حذر مقال رأي نشرته صحيفة غارديان البريطانية من تصور سيناريو سلبي لما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقالت كاتبة العمود في الصحيفة نسرين مالك إن المشاهد التي اعتقد الناس أنهم لن يروها مرة أخرى قد حدثت بالفعل، فقد تدافعت جموع السوريين نحو الميادين، وتكشفت ثروات الطغاة الفاحشة واقتُحمت حصونهم وشوهت صورهم وتماثيلهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوموند: نشوة النصر لم تلملم جراح 13 عاما من القمع في غوطة دمشقlist 2 of 2نيويورك تايمز: الشيوخ الأميركي عرقل ترشيح أول قاض مسلم لمحكمة فدراليةend of list

وأضافت أن تلك المشاهد استثارت شعورا ربما يكون مألوفا وأحيانا مثيرا للشفقة ينطوي على احتمالات متباينة لما ستتمخض عنه الثورة الشعبية في سوريا من تغيير.

تفاؤل حذر

وأبدت كاتبة المقال تفاؤلا حذرا حين أشارت إلى أن صنوف القتل والتعذيب والاعتقال والنفي التي مارسها الأسد تجاه شعبه تجعل نهاية الثورة السورية الناجحة "حلوة ومرة" في آن معا، ولأن الثمن كان "باهظا جدا" فإن ذلك يجعل من المغانم المترتبة أعز وأثمن، على حد تعبيرها.

وأعادت إلى الذاكرة ثورات ما يسمى الربيع العربي التي حدثت في بعض دول المنطقة قبل 14 سنة، وقالت إن تلك الثورات إما تفككت أو أعادت الأنظمة الاستبدادية لتموضعها تحت إدارة جديدة.

ولذلك، فهي تعتقد أن "التفاؤل الجامح" الذي أعقب سقوط تلك المجموعة الأولى من الطغاة يخفف حدة الحذر مما سيأتي بعد ذلك، بل وينبغي أن يكون حذرا مثمرا لا مدعاة لليأس.

إعلان

وتشدد نسرين في مقالها على ضرورة أن تستفيد سوريا من دروس ثورات الربيع العربي من خلال فهم هشاشة المرحلة التي تمر بها.

واستعادت ما حدث في الثورات التي وقعت في دول الربيع العربي، مثل مصر والسودان، إذ كانت الأنظمة السابقة كامنة بعيدا بحيث تعذر اقتلاعها على الرغم من إزاحة رموزها.

وفي أماكن أخرى مثل اليمن حدث فراغ في السلطة، وكانت هناك جماعات مسلحة سعت إلى الاستيلاء على السلطة ثم استقطبت وكلاء لها أشعلوا فتيل الحرب الأهلية، وفق المقال.

مسرح لأطراف مختلفة

ومضت نسرين إلى القول إن الثورة السورية كانت مسرحا لطموحات أطراف مختلفة، فقد تحركت روسيا وإيران لدعم نظام بشار الأسد، وركزت الولايات المتحدة جهودها على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حين حافظت تركيا على وجودها في شمال سوريا لمنع ظهور حركة كردية قابلة للحياة تطالب بالحكم الذاتي.

ووفقا لكاتبة العمود، فإن ثمة أمورا كثيرة يمكن أن تتكشف، مضيفة أن إسرائيل تستغل الوضع "الهش" لسرقة المزيد من الأراضي السورية.

وقالت إن أي حكومة جديدة تتشكل في دمشق سوف ترث تحديات لا تقتصر على إدارة بلد ممزق دمرته سنوات فحسب، بل أيضا إدارة المصالح المتضاربة للأطراف الأجنبية "المتشككة والمارقة" ومجموعات المقاتلين والأسلحة المدججين بها.

الحقائق الملموسة

وأشارت نسرين إلى أن منطق التحليل المجرد للسياسة الخارجية يشي بأن هناك حقائق ملموسة تتجلى في سقوط أحد أكثر الأنظمة وحشية في العالم، وإطلاق سراح عدد هائل من السجناء، والاحتفاء الشعبي ولمّ الشمل، وربما عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لسنوات من التمييز في المنافي أو لقوا حتفهم في معابر محفوفة بالمخاطر.

ومع ما تحقق من نجاح فإن نسرين تلفت إلى أن هناك هواجس من أن يسفر سقوط الأسد عن أجندات أميركية "إمبريالية" رغم أن الإطاحة به نبعت من رغبة في داخل سوريا وليس خارجها.

إعلان ضرورة تجاوز الخطابات السائدة

وتضمّن المقال تحذيرا أطلقه الباحث السوري المتخصص في الحركات الشعبية ياسر منيف من النظر إلى سوريا من خلال الموقع الذي تحتله في الخطابات السائدة، مشددا على ضرورة تجاوز الخطابات الاستشراقية من أجل فهم عمق المعارضة وجغرافيتها.

وأشار إلى أن دور الدين في المعارضة لا يعني بالضرورة أن يكون لهذه القوى "نوع من الأيديولوجية الشمولية".

