الحقوق، مما يجعل من هذه العملية نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر توازنا وعدلا.
"إرهابيو" الأمس حكام اليوم
تُظهر ظاهرة "إرهابيو الأمس حكام اليوم" نمطا متكررا في مناطق النزاع، حيث تصبح أطرافٌ كانت تصنّف كإرهابية جزءا من المشهد السياسي بفعل تغييرات موازين القوى وأولويات المجتمع الدولي. في سوريا، برز هذا التحول بوضوح؛ فالجماعات التي وُضعت على قوائم الإرهاب الدولية والمحلية أصبحت اليوم لاعبا رئيسيا في المعادلة السياسية، بل وتمكنت من السيطرة على مواقع قيادية. تقبّل المجتمع الدولي هذا التحول كخطوة ضرورية لإنهاء الصراع، متجاهلا أحيانا مدى التزام هذه الجماعات بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
في المقابل، تسير مصر على مسار مشابه، حيث تُستخدم تهمة الإرهاب كوسيلة لإقصاء المعارضة وتهميشها. السلطات المصرية تصنّف العديد من القوى المعارضة ضمن قوائم الإرهاب، وهو نهج قد يحقق أهدافا قصيرة المدى لكنه يحمل في طياته مخاطر بعيدة المدى. فاستمرار هذا التصعيد قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن تتحول هذه القوى المقموعة إلى قوى شرعية أو مسيطرة، سواء عبر فرض نفسها كأمر واقع أو نتيجة لتحولات محلية وإقليمية غير متوقعة، كما حدث في سوريا.
يلعب المجتمع الحقوقي المصري دورا مهما في متابعة ما يحدث في سوريا؛ ليس فقط من باب التضامن، ولكن أيضا كفرصة لاستلهام العبر والدروس لدعم التجربة السورية. فمن خلال مشاركة خبراته، سواء الإيجابية أو السلبية، يمكن للمجتمع الحقوقي المصري مساعدة نظيره السوري على تجنب الأخطاء التي وقعت فيها مصر خلال مراحلها الانتقالية. النجاح في سوريا لن يكون حكرا على الشعب السوري، بل ستكون له انعكاسات إيجابية على المنطقة بأسرها، بما في ذلك مصر
لتجنب هذا المصير، على النظام والمعارضة في مصر أن يدركا أن وصم الخصوم بالإرهاب ليس استراتيجية مستدامة. المجتمع الدولي براغماتي في تقبّل التحولات على الأرض، لكنه لن يضمن استقرارا طويل الأمد دون احترام الحقوق الأساسية وفتح مساحة حقيقية للتعبير السياسي. الحل يكمن في بناء مصالحة وطنية شاملة، ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، والعمل على تأسيس بيئة سياسية تحترم التعددية وتضمن استقرارا مستداما بعيدا عن تكرار سيناريوهات الفوضى.
دروس مشتركة للمجتمع الحقوقي
المجتمع الحقوقي المصري والمجتمع الحقوقي السوري يواجهان تحديات متشابهة في التعامل مع المراحل الانتقالية التي تعقب الانتفاضات الشعبية أو الثورات. فكلا المجتمعين يعملان ضمن بيئات سياسية وأمنية معقدة تُعيق تحقيق الأهداف الأساسية لحقوق الإنسان، مع وجود ضغوط داخلية وخارجية تجعل من مسيرة الإصلاح مهمة شاقة. ومع ذلك، تقدم التجربة المصرية بعد ثورة يناير 2011 دروسا قيمة للمجتمع الحقوقي السوري، خاصة في كيفية التعامل مع التحديات في المراحل الانتقالية، مع ضرورة استلهام العبر من هذه التجربة لتجنب الأخطاء وتعزيز فرص النجاح.
بعد ثورة يناير، شهد المجتمع الحقوقي المصري نشاطا مكثفا، حيث برزت منظمات حقوق الإنسان والنشطاء كقوى مؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي. كان هناك أمل كبير في أن تساهم هذه المرحلة الانتقالية في بناء نظام ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات، ولكن سرعان ما واجه المجتمع الحقوقي المصري تحديات خطيرة، أبرزها الانقسامات الداخلية وأدلجة الحقوق والحريات، إلى جانب إنكار حقوق المخالفين في الرأي، ما أدى إلى تراجع تأثيره وفقدانه لجزء كبير من شرعيته أمام الرأي العام.
