هل يشعر المرء بمرارة خيانته لنفسه وخذلانه لها كما يشعر بمرارة خيانة الآخرين له وخذلانهم له؟!
وكيف يخون المرءُ نفسَه؟!
يخون المرء نفسه حينما ينحطُّ عن آدميته المكرّمة، إلى شيء من نزعات الهوى المدنّسة، ثمّ هو ولسطوة ما فيه من هوى لا يعمى عن رؤية الواضحات كما هي في الوجود فحسب، ولكنه فوق ذلك يفقد الإحساس بالوجع، بوجعه هو، لا بوجع المذبوحين، ولا يحسّ بناب هواه وهو يفترس مسعورا ما تبقى من آدميته، ليهدر كرامته، ويجعله هو وكل مسعور سواء، فيعدم بصيرته أو بعضها، ثم يعدم كرامته أو بعضها، ثم يعدم إحساسه بالكلية أو بعضه.
هل الظلم خفي ودقيق إلى هذه الدرجة، حتى يصبح قتل وحرق العزّل في الحرس والمنصة والنهضة ورابعة وغيرها، خاضعا للتحليل السياسي البارد، والمكايدة الفكرية البليدة؟! وهل هوية الذبيح، أو انحيازاته السياسية، أو تقديراته الخاضعة للنقد والاعتراض، وتصنيفنا له، ورأينا المزدري لأهليته الفكرية والسياسية والقيادية، يحول دون قدرتنا على رؤيته مظلوما بالفعل؟!
ذلك الذي تمنعه خصومته، كراهيته، تجربته الخاصة، مراراته القديمة، إحساسه بالتفوق المعرفي، نرجسيته المفرطة، تقديره لحدسه السياسي.. ذلك الذي يمنعه بعض من ذلك أو كله من أن يرى الذبيح مظلوما كما هو، والذبّاح القاتل الظالم الآثم كما هو، دون لكن، فضلا عن دون انحياز جلي أو خفي للظالم، ألا يخون نفسه، ويهدر كرامته، ويتجرد من إحساسه، في الوقت الذي يعتقد فيه بأن الذبيح المظلوم ما وقع تحت المقصلة إلا لأن ذكاءه قد خانه، أو لأن غباءه قد أضلّه، فهو ظالم لنفسه إذ أوصلها إلى هذه الأحوال البائسة. ولكنه (أي ذلك الذي يخون آدميته) يغفل مرة أخرى، عن أن الذي يخونه ذكاؤه، أو يضله غباؤه، خير من ذلك الذي يخون آدميته، ويلوك فلسفته على أنقاض كرامته المهدرة، وإحساسه الميت!
وهل الظلم خفي ودقيق إلى هذه الدرجة، حتى يصبح قتل وحرق العزّل في الحرس والمنصة والنهضة ورابعة وغيرها، خاضعا للتحليل السياسي البارد، والمكايدة الفكرية البليدة؟! وهل هوية الذبيح، أو انحيازاته السياسية، أو تقديراته الخاضعة للنقد والاعتراض، وتصنيفنا له، ورأينا المزدري لأهليته الفكرية والسياسية والقيادية، يحول دون قدرتنا على رؤيته مظلوما بالفعل؟! ويحول دون مساواته بالذبّاح السافر المكشوف بحجة "إنما قتلهم من غرر بهم، أو من ضللهم، أو من لم يكن أهلا لقيادتهم، أو من لم يفعل كذا وكذا من الخطوات السياسية الصحيحة التي نصحناه بها، أو لأنه هو هكذا، شيء من الماضي لا يصلح للمستقبل، فأي شيء يعني لو اجتث من الأرض؟!".
بعضنا لسبب ما يعجز عن إدراك المعطيات في الواقع، وطبيعة التدافع وحجمه وموازين القوى فيه، فلا يرى إلا مظلوما أحمقا قادته رعونته أو غفلته إلى مذبحته الدامية، ولكن هل يعني كل هذا بالفعل أن الظالم كفّ عن كونه ظالما؟! وأن القاتل ليس هو القاتل؟! وإنما القتيل هو من أحرق نفسه بعد أن قتلها ثم جرّفها بالآليات ثم ألقى بها كشيء من النفايات المستقذرة؟! لأنه ببساطة من الإخوان المسلمين، والإخوان المسلمون قد ظلموا أنفسهم بشتى أنواع الظلم، فلم يعد قاتلهم ظالما لهم، وليس آثما بقتلهم!
يمكن بالفعل حين إدانة الظالم، أن نتحدث عن أخطاء المظلوم وخطاياه، ويمكننا أن نفهم أن بعضنا لسبب ما يعجز عن إدراك المعطيات في الواقع، وطبيعة التدافع وحجمه وموازين القوى فيه، فلا يرى إلا مظلوما أحمقا قادته رعونته أو غفلته إلى مذبحته الدامية، ولكن هل يعني كل هذا بالفعل أن الظالم كفّ عن كونه ظالما؟! وأن القاتل ليس هو القاتل؟! وإنما القتيل هو من أحرق نفسه بعد أن قتلها ثم جرّفها بالآليات ثم ألقى بها كشيء من النفايات المستقذرة؟! لأنه ببساطة من الإخوان المسلمين، والإخوان المسلمون قد ظلموا أنفسهم بشتى أنواع الظلم، فلم يعد قاتلهم ظالما لهم، وليس آثما بقتلهم! هل نعجز بالفعل عن اتخاذ موقف أخلاقي بصرف النظر عن الموقف السياسي أو التحليل السياسي أو الانحياز الإيديولوجي أو الشعور بنوع من التفوق على المظلوم؟!