وخلصت الكاتبة إلى أن التاريخ وعدد الأطراف الفاعلة في المنطقة يؤثران على سوريا، مما يفرز جهات تحاول السيطرة على المشهد ظنا منها أنها على دراية بوعورة المسار وتضاريسه ومنعطفاته.

ولذلك، فهي تؤكد أن "البوصلة" باتت الآن في أيدي السوريين الذين لا ينبغي أن تُكبت فرحتهم وتؤرق راحتهم في الحال بسبب ما قد ينتابهم من مخاوف بشأن ما سيأتي بعد.

وبالتالي -وفق نسرين- لا ينبغي أن يكون مستقبل السوريين رهينة خيبات أمل سابقة، ولا ينبغي إحباط ثورتهم الممتدة الفريدة بتأويل ما تخبئه من نذر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات إلى أن

إقرأ أيضاً:

اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأوساط الدولية بإعلانه رفع العقوبات عن سوريا خلال زيارته إلى السعودية، وذلك في لحظة سياسية كانت كل المؤشرات تشير فيها إلى احتمال انحيازه لخيار اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يدفع باتجاه تقسيم سوريا إلى دُويلات مذهبية وإثنية متناحرة.

هذا القرار، الذي جاء من قلب الرياض لا من واشنطن، مثّل انعطافة كبرى في مقاربة الملف السوري، وأطلق دينامية إقليمية جديدة تمحورت حول إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات ترعاها قوى إقليمية وازنة.

لم يكن الحديث عن رفع العقوبات عن سوريا مجرّد خطوةٍ مفاجئة أو تحوّلٍ تكتيكي عابر. بل هو، في جوهره، انعكاس لتحوّل أوسع في موازين القوى الإقليمية والدولية، ونتاج لتراكمات سياسية ودبلوماسية تقودها قوى إقليمية وازنة، وعلى رأسها السعودية وتركيا وقطر، ضمن رؤية لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يتجاوز الحسابات الضيقة للسنوات الماضية.

الحضور السعودي: رافعة سياسية واقتصادية

يبرز الحضور السعودي، ممثلًا بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كعنصر حاسم في صياغة هذا التحول. فالسعودية لم تعد فاعلًا تقليديًا يكتفي بإدارة توازنات مالية أو دينية، بل أصبحت مركز ثقل إستراتيجي في المنطقة، وقائدة مسارات إعادة التموضع في العالم العربي.

إعلان

المبادرات السعودية تجاه سوريا تنطلق من فهم واضح لمعادلة الأمن والاستقرار: لا يمكن أن تستقر المنطقة في ظل استمرار انهيار الدولة السورية، ولا يمكن للسعودية أن تقود مشروعًا تنمويًا متكاملًا في الخليج والشرق الأوسط دون تطويق بؤر التوتر الرئيسية.

رفع العقوبات، في هذا السياق، لا يخدم فقط مصالح دمشق، بل يفتح الباب أمام مشروع اقتصادي- سياسي طموح، يمكن للسعودية أن تكون راعيه الأساسي.

ومن خلال تحفيز الاستثمارات في البنى التحتية، والتعليم، والطاقة، يمكن تحويل سوريا من عبء إقليمي إلى فرصة للتكامل والتنمية، خصوصًا في ظل حاجة السوق السورية المدمّرة إلى كل أشكال الدعم والإعمار.

الدور التركي: مقاربة أمنية وتنموية مزدوجة

تلعب تركيا دورًا محوريًا، لكن من زاوية مختلفة. فأنقرة التي كانت لعقد من الزمن جزءًا من الأزمة، باتت اليوم أكثر انخراطًا في مسار الحل، لكنها تحرص على حماية مصالحها الأمنية في الشمال السوري، خصوصًا ما يتعلق بملف الأكراد وتنظيم "قسد".

وبقدر ما تسعى تركيا إلى إعادة ضبط علاقتها بسوريا، فإنها تدرك أن رفع العقوبات وإطلاق عجلة إعادة الإعمار سيفتحان المجال أمام مشاريع اقتصادية وتنموية تربط المناطق الحدودية بسوريا من جديد، وتقلص من تدفق اللاجئين، وتعيد الاستقرار إلى الجنوب التركي.

تركيا تنظر إلى الملف السوري من منظارين: الأول أمني بحت يهدف إلى منع إنشاء كيان كردي مستقل، والثاني اقتصادي يهدف إلى استثمار مرحلة إعادة الإعمار في سوريا لتوسيع نفوذ الشركات التركية، ودمج الاقتصاد السوري تدريجيًا في المحور التجاري بين أنقرة ودول الخليج.

قطر: دبلوماسية مرنة وشريك تنموي واعد

أما قطر، التي لطالما تموضعت في قلب الملفات الإقليمية الحساسة، فهي تستثمر في المرحلة الجديدة بسلاسة دبلوماسية واقتصادية. من خلال علاقاتها المتقدمة مع الولايات المتحدة من جهة، وقدرتها على فتح قنوات اتصال مع الأطراف السورية والدولية من جهة أخرى، تشكل الدوحة جسرًا مهمًا في مرحلة الوساطة السياسية، وتطرح نفسها كشريك اقتصادي قادر على ضخّ الاستثمارات، وتفعيل الحضور العربي في مرحلة ما بعد الحرب.