هذه الدروس تُظهر للمجتمع الحقوقي السوري أهمية تجاوز الانقسامات والعمل بروح الوحدة والتضامن. من الضروري أن يركز المجتمع الحقوقي السوري على بناء تحالفات واسعة تشمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، مع التركيز على قضايا جوهرية مثل العدالة الانتقالية، وحقوق الضحايا، وإعادة بناء المؤسسات. هذه القضايا ليست فقط أساسية لتحقيق الاستقرار، بل تمثل حجر الزاوية لأي تحول ديمقراطي ناجح.
من جهة أخرى، يلعب المجتمع الحقوقي المصري دورا مهما في متابعة ما يحدث في سوريا؛ ليس فقط من باب التضامن، ولكن أيضا كفرصة لاستلهام العبر والدروس لدعم التجربة السورية. فمن خلال مشاركة خبراته، سواء الإيجابية أو السلبية، يمكن للمجتمع الحقوقي المصري مساعدة نظيره السوري على تجنب الأخطاء التي وقعت فيها مصر خلال مراحلها الانتقالية. النجاح في سوريا لن يكون حكرا على الشعب السوري، بل ستكون له انعكاسات إيجابية على المنطقة بأسرها، بما في ذلك مصر.
التعاون بين المجتمعات الحقوقية في البلدين ضروري لتعزيز فرص نجاح التجربة السورية، التي تُعتبر امتدادا طبيعيا للتطلعات الديمقراطية في المنطقة.
استقرار سوريا ونجاحها في بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان سيكون بمثابة دفعة قوية للمجتمعات الحقوقية في مصر والمنطقة بأكملها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القمع حقوق الإنسان الاستقرار المصري سوريا تغييرات ديمقراطية سوريا مصر حقوق الإنسان قمع استقرار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الاجتماعیة التجربة السوریة ت الحقوق والحریات الإصلاح السیاسی النظام المصری حقوق الإنسان هذا التحول السوری على فتح المجال ما أدى إلى على القمع فی سوریا من خلال لا یمکن التی ت فی مصر
إقرأ أيضاً:
كيف تظهر تسريبات بشار الأسد أسلوب عمل النظام السوري المخلوع؟
دمشق (زمان التركية)ــ لقد أعاد التسريب الأخير الذي بثته قناة العربية لسلسلة من مقاطع الفيديو التي تُظهر بشار الأسد في محادثات صريحة، فتح الباب أمام أسئلة قديمة حول كيفية عمل نظامه السابق ــ وربما لماذا انحدرت سوريا إلى مثل هذا الصراع المدمر.
ويظهر الأسد في تسريبات العربية، قبل الإطاحة به في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو يطلق تصريحات ازدرائية حول السوريين وسوريا نفسها والغوطة الشرقية وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء حديثه على انفراد مع مستشارته الراحلة لونا الشبل.
وفي حين لم تتحقق الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع من صحة اللقطات، يقول المحللون إن هذه المواد تتسق مع أنماط سلوك الدائرة الداخلية للأسد: اتخاذ القرارات الشخصية، والهوس السردي، وعقلية الحصار المتجذرة.
وقال إبراهيم حميدي، رئيس تحرير المجلة، وهو من سوريا، في تقرير لصحيفة عرب نيوز: “هذه الفيديوهات لا تخبر السوريين بأي شيء جديد في الواقع، بل إنها تكشف بكل وضوح ما يعرفه الناس وعاشوه لعقود من الزمن”.
أضاف “ما يلفت انتباهي هو اللامبالاة والازدراء الذي يظهره تجاه كل شيء: شعبه، ومدنه، وحلفائه، والشعور بأن السلطة هي ميراث، وليست مسؤولية.”
وفي أحد المقاطع، عندما سألته الشبل عن شعوره تجاه حالة سوريا، قال الأسد إنه لا يشعر بالخجل فحسب، بل “بالاشمئزاز”، مضيفًا أن هذه “بلادنا”، معبرًا عن الاشمئزاز بدلاً من المسؤولية.
وفي مقطع آخر يقول إنه عندما ينظر إليه السوريون في وجوههم فإنه “يحبهم” ولكنه في الوقت نفسه “يشعر بالاشمئزاز منهم”، مما يكشف عن وجهة نظر ساخرة للغاية تجاه شعبه.
