شهدت الساحة الإفريقية تطورًا لافتًا مع الإعلان عن مصالحة بين إثيوبيا والصومال برعاية تركية، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول الأبعاد الحقيقية لهذه الخطوة ودوافعها، خصوصًا في ظل التوترات المستمرة بين الدولتين، تأتي هذه المصالحة كخطوة محورية قد تسهم في تخفيف التصعيد وإعادة ترتيب المشهد الإقليمي.


بين التأييد والرفض

من جانبه قال المحلل السياسي الصومالي أحمد جيسود، إن الاتفاق الأخير الذي جرى بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركية يثير جدلًا واسعًا على المستويين الشعبي والسياسي.

أضاف جيسود في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن هذا الاتفاق، الذي جاء لتخفيف التوترات الدبلوماسية بين البلدين، يضع الحكومة الصومالية في موقف حرج أمام شعبها، بسبب ما وصفه بـ "التنازلات غير المبررة".

وأشار جيسود إلى أن المحادثات التي استضافتها تركيا ركزت على عدة ملفات، من بينها الاتفاقيات التي أبرمتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال، والتي كانت الحكومة الصومالية تطالب بإلغائها باعتبارها تنتهك سيادة البلاد، إلا أن إثيوبيا لم تتراجع عن موقفها، ولم تقدم أي اعتذار رسمي، وهو ما يعتبر انتصارًا دبلوماسيًا لها، في حين يُنظر إلى الموقف الصومالي على أنه تنازل عن مطالب سابقة.

أكمل جيسود أن أبرز النقاط التي أثارت الاستياء الشعبي هي قبول الحكومة الصومالية بتوقيع اتفاق يمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا، مع التعهد باحترام السيادة الصومالية، وبينما ترى الحكومة أن هذه الخطوة جاءت لتعزيز التعاون الاقتصادي، يعتبرها العديد من الصوماليين، خاصة المثقفين، تراجعًا عن المواقف السابقة، حيث كانت الحكومة الصومالية تصر على انسحاب إثيوبيا من الاتفاقيات التي أبرمتها مع أرض الصومال.

أشار إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي نجح في تحقيق هدفه بالحصول على منفذ بحري، وهو ما كان يسعى إليه سواء عبر اتفاق رسمي أو بطرق أخرى، مؤكدًا أن إثيوبيا حققت ما كانت تطمح إليه، وهو ما يعكس نجاحها في إدارة هذه الأزمة الدبلوماسية لمصلحتها.


وأكد المحلل السياسي الصومالي، أن الشارع الصومالي عبّر عن غضبه تجاه الاتفاقية، معتبرًا أنها لا تخدم مصالح البلاد، بل تمنح إثيوبيا مكاسب استراتيجية على حساب السيادة الصومالية، مضيفًا أن هناك انتقادات واسعة للرئيس الصومالي، حيث يرى العديد من المواطنين والمثقفين أنه لم يكن موفقًا في إدارة هذا الملف.

 

دور مصر كبير 


من جانبه أوضح الدكتور رامي زهدي، الخبير في الشؤون الإفريقية، أن الإعلان عن المصالحة بين إثيوبيا والصومال برعاية تركية يثير العديد من التساؤلات حول أبعاد هذه الخطوة وتداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي، ورغم الإعلان عن الدور التركي البارز.

أضاف زهدي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن هذه المصالحة لم تكن لتتم دون موافقة مصرية صريحة، بحكم دورها الإقليمي وتأثيرها الكبير في القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن مصر، بحكم مكانتها الاستراتيجية، تدرك أهمية الاستقرار في القرن الإفريقي، ولا يمكن أن تُجرى ترتيبات بهذا الحجم دون التنسيق معها.