ومن ثم فما الغرابة حينما نجد أحد "المُبجّلين" عندنا من أرباب الفكر، وأصحاب خطاب العدل، ودعاة الإحاطة والاستيثاق في المنهج، قد أيد انقلاب 30 يونيو/3 يوليو، ثم مضى ذمّا فيمن وقع عليهم الظلم، ثم لم يتراجع البتّة لأجل الحقيقة، ولأجل نفسه، حتى اللحظة، وإن تحدث عن المذبحة فتلميحا يحمّل فيه الذبيح المسؤولية الكاملة عن دمه المسفوح، ثم لا يراه مظلوما، لأنه لا يراه إلا الفاعل الوحيد في الوجود ظلما في نفسه وظلما للآخرين، ويعجز عن رؤيته فاعلا بين فواعل، ومخطئا بين مخطئين، ومصيبا بين مصيبين، ذلك لأن الهوى يخلق لكل منا عقدته، والإسلاميون، أو الإخوان، عقدة بعض مثقفينا، بما في ذلك بعض المثقفين الإسلاميين، يرونهم شيئا لا يستحق إلا الازدراء والتجاوز، ومع ذلك فهذا الشيء عقدة يعجزون عن تجاوزها!
ثم بعد ذلك، كيف لنا أن نحترم امرأ يخون نفسه إلى هذه الدرجة؟! وكيف لنا أن نصدقه إذا حدثنا عن العدل والكرامة؟!
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإخوان 30 يونيو المذبحة رابعة الإنقلاب الإخوان 30 يونيو مذبحة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ذلک الذی إلى هذه
إقرأ أيضاً:
ماذا لو وضعنا النساء والرجال على خط البداية نفسه؟
ماذا لو وضعنا #النساء و #الرجال على #خط_البداية نفسه؟
#حنين_عساف
كلما ذُكرت أسماء نساء ناجحات داخل الأردن وخارجه مثل أنجيلا ميركل، أسمى خضر، عبلة أبو علبة، ملالا، وغيرهنّ الكثير من النساء اللواتي أثبتن أنفسهن في مجالات عديدة، يخرج ذلك الصوت الذي يقول: هنّ استثناءات، وعددهنّ قليل مقارنةً بالرجال الناجحين.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: كيف برزت تلك النساء رغم نظامٍ كاملٍ قد يضع الكثير من العوائق في طريقهنّ؟
إذا كانت النساء قادرات على الوصول إلى القمة وسط تلك القيود الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فماذا لو لم تكن تلك القيود موجودة أصلًا؟
مقالات ذات صلة غزة… حررت العالم 2025/10/12عندما تنجح المرأة، فهذا يعني أنها تخطّت الكثير من العقبات، مثل التمييز، والصورة النمطية، ونظرة المجتمع، وفي كثير من الأحيان توازن بين الأمومة والعمل في الوقت نفسه.
ثم إن الرجال يُشجَّعون منذ الصغرعلى القيادة والمبادرة، بينما تُربَّى النساء على مفاهيم مختلفة تُشكِّل شخصية حذرة تحدّ من إبداعاتها.
ورغم ذلك، برزت نساء متفوّقات، وطالما أثبتت التجارب أنه كلّما أُتيحت فرص التمكين للنساء ارتفعت نسبة المتفوّقات أكاديميًا ومهنيًا.
ثم إن الأنظمة المهنية والسياسية صُمِّمت في أزمنة كان الرجل فيها هو المشارك الوحيد، لذلك فالمعايير ووسائل القياس نفسها ليست عادلة.
حتى الأمومة التي يتحجّج البعض بأنها عائق يحدّ من طموح المرأة، هي على العكس تمامًا، تُعلّم النساء مهارات إضافية مثل الذكاء العاطفي، وإدارة الموارد البشرية، ومزيدا من القيم الأخلاقية التي تستطيع المرأة فرضها في مكان العمل.
ولا ننسى أيضًا كم طمس التاريخ أسماء نساء كثيرات. فكم من امرأة شاركت في اكتشافٍ علمي أو قادت ثورةً فكرية ولم يُذكر اسمها؟
كمثال، كلنا نعرف كاثرين جونسون، عالمة الرياضيات في وكالة ناسا، التي كانت حساباتها سببًا في نجاح رحلة «أبولو» إلى الفضاء، لكن اسمها لم يُذكر إلا بعد عقودٍ طويلة. وهناك الكثيرات غيرها ممّن لا يسع حجم المقال لذكرهنّ.
النساء لا يحتجن إلى معجزاتٍ ليتفوّقن، بل إلى فرصٍ عادلة، فإذا كنّ قد أنجزن ما أنجزنه رغم التحديات والتمييز، فكيف سيكون العالم لو حصلن على نفس الدعم والثقة والإمكانات؟
عندها لن يُقال إن نجاح النساء استثناء، بل سيُقال إن الإنصاف بدأ يؤتي ثماره.