ويظهر أيضًا وهو يسخر من السوريين العاديين بسبب أولويات إنفاقهم، قائلاً إنهم ينفقون الأموال على المساجد رغم أنهم “لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام”.
تظهر في المقطع عدة لقطات من جولة في الغوطة الشرقية ومحيطها، أثناء أو بعد استعادة المنطقة في عام 2018. ويُسمع الأسد وهو يلعن الغوطة، مشيرًا إلى منطقة عانت لسنوات من الحصار والقصف.
قال غسان إبراهيم، الخبير في الشؤون السورية ومؤسس الشبكة العربية العالمية: “أظهرت هذه الفيديوهات أن الأسد ديكتاتور ضعيف. حاول أن يُصوّر نفسه كشخصية قوية، لكن كل هذه الفيديوهات أظهرت سهولة تلاعب مساعده، مسؤوله الإعلامي، به”.
وفي مقطع فيديو آخر، يبدو الأسد ساخرا من مظهر الرئيس الروسي، على الرغم من أن موسكو كانت حليفته الرئيسية في زمن الحرب.
وعندما لفت الشبل انتباهه إلى شكل بوتين “المنتفخ”، رد الأسد بأن الأمر “كله إجراءات” أو “كله عمليات جراحية”، في إشارة إلى أعمال تجميل واسعة النطاق.
وتتسم نبرة هذه التبادلات بالعفوية والسخرية، حيث تصور الأسد وكأنه يقلل من شأن مظهر بوتن في الخفاء بينما يشكره علناً.
قال الكاتب والخبير السياسي المصري هاني نصيرة: “إن مثل هذه التصريحات تعكس ازدواجية الأسد المتجذرة. فالرجل نفسه الذي انصاع علنًا لبوتين – الذي حافظ تدخله العسكري على حكم الأسد ووفر له ملاذًا آمنًا – سخر منه سرًا.
“ومن المرجح أن تؤدي هذه التعليقات إلى تآكل أي تعاطف قد يكون لدى بوتن تجاه الزعيم السوري السابق، وتؤكد على ميل الأسد إلى الخيانة، حتى تجاه أولئك الذين عرضوا عليه اللجوء”.
ويتفق حميدي قائلاً: “السؤال الآن: كيف سيرد بوتين؟ خاصةً وأن بشار يقيم في موسكو، وبوتين لا يتسامح بسهولة مع أي إهانة”.
وتظهر الفيديوهات أيضاً الأسد والشبل وهما يتحدثان باستخفاف عن حزب الله والقادة الموالين للنظام.
وقد قدمت وسائل الإعلام الإقليمية تسريبات الأسد باعتبارها تأكيداً على الانتقادات القديمة الموجهة إليه لاحتقاره للسوريين وسخريته من حلفائه، مع اختلاف اللهجة من وسيلة إلى أخرى ولكنها كانت قاسية على نطاق واسع.
وسلطت المنصات العربية الضوء على إهانات الأسد للغوطة والسوريين والجيش، مسلطة الضوء على اشمئزازه من سوريا، واستهزائه بالجنود، باعتبارها رمزا لازدراء متأصل لشعبه.
وشددت وسائل الإعلام الخليجية على سخرية بن سلمان من الشخصيات الموالية له وحلفائه، واستخدمت التسريبات للتأكيد على خيانته المفترضة لأولئك الذين قاتلوا من أجله والتشكيك في رواياته السابقة عن الصمود والمقاومة.
وقد قامت وسائل الإعلام السورية الموالية للمعارضة ووسائل الإعلام في المنفى بتضخيم اللقطات باعتبارها دليلاً إضافياً على إفلاسه الأخلاقي والسياسي وليس كشفاً، مؤكدة أن المحتوى يتناسب مع سنوات الخبرة التي عاشها الأسد في ظل حكمه.
ومن السمات المتكررة في المقاطع المسربة هي عادة الأسد في إصدار أوامر مباشرة إلى رؤساء المخابرات وكبار الضباط والمستشارين، متجاوزاً الوزارات والهياكل الرسمية.
إن اللهجة غير الرسمية ــ جزء منها إحاطة غير رسمية، وجزء منها توبيخ ــ تسلط الضوء على المدى الذي تدور فيه الدولة السورية في عهد الأسد حول الولاء الشخصي.