أكمل أن التواجد العسكري المصري في الصومال، الذي جاء بطلب رسمي من الحكومة الصومالية ووفق اتفاقية رسمية بين البلدين، لعب دورًا محوريًا في دفع إثيوبيا لإعادة النظر في سياساتها الإقليمية والسعي إلى المصالحة مع الصومال.

لفت إلى أن النفوذ المصري في الصومال كان عاملًا حاسمًا، خاصة في ظل دعم إثيوبيا لانفصال أرض الصومال خلال السنوات الماضية، ما جعل المصالحة ضرورة لإثيوبيا لمواجهة التحديات الجديدة والحفاظ على مصالحها في المنطقة.


وتناول زهدي طموحات إثيوبيا للحصول على منفذ بحري، مؤكدًا أن مصر لا تعترض على المبدأ، لكنها ترفض الأساليب التي تحاول إثيوبيا من خلالها تحقيق أهدافها على حساب دول الجوار.

ووصف زهدي التحركات الإثيوبية بأنها تعكس "عقدة إثيوبيا تجاه مصر"، ومحاولتها تجاوز القاهرة في ترتيبات استراتيجية دون مراعاة الحقائق الجغرافية والسياسية للمنطقة، لافتًا إلى أن إثيوبيا تُعرف تاريخيًا بعدم التزامها بالاتفاقيات الدولية، وهو ما يفرض على الصومال والدول الراعية للمصالحة الحذر لضمان تنفيذ الاتفاقيات بشكل عادل يحمي مصالح جميع الأطراف.


نوه بـ أن التوصل إلى اتفاقيات هو الجزء السهل نسبيًا، لكن التحدي يكمن في الالتزام بتنفيذها، مؤكدًا أن التجارب السابقة مع إثيوبيا تثبت أن التنفيذ قد يكون محفوفًا بالعراقيل، مما يتطلب متابعة دقيقة وضمانات من الأطراف الراعية لتثبيت الاتفاقيات.

واختتم الخبير في الشؤون الإفريقية، أن مصر بدورها المحوري في إفريقيا، ستواصل متابعة تطورات المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، مع التأكيد على أهمية التزام جميع الأطراف بمبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول، مشيرًا إلى أن النهج المصري الراسخ يركز على تحقيق الاستقرار والتنمية في القارة، مع الاستعداد للتعاون، ولكن دون السماح بأي تحركات قد تهدد المصالح الاستراتيجية المصرية.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الصومال أثيوبيا الصومال و إثيوبيا تركيا الحکومة الصومالیة وهو ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

للإبادة وجوه كثيرة .. التجويع سلاح حرب فعال في إثيوبيا وغزة

في عالم يشهد تكرار الأزمات الإنسانية وسط صمت دولي مطبق، يبرز استخدام "التجويع كسلاح حرب" كواحد من أبشع الأدوات التي تستهدف المدنيين ببطء، دون قنابل أو صواريخ. هذا السلاح القديم المتجدد، الذي أودى بحياة مئات الآلاف في إثيوبيا، يعاود الظهور اليوم في قطاع غزة، ليحاصر سكانه وسط دمار الحرب وغياب الغذاء والدواء.

مجاعة إثيوبيا: جريمة متكررة بصيغة رسمية

في ثمانينيات القرن الماضي، كانت مأساة تيجراي في شمال إثيوبيا عنوانًا لمأساة إنسانية رسمت ملامحها يد الدولة لا قسوة الطبيعة. 

فكما تشير الكاتبة "جيل واردن" في مقالها المنشور في صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، فإن الحكومة الإثيوبية آنذاك تعمدت حجب المساعدات الغذائية عن إقليم تيجراي لإخضاعه بالقوة، في واحدة من أبشع الجرائم السياسية التي قدمت على أنها "كارثة طبيعية".

كانت الحكومة الإمبراطورية في عهد هيلا سيلاسي سباقة في هذا النهج القمعي؛ حيث لم تكتف بمنع الغذاء، بل أقنعت حليفتها بريطانيا بشن غارات جوية على تيجراي عام 1943 لقمع التمرد، في مشهد يعكس كيف يمكن للتحالفات الدولية أن تسهم في تجويع الشعوب بدلًا من إنقاذهم.