إعلان

الدوحة، التي ساهمت في إعادة توجيه بوصلة الحلّ في عدد من الأزمات الإقليمية (أفغانستان نموذجًا)، ترى في سوريا فرصة جديدة لتعزيز الاستقرار، وترسيخ توازن إقليمي يصب في مصلحة الجميع، شرط أن تكون المعادلة قائمة على احترام السيادة السورية، والانفتاح على حلول سياسية عادلة.

تكتل ثلاثي بفرص استثنائية

إن اجتماع هذه القوى الثلاث: السعودية وتركيا وقطر، على خط تحوّل سياسي- اقتصادي في سوريا، يشكّل بذاته حدثًا إستراتيجيًا غير مسبوق. رغم الاختلافات السابقة، فإن هذا التكتل بات يرى في استقرار سوريا فرصة مشتركة، لا تهديدًا متبادلًا. وهو ما يعزز فرص الاستثمار في الملفات الآتية:

إعادة الإعمار: وهي عملية ستتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وستكون مجدية لدول الخليج وتركيا من حيث العقود والبنى التحتية والخدمات. إعادة تموضع اللاجئين: حيث ستساهم بيئة مستقرة ومموّلة بإعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ما تريده أنقرة والرياض والدوحة. التوازن مع إيران: عبر إخراج طهران من الساحة السورية تدريجيًا بالوسائل الاقتصادية والسياسية لا العسكرية. التكامل الأمني: من خلال التنسيق الاستخباراتي حول التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والمليشيات غير المنضبطة. اقتصاد مفتوح: لا يمكن القفز فوق أهمية رفع العقوبات والتي ستحفز المستثمرين بالدخول بحجم أوسع في قطاعات الطاقة والبيئة والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، وخاصة المستثمرين السوريين في دول الخليج وأوروبا. من العقوبات إلى التحوّل: لحظة إستراتيجية

رفع العقوبات، إذًا، لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تحوّل في الرؤية الأميركية تجاه سوريا والمنطقة. إذ بات واضحًا أن الإدارة الأميركية لم تعد تؤمن بأن إضعاف سوريا يخدم المصالح الإستراتيجية، بل ترى أن سوريا مستقرة ومنفتحة على الخليج وتركيا وأوروبا ستكون شريكًا أفضل في محاربة الإرهاب وضبط الحدود وتثبيت الاستقرار الإقليمي.

إعلان

يأتي هذا التحول بالتزامن مع رغبة الولايات المتحدة في إنهاء أزمات الشرق الأوسط، وتوجيه الموارد والتركيز نحو آسيا ومواجهة الصين. وبالتالي، فإن تسوية الملف السوري تندرج ضمن خطة "تصفير النزاعات" في المنطقة.

لحظة اختبار للقيادة السورية

لكن كل هذه الفرص، تبقى رهنًا بمدى استعداد القيادة السورية لالتقاط التحول والانخراط في مشروع إعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

سوريا ما بعد العقوبات ليست كسابقتها، والمطلوب اليوم ليس فقط إعادة الإعمار بالحجارة، بل بناء عقد اجتماعي جديد، يضمن المشاركة السياسية، ويخرج السوريين من دوامة الخوف والانقسام، ويعيد دمجهم في محيطهم العربي.

إن الفرصة الإستراتيجية التي تتشكل اليوم بقيادة السعودية وشراكة قطر وتركيا، تحتاج إلى شجاعة سياسية من دمشق، واستعداد للانفتاح، وتجاوز مرحلة العزلة الدولية التي دامت لأكثر من عقد.

فإما أن تتحول سوريا إلى "خلية نحل" كما يقول بعض المحللين الخليجيين، وإما أن تبقى رهينة ماضٍ دموي يعيد إنتاج نفسه في كل دورة عنف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • قيادي بمستقبل وطن: انحياز مصر المطلق يكون للحق والعدل دائما
  • الشرع يحرر سوريا مرتين
  • رئيس بعثة مفوضية شؤون اللاجئين في سوريا: 500 ألف لاجئ عادوا إلى البلاد منذ سقوط نظام الأسد
  • سعد الصغير يعود للمحاكم من جديد بعد قضيته السابقة للمخدرات
  • اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا
  • سوريا تعلن عن تشكيل لجنة وطنية للعدالة الانتقالية
  • رفع العقوبات المفروضة على سوريا ينعش السوريين اقتصاديا
  • رفع ترامب العقوبات عن سوريا.. إجراء سريع أم مسار طويل؟
  • سوريا تخطط لوقف طباعة عملتها في روسيا
  • كيف كان تأثير الحرب والعقوبات على اقتصاد سوريا؟ 7 نقاط تشرح ذلك