لقد تظاهر الأسد علناً بأنه مدافع عن الدولة السورية، لكن منذ ذلك الحين تم الكشف عن أنه شخص يكن ازدراءً عميقاً لكل من حوله.
وعلى انفراد، يسخر من مقاتليه المخلصين، ويسخر من أولئك الذين يقبلون يده، ويتحدث عنهم بسخرية – كما لو كان غير قادر على الشعور بالتعاطف الحقيقي مع تضحياتهم.
قال نصيرة “هذا الرجل ينظر إلى سوريا من خلال عدسة السادة والخدم، الحكام والمحكومين”.
بالنسبة للأسد، فإن من قاتلوا من أجله -في سوريا وخارجها – ليسوا سوى مصدر إزعاج. في حديثه العفوي والمريح مع الشبل، يكشف عن نظرة متعالية تجاه الوطن وشعبه، وحتى دائرته المقربة.
وقال حميدي إن مقاطع الفيديو المسربة أزالت الصورة الرسمية وكشفت عن الثقافة السامة لدائرة حاكمة لم تنظر إلى السوريين قط كمواطنين لهم حقوق، بل “كرعايا يتوقع منهم أن يتحملوا أي شيء”.
لسنوات، تحملوا المشاق معتقدين أن الأسد ثابت، جاد، وفوق الفوضى. ما يؤلمهم الآن هو رؤية شخصية مختلفة تمامًا: مهملة، ساخرة، ظاهريًا، لا تكترث لمعاناة الناس.
هذا يُزعزع الرواية التي بنوها في أذهانهم لتبرير ولائهم. وعندما تنهار هذه الرواية، يصبح الدفاع عن كل شيء آخر أصعب.
ويظهر المقطع أيضاً الأسد وهو يركز على التغطية الإعلامية، ويحث المسؤولين على حماية رسائل النظام، وينتقد أولئك الذين سمحوا، في رأيه، بظهور “إشارات متناقضة”.
وتعكس لغته الاستراتيجية المتبعة منذ فترة طويلة في نظامه: إظهار القوة، وإنكار الأخطاء، وإرجاع كل عدم الاستقرار إلى التدخل الخارجي.
من الأنماط الواضحة في جميع المقاطع، تكرار الأسد تصوير أزمات سوريا كجزء من مؤامرة خارجية مُنسَّقة. وسواءً تعلق الأمر بالمعارضة السياسية، أو الانهيار الاقتصادي، أو تحديات ساحة المعركة، فإن موضوع الحصار هو السائد.
وتكشف التعليقات المسربة أنه “بالنسبة لبشار الأسد، لم تكن هناك أبدًا قضية أو رسالة حقيقية – فقط نظام يجب الحفاظ عليه، وعرش يجب حمايته”، كما قال نصيرة.
ورغم الثقة التي تظهر في الأداء، فإن مقاطع الفيديو تكشف عن لحظات من الإحباط، خاصة عندما يوبخ الأسد مستشاريه على سوء إدارة الأوضاع أو يحذر من التنافس داخل الأجهزة الأمنية.
توقيت التسريبات جدير بالملاحظة. فقد أعادت حكومات المنطقة فتح قنوات الاتصال مع دمشق، ويسير إصلاح العلاقات الدبلوماسية ببطء، وتلوح في الأفق مسألة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
وقال نصيرة: “إن إطلاق الفيديو في الذكرى السنوية لما أطلقت عليه وسائل الإعلام الموالية للنظام “يوم التحرير” – الذي يمثل انهيار حكم الأسد – أكثر رمزية”.
بالنسبة للسوريين، فإن اللقطات ليست كشفاً بقدر ما هي تأكيد على ما عاشه الكثيرون: دولة لا تحددها المؤسسات ولكن الإكراه والشك وأهواء الدائرة الداخلية.
قال حميدي: “معظم السوريين لم يعودوا يهتمون ببشار نفسه؛ بل يهتمون بمستقبل سوريا. إنهم يريدون التطلع إلى الأمام، لا إلى الوراء”.
وبالنسبة للمراقبين الدوليين، توفر مقاطع الفيديو إحدى أوضح النوافذ حتى الآن على المنطق العملي لنظام نجا من العقوبات والحرب والعزلة والانهيار الداخلي.
Tags: تسريبات بشار الأسدفيديو بشار الاسدلونا الشبل