ومع توقيع اتفاق بريتوريا في 2022 لإنهاء حرب دموية راح ضحيتها أكثر من 600,000 تيجرايي، ظن كثيرون أن السلام قد حل. لكن الواقع يؤكد أن التجويع لا يزال مستمرًا، والنازحون غير قادرين على العودة إلى منازلهم في ظل احتلال أراضٍ تيجراوية من قبل قوات إثيوبية وأخرى إريترية.

غزة: كارثة إنسانية بلا صواريخ

في عام 2025، باتت غزة نموذجًا حيا آخر على استخدام التجويع كسلاحٍ سياسي وعسكري. لكن، وكما كتبت "جابي هينسليف": "هذه المرة، لا توجد كارثة طبيعية. ما يحدث هو حصار مقصود، مدروس، وممنهج".

تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الغذاء والوقود إلى القطاع، وتقيد عمل وكالات الإغاثة، بل وتتهم باستخدام نقاط التفتيش والمعابر كأداة عقاب جماعي، وسط سكوت دولي مطبق. حتى المساعدات المحدودة التي تدخل عبر مؤسسات دولية، تواجه أحيانًا بعرقلة أو إعادة توجيه لا تضمن وصولها إلى المستحقين.

ولا تختلف هذه الأساليب كثيرًا عما حدث في تيجراي، حيث تستخدم أدوات الدولة والمنظمات الموالية لها في صناعة المجاعة لا مواجهتها. أطفال غزة يموتون اليوم ليس فقط تحت القصف، بل من الجوع ونقص الماء وتلوث الهواء، في مشهد يعيد للأذهان صور المجاعات التاريخية في إفريقيا والبلقان، ولكن هذه المرة تحت سمع وبصر العالم المتحضر.

سلاح بلا ضجيج.. لكنه أشد فتكًا

تكمن خطورة "التجويع كسلاح" في أنه لا يحدث فجأة، ولا يترك وراءه حطامًا ماديًا يسهل توثيقه. بل هو موت بطيء، يومي، يتسلل إلى البيوت عبر بطون فارغة وأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية.

وهو سلاح يستخدم دون إعلان، ولا يدان دوليًا بالقدر الكافي، رغم كونه مجرمًا بموجب القانون الدولي، ووفقًا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الذي يحظر "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".

ورغم هذا، لا تزال سياسات الحصار والمجاعة تستخدم دون مساءلة، سواء في غزة أو في تيجراي، مما يكشف فشل النظام الدولي في حماية المدنيين وتطبيق القانون الإنساني.

طباعة شارك غزة سلاح حرب الجوع التجويع إثيوبيا تيجراي

مقالات مشابهة

  • للإبادة وجوه كثيرة .. التجويع سلاح حرب فعال في إثيوبيا وغزة
  • بعد تصريح الحكومة الأخير.. كيف واجه القانون جرائم الاتجار بالبشر
  • من أرض الصومال..توجه امريكي للتواجد بالبحر الأحمر
  • سموتريتش يكشف نفاد رصيده السياسي: الاستقالة تسقط الحكومة ولا توقف الصفقة
  • مباحثات أمريكية متواصلة مع أرض الصومال لاستقبال مهجّرين من غزة
  • الإمارات تشارك في الاجتماع الوزاري لفريق الاتصال المعني بالصومال في الدوحة
  • تحذيرات من عرض مقدرات أرض الصومال على ترامب
  • أرض الصومال تفتح باب الصفقات لواشنطن مقابل الاعتراف الدولي
  • عطاف يستقبل وزير خارجية إثيوبيا
  • برنامج الأغذية العالمي: كارثة غزة تُذكر بالمجاعة في إثيوبيا ونيجيريا